بسهولة، يمكن اختيار عشرة أفلام عربية روائية طويلة كأعمال
مميّزة وذات مستوى فني جيّد. وبنفس السهولة يمكن اختيار عشرة أفلام عربية
تسجيلية طويلة من نفس المستوى والقيمة، وإذا ما بحثت ستجد أن الدول العربية
بمجموعها أنتجت في العام المنصرم نحو 72 فيلماً من النوعين المذكورين
بالإضافة إلى أطنان من الأفلام القصيرة، روائية وتجريبية ووثائقية.وهذه
الأفلام جاءت من أربعة أنواع من الدول:دول لم ينقطع الزخم منها طوال كل
تاريخها السينمائي، وهي بالتحديد السينما المصرية التي أنتجت العام الماضي
وحدها نحو 50 فيلماً روائياً، وقرابة عشرة أفلام وثائقية طويلة.
دول تشهد رواجاً ونشاطاً صحيّاً متقدّماً على الرغم من اختلاف
أرقام الأفلام المنتجة فيما بينها. تحديداً السينما اللبنانية التي أنتجت
في العام الماضي نحو عشرة أفلام روائية وتسجيلية طويلة والسينما المغربية
التي ارتفع عدد إنتاجاتها، حسب بعض المصادر، إلى 33 فيلماً في العام
الماضي. كذلك السينما في فلسطين التي رغم الحصار والظروف وكل ما يخطر على
البال وما هو معروف من محاولة قضم الحياة الطبيعية للإنسان الفلسطيني أنتجت
أكثر من عشرة أفلام وثائقية متوسطة وطويلة وفيلماً روائياً لا يزال في
المعمل لإجراء تعديلات طلبها المخرج علي نصّار، والفيلم بعنوان “في انتظار
صلاح الدين”.
النوع الثالث هو الدول التي تنتج أفلاماً بلا انقطاع لكنها
-لسبب أو لآخر- عانت من تراجع عددي أو من انحصار الكم في عدد ضئيل. في هذا
النطاق نتحدث عن السينما في كل من تونس وسوريا والجزائر، علماً بأن الأخيرة
شهدت ارتفاعاً في العدد لكنه لا ينم عن العودة إلى سابق عهدها من
الإنتاجات، هذا العام شاهدنا فيلمين سوريين جديدين هما “الهوية” لغسان شميط
و”خارج نطاق التغطية” لعبداللطيف عبدالحميد، وفي الجزائر “البيت الأصفر”
لعمر حكّار و”وراء المرآة” لنادية شرابي العبيدي، وهما عملان جديدان في
السينما الجزائرية، أيضاً بالرغم من الظروف الأمنية الصعبة.
النوع الرابع هو الذي يشمل دولاً قليلة الإنتاج وأخرى متباعدة
الإنتاج.
هناك فيلم إماراتي جديد واحد على الأقل عنوانه “رمال الصحراء”
لماجد عبدالرزّاق، الكويت أعطت فيلمين تجاريين بحتين، ومخرجون من السعودية
صوّروا أفلاماً في المملكة وخارجها والمخرج البحريني بسام الذوادي أنجز
فيلماً جديداً كمنتج ويستعد لفيلم آخر من إخراجه هو الرابع له.
لكن في هذه الرزمة من الدول هناك دولتان لم تعرفا السينما منذ
جيل أو اثنين وشهد العام الماضي ولادة عمل جديد في كل منهما. الأردن أنجز،
لجانب أفلام تسجيلية مثيرة منها “قمر 14” و”إعادة خلق”، الفيلم الروائي
الطويل “كابتن أبو رائد”، والسودان عاد إلى نشاط فردي يتيم بعنوان “أتراب
غرباء” حققه مصطفى إبراهيم محمد ويبدو أنه صوّر جزءاً منه في الإمارات.
سببه
الفضول
كل هذه الملاحظات وسواها تؤكد أن العلاقة القائمة بين السينما
والحياة على اختلاف وجوهها، الجماهيرية والثقافية والإبداعية قويّة اليوم
أكثر من أي وقت مضى، فإذا ما أضفنا إلى كل ذلك، السعي الحثيث من قبل عدّة
دول عربية لتشجيع الصناعة السينمائية، كل منها من زاوية مختلفة، تبدّى لنا
أن السينما العربية -بكيانها القومي الشامل- لم تعش مثل هذه النهضة ربما في
حياتها كلّها، صحيح أن هناك الكثير مما تستطيع كل هذه الدول فعله للتقدم في
هذا المجال لكن الصحيح أيضاً أن تقدّماً كبيراً تم إحرازه في السنة الماضية
فعلاً.
السينما هي فيلم ومُشاهد، هذا هو التعريف المجرّد ومن قبل أن
يُصار إلى إدخاله فلترات وجهات النظر المختلفة والتصنيفات النابعة، عن حق
أو باطل، من مفاهيم متعددة. وهي، على هذا الأساس المبسّط، لا زالت الصناعة
الأكثر شمولية في العالم. ليس هناك صناعة مثلها تستطيع أن تحتوي الجوانب
المتعددة التي تصوغ حياتنا العامّة والثقافية: إنها صناعة القصّة (الفيلم
الروائي)، كما صناعة الواقع (السينما الوثائقية)، وهي الفن والتقنيات
والخيال الجانح والحرف الفنية المختلفة أمام الكاميرا وخلفها، إنها الوسيط
الإعلامي الممكن استخدامه لصياغة المفاهيم وخلق الجدل والترفيه المطلق،
الذي يجعل الناس قادرة على الترويح عن النفس بقدر نجاح الفيلم الواحد في
توفير هذه المتعة.
والسبب في استمرارها ليس خافياً. حول العالم، وكل يوم من مطلع
القرن الماضي، هناك ملايين البشر الذين يدخلون صالات السينما لمشاهدة
الأفلام المعروضة، لا التلفزيون حدّ من ذلك ولا الفيديو ولا أسطوانات
الأفلام الحديثة، كل يوم ملايين الأشخاص يدخلون فرادى أو جماعات يتوزّعون
في القارات الخمس الكبرى وغيرها من الجزر وأشباه القارات، من مصر إلى
الفيليبين ومن فنلندا إلى الأرجنتين بما في ذلك الهند والصين وأندونيسيا
والولايات المتحدة وروسيا حيث أكبر التجمّعات البشرية.
سبب واحد في هذا الاستمرار هو الفضول. كل فيلم جديد يثير
فضولاً متفاوتاً في عدد المستجيبين إليه. لكنه الفضول في معرفة القصّة وفي
معرفة ما وراء القصّة، الفضول في السباحة إلى أقصى الخيال أو الاطلاع على
الحقيقة والواقع.
الإقبال
الكبير
الأرقام التي نشرت قبل أيام، تفيد بأن المد العام مقبل غير
مدبر، إنها الأرقام التي أعلنتها هوليوود عن نشاط السينما بها في العام
الماضي، والتي تنص على عدد من الحقائق المهمّة.
* مجمل الإيرادات التي حصدتها الأفلام الأمريكية في الجزء
الشمالي من القارة الأمريكية (الولايات المتحدة، كندا والمكسيك) بلغ تسعة
مليارات و700 مليون دولار.
* عدد التذاكر المبيعة مليار و240 مليون تذكرة.
* الإقبال ارتفع عن العام الأسبق (2006) بنحو أربعة في المائة.
* هذه الأرقام الإجمالية هي حصيلة الإقبال على دور السينما
وحدها، أي من دون حسبان الموارد الأخرى كالبيع للتلفزيونات أو مبيعات الدي
في دي والفيديو الخ.
إذا فحصنا كل ذلك عن كثب سنجد أن الإقبال لم يكن ليحدث لولا
قوّة الإنتاجات المعروضة. من ناحية علينا نقدياً أن نقيم الأفلام القاصدة
ترفيهاً جماهيرياً، إنما بالقدر ذاته ننتقد أيضاً الأفلام المستقلة
والبديلة والمختلفة عن السائد، وأن ندرك أن هناك الجيّد والرديء في كل نوع،
والحكم عند الناقد لا يجب أن يكون مزاجياً أو تبعاً لمفهوم مغلق لا يتقدم
أو يتأخر.
السينما الأمريكية قدّمت في العام الماضي الكثير من الأفلام
التي شكّلت حلقات في مسلسلات تأسست سابقاً، الأفلام العشرة الأولى للعام
الماضي تحتوي على عدد ملحوظ من أفلام السلاسل مثل “سبايدر مان 3” الذي
أنجز وحده 336 مليوناً و500 ألف دولار ومثل “شرك الثالث” الذي
حصد 312 مليون دولار و”قراصنة الكاريبي 3” الذي أنجز 309 ملايين دولار.
للمرّة الأولى في تاريخ هوليوود، أربعة أفلام حقق كل منها أكثر
من 300 مليون دولار (الفيلم الرابع هو “ترانسفورمرز” الذي جمع 321 مليون
دولار).
تراجع
مما سبق يتبيّن أن وراء البذخ الذي تصرفه هوليوود على أفلامها
له مبرراته، تسعة من الأفلام الأكثر رواجاً للعام بأسره، هي من النوع
الفانتازي أو الخيال العلمي أو “الكوميكس” أو الرسوم المتحركة. الفيلم
العاشر هو أكشن بكاميرا واقعية وحكاية خيالية. هذا الفيلم هو “إنذار بورن”
لبول جرينجراس الذي حل سادساً في القائمة بإيراد وصل إلى 227 مليون دولار،
ثم هناك اسطوانات الأفلام (DVD).
والأرقام المذكورة ستكون مختلفة وأقل إثارة للذهول لو أن سوق
الأسطوانات جاء قويّاً في العام المنصرم.
بعد انحدار مبيعات أشرطة الفيديو، بسبب انتشار الأسطوانات،
فوجئت الصناعة السينمائية في هوليوود بانحدار ملحوظ في مبيعات الأسطوانات
ذاتها، إلى الآن ليس هناك تبرير معروف أو سبب مفهوم لهذا الانحدار، فقط
أرقام تقول إن ما تم تسجيله على صعيد بيع الأسطوانات هو أقل بنحو عشرة في
المائة عما كان عليه في العام الأسبق. وهذا الرقم لا يزال مبدئياً إذ قد
يكون الرقم أعلى.
من ناحية أخرى، فإن الأفلام الناجحة تجارياً، أكثر من سواها
تخلو جميعها من أية رسالة اجتماعية، لن تجد في “شرك الثالث” أو “سبايدر مان
3” أو “ترانسفورمرز” أي خطب سياسية أو أبعاد ذات دلالات فكرية أو نقدية.
لكن في حين يتوقّف مراقبون غربيون، وينقل عنهم مراقبون عرب،
عند ملاحظة أن الأفلام ذات الأبعاد السياسية، سقطت في عروضها عموماً، إلا
أن أية نتيجة مخالفة لذلك الإخفاق كانت ستخلق مفاجأة بالغة الدلالات لو
حدثت، بكلمات أخرى، الأفلام ذات الأبعاد السياسية لا تحقق نجاحاً كبيراً
إلا فيما ندر، والحرب العراقية التي دارت عنها هذه الأفلام ذات الأبعاد
السياسية، مثل “وادي إيلاه” و”إعادة صياغة” و”اداء” و”وطن للشجعان”، هي حرب
غير شعبية أو محبّبة لمعظم البشر على الأرض، وإخفاقها التجاري هو نتيجة عدم
شعبية تلك الحرب بين المشاهدين، كما لو أن رفضها امتد -عن صواب أو خطأ-
ليشمل رفض أفلامها حتى ولو كانت هذه انتقادية.
أوراق
ناقد ...
عودة
إنديانا
اتفقت جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود مع جمعية الكُتّاب
الأمريكيين على أن تسمح الثانية للأولى باختراق الإضراب المفتوح الذي يدخل
الآن شهره الثالث وإقامة الحفلة السنوية لتوزيع جوائز الجولدن جلوبس.
محامو الجهة الأولى خاضوا مباحثات صعبة لكنها مرضية مع
الجمعية، للوصول إلى اتفاق يقضي، فيما يقضي، بعدم تنظيم تظاهرات أمام فندق
الهيلتون، لمنع الناس من الوصول إلى الحفلة يوم التاسع عشر من الشهر
الحالي، الخطوة التي عادة ما تتسبّب في عرقلة الحركة وتفضيل كثيرين عدم
المجيء إلى الحفلة على حضورها والتعرّض إلى مشاهد للكتّاب، وهم يرفعون
اللافتات ويندّدون بالقادمين، خصوصاً إذا ما كانوا منتجين ممتنعين، من
جانبهم، عن القبول بمنح الكتّاب حصصاً من المبيعات التي تتم للأفلام التي
كتبوها على الوسيط الجديد: الإنترنت.
هذا، كما سبق لي وذكرت حين بدأ الإضراب، هو أحد أهم الأسباب
التي من أجلها يضرب المضربون في هوليوود. يا ليت هناك إضراباً ضد إسفافات
الكتابة، مثلاً، عوض أن يكون الأمر مجرّد حصّة من قطعة الحلوى التي تضخّمت
بلا ريب.
***
ليس فقط أن معظم الأفلام ذات القيمة لا تصل إلى أسواقنا، بل
أيضاً معظم المجلات السينمائية، ليس لها موزّع في البلاد العربية. وإحدى
المجلاّت الرائعة المتخصصّة والغائبة هي “فيلم كومنت” الأمريكية التي تقدم
في عددها الجديد على نشر مقال حول الراحل إنجمار برجمن، وآخر حول فيلم
برايان دي بالما “مُصاغ” وفيلم نك برومفيلد “المعركة من أجل حديثة”، الأول
روائي والثاني وثائقي حول الحرب في العراق.
لكن أحد أهم المواضيع في هذا العدد، هو ذلك الذي كتبه جفري أو
برين عن فيلم “لا بلد للمسنّين” ملاحظاً:
“كل لحظة تبدو مشحونة. ليس هناك تنازلات. لا هواء للتنقية. هذا
فيلم الحركة فيه تنضوي على قدر كبير من السرعة والفوضى، وهي معلّق عليها
بسلسلة من الصور الرائعة”.
الموضوع جدير بالقراءة لأنه تعليق غير مباشر على ما وصفه مدير
التصوير روجر ديكنز، حين استلم السيناريو وقرأه إذ قال: “أدركت أنني في
رحاب سام بكنباه”، وسام بكنباه، لمن لا يعرفه مخرج قدّم، مثل الروسي أندريه
تاركوفسكي، أفلاماً قليلة، لكن كل واحد منها (أو معظمها على الأقل)، له
مكانة في تاريخ السينما لا يجاوزه آخر. ربما يكون هذا موضوع صفحة مقبلة.
***
مجلة “فانيتي فير” مجلة سينمائية لديها دائماً ما هو شيّق حول
الوسط الإعلامي بصورة عامّة: سينما أو تلفزيون أو صحافة، في صدارة العدد
الجديد موضوع سينمائي سيهم جمهور سلسلة “إنديانا جونز”، بدءاً بصورة غلاف
تجمع بين هاريسون فورد، وشيا لابوف، وفي الداخل تحقيق كبير عن الجزء الرابع
من السلسلة، الذي أنجز تصويره المخرج ستيفن سبيلبرج بعد تسع عشرة سنة مرّت
على الجزء الثالث.
لست معجباً رئيسياً بأي فيلم يهين العرب، والجزء الأول من هذا
المسلسل (“تابوت العهد المفقود”) فعل ذلك. إلى هذا، لست معجباً بأفلام
“أكشن” عاطفية وإثارية الشأن، لكني لن أنسى أن الأفلام الثلاثة السابقة
حققها سبيلبرج قبل توجّهاته الناضجة اللاحقة التي كان آخرها “ميونخ” الذي
لا زلت أصر على أنه حاول التوازن بين الفريقين الفلسطيني و”الإسرائيلي”،
معتبراً أن العنف يجب ألا يواجه بالعنف، بكلمات أخرى، وعن قصد أو غير قصد،
قال: العنف الفلسطيني الذي وقع في دورة ميونخ للألعاب الأولمبية ووجه بعنف
(أو إرهاب) الدولة “الإسرائيلية” وهذا خطأ فادح لا زلنا، وهو ينتقل بالمشهد
الأخير إلى نيويورك، نعاني منه إلى اليوم.
***
أخيراً، لابد من ذكر أن الممثل الفنلندي ماركو بلتولا، توفّي
يوم الإثنين الماضي. متابعو تغطية هذا الناقد من “كان” قد يتذكّرون أنه
الممثل المفضّل لدى المخرج الفنلندي آكي كوريسماكي وظهر تحت إدارته في
ثلاثة أفلام على الأقل هي “سحب منسابة” (1996)، و”جوها” (1999)، و”الرجل
بلا وجه” (2003)، وكان أكثر تأثيراً في هذا الفيلم لاعباً دور رجل بلا
ذاكرة يحاول بناء حاضره.
م.ر
email: merci4404@earthlink.net
log: shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في 6
يناير 2008
|