التالي

بانوراما

يوخنا دانيال

البحث عن الجمال الداخلي في السينما

سيد الخواتم على شاشات التلفزيون

سيد الخواتم على شاشات التلفزيون

عصر جديد في صناعة السينما!

الدخول الى عالم الـ ماتريكس!

هوليود والموقف من المال والثروة

يشجب الفنان بروس ويليس الطمع والنرجسية. اما نيكولاس كيج فانه يترك شقته الفاخرة في مانهاتن ليقيم في منزل بسيط في نيوجرسي. وكيفن سبيسي يرغب في ان يجعل العالم مكاناً افضل. اما كريس روك فانه يفضل ان يكون ميتاً ومفلساً على ان يكون حياً وثرياً. وربما تدفعنا هذه الأخبار او التصريحات الى الاعتقاد بأن هوليود على حافة انبعاث أخلاقي ....

-1-

فبعد سلسلة من أفلام تمجد العدمية والانتقام؛ مثل "نادي العراك"، 8 ملليمتر، "الخطر المزدوج"، او أفلام تدور حول أبطال فاحشي الثراء؛ مثل "اللقاء مع جو بلاك"، "قضية توماس كراون"، "زوجة الأب" وغيرها ... فان الاستوديوهات الكبيرة انكبّت  على أفلام مُشرقة او متفائلة مبنية على قصص مليئة بالمحبة والتعاطف الانساني. وقد تختلف أساليب السرد لكن هذه الأفلام تشترك او تتفق في الثيمة الأساسية : كيف تتعامل مع الآخرين بحب، وانّ المال لا يشتري السعادة بل يعوّقها. ان اول هذه الأفلام المليئة بالنوايا النبيلة؛ كان فلم (الطفل)؛ الذي يتحدث عن مستشار إعلامي ذميم (بروس ويليس) محاط بالأثرياء وأصحاب النفوذ … يلتقي بذاته بصورة طفل بريء يعاني من صعوبات. وينقلب الفلم الى محاكمة شعرية للرجل البالغ الذي يفشل في تحقيق أحلام الطفولة. وفي النهاية، ينقلب ويليس على نفسه؛ ويتعاطف مع أصدقائه وأهله ويفكر بتأسيس أسرة.

اما الفلم الثاني فكان (العودة الى الأرض) من بارامونت. وهو اقتباس – متحرر بعض الشيء – من الفلم المشهور "السماء تستطيع ان تنتظر"؛ حيث تدهس شاحنة كبيرة أحد سعاة البريد المرحين (كريس روك). ولكنّ، السماء تعطيه فرصة ثانية للحياة في صورة أحد الأثرياء الكبار في أمريكا. وهنا ينقلب "روك" الى ما يُشبه الأم تيريزا، حيث يجد معنىً جديداً للحياة في مساعدة الآخرين.

وساهمت شركة ورنر بروس في هذه الحملة (الأخلاقية) بفلمها (ادفع مقدماً) المليء بالنجوم الكبار: "كيفن سبيسي"، "هيلين هانت"، الطفل المعجزة "هالي جويل اوسمونت"، والمخضرمة "أنجي ديكنسون". ويعرض الفلم صورة اخرى عن الحياة، صورة اكثر قتامة وواقعية في واحدة من اكثر المدن (المضيئة) في العالم، ونقصد مدينة القمار والملاهي : لاس فيغاس. وفي الفلم، يقترح أحد الأطفال مشروعاً (ثورياً) لتغيير العالم : أن يقدّم كل إنسان ثلاث خدمات مهمة لثلاث أشخاص، والثلاث أشخاص بدورهم يقدّم كل منهم ثلاث خدمات لثلاث أشخاص آخرين … حتى يتحول العالم كله الى فاعلي خير وسلام، وبالتالي تصبح حياتنا افضل. وربما كان علينا مراجعة حصة المتواليات الهندسية لفهم ستراتيجية "هالي اوسمونت" الخيرية.

أما فلم (رجل العائلة) لشركة يونيفرسال، فقد كان يحكي عن أحد المصرفيين الكبار (نيكولاس كيج)، من ذوي النفوذ والقوة والمنغمر كلياً في عالم المال والاستثمارات، عندما يلتقي بطريقة سحرية  بعائلة من سكان الضواحي، عائلة مكونة من عمال الميناء ولاعبي البولنغ. ومعهم يكتشف كيج، ان الملابس الفاخرة – وبالتالي الأموال الطائلة – لا تصنع الإنسان او تعطيه السعادة.

بالطبع إن أفلاماً كثيرة مثل؛ "إنها حياة رائعة"، "عرض غير شريف"، "قد يحصل لك هذا"، وغيرها قد تطرقت في السابق الى مثل هذه المواضيع، بتأكيدها على القيم الإنسانية ضد القيم المادية او (المالية). لكن قلما تحول هذا الاتجاه إلى ظاهرة واسعة في صناعة السينما، كما حصل مثلاً مع ظاهرة أفلام (الملائكة) قبل سنوات قليلة جداً. لكنّ الغريب في الموضوع ان هذه الأفلام – التي تشجب المال والثراء – تُصنع أحياناً بناءً لدوافع ذاتية من (الاقتناع والإيمان الشخصي) للذين يصنعونها من ممثلين ومنتجين ومخرجين ومؤلفين ... وقد يبدو هذا غريباً او مناقضاً لمسيرة هوليود و (أهلها). ولكن لنسمع - او نقرأ - ما يقولون.

-2-

تقول اودري ويلس، كاتبة سيناريو (الطفل) : "اني اعتقد ان للسينما والأفلام دوراً او وقعاً مهماً في حياة الناس. لذلك احب ان اكتب اشياء تدعم الناس في كفاحات حياتهم اليومية". وتعتقد رئيسة شركة افلام يونيفرسال "ستيسي شنايدر" انه ليس مصادفة ان هذه  الأفلام جاءت في أجواء الألفية الثانية وما أثارته من تساؤلات روحية : "فالكُتّاب هم عُرضة لنفس المشاعر والضغوط والتأملات مثل باقي البشر. وعلى مشارف الألفية انشغل الناس كثيراً بالقيم والمعاني".

الا ان المرء يستطيع – وبسهولة – ان يتهم هوليود وأُناسها ومشاريعهم هذه، بالرياء وعدم الإخلاص. فنيكولاس كيج، لم يرضَ بأقل من 20$ مليون مقابل تمثيله – او تشخيصه – لدور أب مكافح من الطبقة المتوسطة. كما ان كيفن سبيسي وهيلين هنت، لم يقبلا باقتطاع أي درهم من أجرهما العالي، مما رفع ميزانية فلم بسيط يتحدث عن الفقر والمشاكل الاجتماعية مثل إدفع الى الأمام، الى 42$ مليون بسبب هذه الأجور.

ويعترف جون ترتلتوب (مخرج فلم الطفل): "انه نوع من العجرفة او الغطرسة من قبل هوليود وأُناسها، صناعة أفلام تُمجِّد او تُبجِّل الفقر. واعتقد ان معظم الناس الفقراء لن يوافقوا على هذه الفكرة. وفي نفس الوقت انّه من الخطأ الفادح أن نصنع أفلاماً تبجِّل او تُمجِّد الثراء او المال كقيمة مطلقة. لذا فانّ أفلامنا ببساطة تحاول ان تقول … انّه من المفضّل او الأحسن ان تكون صادقاً مع نفسك، إذ كنت غنياً او فقيراً".

ان رفض هذه الأفلام (الأخلاقية) بسبب عدم صدقيتها او تناقضها الظاهري مع الواقع، يؤدي – في النهاية – الى تجاهل تطوّر باهت او ضعيف، لكنه ذو معنى ومهم أيضا في طريقة تفكير صناعة السينما. ويمكن اعتباره انحرافاً عن مغازلة القوى المالية الكبرى نحو تبجيل او إبراز قيم الحياة العائلية للطبقات المتوسطة والفقيرة وصراعاتها الاجتماعية.

بالتأكيد سيظل المال والوجاهات هي التي تحرّك الأمور في هوليود، إذ لن يفكر أحد بالتخلي عن امتيازاته المالية والاجتماعية. لكن مع هذا فقد لوحظ بعض التغيُر في سلوكيات أقوياء واساطين هوليود ... فكثير منهم بات يحمل معه صوراً لأطفاله يتباهى بها أمام الآخرين، او يغادر العمل مبكراً لقضاء وقت متزايد مع العائلة والأطفال. انّ هذا (الانحراف) السلوكي والتقييم المتزايد للأمور المعنوية، يقود او يوّجه القصص والسيناريوهات باتجاهات أخرى – بعيداً عن الحرب الباردة وصراعات الحكومة الأمريكية مع أعدائها على الأرض وخارجها، نحو مناطق درامية اكثر طزاجة تتعلّق بالقيم والأخلاقيات الشخصية.

ويعترف بريت راتنر (مخرج فلم رجل العائلة) : "قبل سنوات، ربما لم أكن مستعداً حتى لقراءة هذه القصة. انّه من نوع الأفلام التي كانت صديقتي ستُرغمني على الذهاب لمشاهدتها. وبتغير الأوقات فأنني كافحتُ – لاحقاً – من اجل صناعة هذا الفلم. إنني رجل عائلة. إذ لدّي أم وجدة وأبناء عم أيضاً"... يا سلام! انّ جزءاً من جاذبية هذه الأفلام – بالنسبة لصنّاعِها وحتى مشاهديها – انها تخدم كجلسات علاجية (فلمية)؛ كامتحان لأولويات المرء وتشظّيه اللاحق بين هذه الأولويات وبين المال والربح. وراتنر نفسه يعترف قائلاً : "إنني بكيت كطفل عندما قرأت النصّ". اما كيفن سبيسي فيقول عن هذه النوعية من النصوص والافلام : "انها تذكّرنا – حتى في هذه الصناعة : السينما او هوليود –  بما يجب ان نركّز عليه أنظارنا واعمالنا. او كيف يجب ان نساعد الآخرين من خلال أعمالنا". وفي نهاية فلم "الطفل" توّجه الشخصية التي يلعبها بروس ويليس حديثاً يصلح لكل العاملين في هوليود : "لقد تطلّب الأمر – مني – اربعين عاماً لأتعلم الآتي : أنْ أترك الطمع والنرجسية وخداع الناس. أن اعيش بطريقة (أخلاقية)".

-3-

إنّ عنصراً مهماً يفصل هذه الأفلام (الأخلاقية او التعليمية) عن معظم أفلام هوليود؛ إذ يُصوّرُ المال فيها : كقوة شريرة، سامّة، مدمّرة ... بينما في معظم الأفلام الهوليودية (الاخرى) يكون الثراء جزءً أساسياً في الصورة السينمائية. انه جزءٌ عَصيّ على التساؤل، وكأنه شيء طبيعي او خالد. وعلى النقيض من ذلك فان فلم (ادفع نحو الأمام)، يضع الترف او البذخ المتطرِّف للاس فيغاس جنباً الى جنب مع المشرّدين والمدقعين الذين يعيشون في ظلال الأبنية الشاهقة. وكأن الغنى والفقر لا يمكن ان يتواجدا إلا سوية، او انّ أحدهما يخلق – او يؤدي الى – الآخر. وفلم "رجل العائلة" يقول صراحةً ان السعادة والمال كلمتان غير مترادفتان. ويذهب فلم (العودة الى الأرض) أبعد من ذلك عندما يقول؛ أن لا معنى للثروات إنْ لم تكن مُشاعة او مُشتركة بين الناس. رحم الله، أيام الاشتراكية … لكن، ما أسرع الحنين اليها. ومع هذا فاننا نقع في مزيد من التناقضات الظاهرية. لكن لنستمع الى طروحات – او دفاعات –  صنّاع بعض هذه الأفلام. يقول ترتلتوب (مخرج فلم الطفل): "إذا كان الفلم يقول انّ المال لا يهمّ مطلقاً، فانّ هذا يكون نوع من الرياء او النفاق. ولكنّه سيكون منتهى النفاق، إذا كان صنّاع هذه الافلام انفسهم غير مكترثين بالتساؤلات التي تطرحها الشخصيات في مثل هذه الافلام. وفي حالتنا فانّ السؤال المهم هو: ما معنى الحياة؟". ويستمر قائلاً : "ان صنّاع الأفلام هم أُناس عُصّابيين، يراقبون كل شيء في الحياة، ويطرحون المزيد من الأسئلة والتساؤلات بشكل مستمر. وبالرغم من رغبتهم في العيش بشكل مريح (مادياً)، الاّ أنّهم دائماً يتساءلون : هل نحن سعداء؟ هل هذا هو ما نريده حقاً؟ هل ننجز أشياء مهمة في الحياة؟ فإن كانت الأفلام تطرح تساؤلات من هذا النوع، تتطابق او تقترب مما نشعر به … فعند ذاك يحقُّ لنا ان نعتبر هذه الأفلام صادقة".

-4-

وحافز آخر لصنع مثل هذه الأفلام هو السوق نفسه : إذ أنّ أفلاماً عن الطبقات العاملة والمتوسطة تستطيع ان تحقق الاتصال او الارتباط بروّاد دور العرض وحياتهم اليومية. وبالتأكيد انّ أفلاماً عديدة عن مشاكل الطبقات الثرية جداً لم تلاقِ أي نجاح في شباك التذاكر. وتتحدث هيلين هنت عن دورها في فلم (ادفع مقدما) كخادمة في مقهى او بار  فتقول : "انها ليست مزحة ان تكوني امرأة وحيدة مع طفل، ومشاكل كحولية، ووظيفتان في نفس الوقت. انها ليست نفس القصة عندما يملك المرء فائضاً من المال. وعندما تؤدي دورك بصدقية، فانّك ستمسُّ تجارب الآخرين الحياتية". اما كاتبة فلم (الطفل) فتقول: "لا يهم مقدار ثراء – او فقر – الشخصيات، ما دام الفلم يوفِّر نقاطاً للالتقاء او الاتصال مع المشاهدين. وفلم الطفل يتحدث عن المصالحة مع الطفل الصغير الذي كُنْتَه في أحد الأيام، وبهذا فانك لن تخجل – بعد الآن – من الموقع الذي أنت فيه حالياً. وأنا اعتقد انّ هذا النوع من الصراع الداخلي يحصل في حياة كل إنسان، سواء كان نجماً سينمائياً عملاقاً او فاشلاً غارقاً في الفقر".

ان مغازلة هذه المواضيع التعاطفية والإنسانية قد تتحوّل الى تمرين او امتحان مكلف لهوليود، إن لم تستطع هذه الافلام ان تمسّ او تلامس حياة الناس العاديين بطريقة فنية ومحترمة. ولهذا يتردد العديد من الممثلين في لعب أدوار من هذا النوع – أدوار غير مقنعة او يعتبرها الجمهور محض (تمثيل) بالمعنى السيئ للعبارة، او (kitsch رديء).

وهناك مخاطرة حقيقية؛ إذ من الممكن ان تتحول هذه الأفلام بسهولة الى أعمال تبشيرية مبسّطة ومُسطّحة. وقد ألحّ كل من سبيسي وهنت على إعادة كتابة العديد من المشاهد والحوارات في المسوّدة الأصلية للنص. وتقول هنت : "إن لم تتعمّق كفاية، فانك تخدع او تؤذي الناس. وذلك لأنك تسأل الناس او تطلب منهم ان يطرحوا تساؤلاتهم الحياتية العميقة من خلال مشاهدة هذه الأفلام (غير الهروبية)". لكنّ الجميع يعلم صعوبة الوصول الى إجابات قد تستغرق حياة الناس لأجيال عديدة. وربما كان من الضروري أن تقع السينما في الحيرة والتردد والخوف الذي يصاحب عملية البحث عن هذه الإجابات، وعند ذاك ربما سوف نشاهد أفلاماً (أخلاقية) مقنعة فكرياً وفنياً.

وأخيراً، وبعيداً عن كل هذه المثاليات والفلسفة، كان لهوليود جواباً بسيطاً ومباشراً عندما فشلت هذه الافلام عند شباك التذاكر ... إذ نفض الجميع عن أكتافهم ذلك الخَدَرْ اللذيذ الناجم عن (رياضة روحية) او تمارين تأملية؛ لا تتلاءم أبداً مع اللهاث والجري المتسارع – وراء المال والسلطة - الذي يطبع العالم كلّه وليس هوليود وحدها.

"سينماتك"ـ خاص في 20 نوفمبر 2005

 
السابق

 

التالي

 

السابق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أعلى