الدورة 55 لمهرجان برلين السينمائي الدولي: كارمن الافريقية تختطف الذهبي والفلسطيني الجنة الآن يخسر الجوائز الكبري ويربح المديح والشمس الروسي ثورة بصرية زياد الخزاعي |
الجوائز الثلاث التي كرمت شريط المخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد الجنة الآن خلال حفل ختام الدورة 55 لمهرجان برلين السينمائي الدولي الذي جري في قصر السينما ليلة السبت الماضي، لم يف حقه كانجاز ابداعي مميز يشاكس قضية سياسية عصية، مدمرة وذات اشكالية اجتماعية واخلاقية، ما زالت اضرارها علي طرفي النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي في تصاعد وتجاذب. وعلي رغم الابتسامة العريضة التي علت محيا ابو اسعد حينما تسلم جائزة الملاك الازرق لافضل فيلم اوروبي (علي اساس أن اموال انتاجه التي امنتها هي شركات هولندية والمانية وفرنسية) اضافة الي جائزة منظمة العفو الدولية وجائزة قراء برليينر مورغنبوست التي تضم 25 عضوا، فان الاحساس بالأسي كان متوافرا في نفوس الكثيرين من النقاد والصحافيين الذين كالوا المديح علي الشريط، واعتبروه حصان الفوز بين اشرطة المسابقة الرسمية. الاجماع النقدي ليس بالضرورة حكما تسعي اليه لجنة التحكيم او حتي ان تتأثر به، او تأخذ بحسبانه، لكن المزاج العام جعل الجنة الآن احد اربعة افلام راهن النقاد علي تنافس جودتها الابداعية، فاضافة الي شريط ابو اسعد، كان جديد الروسي اندريه ساكاروف الشمس و الطاووس للصيني جو تشانغوي الذي حصد الدب الفضي ـ جائزة لجنة التحكيم و صوفي شول ـ الايام الاخيرة للالماني مارك روثموند الذي حصد جائزة افضل مخرج وافضل ممثلة لجوليا جينتش، واخيرا العمل المميز للفرنسي جاك اوديار الخفقة التي فاتت قلبي الذي لم يكافأ سوي بجائزة الموسيقي!!. وكانت المحاورات السريعة بين من حضروا العرض الخاص تعكس الدهشة العامة التي اصابت الغالبية نظرا للتوازن الذكي الذي صاغ به ابو اسعد حكاية بطليه سعيد (اداء باهر من قيس ناشف) وخالد (تمثيل متقن من علي سليمان) وقرارهما الالتحاق بكتائب الاستشهاديين قبل ان تقع المصادفة الغريبة، لكن شديدة الواقعية التي تقود احدهما للتخلي عن العملية، فيما يصر الآخر علي المضي بها، فخياره الشخصي لن يرتبط بالموقف او القناعة وحسب، بل اولا واخيرا بالواجب والقدر. يفتتح الجنة الآن ابوابه علي لقطات يومية بفلسطيني نابلس حيث تم تصوير الفيلم بعد التخلي عن غزة في آخر لحظة، نظرا للتصعيد الأمني الذي تواتر مع تواجد فريق العمل، كما تم التخلي عن التصوير واستكماله في الضفة الغربية بعد الهجمات الصاروخية الاسرائيلية التي كادت ان تخطف ارواح تقنيين المان، قرروا الاستقالة من العمل والعودة الي بلادهم. نابلس التي تحرسها جبالها وكرومها وزيتونها، تحتضن ابنين، هما شابان وسيمان، لكنهما كغالبية اترابهما، يعيشان حياة ضنك وجور حصار اسرائيلي ومهانة عمل يومي لا يسد الرمق. غير انهما، وبرضي غريب، يسايران احوالهما علي أمل بعيد، غامض وسري قد ينقل حياتهما نحو الأفضل. سعيد وخالد تؤما روحين، ربيا معا وشقيا معا، وسعيهما اليومي يجب ان يسير معا. الاول ذو محيا طفولي، يحمل مسحة من الحزن والقلق، لا تنفع العلاقة الحسية التي تتصاعد بينه وسهي ابنة احد المناضلين القدامي (الممثلة المغربية لبني غربال) من دون ان تصل حتي الي أدني حدود الاستجابة الجسدية، من اسعافه في تعزيز روحه الضائعة، انه انموذج للشاب الفلسطيني الذي يعيش علي درجة قصوي من كتم غيظه وفقدان امله. فيما ترتسم شخصية الثاني بابعاد حركية اكثر، فهو كائن حيوي، صدامي، قيادي النزعة، يأخذ قرارته من دون تردد، ويبدو أن من الصعب ارهابه او تهديده. له سعي واضح بتجديد مسار حياته (نفهم هذا من المشهد الافتتاحي حين يخاصم احد الزبائن اللجوجين ويحطم مقدمة سيارته، ويستقيل من عمله كسمكري!). هذان الضدان يجمعهما هدف واحد: حياة تسير بأقل قدر من الخسارات رغم الفاجعة الحياتية التي يمران بها بسبب الاحتلال والحصار. وحينما نراهما جالسين عند أحد السفوح المحيطة بنابلس، سنهجس انهما ليسا سوي ملاكين يجوسان فضائها، قبل ان تقع الطامة الحقيقية، والتي سيعكس صاحب زواج رنا ذلك الهيمان الرمزي، بمطاردات في شوارع المدينة، حين تفشل عمليتهما المشتركة. فذات ليلة يعلمان ان التنظيم اختارهما للقيام بعملية استشهادية مزودجة في قلب تل ابيب انتقاما من اغتيال احد قادتها. يحلقان ويستمعان ويسجلان وصيتيهما امام كاميرا الفيديو التي يحمل ابو اسعد مشاهدها الكثيرة من التهكم علي اساس انها اشبه بتمثيلية يرغم الاستشهادي علي انجازها كهدف اعلامي لعمليته، لكنها في الواقع وسيلة من التنظيم لتوكيد تواجده العسكري وثقله في ميزان الرعب. وبعد لقائهما مع القائد ـ الرمز الذي سيخطف دهشة الشاب سعيد، يزنران بالاحزمة الناسفة، ويتركان في مبني حتي يحين موعد مقابلة الوسيط الاسرائيلي (!) الذي سيعينهما علي دخول المدينة الاسرائيلية الكبيرة وتسهيل مهمة استشهادهما، لكن الامور تذهب نحو قدر آخر، فبعد عبورهما حدود الاسلاك الشائكة تفاجئهم دورية عسكرية اسرائيل، يهربان بسرعة، يفلح خالد بالعبور فيما يتوه الآخر بين الاحراش، قبل ان يجد طريقه ثانية. وبين الوقتين تلغي العملية ويفك الحزام عن الاول الذي سيسعي بجهده لانقاذ رفيق عمره الذي يفشل في العثور علي قادته كي يعتقوه من حزامه. وتدفعه الوقائع الي لقاء سهي التي تدخل معه بجدل حول مفهوم النضال ومحاربة المحتل، غافلة عن الحزام القاتل تحت جاكتته السوداء (كما يلبس المستوطنون اليهود). سهي الداعية الي النضال السلمي للحصول علي الحقوق، ستدفع بقناعاتها سعيد نحو التطرف الاقصي في عزمه الي الذهاب الي حتفه ان كان مع خالد او من دونه. يعيد المخرج ابو اسعد الحكاية ثانية، انهما في سيارة الوسيط الاسرائيلي مزنران، مستعدان للشهادة، صموتان لرهبة الموت المقبل. هنا سيلعب سعيد دوره الحقيقي، فبدلا من ذلك التردد الذي اصطبغت عليه شخصيته، سنراه هنا المحنك الذي سيورط صديقه بلعبة مخاتلة مركبة يقفل عليه الباب ويدعو الوسيط الي اعادته ثانية الي نابلس فهو ليس الجدير، بعد قراره الأول بنزع الحزام، من الاستمرار بدون الشهادة. عندها نشاهد خالد يبكي، فيما تركز كاميرا ابو اسعد علي عيني سعيد الجافتين والحادتين وهو محاط بعساكر اسرائيليين في حافلة ركاب. وتقطع الصورة الي بياض مفاجئ، حاد ومثير، اشارة الي الموت الذي حمله معه من دون ان نسمع صوت الانفجار بل موسيقي شفيفة هي بكاء من نوع آخر علي حياة ضاعت هباء. الجنة الآن لا يضع ثقله علي ما توقعه الكثيرون، اي دراسة الاسباب العائلية والاجتماعية (من فقر وعوز وهاجس وانتقام.. الخ) التي ستدفع بالشابين الي الشهادة، بل وضعه علي قيمة القرار الشخصي الذي سيقوده وعي البطلين ويتخذانه بسرعة حاسمة. ان الطرف الحزبي او القيادي الذي يوصلهما الي الخيار، هو في الواقع مطلع خارجي يمتحن ولائهما للموت وللفريق الذي انتميا اليه، ما فلح فيه ابو اسعد هنا انه احال ثنائية التردد والقناعة في ما بين البطلين، فلا أم سعيد (الممثلة هيام عباس في دور شبه صامت) ستعرف ان فلذة كبدها قرر ان ينثر جسده في شوارع تل ابيب، ولا والدة خالد التي ستحتفي بمخبر القيادة الذي ينقل لهما القرار تعي ان ضيفها سيزنر ابنها بحزام موته. انها قضيتهما وحسب لا علاقة له بالأهل او الجار او الصديق او الحبيب. تري كيف يصوغ القدر نهايتيهما؟ هنا كمنت اللعبة الدرامية الذكية التي صاغها ابو اسعد (وهو تطور كبير في نصه هذا مقارنة بالعجالة التي اصطبغ عليها فيلمه السابق زواج رنا ) فسعيد المتردد سيحصل علي قناعته قبل نهاية مطافه، اما خالد فتأتي اليه حالة التردد كنقيض لقوة شخصيته الانقلابية التي ستجد في صدي كلمات سهي واقع حال يجب تعزيزه والأخذ به كسياسة نضال، تبعد شبح التصفيات علي الفلسطيني. جنة ابو اسعد جنتان اثنتان، الاولي للمآل الذي لن نعرفه حول خالد العائد الي نابلس ـ تري كيف سيعيش حياته من دون رفيق عمره؟ وكيف سيبرر قراره، هل هو جبان، متخاذل، ام خائن لذلك الرفيق؟ اما الثانية فستكون علي يقين ان سعيد الذي بدا في آخر لقطة له كما اسمه، سعيدا بلحظة سحبه للسلك المفجر. فجنته مضمونة حسبما افهموه وسجله في وصيته الفيديوية واعلانات شهادته التي سنراها بيد معصم الشاب وهو يسألهما ان يختارا واحدا من ثلاثة كي يوزع علي جدران نابلس. هناك جنة ثالثة قد تضيع علي ابو اسعد نفسه، فجديده الذي اشترته شركات توزيع عالمية كثيرة (ما عدا الامريكيين الذين ما زالوا مترددين حياله) لن يستكفي قوته كخطاب سياسي سينمائي ما لم يصل الي مشاهده الاسرائيلي، فهو الوحيد المعني بقبول فكرة تغيير قناعته (حسب ابو اسعد) علي الفلسطيني الذي يعامل كشبح علي الشاشة، فيما يقتل ويصفي باعتباره خطرا يجب ابادته بسبب مسعاه نحو الاذي. هذا الهاجس (عرض الشريط داخل اسرائيل) دفع بابي اسعد الي اعلان عزمه مع شريكه المنتج الاسرائيلي امري هاريل للسعي الي عرض الفيلم في صالات اسرائيل، مما دفع بمسؤول صندوق الدعم السينمائي الاسرائيلي كاتريل شوري الي الاعلان خلال المؤتمر الصحافي بعيد عرض شريط الجنة الآن وهو بين جمهور الصحافيين انه مستعد لتأمين نسخ ودعوم للاعلان ان نجحوا في الحصول علي موزع اسرائيلي. وهذا انقلاب كبير في الفهم الاسرائيلي الذي لم يتبن سوي قلة من المخرجين الفلسطينيين (من فلسطيني 48) امثال ايليا سليمان وتوفيق ابو وائل وعلي نصار وغيرهم ويدل علي خطورة الجنة الآن بالنسبة للاسرائيلي في عرض وجهة نظر اخري بشأن الاستشهادي والاسباب التي تدفعه الي فعله القاتل. الانكي ان الاسرائيلي قد يقدم علي صرف النظر بشأن عمل ابو اسعد، وله فيها تبريرات كثيرة. لكن ماذا عن رد الفعل العربي حول هذا الشريط؟ لدي شكوك عديدة في ان الفهم العام له سيكون ايجابيا او علي الأقل منصفا، فمن دون الغاء نزعة الاتهام السريعة، لن يصل الكثيرون الي المغازي السياسية التي بثها ابو اسعد في جنته، فهو علي رغم حواراته شديدة البساطة (ولدي انها كانت نقطة ضعف بالغة) ومشهدياته المتقنة الصنع (صور بخبرة الهولندي انتوان هيبرن) فان ما سيتورط به المشاهد العربي المتعجل هو لماذا خان خالد سعيدا، ولماذا تندر خالد اثناء قراءته وصيته. وهذان عنصران من ضمن اخريات ستجد سبيلها بسهولة لدي رافضي ابو اسعد. جائزة الدب الذهبي التي خانت ابو اسعد، ذهبت كمفاجأة الي الشريط جنوب افريقي يو ـ كارمن من كهالايشا (U - carmen ekhayelitsha) وهو علي رغم روحيته الموسيقية المرحة، وغرابة اختياره لموقع اقتباس اوبرا جورج بيزيه الشهيرة، فان اشتغال المخرج البريطاني مارك دورنفورد ـ ماي (ولد عام 1955، وعمل في المسرح كثيراً قبل ان يخرج باكورته هذه) كان شديد الاصطناع، اذ بدا ان اخلاصه لتجربته المسرحية جعله اسيرا الي الكثير من عناصر الاوبرا الاصلية. فالشخصيات هي هي خلافها الوحيد ان كارمن الشقية والمشاكسة، امرأة بدينة علي الطريقة الافريقية وهو ما يخلب لب الشباب من عساكر المدينة، وممن يتولهون فيها وفريقها العامل في معمل لف السجائر، وهن شابات علي قدر من السمنة، لا تتماشي مع الرقة التي كتبها بيزيه في المقاطع الاولي لعمله، قبل ان تقع فاجعة الغيرة التي ستخطف قلب العسكري الولهان بكارمن الصدودة لاشارات حبه. هناك مقاطع راقصة آخاذة، فقط حين يوصل المخرج دورنفورد ـ ماي الي مزجها بحرية وطلق رائعين بالجو الافريقي التقديري (صور الشريط في احدي المستعمرات السوداء قرب كيب تاون والتي بناها النظام العنصري لتجميع اكبر قدر من مواطني الاغلبية السوداء في غيتوات استراتيجية) فمثلا حين تغني كارمن مقطعها الشهير حول الحب ورجل احلامها، والذي يجري في النص الاصلي داخل ديوان المعمل، نقله المخرج البريطاني وبذكاء الي حانة شعبية ستجمعها مع الحبيب العائد من مأتمه بوفاة والدته. ونري هنا عناصر الموروث الشعبي الجنوب افريقي متوافراً بالوانه ورقصاته وتعابيره وتقابلاته الدرامية. هل يستحق هذا العمل الجائزة الكبري؟ الي حد ما، لكنه لا يمثل خلاصة ابداعية ثقيلة الوزن تجعله واحدا من خيارات الفوز التي ذكرناها. فالروسي سوكوروف اختتم ثلاثيته حول قادة القرن العشرين (الاول عن هتلر في مولوخ ، وثانية عن لينين الثور والاخيرة عن امبراطور اليابان هيروهيتو). في الشمس متابع متأنية شديدة التأنق، وصاعقة بحداثتها الصورية. انها مجموعة مشهديات مرسومة بحرفية عالية (صورها سوكوروف بنفسه) حول الايام الاخيرة قبل استسلام اليابان في حرب 1945، والعزلة المفروضة علي الامبراطور لحمايته من القصف الامريكي. يقف كايسر هيروهيتو (اداء باهر من الممثل المسرحي الياباني الشهير ايسي اوغاتا) امام ذاته متسائلا حول مغزي حياته، عن الحرب التي لم يستطع منع قيامها، عن القادة الخونة الذين لم يقرأوا رسائله ـ الأوامر، عن شغفه بعلم الاحياء واللغات، والفلك عن صرامة حياته وايقاعها الشديد الهدوء والبطء، عن زوجته واولاده البعيدين عنه، عن قراءاته الدينية وكتاباته الشعرية وقصائده، عن عاهته اثناء الكلام، عن زهوره وتربيته النباتية. هذا الكيان الانساني الذي تلبس الالوهية المتوارثة والتي تختزل بربوبية الشمس حسب الطقس الياباني في (اماتراسوا ، سيكون عليه لاحقا اعلان تنازله النهائي عن صفة الرب، وليتحول الي انسان ومواطن عادي هو رمز للدولة وللوحدة بين البشر كما قال في خطابه الاذاعي الشهير والذي ارغمه عليه الامريكيون. المخرج سوكوروف سيضع بصيرته علي المقطع الثاني من عمله الآخاذ وبالذات علي اللقاء الذي سيجمع الامبراطور الشاب مع القائد الاميركي دوغلاس مكارثر الذي فلح في اقناع رئيسه عدم تسمية الامبراطور بمجرم حرب. وكتب لاحقا ان خلاصة حديثهما اوصلته الي قناعة ان هيروهيتو كان مستعدا لاعلان مسؤوليته الكاملة باخطاء حكومته وجيشه رغم معرفته ان هذا الاعتراف سيقوده اما الي السجن او الاعدام. واضاف مكارثر انه التقي برجل ياباني نبيل، بل باول نبيل ياباني في حياتي . من الصعب بمكان تفعيل هذاالفيلم الحواري الطويل، انه اغراء علي المشاهدة والتغني بمعاني الصورة المحترفة التي يصنعها مخرج كبير وموهوب. سوكوروف معلم سينمائي اكدها في عمله السابق الفلك الروسي الذي صور بلقطة واحدة داخل الارميتاج، ممتحناً به تاريخ سان بطرسبرغ. في الشمس (علي خلاف مولوخ ذي اللون الكحلي القاتم، و الثور الذي البسه رداء اخضر نظرا لعزلة لينين في منتجعه قبل وفاته) اختار سوكوروف لونا غريبا هو خليط بين الرمادي والقهوي الثقيل. انه لون الصور القديمة التي تضعف قواها الكيماوية، فتتحول اناسها الي اشباح ناعسة. هكذا بدا هيروهيتو وهو يتصفح صور معجبيه من الفنانين العالميين (تشارلي تشابلن، غريتا غاربو) او من السياسيين هتلر الذي سيعترف انه لم يقابله ابدا، لكنه لا يفهم لماذا لم يرد علي رسائله!، انه كائن تاريخي اوصلته اقداره ان يكون رجل قرار لم يتمكن من فرض سيطرته علي كلاب الحروب . في باكورة مدير التصوير الصيني غو تشانغوي الطاووس حنكة درامية عالية الجودة في سرد حكاية طويلة متشعبة لثلاثة من افراد اسرة عمالية فقيرة تعيش في احدي القري. ويختزل الشريط حيواتهم منذ عام 1977 وحتي عام 1984. الشابة ويهونغ (تمثيل ممتاز من النجمة الشهيرة زهانغ غنغشو) تعمل في دار ايتام القرية، لكن طموحها لن يتحقق الا في الانضمام الي فرقة مظلي الجيش الأحمر، هذا الحلم سيقودها الي قطيعة مع والديها اللذين يصران علي تواجدهما معها وشقيقيها. الأم تسعي الي عقد قرانها سريعا. فالزوج هو الوحيد الذي سيعيلها وينقذها من العوز. تقرر تقديم الطلب الرسمي، وتتعرف علي احد الجنود النافذين وتقع في حب من طرف واحد، سرعان ما يتهافت لان شابتين اسرعتا في اصطياد ابن بكين فواسطته ستفلح في انضمام احداهن الي الفرقة الشهيرة. هنا تفترض الشابة ان مستقبلها لم يفشل، بل عليها ان تثبت للحبيب المغفل الذي ستلتقي به لاحقا مع زوجته وابنه وتعترف له انه لطالما وقع في حبها من دون ان يفصح عنه انها وفية لشغفها العسكري. تخيط برشوتا ازرق وتربطه بدراجتها الهوائية، وتقودها في شوارع القرية تحت دهشة الجميع. لقد اختبلت الصبية قال الأب المجلل بعاره، ويقرر استخدام الطب الذي يزيد من عنادها الذي لن يُفك كقدر الا بطلبها الزواج من مسؤول صغير، تهرب عبره من حياتها الرتيبة. الشقيق الأكبر يعاني من سمنة مفرطة، لا تقف امامه موائد وصحون وطناجر، انه ماكنة تحرث كل ما تقع عليه. ماضغ دائم، تلوك اسنانه شيئاً ما علي الدوام. وعلي رغم ثقل استجابته التي تضفي عليه مسحة من الهبل والتخلف، الا انه سيكشف عن ذكاء دفين يقوده الي رد النصابين من زملائه وسعيهم الي سرقته، ايضا سينجح، لحسن حظه، بالزواج من ريفية تشكل معه فريقا يدير مطعما سيارا يدر عليهما المال والثروة. الأخ الأصغر الثالث هو الاكثر الشخصيات درامية وتعقيدا، فابن المدرسة اليافع سيتخلي بسبب جبنه عن شقيقه البدين حينما يتعرض الي احدي الطالبات من دون قصد اثناء وقوفه عند باب دورةالمياه الخاصة بالبنات!!، وبعد العقوبة العائلية والعار الذي اصابه يقرر الهجرة الي المدينة الكبيرة، وسيمضي وقت طويل قبل عودته مع زوجة وطفل واصبح مقطوع (تورية عن دخوله وتورطه في عالم الجريمة). في العام 1984 ستقف هذه الشخصيات مع اولادها امام طاووس، في انتظاران يفرش ذيله، كي يتمتع الصغار بهذا الفعل الطبيعي الأخاذ. يخذلهم الطاووس فيمرون من امامه بالم، فالصدفة لن تفلح للجميع وفي كل الاوقات. فهناك أوقات للخسارة وهي كثيرة، بينما علينا الانتظار طويلا لاوقات الفوز والنجاح وتحقيق الأماني. فقط نحن كمتفرجين سيثبت المخرج ـ المصور (الذي اشتهر باشرطة هامة مثل ودائما خليلتي و شياطين عند عتبة الباب و في قيظ الشمس وغيرها) كاميرته لنا لنشاهد طاووسه وهو يزهو بذيله والوانه ورسماته الغريبة. الحياة معجزة ان آمن بها الفرد المكلوم.
القدس العربي في 22 فبراير 2005 |
في ختام مهرجان برلين السينمائي الدولي »كارمن« الجنوب أفريقي و»الجنة الآن« الفلسطيني يحوزان الإعجاب فاز فيلم من جنوب افريقيا مأخوذ عن اوبرا كارمن وناطق بلغة الخوسا بالجائزة الكبرى في مهرجان برلين السينمائي الدولي. وفيلم (يو - كارمن ايخايليتشا) الجنوب افريقي الذي لم يكن مرشحا للفوز بجوائز هو اول فيلم روائي بلغة الخوسا واول فيلم افريقي يفوز بجائزة الدب الذهبي وهي الجائزة الكبرى لمهرجان برلين. ويؤكد فوز هذا الفيلم النهضة التي تعيشها الافلام الافريقية والموضوعات الافريقية في السينما. وعرض في مهرجان برلين هذا العام ايضا فيلما (فندق رواندا) و(احيانا في ابريل) اللذان يتناولان فظائع الابادة الجماعية في رواندا عام ٤٩٩١. وقال ديتر كوسليك مدير مهرجان برلين السينمائي »أردنا ان نضع افريقيا على الخريطة وبالتأكيد فعلناها... في ثماني ساعات سوف يصل الدب الذهبي الى جنوب افريقيا... سوف ننتظر المزيد من الافلام الافريقية (لعرضها في المهرجان)«. وفي الجوائز الاخرى اختيرت جوليا ينتش افضل ممثلة عن دورها في فيلم (صوفي شول.. الايام الاخيرة) وهي شخصية واقعية لامرأة من المقاومة الالمانية أعدمها النازيون ابان الحرب العالمية الثانية. وحصل (صوفي شول.. الايام الاخيرة) على جائزة اخرى وهي الدب الفضي لاحسن مخرج والتي ذهبت للمخرج مارك روتيموند. وحصل الممثل لو تايلور بوتشي على جائزة الدب الفضي لاحسن ممثل عند دوره في فيلم (مص الاصبع). وفي الفيلم يلعب بوتشي دور صبي عمره ٧١ عاما يحاول التوقف عن عادة مص اصبعه مما يكشف احساسه بمخاوف اكبر. ويشارك في الفيلم النجم كيانو ريفز. وحصل (الطاووس) وهو فيلم عن الحياة في ريف الصين في اواخر السبعينات واوائل الثمانيات على جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ويأتي فوز فيلم (يو - كارمن ايخايليتشا) الجنوب افريقي في اعقاب ترشيح فيلم (امس) وهو فيلم جنوب افريقي ناطق بلغة الزولو لجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي. ويدور (امس) حول امرأة مصابة بفيروس (اتش.اي.في.) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز). والنجاح الذي حققه (صوفي شول.. الايام الاخيرة) يعني الاعتراف بموضوع جديد في مهرجان برلين في دورته الخامسة والخمسين. وكان الفيلم واحدا من ستة على الاقل من الافلام التي تتناول النازيين ابان الحرب العالمية الثانية. وسوف يفاجأ النقاد بفوز (يو - كارمن ايخايليتشا) بالدب الذهبي. فقد استقبل هذا الفيلم بفتور في عرضه الاول وكان (صوفي شول.. الايام الاخيرة) اكبر المرشحين للدب الذهبي ومعه (الجنة الان) الذي يصور شابين فلسطينيين اثناء الاستعداد لتفجير انتحاري في تل ابيب. وضمت قائمة المرشحين ايضا (احيانا في ابريل) و(الشمس) الذي يدور حول استسلام الامبراطور الياباني الراحل هيروهيتو لقوات الحلفاء عام ٥٤٩١ و(ميتران الاخير) وهو عن الاشهر الاخيرة في حياة الرئيس الفرنسي الراحل. كما حصل فيلم الجنة الأن للمخرج الفلسطيني هانى أبوأسعد على ثلاث جوائز أهمها جائزة الجمهور في ختام الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي. كما حصل الفيلم على جائزة الملاك الازرق وجائزة منظمة العفو الدولية وهو يعد محاولة فنية هي الأولى من نوعها اتخذت من العمليات الفدائية موضوعا لها. ويتناول فيلم الجنة الأن وهو انتاج هولندى والماني وفرنسي مشترك اختيار منظمة (لم تذكر بالاسم) بطلى الفيلم لتنفيذ عملية يسميها أحد طرفي الصراع استشهادية في حين يسميها الطرف الآخر انتحارية. وفيلم الجنة الان لا يهدف على الاطلاق لان يكون رواية تصور الأزمة التي تدور رحاها هناك كما ذكر مخرجه هاني أبو أسعد المقيم في أمستردام أنه سعيد بحصول الفيلم على ثلاث جوائز في مهرجان برلين الدولي. وأشار الى ان فكرة الفيلم جاءته في عام ٠٠٠٢ قبل هجمات ١١ سبتمبر وكذلك قبلالانتفاضة الثانية التي اندلعت في عام ٠٠٠٢. وقال أبو أسعد أن الفيلم تغاضى عن مسألة صحة أو خطأ التفجيرات الاستشهادية والنظر الى العناصر الانسانية بدلا من الجوانب الاخرى الظاهرة لانها اعمق. ومخرج فيلم الجنة الان هاني أبو أسعد مهندس طائرات مولود في الناصرة ويخرج الان أفلام في أمستردام وسبق له ان اخرج فيلم زفاف راما وهو يدور حول امرأة فلسطينية ترغب في الزواج من رجل من اختيارها هي وليس من اختيار أبيها. مهرجان برلين السينمائي في دورته الخامسة والخمسين افتتحته وزيرة الثقافة الالمانية كريستينا فايس بحضور لفيف ضخم من الفنانين والنقاد والفنيين والمنتجين. وقد القت وزيرة الثقافة الالمانية كلمة خلال حفل الافتتاح رحبت فيها بالحاضرين في المهرجان (الذى يستمر ١١ يوما). وتم عرض فيلم الافتتاح (مان تو مان) او (رجل لرجل) للمخرج ريجسن فارجيين. حيث تنافس ٢٢ فيلما على جوائز مهرجان برلين الذى يعتبر واحدا من اهم المهرجانات السينمائية في العالم حيث يحرص المتسابقون من كل الدول على الفوز بجائزتي الدب الزهبي والدب الفضي. يذكر أن الدب هو شعار مهرجان برلين وقد ازدانت به شوارع العاصمة الالمانية رمزا لهذا الحدث الفني السنوي الذي ينتظره الالاف من المشاهدين والمتخصصين. وفي غضون ذلك اصطف نجوم السينما على السجادة الحمراء أمام قاعة مارلين ديتريش ليشهدوا افتتاح فعاليات الدورة الخامسة والخمسين من مهرجان برلين السينمائي. وعلى الرغم من الامطار الغزيرة خرج النجوم وفي مقدمتهم الممثل الانجليزي جوزيف فاينز والممثلة الانجليزية كريستين سكوت توماس لحضور فيلم الافتتاح الفرنسي التاريخي »رجل لرجل«. وعلى جانبي الممر للقاعة احتشد المعجبون للحصول على توقيع نجوم مثل جيري لويس وجولدي هون وكيرت راسل وكيانو ريفز وويل سميث وجلين كلوز وتينا تيرنر وجوان كولينز وكاثرين دونوف. وعكس هذا الحشد سخونة المنافسة بين الافلام التي تتراوح بين إصدارات هوليوود والانتاج الفرنسي. وربما هذه هي المرة الاولى التي يشهد فيها المهرجان هذا التوازن حيث لم تكن للافلام الفرنسية أي نصيب من جوائز مهرجان من قبل. وفي محاولته لمنافسة مهرجان كان السينمائي الدولي الفرنسي بدأ رئيس المهرجان ديتير كوسليك باجتذاب الافلام الفرنسية في الوقت الذي أبقى فيه الباب مفتوحا لعمالقة هوليوود. الأيام البحرينية 20 فبراير 2005
|