شعرة هي
التي تفرق بين الأدعاء والإيمان بقضية، وفي حين ميسرة قطع المخرج خالد يوسف
هذه الشعرة ليدخل في مناطق حكي متفرقة ومبعثرة، أراد أن يلقي بكل ما يحمله
من قضايا تشغل باله في سلة واحدة، فتمزقت السلة لتتبعثر هذه القضايا مرة
أخرى، أراد أن يظهر عيوب المجتمع المصري من خلال عشوائياته، فأظهر عيوبه
التكنيكية والسينمائية، لم يأخذ في اعتباره أننا في نهاية الفيلم تعاطفنا
مع الإرهابيين الذين يقتلون أفراد الشرطة، لم يأخذ في اعتباره أن كل
العلاقات في الفيلم مشوهة، وأن كل شخصياته مرضى نفسيين، وأنه لم يعط ولو
بارقة أمل واحدة على اعتبار أننا نجد في حياتنا الموجب والسالب، الطيب
والشرير، المجتهد والكسول، فالمجتمعات مهما كانت عيوبها لن تجدها كلها
معيبة ومشوهة، والمجتمع المصري مهما كانت سيئاته، فهو في النهاية يحمل
العديد من المزايا التي جعلته متماسكًا حتى الآن على الرغم من كل ما يحدث
فيه.
خالد يوسف
في فيلمه الجديد "حين ميسرة" يعود مرة أخرى لمباشرته الساذجة، والحوارات
العالية الصوت، وبعد أن قدم أفلام قد تدخل في نطاق الأفلام المتوسطة القيمة
الفنية، فإنه هنا يعود مرة أخرى ليقدم أسوأ أعماله السينمائية على مدى
تاريخه السينمائي القصير، وعلى الرغم من الدعاية الشديدة والمطولة لهذا
الفيلم، إلا أنه بالفعل قدم سينما سوداء بشكل فج وسطحي، لم يتعمق في
المشاكل التي أراد التحدث عنها منذ البداية، فظهرت باهتة الشكل فارغة
المضمون.
فيلم حين ميسرة يدور في ثلاثة محاور رئيسة، فبعد أن أنجبت "ناهد" سمية
الخشاب ابنها سفاحًا من عادل حشيشة "عمرو سعد" الذي رفض الاعتراف به وتركه
لها بحجة أنه لن يوفر له حياة كريمة، على الرغم من فقر الأم نفسها، فتتركه
الأم في حافلة السفر وهي عائدة إلى بيتها، وكأن كل الأمهات ترمي أبناءها
بهذه الطريقة، ومن هذه النقطة يتفرع الفيلم إلى ثلاثة خطوط، الأب وحياته
ومعيشته في الحي العشوائي، الأم وهروبها من زوج أمها الذي يحاول التحرش بها،
الابن الذي تتلقفه عائلة غنية وتربيه.
في كل خط
من هذه الخطوط يعيش المتفرج رحلة من العذاب والسواد والكآبة وكل المصطلحات
اللغوية التي تعبر عن هذه الحالة، فالطفل ترميه العائلة التي كانت تربيه
بعد ثماني سنوات، لأنهم أنجبوا طفلاً آخر، وهذا بالطبع كان مقصودًا من
المخرج الذي لا يريد أن يترك أي شخصية في فيلمه وإلا ويصيبها بالأمراض
النفسية، وأيضا حتى يتطرق إلى قضية أخرى من القضايا التي تشغله، وهي قضية
أطفال الشوارع الذين أصبحوا موضة هذا العام، وهذا الطفل يتعرف على فتاة
شوارع أخرى وينجبون طفلاً آخر، وهذا الخط كان من أضعف الخطوط الدرامية
بالفيلم، وتشعر وأن تشاهده أنه مقحم على السيناريو بشكل فج، فليس هناك أي
علاقة بينه وبين الخطين الآخرين في الفيلم، حتى أن الأب والأم نسياه تمامًا
ولم يذكراه إلا مرة واحدة فقط في عتاب مع النفس، وتجده في البداية ولأنه
طفل صغير منسيًا من قبل المخرج نفسه، فيتركنا مع الأب والأم بمشاهد طويلة،
ثم يعود بشوت واحد للطفل الصغير والعائلة تمرجحه أو تطببه أو تأكله.
الخط الثاني من الفيلم كانت الأم "ناهد" التي قابلت خلال
رحلتها من قريتها إلى مدينة الإسكندرية كل صنوف البشر، وكأنها كانت في رحلة
حول العالم، فسنجدها في الفيلم تواجه زوج أم مدمن يريد التحرش بها، وامرأة
شاذة تتحرش بها جنسيًا، ثم تعمل في بيت للدعارة، وتعمل راقصة، تتعرض
للاغتصاب من قبل ثلاثة شباب مدمنين، يستغلها صاحب كباريه في جذب الزبائن،
رجل أعمال فاسد في دفع رشاوى لموظفين في الدولة، ومواقف أخرى متكررة،
وكأنها الفتاة الوحيدة في العالم كله، وسقطة درامية أخرى في الأحداث عندما
تتعاطف معها بالرغم من أنها رمت ابنها في حافلة، تركت أسرتها وهربت، عملت
في الدعارة، وكأن كا فعلته كان هو السبيل الوحيد لها بعد ما قابلته من عدم
اعتراف الأب بابنه.
الخط
الثالث للأب "عادل حشيشة" العاطل الفقير الذي يصرف على أمه وأخوتها، لا
نعرف بالضبط ماهية شخصيته، هل هو طيب أم شرير، قاسي أم حنون، مجرم وبلطجي
أم مجني عليه، ففي الفيلم تجده في جميع هذه الحالات حسب الموقف الدرامي
الذي يريده فيه المخرج ومؤلف العمل، يربط أمه كي يسرق منها ذهبها، ثم
يتركها بعد أن تبكي، يبيع المخدرات لصالح تاجر، ثم يعود ويصبح حاميًا
لمنطقته وفتوة لا يقهره شيء، لا تجار المخدرات ولا الجماعات الإسلامية ولا
الشرطة نفسها، يساعد الشرطة ويرشدها للقبض على المجرمين بمنطقته، ثم يساعد
الجماعات الإرهابية في عمل كمين للشرطة، يتعرض للقهر والظلم ويدخل السجن في
جريمة لا علاقة له بها، بالرغم من الجرائم الأخرى الكثيرة التي ارتكبها.
ثلاثة
خطوط للفشل
1-
الجماعات الإرهابية الموجودة بالفيلم، والتي يقولون إنها تابعة لتنظيم
القاعدة، تتكون من مجموعة من المجرمين والبلطجية، يتم إدارتهم بأسلوب
الثمانينات، تخيل جماعة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تهاجم فرحا شعبيا
وتوقفه، وتخيل أيضًا أنهم كانوا مقنعين، تخيل معي جماعة إرهابية أميرها
أحمد بدير!!! إنهم فعلاً جماعة تثير الشفقة.
2- الأب
والأم وكل شخصيات الفيلم منذ أن يبدأ الفيلم وحتى نهايته وهم بالشكل نفسه،
لم يصب أحدهم بالصلع، أو يبرز كرش لآخر، عامل الزمن على الرغم من كل ما
قاسوه خلال ثمانية عشر عامًا، لم يترك ولو حتى أثر بسيط على وجوههم.
3- أغفل
المخرج وكاتب السيناريو أمرًا في غاية الخطورة، فهو من البداية وهو يشحن
الجميع ضد الشرطة وممارستها وظلمها وقهرها للمواطنين، وفي نهاية الفيلم
تنصب الجماعة الإرهابية كمينا للشرطة التي تحاول القبض عليهم، فتقتل وحدة
كاملة وتفجر المنطقة بالكامل، والغريب أننا كمشاهدين لم نتعاطف مع الشرطة
لأننا مشحونون ضدها من البداية، وهو أمر خطر للغاية وخلط للمفاهيم.
النقطة
الإيجابية الوحيدة في هذا الفيلم كانت في الممثل عمرو عبد الجليل، فهذا
الفيلم كان بمثابة إعادة اكتشاف لقدرات هذا الممثل التمثيلية، كان مجرد
ظهوره على الشاشة يضحك الناس، استطاع بتلقائية شديدة أن يؤدي شخصية المدمن
العشوائي الفقير المتزوج من امرأتين ولا يستطيع الإنجاب، أما الممثلة وفاء
عامر فقد كانت في قمة توهجهها الفني ونضجها، ولكن المخرج من الواضح انه
نسيها بعد الثلث الأول من الفيلم، أما بطل الفيلم عمرو سعد فلم أفهم سر
التكشيرة الدائمة الموجودة على وجهه طوال أحداث الفيلم، وكأنه وضع في عقله
أن التكشيرة يجب أن تكون مصاحبة لكل شخص يعيش في منطقة عشوائية.
فيلم حين
ميسرة بكل ما فيه من سواد وكآبة، يدفعك للخروج من السينما وأنت تبحث عن
مكتب سفريات، علك تجد الخير في الهجرة إلى بلد آخر.
قصة
الفيلم:
عادل
حشيشة يعيش في حي عشوائي، ويقيم علاقة مع ناهد الفتاة الهاربة من تحرش زوج
أمها، لا يعترف بابنه منها، فتترك الابن في أحد الحافلات، ويعيش كل من
الثلاثة في حياة مختلفة.
معلومات
عن الفيلم
إخراج:
خالد يوسف
تأليف:
ناصر عبد الرحمن- خالد يوسف
إنتاج:
الباتروس
سنة
الإنتاج: 2007
بطولة:
سمية الخشاب- عمرو سعد- عمرو عبد الجليل- أحمد بدير- أحمد سعيد عبد الغني-
وفاء عامر
نوع
الفيلم: إجتماعي
طول
الفيلم: 115 دقيقة
الفيلم
صالح للمشاهدة لفئة:
PG18
muhammadabdelaziz999@hotmail.com
موقع "إيلاف" في 14
يناير 2008
|