إلى متى
يظل الطفل العربي عالة على السينما العالمية، والثقافة الغربية، وإلى متى
سنظل نرى ونسمع ولا ننكر أو نستنكر، ونكتفي فقط بترجمة أفلامه ومسلسلاته
إلى لغتنا الجميلة؟
متى يقع
التفكير في تحويل ثقافة الطفل العربي من مستوى الحكي والشفاهية والرؤية إلى
مستوى التكنولوجيا الجديدة، الماثلة، خصوصاً من المغريات السمعية البصرية
التي لا تزال أميركا تغزو بها العالم المعاصر كله؟ لا شك أن أفلام الرسوم
المتحركة الموجهة للطفل، تمثل جزءاً لا يتجزأ من الحديث عن مشكلات الطفولة
في مجتمعنا العربي. بالأمس كانت بعض البلدان العربية تنتج أعمالاً موجهة
للأطفال «صلاح الدين الأيوبي.. كان يا مكان.. افتح يا سمسم.. إلخ»، وكل ما
قدمته في هذا المجال لا يساوي شيئاً أمام ما تنتجه البلدان الغربية أو
الأجنبية، فاليابان مثلاً التي تتميز بصناعة أفلام للأطفال تنتج وحدها
حوالي مئة فيلم في العام، وكذلك كندا. ويكفي التذكير بأن ما تزخر به مدينة
الأحلام «والت ديزني»، يشغل أكثر من 55 ألف موظف، يعملون جميعاً من أجل
إنتاج أفلام الرسوم المتحركة الموجهة للطفل. إن دراسة واقع الرسوم المتحركة
في الوطن العربي، يفيد في النهوض بهذا الفن، وحماية الطفولة بشكل عام،
طالما أن هذه الأفلام هي أكثر الأعمال الفنية جاذبية للأطفال، وتلقى منهم
قبولاً واهتماماً كبيرين، ودليل ذلك متابعتهم لهذه الأعمال وتقليدهم أبطال
هذه الأفلام، في الملابس والنطق والحركات والسلوك، وهذا ما يدفع «البيان»
إلى فتح هذا الملف ووضعه أمام الجهات المعنية، لشحذ الهمم، من خلال دفع
الكتاب والمبدعين والفنانين إلى تنفيذ أعمال في هذا الفن الذي أصبح ضرورة
لازمة. مسكين أيها الطفل العربي! أكاد أسمع صرخاتك وأفهم تعليقاتك وأرى
تبرمك وتكدرك، وكأنك تعلن رفضك لطريقتنا.. نحن.. في التعامل معك!
لقد أثبتت
الدراسات والتجارب أن الطفل العربي يتمتع بأعلى مستويات الذكاء، ومع ذلك لا
يزال المسؤولون عن برامج الأطفال والمسلسلات وأفلام الكرتون عبر شاشات
السينما والقنوات الفضائية العربية، يتعاملون معه وكأنه مخلوق غريب، ونصيبه
من العقل والإدراك قليل والأغرب من ذلك لم يصلوا إلى نتائج ترضيه في وطننا
برغم المؤتمرات والندوات واجتماعات الموائد المستديرة. دعونا نطرح هذا
السؤال: لماذا يعشق أطفالنا أفلام توم وجيري ومازينجر وسلاحف النينجا
ويكرهون ما نقدمه لهم؟
لماذا
تنتج هوليوود فيلما مثل «الملك الأسد» أو «هاري بوتر» ونحن نهمل الطفل في
أعمالنا الدرامية، بل نصر على التقليل من قدراته وإدراكاته عندما نقدم له
برامج، ومسلسلات نضحك بها على عقله في زمن الكمبيوتر والانترنت والأفلام
والألعاب ذات البعد الثلاثي.
بلا شك..
فإن ثقافة الطفل العربي في خطر، وتحتاج إلى تناول واضح لهذه القضية.. وهذا
ما نحاول في السطور التالية أن نلفت إليه النظر، ونضعه «بدون رتوش» أمام من
يهمه الأمر. «بات مان»، «سبيدرمان»، «طرزان»، «ستانلي»، و«كيم بوسيبل»
نماذج لأعمال فنية شهيرة، نالت استحسان وإعجاب أطفالنا في كافة أرجاء الوطن
العربي.
ونظراً
لعدم وجود أعمال عربية تماثلها في المستوى الفني الراقي فقد صارت المواد
الفنية الأجنبية سواء سينمائية أو تلفزيونية أو مسرحية، إلى جانب المواد
المقروءة تمثل الجانب الأكبر من تشكيل ثقافة طفلنا العربي. وأياً كان مدى
احترام تلك الأعمال لتقاليدنا وأخلاقنا فإنها قد قطعت صلة الطفل العربي
وارتباطه الوجداني بمشاكل مجتمعه.
وهنا يكمن
خطر تعريب ثقافته من خلال البث المتواصل للقنوات الفضائية، لاسيما إذا
علمنا أن الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى خمسة عشر عاماً يمثلون حالياً أكثر
من 40 بالمئة من سكان الوطن العربي.
وهذا يعني
أن الغزو الثقافي الغربي في شكل أفلام الكارتون والبرامج والمسلسلات يشكل
ملامح الهوية الثقافية للشباب العربي، الذي ينهل دون وعي أو إدراك ما يقدمه
الغرب، ما يعد تهديداً صريحاً وتقويضاً هائلاً لدعائم ثقافتنا العربية.
ونستطيع أن نقول ببساطة إن عملية التثقيف للأسف أصبحت أشبه «بالسلاح
الفاسد» الذي يفتك بحامله بدلاً من أن يحمي الثقافة العربية من هجمات
التغريب.
والدليل
على ذلك ما أشارت إليه الدراسات من وجود مضامين هدامة داخل أعمال أجنبية
شهيرة، فقد أكدت الدراسات أن 45% من أبطال أفلام الأطفال المحبوبين، يتسم
سلوكهم بالعدوانية والشراسة، وقد أثر ذلك في صياغة عقلية ووجدان الطفل
العربي الذي اتخذ مسلك هؤلاء الأبطال كمثل أعلى لتصرفاته فقام بمحاكاة
أعمالهم، بلا تمييز بين الصواب والخطأ.
وإذا
تناولنا بنظرة موضوعية، الإنتاج الفني للطفل العربي بكافة وسائله المرئية
والمسموعة والمقروءة، سنجد السوق العربية امتلأت بأفلام وكتب ومجلات فشلت
في تقديم مضامين هادفة تخدم الطفولة، لكنها اعتمدت في نجاحها لجذب انتباه
الطفل على عناصر الإبهار والتشويق والإثارة بهدف الترفيه عن الطفل العربي،
وبالطبع جاء ذلك على حساب تهميش المضمون المقدم إليه.
وهذا هو
الخطأ الدائم الذي يقع فيه معظم منتجي المواد الموجهة للطفل، وهو ما لا
يتفق ومتطلبات الطفولة في بلادنا العربية. تلك كانت مشاكل ومعوقات تثقيف
الطفل العربي، فما هي أسس الحل التي نتمكن بها من بناء شخصية الطفل العربي
وتشكيل عقليته بصورة سليمة.
هناك آراء
عامة لخبراء في علم النفس والاجتماع والإعلام، تصلح أن تكون محاور رئيسية
في تحديد ماهية المواد المقدمة للصغار عن طريق تضافر جميع العناصر المحيطة
بالطفل. وهذه العناصر تتمثل في الآباء والأخوات والمدرسين،
وهم
مكلفون بتوجيه الطفل إلى النوعيات الصالحة له من قراءة ومشاهدة واستماع إلى
جانب ذلك، هناك المشاركون في الأعمال الفنية سواء بالكتابة أو الإخراج أو
التمثيل، وهؤلاء يقع عليهم عبء توعية الأطفال.
وحتى يتم
سد جميع الثغرات الخاصة بثقافة الصغار يجب الاهتمام بالإشراف الثقافي على
النشء، والذي يتمثل في المشرفين على نوادي الأطفال ودور الحضانة والمؤسسات
التربوية، فهم قادرون على سد الفجوة التي أحدثتها الوسائل التكنولوجية
المبهرة للطفل والعمل على إرشاده بأسلوب جذاب.
وإلى جانب
ما سبق وحتى نستطيع توفير الحماية المثلى، لثقافة الطفل يجب التدقيق فيما
يفد إلينا من أعمال أجنبية مع الحرص على تقييم ما يصلح ترجمته عن أصول
أجنبية بالإضافة إلى الاهتمام بالمؤلفات الوطنية وتشجيع المؤلف المبدع
القادر على إعادة صياغة عقلية الطفل العربي بشكل بناء.
البيان الإماراتية في 20
يناير 2008
سينما
العنف.. مضامين هدامة بإبهار تكنولوجي
وظيفة
الفن هي مواجهة الواقع ومحاولة توجيهه إلى الأفضل، إن أمكن، وحينما تصبح
المواجهة مجرد واجهة أو مجرد سمة من سمات الوجاهة يفقد الفن ملامح وجهه
وتتعثر بوصلته في تحديد اتجاهه.
هذا ما
نحاول أن نؤكده ونضعه بوضوح أمام كل فنانينا في العالم العربي، كي يقدموا
لأطفالنا شيئاً ذا قيمة، وأعمالاً تقف ضد الهجمة الشرسة لأفلام العنف
والخيال العلمي القادمة إلينا من الغرب، والتي تحمل أفكاراً ومضامين بعيدة
كل العبد عن عاداتنا وتقاليدنا.. والأهم طبعاً ديننا.إننا لا نزال نستعرض
قضية تحتاج بلا شك إلى آذان تسمع، وعقول تعي، فأطفالنا يحدق بهم الخطر من
كل جانب، بل للأسف اقتحم بالقوة بيوتنا في شكل زائر مقيم اسمه «التلفزيون».
«التلفزيون» أصبح مدرسة ثانية ومهمة جداً للأطفال بما يمتلك من صوت بشري
وموسيقى ومؤثرات صوتية ومؤثرات بصرية وخدع سينمائية وتوزيع إضاءة ومزج صور
وألوان، وبالتالي يعتبر من أهم العناصر التي تؤثر على نمط سلوكهم وعاداتهم.
ومن هنا
نتساءل: هل تقوم برامج التلفزيون المخصصة للأطفال بواجبها التثقيفي
والترفيهي بشكل جيد، وهل تؤثر سلباً أفلام العنف التي يشاهدها الأطفال على
شخصيتهم واتجاهاتهم؟
نستطيع
القول إن «برامج الأطفال الحوارية» التي تمتلئ بها القنوات الفضائية، شيء
ضروري ومطلوب من أجل تنمية قدرات الأطفال على التحاور، وفتح آفاق جديدة
للتفكير أمام الآخرين، ولكن القضية الأساسية تكمن في أن معظم هذه البرامج
تجمع أطفالاً من أعمار متفاوتة تبدأ من سن 5 سنوات حتى 12 سنة.
وبالطبع
تكون المعلومات التي تتحدث بها المذيعة متفاوتة، بالنسبة لإدراك كل عمر،
فالمعلومة التي يتقبلها الطفل صغير السن ويدركها تكون ساذجة بالنسبة للطفل
الأكبر سناً، والعكس صحيح أيضاً.
ولهذا
لابد من فصل الأعمار المختلفة خلال البرامج التلفزيونية، بمعنى أن يتوجه كل
برنامج إلى مجموعة من الأطفال متقاربة في العمر، حتى يسهل توصيل المعلومة
إليهم بصورة جيدة تحقق الهدف المنشود منها، وحتى لا تتحول هذه البرامج إلى
تحصيل حاصل.
وهناك
للأسف، بعض البرامج التي تلقن الطفل حواراً مسبقاً قبل الظهور على الشاشة ـ
وهذا قمة التخلف ـ لأن هذا النوع من البرامج يفرض على الطفل أحياناً جملاً
حوارية أكبر من سنه، فيظهر بمظهر الإنسان الناضج مما يفقده مصداقيته أمام
الأطفال الآخرين.
ومن أخطر
وسائل تثقيف الأطفال عبر القنوات الفضائية في عالمنا العربي، المسلسلات
والأفلام القادمة من الغرب، وإذا نظرنا نظرة شاملة على أكثر المضامين التي
قدمتها هذه الأعمال، سنكتشف خطورة تلك المضامين على عقلية الطفل العربي،
كما سنجد أن وجبة الخيال العلمي المقدمة بالفعل تترك الخيال ليتحرك بلا
حدود حتى يتحول إلى «قنبلة موقوتة».
ولنأخذ
مثالاً حياً على هذا من قصص أفلام «سوبر مان» و«الرجل الأخضر» و«الرجل
الوطواط» وغيرها، حيث نكتشف انها مليئة بالمغالطات والقيم الهدامة التي
تتنافى مع الأسس التربوية الصحيحة، فهي وان انتمت بالاسم إلى الخيال
العلمي، إلا أنها في الواقع لا تمثل إلا قصص خرافات تستعير من العلم أشكاله
الخارجية دون مضمونه الحقيقي، بالإضافة إلى ما يقدمه من صور للخير المطلق
أو الشر المطلق وهذا ما يتنافى مع طبيعة البشر، حيث إن الإنسان يحمل
الجانبين بداخله.
وهذه
الأعمال تقدم قيماً غريبة عن مجتمعنا، حيث يتحول البطل فيها إلى حاكم مطلق،
يصدر أحكامه على الأشياء سواء كانت خيراً أم شراً، بل وينفذها بنفسه والتي
قد تصل أحياناً إلى حد القتل، وهذا بالطبع لا يتفق مع الأسس التي يجب أن
نغرسها في نفوس الأطفال.
والأخطر
من كل هذا أن قصص أفلام البطل الخرافي، تزيف الحياة أمام عيون الأطفال،
عندما تجعل الثروة بمفرداتها من سيارات وطائرات وأجهزة حديثة، في متناول
البطل بدون توضيح الجهد الذي بذله ليحصل عليها، بل إنه أحياناً يحطم خلال
أحداث الفيلم ما يساوي الملايين من الدولارات، بغير أسف أو ندم، ثم يجد
غيرها ببساطة وهذا قد يجعل الطفل يتقاعس عن بذل الجهد اللازم للحصول على
الأشياء، والحفاظ عليها مما قد يدفعه للانحراف في المستقبل.
والمحزن
حقاً، أن معظم أفلام الغرب الأميركي تدور حول شخصيات تقدم العنصرية بأبشع
صورها للطفل العربي ولكن داخل إطار مغلف بالإبهار، فأفلام الغرب الأميركي
التي تحض على كراهية الهنود والتحريض على إبادتهم ترسخ في أذهان أطفالنا
قيم الاستهانة «بالبني آدم»، وهذا بالطبع يتنافى مع ما يجب تلقينه للطفل من
احترام الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه. وهناك نموذج آخر للأعمال الغربية
المقدمة للأطفال والمحببة إلى نفوسهم وهي أفلام «توم وجيري»، وهذه الأفلام
برغم شعبيتها في عالم الطفل، استطاعت أن تسرب العديد من القيم السلبية إلى
وجدان الطفل العربي في إطار محكم من الإبهار والكوميديا المبالغ فيها، فقد
أوحى هذا النوع من القصص بأن الحياة سلسلة من الفخاخ المدبرة، وتبادل كل
طرف إيذاء الآخر، مما يرسب في نفسية الطفل نمطاً خاطئاً من السلوك سهل
تقليده. وهذا ما يجعلنا في النهاية ندق ناقوس الخطر، خصوصاً أمام ما يفد
إلينا من برامج ومسلسلات وأفلام غربية دست لأطفالنا السم في العسل، من خلال
ما قدموه من مضامين هدامة تحض على العنف مغلفة بالإبهار التكنولوجي.
البيان الإماراتية في 20
يناير 2008
|