«الجنة الآن»: صورة جانبية للانتحاريين في حماستهم اليومية برلين - ابراهيم العريس |
«الجنة الآن» فيلم يختصر المشاركة العربية في برلين باريس - (اف ب) - يطرح فيلم «الجنة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد والذي قدم في اطار المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الخامس والخمسين سؤال الحياة والموت وتغيير الواقع الفلسطيني عبر عملية استشهادية ينوي صديقان تنفيذها. ويكون «الجنة الآن» بذلك الفيلم العربي الوحيد الذي يتسابق على جائزة الدب الذهبي في وقت يعرض فيه فيلم لبناني يدور حول الناجين من مخيمات صبرا وشاتيلا في اطار التظاهرة التسجيلية وقد شارك في انجازه لقمان سليم. ويتعاطى فيلم «الجنة الآن» مع الواقع الفلسطيني من خلال قصة شابين فلسطينيين يستعدان لأن يتحولا الى قنبلة بشرية وهما بانتظار أن يأتيهما الامر بذلك. وتدور احداث الفيلم في مدينة نابلس الفلسطينية ومخيمها حيث يعمل بطلا الفيلم كميكانيكيين في ورشة تصليح سيارات على تلة تطل على المدينة ولا عزاء لهما فيما تبقى من وقتهما سوى شرب القهوة وتدخين النارجيلة في ذلك المكان. وكان الفيلم الطويل الاول لهاني ابو اسعد المقيم في هولندا «عرس رنا» الذي تدور احداثه بين القدس ورام الله قد حقق نجاحا جماهيريا شعبيا ونقديا على حد سواء قبل عامين عند خروجه وعرضه في اطار مهرجان كان السينمائي. والفيلم الجديد للمخرج يستمر على نهجه في تناول الواقع فيما نضجت ملامح المخرج وبصماته اكثر. واذا كان الحاجز يلعب دورا كبيرا في تنظيم ايقاع مختلف للحياة او العبث بها في فيلم هاني ابو اسعد الاول فان المشهد الاول من «الجنة .. الآن» يحملنا الى نفس الحاجز الذي تقطعه سهى (لبنى الزبال وهي ممثلة فرنسية من اصل مغربي) وتتبادل عليه نظرات تحد مع الجندي الذي يفتش حقيبتها هي العائدة من السفر والتي ولدت في فرنسا وعاشت في المغرب من اب مناضل فلسطيني معروف قتل شهيدا. ويبدو السيناريو الكلامي في «الجنة .. الآن» مقتصدا لمصلحة اللغة السينمائية والصورة واللهجة التي تدخل الى عالم شباب معلق بين الحياة والموت بانتظار اللحظة الحاسمة وحيث تختفي الابتسامة نهائيا حتى ولو عند اخذ صورة تذكارية. تلك هي حال سعيد وصاحبه خالد اللذين يعرفان بعضهما منذ الطفولة، ويضيق بهما المكان المقفل وسط ضيق الحال وضيق فرص العمل وتصبح العملية الانتحارية املهما الوحيد بالخلاص من هذا الواقع المر الذي ليس فيه سوى القهر والذل كما يقول سعيد لمخطط العملية والذي يمتحن صدق نيته بتنفيذها. وقد اختار المخرج لهذين الدورين ولمعظم الادوار ممثلين غير معروفين، في حين تلعب هيام عباس دور ام سعيد، التي تقول له صباح ذهابه الى العملية: كم بت تشبه اباك، ونعرف لاحقا من مضمون الفيلم ان اباه كان عميلا للاسرائيليين وانه قتل بسبب ذلك فيما كان سعيد لا يزال طفلا. هي تضحية ام انتقام تلك العملية التي ينويان القيام يها، وهل ستؤدي فعلا الى تغيير الاشياء ام لا ... سؤال يطرحه الفيلم الذي يضع الابطال امام انعدام الخيارات... وبعد العملية ماذا سيحدث؟ يسأل احد المرشحين للانتحار احد المخططين فيجيب: سيأتي اثنان من الملائكة وياخذونكما على الأكيد. ويسأل الآخر : مية بالمية؟ - «رح تتاكدوا لما بتساووا العملية»، يجيبه. ويطرح الفيلم اسئلة اكثر مما يقدم اجابات على هذه الرغبة بالموت والانطلاق نحو حياة اخرى دائما في جو ساخر اسود ما يتيح تقبل الموضوع الشائك والحساس جدا. يقول خالد لصديقه سعيد حين يصبحان في تل ابيب في الفيلم وهو انتاج فرنسي الماني هولندي المشترك: «تعال نرجع سهى معها حق لن يتغير شيء بهذه الطريقة» لكن سعيد المسكون بذكرى الاب الذي وصم بالخيانة يمضي في خياره حتى النهاية متجاوزا مشاعره التي بدات تتبدى نحو سهى. وطيلة الفيلم يتم التساؤل حول معنى الحياة في ظل الاحتلال: يقول سعيد لسهى ان حياته في المخيم مثل فيلم ممل وتقول له انها كانت تفضل لو كان اباها المناضل لا زال على قيد الحياة من ان يكون بطلا وميتا. ويكون على مرشحي الانتحار ان يودعا الاهل في ليلتهما الاخيرة من دون ان يظهر عليهما شيء وان يتابعا حياتهما الطبيعية وان يتعشيا ويشربا قهوة الصباح وحين تبصر الام لسعيد في فنجان القهوة تقول له «انت تخيفني.. مستقبلك ابيض». وامام تصميم خالد وسعيد تقول سهى «النقاش لا يفيد»، لكن الاهم في الفيلم اظهاره لتلك العادية المطلقة قبل الاقدام على فعل الانتحار. لكن الحس الساخر والمر في آن معا يلون معاني الفيلم، فمن بين المشاهد المحيرة أن يقدم لهما احدهم صورهما كشهيدين وان يطلب منهما رايهما في الصور ... ثم يسألهما القائد ما اذا كانا قد اكلا جيدا وهما في طريقهما الى العملية. أخطر ما في «الجنة الآن» تصويره لعادية أن تقتل وتقتل حين تكون ابن مخيم فلسطيني ليغدو الامر بعادية التقاط صورة من دون ابتسامة او تناول الطعام من دون شهية. الرأي الأردنية في 16 فبراير 2005 |
فيلم فلسطيني يشرح اسباب العمليات الإرهابية مايك كولت وايت برلين (رويترز): ما الذي يدفع البعض لشن تفجيرات انتحارية ؟ هذا السؤال الذي ظل الغرب يطرحه منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 والحرب الدائرة في العراق يسعى مخرج فلسطيني للاجابة عنه في فيلم جديد وعدت صناعة السينما الاسرائيلية بدعمه. ويتتبع فيلم (الجنة الان) مصير خالد وسعيد وهما شابان فلسطينيان في مدينة نابلس بالضفة الغربية وقع اختيار جماعة فلسطينية لم يذكر اسمها عليهما لتنفيذ تفجير انتحاري في تل أبيب. وعندما لا تسير الخطة على ما يرام يضطر الصديقان لاتخاذ قرار مرة أخرى بما اذا كانا يرغبان حقا في المضي قدما في تنفيذ العملية. وينتهي بهما الحال الى اتخاذ قرارات مختلفة تماما وغير متوقعة. قال مخرج الفيلم هاني أبو أسعد للصحفيين بعد عرض فيلم (الجنة الان) في مهرجان برلين السينمائي يوم الاثنين "لم تتحول هذه القصة أبدا الى فيلم روائي ينتهي الحال فيه بشخص ما بتفجير نفسه." وأضاف "أردت أن أضفي عليها طابعا بشريا." وفي نسيج الحبكة المأساوية للقصة هناك لحظات من الكوميديا السوداء مثل الموقف الذي اضطر فيه خالد لاعادة قراءة رسالة الوداع المطولة عند تعطل كاميرات فيديو النشطاء. ويوضح الفيلم أن الشخصيات التي تتطوع للقيام بمهام ضد الجنود الاسرائيليين لا يمثل الدافع لديهم الحماسة الدينية بقدر ما هو الاحباط ازاء الحياة في نابلس.
كما أن هناك عنصرا شخصيا يتدخل مثل سعي سعيد لتعويض الخزي الذي سببه والده
لاسرته والذي أعدمه نشطاء لتواطؤه مع الاسرائيليين. قال أبو أسعد "المأساة
في القصة هي أن الاب تعين عليه التواطؤ مع العدو لتوفير حياة أفضل لابنائه...
أما الابن فيتعين عليه قتل نفسه حتى يجعل حياة أسرته أفضل. هذا يحدث." وأضاف "انها قصة أسطورية.. أن تقتل نفسك مع العدو... أنا أعيد كتابة الاسطورة من وجهة النظر البشرية ومن وجهة النظر الفلسطينية ومن وجهة النظر الواقعية." وبالرغم من احتمال أن يثير هذا الفيلم جدلا فان مسؤولا من صندوق السينما الاسرائيلي نقل عنه قوله في برلين ان الجهة التي يتبع لها ستقدم الدعم في الطباعة والدعاية للفيلم اذا ما وجد موزعا اسرائيليا. ويشك صناع الفيلم أن يشاهده الاسرائيليون على نطاق واسع ولكن حتى المشاهدة المحدودة ستكون موضع ترحيب. ومضى أبو أسعد يقول "من المهم بالنسبة للاسرائيليين أن يشاهدوا مثل هذا الفيلم. الفلسطينيون لا وجود لهم بالنسبة اليهم." وبالنسبة للفلسطينيين فان مشكلة مشاهدة الفيلم ليس لها علاقة تذكر بالسياسة بل تعود الى عدم وجود أي دور عرض تقريبا. موقع "إيلاف" ـ 15 فبراير 2005 |
«من المهم جداً ان يشاهد الإسرائيليون هذا الفيلم... ففي العادة هم لا يريدون ان يروا الفلسطينيين، الذين صاروا مثل الرجل غير المرئي. لذا سنحاول ان نضع الرجل غير المرئي هذا على شاشات السينما عندهم». بهذا الكلام علق هاني ابو اسعد، مخرج الفيلم الفلسطيني «الجنة... الآن» على السجال الحاد الدائر في برلين منذ عرض الفيلم، بل ومن قبل عرضه ايضاً، بين مسؤول صندوق دعم نشر وتوزيع الأفلام في تل ابيب، وبين امير هاريل، احد منتجي الفيلم وهو اسرائيلي ايضاً. ومحور السجال هو ان رئيس الصندوق اعلن، امام الإعجاب العام الذي كان من نصيب «الجنة... الآن» خلال عروضه البرلينية، ان مؤسسته قررت تقديم الدعم اللازم للدعاية للفيلم وعرضه في الصالات الإسرائيلية. كان من الواضح ان الإعلان مفاجئ، ذلك ان «الجنة... الآن» ليس من الأفلام التي قد يحب الإسرائيليون مشاهدتها، او قد تحب سلطات تل ابيب ان تشاهدها معروضة في صالاتها. ولكن التفسير واضح: في مهرجان يكثر فيه - الى حد التخمة - وجود افلام اسرائيلية، وأفلام من هنا وهناك متعاطفة مع القضايا اليهودية، كان لا بد لإسرائيل الرسمية ان تقول كلمتها بالنسبة الى فيلم يطاولها مباشرة مثل «الجنة... الآن». ومن هنا كان القرار الرسمي بتقديم الدعم للفيلم نظراً الى ان واحداً من منتجيه اسرائيلي ومخرجه يحمل الجنسية الإسرائيلية، لكن المنتج امير هاريل رد على الفور متحدياً الإعلان الرسمي موضحاً امام الصحافة الغربية المجمعة على تأييد الفيلم - ان المسألة لا تعدو كونها خبطة دعائية... إذ سيكون من المستحيل ايجاد صالات في طول اسرائيل وعرضها ترضى بعرض الفيلم «لذا... سنعطى في نهاية الأمر بعض الدولارات، لكننا لن نتمكن من عرض الفيلم ابداً»، قال هاريل. اما هاني ابو اسعد فأضاف: «وكذلك شبه مستحيل ان يشاهده فلسطينيو الضفة لمجرد انه لم تعد ثمة صالات سينمائية هناك». إذاً؟ هل تكون درب المنفى الدرب الوحيدة التي يسلكها «الجنة... الآن»؟ سؤال يطرح نفسه، وبقوة في وقت يجرى فيه الهمس منذ الآن عن ان هذا الفيلم، الذي يعتبر حتى الآن من افضل ما عرض ضمن اطار المسابقة الرسمية لمهرجان برلين، من الناحية الفنية بخاصة، لن يخرج من دون جائزة اساسية. بل ثمة من بلغت حماسته للفيلم ان تنبأ له بالجائزة الكبرى (الدب الذهبي) او ما يدنو منها. الاختلاف حين يكون حقيقياً طبعاً من الصعب التأكيد على هذا او نفيه منذ الآن... ولكن - على الأقل - يمكن الوقـوف بقوة الى جانب المتحمسين لهذا الفيلم الجديد الذي يُضاف الى سجل سينما فلسطينية، شابة وحيوية ومتميـزة فـنـيـاً ايـضاً، بـدأت تفرض حضورها بقوة على مهرجانات السينما في العالم الأوروبي على الأقل وتنتج تحفاً صغيرة تحمل حيناً توقيع ميشال خليفي وحيناً ايليا سليمان او رشيد مشهراوي او مي مصري او توفيق ابو وائل. بيد ان الصورة هذه المرة تختلف لأن «الجنة... الآن» نفسه فيلم مختلف. مختلف في موضوعه الجديد، والراهن الخارق، مختلف في ديناميكية لغته السينمائية، ومختلف في قدرة مخرجه على إدارة ممثليه بحرفية مدهشة، مختلف حتى بترجمة ردود الفعل التي يجتذبها. فهنا تحت دائرة التعاطف المسبق يجد المتفرج نفسه امام عمل يجمع الدراما بالتشويق، السياسة بالكوميديا، الواقع بالتأمل الفكري. وكل هذا من حول موضوع يمس جوهر ما يثير اهتمام العالم اجمع: «موضوع الإرهاب» كما يطلق عليه في الغرب. فـ«الجنة... الآن» اختار ان يطرق هذا الموضوع، مباشرة ومن اوسع ابوابه، من هو الانتحاري؟ كيف يصبح قنبلة متحركة، جاعلاً من جسده، سيارة «مفخخة»؟ لماذا يصبح انتحارياً، وليس من ناحية الدافع السياسي والديني فقط؟ كيف يجند؟ هل هو انسان من لحم ودم ام انه مجرد ماكينة قتل؟ ثم ما هي مشاعره الخاصة اذ يقدم على ما يقدم عليه؟ هذه الأسئلة التي من الواضح ان قلة من الناس تطرحها او تتجرأ على طرحها، جعل منها هاني ابو اسعد، مركز الصدارة في فيلم، كان عليه في نهاية الأمر ان يسير على حبل مشدود. إذ ان كل ما يمس هذا الموضوع يبدو - قبلياً - من المحظورات او المسكوت عنه. والمشي على الحبل المشدود، هو النتيجة المنطقية لرغبة قول ما لم يكن يقال. حيث ان الإنسان، في الانتحاري، يختفي عادة بين اثيرية نظرة تطهره تماماً في أعين مؤيديه، وبين شيطنة هي نصيبه لدى ضحاياها او اعدائه. ومن الواضح ان هاني ابو اسعد، اختار ألا تكون نظرته لا هذه ولا تلك. اشتغل على التفاصيل الصغيرة. بنى حبكة درامية ذات خط تشويقي. وأتى بممثلين متميزين ليقدم فيلماً يمكن، في قشرته الأولى التعامل معه على انه فيلم مغامرات ذو مواقف تقترب احياناً من الكوميديا اللطيفة، وتغوص غالباً في لغة ادنى الى الوثائقية. وهذا الأمر الأخير ليس جديداً على هاني ابو اسعد، اذ نعرف كيف انه في فيلمه السابق والأول «عرس رنا» قدم من خلال بحث رنا عن خطيبها، تفاصيل الحياة اليومية في القدس. هذه المرة تنتقل كاميرا ابو اسعد الى نابلس... وبدل رنا لدينا خالد وسعيد، شابان فلسطينيان اصبحا فجأة متعطلين من العمل. وها هو استاذ المدرسة الموقر هو احد قادة تنظيم اسلامي يمارس النضال من طريق تجنيد الانتحاريين وإرسالهم الى المدن الإسرائيلية، ها هو يختارهما للقيام بعملية انتحارية مزدوجة في تل ابيب. حماسة الشابين تبدو كبيرة اول الأمر... ولكن سرعان ما تبدأ الشكوك تساور احدهما فيما يبقى الآخر على حماسته، قبل ان تحدث نكبة في الاندفاع لاحقاً. المهم الآن ان الشابين يتلقيان كل ضروب التمهيد والإعداد النفسي واللوجستي والديني متقبلين، بتفاوت في المشاعر، فكرة ان الساعات الأربع والعشرين المقبلة هي آخر ما سيعيشان. الخائن والبطل ان الفيلم، إذاً، يرصد تلك الساعات، حيث مطلوب منهما ألا يخبرا احداً بالطبع، ولا حتى عائلتيهما بما هما مقبلان عليه... وهما خاضعان طوال تلك الساعات الحادة الى رقابة صارمة. وإذ يحين وقت التوجه الى تل ابيب، حيث سيكون في انتظارهما متواطئ يعمل بالأجرة مع التنظيم - وهو اليهودي الوحيد في الفيلم - تركب القنابل على جسدي سعيد وخالد وقد أقفلت في شكل معقد يجعل من المستحيل على اي كان فكها، لا يفكها إلا الذي ركّبها... ما يجعل مفعولها حتمياً... على الأقل بالنسبة الى الانتحاريين. وفي اللحظة المخطط لها من جانب زعيم التنظيم، ومن بعد مشاهد طقوس مرعبة حقاً تنتهي بمشهد رمزي يتناول فيه الشابان طعام العشاء، مع 12 من أفراد التنظيم (العشاء الأخير للسيد المسيح ليس بعيداً هنا)... ينطلقان ويعبران حاجز الشريط الفاصل بين الضفة الغربية واسرائيل. ولكنهما ما إن يعبرا أمتاراً قليلة متنكرين في ثياب عرس للتمويه وقد حلقا ذقنيهما، حتى يجدا نفسيهما في مواجهة دورية اسرائيلية، فيهربان ليتفرقا منذ تلك اللحظة كل في طريق. وإذ يعود خالد الى الخلية، يصيح زعيم التنظيم بالسؤال عما اذا لم يكن سعيد هو الخائن الذي جعل الدورية الاسرائيلية تصل. ومنذ تلك اللحظة يتخذ الفيلم خطوطاً عدة أبدع هاني أبو اسعد في التقاطها والسير بها حتى نهاية الفيلم المفتوحة: خط السجال مع الفتاة الفلسطينية - المغربية التربية سهى، حول جدوى هذا كله. خط البحث عن سعيد. خط التبدل الذي يحصل لدى خالد واكتشافه برودة الزعامات في التعامل مع المناضلين وصولاً الى اتهام هؤلاء سعيداً بالخيانة لأن أبـاه أصلاً كان «متعاوناً». وخط محاولات سعيد اكمال مهمته، ليس عن اقتناع تام وإنما عن يأس، وربما لدوافع عميقـة لديـه، هـو الذي كانت نظراته منذ اخـتـير للمهمة تقول كل ذلك التمزق الذي يعيشه المواطن العربي العادي البسيط تجاه ذلك النوع من العمليات وجدواها... من يقطع الحبل المشدود طبعاً لن نواصل الحديث عن الفيلم أكثر من هذا... فقط نشير مرة أخرى اننا هنا في ازاء فيلم فلسطيني كبير، اعتبر وحده تقريباً «الحضور العربي» في مهرجان برلين... وسيؤمن خلال المرحلة المقبلة الحديث عن حضور ما، ومتميز، لسينما عربية متميزة. وإذ يدافع هاني أبو أسعد عن الابعاد الفنية لفيلم من المفترض ان يطغى عليه الحديث السياسي والايديولوجيا وسجالاتهما، يقول على اي حال انه انما حقق هذا الفيلم لكي يفتح سجلاً حول أمر لا يساجل أحد بشأنه. ويقول انه صور فيلمه في نابلس، أي في الموقع الساخن للأحداث خلال فترة عصيبة ما اضطره احياناً الى استكمال تصوير بعض المشاهد في الناصرة. أما ممثلو الفيلم، وابرزهم قيس ناشف (سعيد) وعلي سليمان (خالد) فإنهما آتيان من التمثيل المسرحي. في مقابل لبنى الزبال (سهى) المغربية الأصل الحاضرة في السينما الفرنسية (ولا سيما في افلام اندريه تيشينه) وهيام عباس الفلسطينية المقيمة في فرنسا. في اختصار «الجنة... الآن» ثاني أعمال هاني أبو أسعد فيلم كبير وجاد... فيلم يجمع المهارة التقنية بالصواب السياسي... من دون أن يزعم إيجاد الاجوبة لكل الاسئلة المطروحة. وهاني أبو أسعد يؤكد على هذا ويقول انه يكفيه طرح الاسئلة التي لا يريد أحد أن يطرحها حقاً... الاسئلة التي آن الأوان لكي تطرح من دون أفكار مسبقة وذاتية مفرطة... لأن هذين سيقطعان الحبل المشدود إرباً في نهاية الأمر. كأننا في القدس او تل ابيب «حتى في مهرجانات القدس وتل ابيب... لم نشاهد كل هذا الكم من الأفلام الإسرائيلية مجتمعة الى افلام تتناول القضية اليهودية في شكل او في آخر...». كان هذا ما قاله ناقد فرنسي ما إن انتهى في اليوم الأول من المهرجان من تصفح الكاتالوغ الضخم الذي يرصد اكثر من ثلاثمئة فيلم تعرض في شتى تظاهرات مهرجان برلين السينمائي الحالي. قال هذا وأضاف: «فإذا اضفنا الفيلمين العربيين الوحيدين المعروضين في المهرجان، أولهما عن الانتحاريين الفلسطينيين «الجنة الآن» والثاني عن مجازر صبرا وشاتيلا «مجازر»، يصبح من حقنا التساؤل لم لم يدع شارون ومحمود عباس الى الحفل الافتتاحي؟». ووجود فيلمين عربيين، لا يلغي طبعاً ان اسرائيل فازت على العرب جميعاً بالنقاط في هذه الدورة البرلينية، إذ في مقابل الغياب العربي شبه التام (ذكر العراق ولكن خطأ لأن الفيلم الذي اشار الكاتالوغ الى «عراقيته» فيلم ايراني في الحقيقة)، هناك خمسة افلام اسرائيلية مشاركة، لعل ابرزها «رح... عش... وصر» عن حياة فتى من الفالاشا يحاول ان يوجد لنفسه مكاناً في المجتمع الإسرائيلي الممارس عنصرية واضحة ضد اليهود السود. لكن هذا ليس كل شيء إذ يستطيع المشاهدون ان يتحروا ايضاً تاريخ كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» من خلال فيلم وثائقي طويل ذي فاعلية لا شك فيها. وهواة «الهولوكوست» يمكنهم مواجهة جزء من تاريخ تلك الفظاعة، من خلال فيلم «بلا مصير» المأخوذ عن رواية للمجري ايمري كيرتيش (الحائز جائزة نوبل العام قبل الفائت) وهي رواية تقدم جزءاً من سيرته: فتى في بودابست تحت الاحتلال النازي. و«القضية اليهودية» ماثلة ايضاً في فيلم «تجربة غوبلز» عن وزير دعاية هتلر... كما في عدد لا يستهان به من الأفلام. الحياة اللبنانية في 18 فبراير 2005 |