اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

رحيل العملاق يوسف شاهين

 

وداعاً شاهين

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

عندما قدمت نفسى لـ«شاهين» كممثل فى فيلم «المصير»؟

ذكريات تتحدى الغياب!

محمد جمال

 
     
  

انبهارى به.. وبحالة الصخب والجدل التى يثيرها بشخصه وأفلامه.. لم يكن إلا انبهار بنموذج مصرى عاش زمن التسامح الذى كثيرًا ما سمعت عنه من أمى يوم أن كان جيرانهم الست إيميلى.. وعم خورى.. وعم دبانة بجانب صابر أفندى «أبو توكل».. وكان ذلك فى مدينة «المنصورة»! عشت هذه الحالة مبهورًا لأول مرة فى فيلم «الوداع يا بونابرت» حين قدّم بونابرت وحملته من منظور تأثير «المطبعة» وليس «المدفع» على مصر! 

وكنت بصدد إجراء حوار لصحيفة «عكاظ» السعودية.. وأحمل فى يدى نسخة من الصحيفة بها ترجمة لرواية أندريا شديد «اليوم السادس» التى قدمها كفيلم بطولة داليدا.. وفوجئت به يسألني: أنت حصلت على إذن من المؤلفة بترجمة روايتها؟.. وفى تأتأة وتلعثم قال: اتعلم أنك تحترم جهد المؤلف علشان تبقى صحفى أمين! 

ثم سألني: وهمّ السعوديون مهتمون بالسينما المصرية علشان يقرأوا حوارا لواحد بيقول للأعور يا أعور فى عينه! 

ولمّا شعر أننى تحولت أمامه إلى كتكوت مبلل!!.. فوجئت به وفى عاطفة لم تخلت من الدعابة تشرب إيه يا واد.. أنت بتفكرنى بـ «على الشريف»!.. وكانت هذه بداية حميمية لأفك عقدة لسانى.. ودار الحوار وكان أبرز سؤالين فيه: 

ـ البعض يراك مخرجًا مصريًا ترتدى «القبعة».. أو بالأحرى بوقًا للفرانكفونية؟! 

ورد فى غضب: إذا كان هذا ينطبق على فيلم زى «بابا أمين» و«الأرض» و«باب الحديد» و«صلاح الدين» فهم «حمير»!.. وإذا كنت تقصد بهذا البعض «النقاد» فليس عندنا نقاد باستثناء اثنين أو ثلاثة.. والنقاد لم أستفد منهم إلا بمقدار ما أسهموا به فى ذيوع صيتى.. وماعدا ذلك فالنقد قائم على الشللية ومين عارف مين فى الوسط الفنى والصحفي! 

ثم أردف: وعلى فكرة الكلام ده قيل بعد فيلم «القاهرة منورة بأهلها»!.. وده من أجمل وأصدق أفلامى لأننى لم أُقدم فيلمًا سياحيًا فهذا ليس شأنى.. أنا قدمت هموم القاهرة بسلبياتها. 

وأنا أقدم أفلامى من منظور «مواطن غير راضٍ عن الأوضاع العامة».. لأن الفنان الذى ينظر نظرة وردية لمجتمعه عليه أن يعمل فى شركة سياحة.. أو شركة إعلانات، وأنا لن أصفق لأحد!.. ولن يشترينى أحد!! 

أما السؤال الثانى فكان إسكندرانيًا بامتياز: إسكندرية دايمًا حاضرة فى أعمالك بكل ما فيها من «تعايش وتسامح» بين المصرى.. والخواجة.. هل هذا حنين أونوستالچيا لزمن جميل؟ 

ـ شوف.. إسكندرية هى «الآخر» وكان جيراننا فرنسيين ويونانيين وإيطاليين.. وأنا مزاجى زى البحر لأننى مولود فى وقت «النوة» 25 يناير 1926!.. كتير كنت أروح «الميناء» وأستمتع بمشاهدة السفن.. وأسأل ماذا وراء هذا الأفق!.. وفى فيكتوريا كوليدچ كان المسلم والمسيحى واليهودى فى فصل واحد! 
فى الفترة دى كنت مبهورا بالسينما.. وأمريكا.. ومثلت على مسرح كلية فيكتوريا.. وكانت إسكندرية هى «مهد السينما» التى عرفتها مصر عام 1907، ولكن إسكندريتى تغيرت بعد أن نال منها التطرف.. والعشوائيات. 

بعد هذا اللقاء كان ذهابى إلى مكتب الأستاذ دائمًا.. وهناك توطدت صداقتى بتلميذه المخرج خالد يوسف وبالمخرج الواعد كمال منصور، وعماد البهات والمخرج محمد على ومدير الإنتاج هشام سليمان والفنان سيف عبدالرحمن والمنتج جابى خورى.. وحين رغبت فى البقاء فى أن أرافق هؤلاء الأصدقاء أثناء تصوير فيلم «المصير» لم يكن أمامى سوى تقديم نفسى كممثل.. وأسند لى خالد يوسف دور شيخ متطرف من معارضى ابن رشد.. وأذكر أننا كنا نصور فى بيت زينب خاتون بـ «الأزهر».. واتصلت للاطمئنان على أمى وعرفت أنها فى «غيبوبة سكر» ولم أتردد فى الانطلاق وأنا بالملابس التاريخية فى شوارع الأزهر والناس تنظر لى فى ذهول وأعدت الاتصال بالبيت مرة أخرى، وفى هذه المرة ردت أمى وقالت لي: أنا بخير خليك فى شغلك! 

وحين عدت كان الأستاذ وكاست الفيلم فى دهشة لتصرفى.. وبالطبع نالنى جانب من التعنيف الشاهينى.. وانتهى الأمر ونحن جميعًا حوله نتناول الغداء! 

أما ثانى المواقف الطريفة فكان فى مطار القاهرة أثناء تصوير فيلم «الآخر»!.. وكنا فى مطار القاهرة وكان المفروض أننى ضابط شرطة.. واندمجت فى الدور مع بعض رجال الشرطة الحقيقيين.. وحين كشفوا أمرى.. ذهب أحدهم إليه وشكانى فما كان منه إلا أن استدعانى بالميكروفون وهو يوبخنى.. ثم تصالحنا.. وهكذا ظلت علاقتى بالأستاذ.. ومكتبه.. وتلاميذه.. متصلة.. وحين التقيته فى مدينة السينما مع خالد يوسف أثناء تصوير «هى فوضي» سألني: أنت ليه مش معانا؟.. فقلت له: أمى مريضة وأخشى عدم الانتظام.. فضحك طويلاً وهو يقول: أنت أهبل!! 

وحين فوجئت بوقوعه على رأسه ودخوله فى «الغيبوبة» تذكرت ما حدث لأمى.. ولم أملك إلا البكاء.. وبقدر ما كانت «الغيبوبة» قاتلة.. بقدر ما كان الحضور قويًا.. أمى نقشت عمرها على قلبى.. ولم تغب.. وشاهين رسم فى ذاكرتى صورة مصر الجميلة بأكملها.. مصر المنورة.. بأفلامه أمس.. واليوم.. وغدًا. 

العربي المصرية في 12 أغسطس 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)