نظرة على الاوسكار السابع والسبعين يوخنا دانيال |
لم يتمكّن فلم بعينه من الاستحواذ او الهيمنة على جوائز حفل الأوسكار السابع والسبعين، كما حصل في العام الماضي مع الجزء الثالث من فلم "سيد الخواتم : عودة الملك"، الذي فاز باحدى عشر جائزة، اي جميع الجوائز التي ترشّح لها في حينه. هذا العام عجز فلم "الطيار" – او السيرة الذاتية لهوارد هيوز – للمخرج الكبير "مارتن سيكورسيزي" حتى عن نيل نصف عدد الجوائز التي ترشّح لها، كما لم يحصل على اي من الجوائز المهمة الكبرى، إذ اقتصرت جوائزه على حقول التصوير، المونتاج، الأزياء، الاخراج الفني والمواقع، وجائزة أفضل ممثلة في دور ثانوي لـ "كيت بلانشيت". وحتى الجائزة الأخيرة كان من الممكن أن تذهب بسهولة الى الممثلة الشابة "ناتالي بورتمان"، التي قدّمت أداءاً مذهلاً، مليئاً بالحساسية والصدق في فلم "أقرب"، الذي يبحث موضوع العلاقات الجنسية والخيانة الزوجية بطريقة جريئة. وعلى العكس من فلم "الطيار"، استطاع فلم "حبيبة بمليون دولار" أن يحقّق معظم وعوده، ويفوز بأهم الجوائز على الاطلاق : أفضل فلم، أفضل إخراج، أفضل ممثلة في دور رئيسي، وأفضل ممثل في دور ثانوي. والحقيقة، ان العديد من النقّاد كانوا قد أعلنوا ان فلم "الطيار" : قد يكون هو الموضة الرائجة hype بفضل بطله ومخرجه والشخصية المحيّرة والمثيرة للجدل الي يتمركز حولها الفلم، لكنه فلم سطحي ويعتمد على المظاهر بالدرجة الأولى. الفلم يحاول ان ينظر الى هوليوود في "عصرها الذهبي"، عندما كانت جميلة وساحرة ومؤثرة. وللحق، فان سيكورسيزي - والعاملين معه من فنانين وفنيين – نجحوا في خلق هذا "الوهم" الساحر المصوّر على الشاشة، لكنهم لم يستطيعوا ان يعطوه عمقاً وحياةً حقيقية او حتى اتصالاً مع العصر ... ظل الفلم حبيس نظرة "نرجسية" الى هوليوود "المُمجّدة" في السابق. على العكس من ذلك، يقول النقّاد عن فلم "حبيبة بمليون دولار" : انه تحفة فنية، مليئة بالصدق والعمق اضافة الى البساطة والنقاء والوضوح، وقد اعتمد كليا على الأداء المتفوّق لأبطاله في ايصال رسالته العاطفية الانسانية. ومن ناحية أخرى حقّق الممثلون السود نصرا كبيرا بنيل كلاًّ من "جيمي فوكس" و "مورغان فريمان" جائزتي أفضل ممثل في دور رئيسي وأفضل ممثل في دور ثانوي، باستحقاق وجدارة عالية – هذه المرة - عن دوريهما في فلمي "راي" و"حبيبة بمليون دولار" .... لتمسح "الشبهات" التي أحاطت بفوز "دنزيل واشنطن" و"هالي بيري" بجائزتي أفضل ممثل وأفضل ممثلة في أدوار رئيسية في حفل اوسكار عام 2002 ، في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. الأفلام الأخرى المرشحة للجوائز مثل "طرق جانبية"، "العثور على نيفرلاند"، "راي" لم تستطع الحصول إلاّ على جائزة واحدة او اثنتان، في حين لم يحصل الفلم الانساني الرائع "فندق رواندا"، وكذلك الدراما البريطانية الجادة "فيرا دريك"، على أية جائزة. وقد علّق أحد النقّاد البريطانيين، بأن فلم "فيرا دريك" بالرغم من اعتراف الجميع بتفوّق مخرجه "مايك لي" وبطلته الفنانة "إيميلدا ستونتون" ... إلاّ انه ليس "كبيراً" بما فيه الكفاية ليتنافس مع افلام مثل "الطيار" او "حبيبة بمليون دولار". أما على صعيد الأفلام الناطقة بلغة "أجنبية"، فقد حققّ الفلم الاسباني "البحر من الداخل" للمخرج المعروف "اليخاندرو امينابار" الفوز بالأوسكار كما كان متوقعاً، وخصوصاً بفضل التمثيل الرائع لبطله النجم "خافيير بارديم". وبينما اهدى رئيس أكاديمية علوم وفنون السينما الاحتفال الى الرجال والنساء في الخدمة العسكرية، داخل امريكا وخارجها، وتمنى لهم قرب العودة الى الوطن – نحن أيضا نتمنى لهم قرب العودة الى وطنهم -، فقد حيّا النجم الكبير "آل باتشينو" المخرج الكبير "سيدني لوميت"، وهو يقد م له الأوسكار التقديرية عن مجمل عمله السينمائي، بالقول :" انه مثل العمالقة الكبار في الفن السينمائي من امثال "جون فورد" و"هيتشكوك"، رجل متفاني في عمله الى حد الهوس، مثل "درويش دوّار" غارقاً في رقصه او عبادته ....". الحفل ابتدأ الحفل بفلم قصير – كالعادة – يعرض لمشاهد جميلة ومؤثرة من افلام لا تنسى، أفلام صامتة وناطقة، كوميدية ودرامية ورومانسية، افلام حركة ورعب ورسوم متحركة واخرى مصنوعة بالكمبيوتر غرافيكس، لينتهي بمشهد رمزي في دلالاته: الغول الأخضر من فلم "شريك" يغمز للمشاهدين، وهو يلعب بكرة صغيرة مع اسطورة السينما الصامتة – وكل الأوقات - "شارلي شابلن" ... في دلالة واضحة على تطوّر مسيرة الفن السابع خلال قرن من الزمان، وترابط هذا الفن واتصاله ببعضه منذ نشوئه الى حد الآن، لتقديم المتعة الى الجماهير العريضة. لكن الفلم كمدخل، كان ضعيفا بالمقارنة مع فلم بدء احتفال العام الماضي، الذي كان كوميديا وخفيفا، وجامعاً لأبرز الأفلام المتنافسة آنذاك. وهذا يقودنا الى شخصية مقدّم الحفل هذا العام، ونقصد النجم الأسود الشاب "كريس روك"، بالمقارنة مع النجم الكوميدي المعروف "بيلي كريستال" الذي كان حضوره بوجه عام أكثر متعة وسلاسة في العام الماضي. كريس روك كان هجوميا هذا العام، جارحاً في بعض الأحيان، على طريقة البرنامج الكوميدي الشهير الذي أتى منه، ونقصد البرنامج التلفزيوني " Saturday Night Live". ألحّ روك في سخريته من النجم البريطاني الشاب "جود لو" لظهوره المتكرّر في العديد من الأفلام في السنوات الأخيرة، وفي أدوار مختلفة. كما نصح روك صنّاع السينما بالتريّث في صنع الأفلام ما لم يشارك فيها نجم كبير : " إن لم تحصل على توم كروز ... لا تلجأ الى جود لو. إن لن تحصل على دنزيل واشنطن ... لا تلجأ الى كريس روك. فلم "الأسكندر" ... ليس مثل فلم "المصارع". إن لم تحصل على "رسل كرو" ... لا تصنع فلما تاريخيا او ملحميا". ولم يفت روك أن يكيل المديح للفلمين الغائبين "الحاضرين"، الذين اثارا أكبر ضجة في العام الماضي وحقّقا الأرباح الخيالية، ونقصد فلمي "آلام المسيح" و"فهرنهايت 9/11". كما انتقد سياسات الرئيس بوش بطريقة ذكية بقوله: "هذا الرجل صنع الخوارق، إذ لم يكتفي بتدمير الاقتصاد فحسب ... بل ذهب لمحاربة إحدى جمهوريات الموز (العراق) للأسباب التي تعرفونها ....". والحقيقة، ان سخرية كريستال من الرئيس بوش في العام الماضي، انصبت على هاتين القضيتين بالذات ايضا ... لكنها كانت ألذ والطف وأكثر اتصالاً بالحدث. وقد أدّت المغنية الشهيرة "بيونسي نويلس" ثلاثة من الأغاني المرشحة للأوسكار من أفلام "القطار القطبي السريع"، " مغنّو الكورال"، و" شبح الأوبيرا" بطريقة لذيذة وجميلة ومحترمة أيضا، بعيدا عن اسلوبها المعروف في "هز الأرداف" بسرعة الضوء. كما اشترك اسطورة الغيتار العالمي "كارلوس سانتانا" مع النجم الاسباني "أنطونيو بانديراس" في "أداء تاريخي" لأغنية "الجانب الآخر من النهر" من الفلم الرائع "مذكرات دراجة بخارية" عن سيرة الثائر العالمي "ارنستو غيفارا" ... هذه الأغنية نالت جائزة الأوسكار في سابقة أولى لأغنية اسبانية – وربما لأغنية غير انكليزية بصورة عامة. وقد شهد الحفل بعض التجديدات "الشكلية"، مثل صعود جميع المرشحين في أحد الحقول الى المسرح قبل إعلان النتائج، او توزيع الجوائز – أحياناً – في وسط القاعة بين الحضور وغيرها من المسائل الثانوية. ومع هذا، فان الحفل كان "بارداً" او "جامداً" بعض الشيء، ولم تنفعه كل هذه "التكتيكات". لحظات المرح الوحيدة التي عشناها، كانت مع صعود النجم الكبير "روبن وليامس" الى المسرح ليقدّم جائزة أفلام التحريك الطويلة. إذ القى العديد من النكات حول الشاذّين جنسياً، وتسلّلهم حتى الى افلام الكرتون وأفلام الأطفال. ثمّ قلّد ببراعة فائقة بعضاً من اهم شخصيات هوليوود: مثل "مارلون براندو"، "روبرت دي نيرو"، "مارتن سيكورسيزي"، و"جاك نيكولسون" .... وربما لو قدّم وليامس الحفل، لكان افضل بكثير من "كريس روك". لكن، يبدو أنه لا بدّ من إعطاء المجال للأجيال الجديدة، ومن غير البيض على الخصوص، لجذب جماهير جديدة لحفلات الاوسكار التي بدأت تسقط في التكرار، او تفقد بعض بريقها بين الأجيال الشابة في أمريكا وخارجها أيضا. الصباح الجديد العراقية في 7 مارس 2005 |
|