اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رحيل العملاق يوسف شاهين

 

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

شاهين وأبو سيف والعقاد: ظلال التشابه وأوجه الاختلاف

فرسان السينما العربية 'الثلاثة'

القاهرة- من كمال القاضي

 
     
  

للسينما العربية ثلاث قامات كبرى تتمثل في يوسف شاهين ومصطفى العقاد وصلاح أبو سيف، وربما يحتم رحيل المخرجين الثلاثة المقارنة بينهم، باعتبار ان انتهاء المسيرة الفنية يتيح الفرصة لتأمل الأعمال وإبداء الرأي فيها دون تأثير أو مراعاة العلاقة الشخصية أو الخوف من إحراج أي من الأطراف، فالناقد يتحرر تماما من أي ارتباط شرطي بين ما يكتبه وردود الأفعال من جانب المعنيين بالرأي، ومن هنا تتسم الاحكام بالموضوعية الى حد كبير، ولو بدأنا بيوسف شاهين بوصفه الأحدث في الرحيل سنجد أنه بدأ حياته الفنية باعتماد المنهج الواقعي والاهتمام بالقضايا المحلية التي رأى أنها قاعدة الانطلاق الى مناقشة القضايا الدولية وعلى هذا الأساس كانت تجاربه الأولى 'بابا أمين'، 'الأرض' فالأول كان مهموما بواقع الموظف العام وحياته الاجتماعية والأسرية، والثاني اعتنى برصد حياة الفلاح المصري البسيط وتحديات التغلب على الفقر ومواجهة الإقطاع ورأس المال المستغل، كذلك كان فيلم 'باب الحديد' عزفاً على نفس الوتر فقد اتخذ من محطة قطار باب الحديد نموذجا للصراعات الاجتماعية بين الطبقة العمالية وأفرد مساحة لحق هؤلاء البسطاء في الحب والرومانسية من خلال الأبطال الرئيسيين والثانويين الذي كان يوسف شاهين يؤمن بأنهم وقود قطار الحياة الذي يدفع بالمجتمع الى الأمام، لذا كان رمز القطار قريبا جدا من المعنى الواقعي ولم يجد المشاهد صعوبة في استيعاب ما بين السطور، وكذلك قدم فيلم 'صراع في الوادي' أطروحة أخرى لمشاكل الجنوب في صعيد مصر وفتح بجرأة ملف الثأر الذي ارتبط بكثير من جرائم القتل، ولكنه أي يوسف شاهين لم يلتزم هذه العادة المزمومة ولم يوجد مبررات لها وانما حافظ على نقاء البطل عمر الشريف وجعل من القانون الرادع الشرعي والأساسي لكافة الجرائم المماثلة والمشابهة وفضل أن تكون النهاية قانونية وأن يتم القبض على الجاني 'فريد شوقي' لتأخذ العدالة مجراها، بيد أنه في الأفلام التي تخلى فيها عن الواقعية وأطلق العنان لأفكاره الخاصة بكل ما تحمله من تأثر بالاتجاهات الغربية أو غيرها حاول أن يضع أفلامه على الخريطة العالمية فلجأ الى تجريد اللغة والصورة متوهما ضمان وصول المعنى الى عقل المشاهد لظنه بأن ما قدمه من رصيد فني كبير قد خلق له قاعدة جماهيرية مدربة على استقبال الإشارات التليغرافية وفك شفرتها الفنية والسياسية، والحقيقة ان ذلك لم يكن يعكس ثقة مفرطة في قدراته الثقافية والتكنيكية وثقة موازية في جمهور لم يصمد طويلا أمام النمط الجديد من الافلام التي تجاوزت حدود المعقول في الرؤية الرمزية الفلسفية وكان من بينها فيلم 'العصفور' وفيلم 'حدوتة مصرية' كبداية لتيار امتد عبر سلسلة افلام اتهم فيها شاهين بالبعد عن الذائقة العربية وشواغل الواقع الشرقي الذي ينتمي اليه، ومن هنا بدأت رحلة الصعود الى الهاوية وواجه الفنان حملات نقدية مسعورة أشارت في مضمونها الى ارتماء المخرج العربي الكبير في احضان فرنسا سعيا الى العالمية وجريا وراء التمويل المفتوح ولم يفت البعض ان يشكك في هويته العربية وانتماءاته القومية كوسيلة للطعن في تميزه الفني وعدم إتساقه السياسي مع ما يزعمه من نزعات تحررية مناهضة للغرب، وفي هذا الحكم ثمة تجني على الرجل فليس معنى البحث عن رأس مال حر يمكنه من انتاج ما لم تستطع شركات الانتاج التجارية تحمله في حالة الخسارة أن يكون عميلا للغرب أو متواطئا ضد أوطانه فالأفلام التي انتجت انتاجا مشتركا انتقد فيها السياسات الغربية تجاه العرب وانتقد مشروع العولمة وحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية ما يحدث من انتهاكات وعنصرية وحصار اقتصادي وهذا ثابت وواضح في بعض أفلامه ربما أبرزها فيلم 'الآخر' الذي ركز فيه على هذه القضية مما يؤكد براءته من التهم المنسوبة إليه ويجعل الظن بأنه اتجه الى فرنسا لتمويل أفلامه الأخيرة من باب ضمان رأس المال وتجنب الخسارة هو الأقرب الى الحقيقة وذلك بالطبع عملا مشروعا طالما انه لم يندرج تحت بند التجسس أو التخابر او بيع الهوية، وكان بإمكان يوسف شاهين أن يختار فرنسا موطنا دائما له لو لم يكن حريصا على البقاء في مصر والعيش تحت سمائها ويكفي 'جو' فخرا تصديه الشرس للتطبيع الثقافي مع إسرائيل وإن طبع مع العالم كله.

نأتي للمخرج الكبير 'صلاح أبو سيف' رائد الواقعية المصرية بعد المخرج الراحل ايضا 'كمال سليم' صاحب فيلم 'العزيمة' أول فيلم واقعي عربي فأبو سيف ربما كان يعتبر يوسف شاهين منافسا قويا له في بداياته، إبان عرض 'باب الحديد والأرض' لكنه لا شك اطمأن بعد ذلك لدخول منافسه في اتجاه آخر يصور الواقعية بشكل آخر ويربطها بالرمزية بعيدا عن منهج صلاح أبو سيف الذي تجسد في أفلام مثل 'الزوجة الثانية والقاهرة 30 وبداية ونهاية والمواطن مصري'، حيث ناقش قضايا سياسية مهمة في قالب اجتماعي بحت فقد طرح قضية الديكتاتورية والاستغلال والطبقية بشكل مبسط في الزوجة الثانية وقضية الدعارة السياسية وعلاقتها بدعارة الجسد والأفكار والمقايضة على الأخلاق والمبادىء بالمال والمناصب دونما المبالغة في استخدام الاسقاطات او اللغة المركبة كما جاء في فيلم 'القاهرة 30' كذلك رصد أبو سيف مساوىء الفقر وأضراره والمشكلات الجسيمة الناتجة عنه من خلال تجسيده لواقع أسرة من الطبقة المتوسطة تفقد عائلها وتواجه الرياح والأنواء وينحرف الأبناء أمام وطأة الحاجة وذل الحصول على لقمة العيش فتتبدد أحلام الأم وتبقى خيبة الأمل هي العنوان الرئيسي للأسرة المنهارة المعدمة في تراجيديا انسانية لفيلم 'بداية ونهاية' المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، وفي 'المواطن مصري' يعالج المخرج الواقعي العملاق قضية الإقطاع وهيمنة الأثرياء على مقدرات البسطاء والتحكم في مصائرهم بذات المرجعية الرافضة لحكم الرأسمالية والمنحازة الى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ولم يغير صلاح أبو سيف من حرفيته السينمائية أو اسلوبه الفني الدرامي إلا في فيلم 'البداية' وهو الاستثناء الوحيد الذي استخدم فيه لغة الرمز لإصابة وإدراك المعاني المستهدفة والتي تمحورت في هذا الفيلم حول مفهوم الديمقراطية وابتعادها الكلي عن حكم الفرد واستبداد القوة وفي فيلم 'البداية' فقط اقترب صلاح أبو سيف نسبيا من اسلوب يوسف شاهين، لكنه لم يلبث أن عاد الى منهجه الخاص مرة أخرى.

قد تكون المقارنة بين شاهين والمخرج السوري الكبير مصطفى العقاد أوقع من المقارنة بينه وبين أبو سيف فالإثنان ينتميان الى التيار القومي العروبي، كما ان لهما نفس الخبرات في التعامل أو الاقتراب من السينما العالمية برغم خصوصية كل منهما واختلاف أوجه التعامل واشكاله، فالعقاد له تجربة أكثر ثراء في هذا المضمار فقد شارك في اخراج العديد من أفلام 'رعاة البقر' كمساعد ثانٍ وأول في بداية حياته الفنية بالخارج ولكنه لم يتأثر بهذا النمط الاستهلاكي من السينما التجارية، بل على العكس ظل يناهضها وتبرأ من معظم الأفلام التي شارك فيها وأرجع تجربته الخاصة جدا الى ظروف المناخ السينمائي والمرحلة التي عمل فيها مساعدا لمخرجي هوليوود والمرحلة التي عمل فيها مساعدا لمخرجي هوليوود الكبار واعترف بأن ما قدمه لم يكن سوى تدريب وتجريب وان السينما الحقيقية شيئا آخر بعكس شاهين الذي ظل يدافع عن كل أفلامه المصرية الفرنسية حتى آخر يوم في حياته لكونه بدأ مرحلة الانتاج المشترك مع فرنسا وهو مكتمل الخبرة والنضج ولم يكن يعتبرها تنازلا بأي شكل من الأشكال، أما مصطفى العقاد بتجربته العالمية الواسعة كان لديه الفرصة للتدرج المرحلي والتحول والصعود، لذا لم يعتبر أفلامه الأولى التي عمل بها مساعد مخرج منسوبة إليه ومن ثم فإن تقييمه يبدأ من أول فيلم قام بإخراجه كاملا وما تلاه من أفلام أخرى أبرزها 'عمر المختار' وهو فيلم عالمي قبل المقاييس له خصوصية التوثيق التاريخي وبراعة الأداء الفني وأكاديمية الاستخدام التقني العلمي لكافة الأدوات التاثيرية فهو يحاكي دراميا الواقع القاسي والمرير الذي عاشه المواطن الليبي تحت الاحتلال الايطالي ويجسد فروسية ونبل المناضل العظيم عمر المختار وهذا الفيلم كان نواة اتجاه سياسي توثيقي للسينما الروائية الطويلة عند العقاد فبعده جاء فيلم 'الرسالة' يحمل نفس الطابع الاستشهادي لسيدنا حمزة أول شهيد في الإسلام وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبرغم اختلاف الديانة بين شاهين والعقاد، إلا أن كلاهما دافع عن الإسلام وقدم صورة تنويرية له فالأول سجل هذه الشهادة في فيلمه 'الناصر صلاح الدين' والثاني أكدها في 'الرسالة' ليغلقوا الدائرة السينمائية على المعنى الايجابي لمفهوم الوطنية والمواطنة بعيدا عن أي اختلافات أخرى جوهرية أو عرضية، حيث انطلق المخرجان الكبيران من القاعدة الاساسية وهي وحدة الوطن وعروبة الهوية فاستحقا ان يعيشا طويلا برغم الرحيل.

القدس العربي في 15 أغسطس 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)