ملفات خاصة

 
 
 

ملفات فينيسيا (11):

كوميديا إلهية من إيران

أمير العمري- فينيسيا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

أصبح من الصعب أن تغيب السينما الإيرانية عن أي مهرجان سينمائي كبير، بعد أن فرضت نفسها بقوة من خلال براعة مخرجيها، وتميز أعمالهم بسيناريوهات مشغولة جيدا، وجرأتها في النقد الاجتماعي والسياسي، من خلال أساليب تتميز بخصوصيتها.

في قسم “آفاق” (أوريزونتي) بالدورة الـ82 لمهرجان فينيسيا السينمائي، عرض فيلم “كوميديا إلهية” Komedie Elahi للمخرج علي عسكري الذي كان قد واجه مشاكل عديدة مع السلطات في بلاده بعد عرض فيلمه السابق “آيات أرضية” في مهرجان كان عام 2023.  وهو الفيلم الذي اشترك في إخراجه مع زميله ورفيق عمله عليرضا خاتمي، فقد منع من العمل لعدة أشهر وصودرت بعض ممتلكاته من شقته في طهران.

في فيلمهما السابق معا، “آيات أرضية” كانت القصة الأخيرة (من بين 11 قصة) تنعى عمل المخرج السينمائي في إيران ومعاناته مع الرقابة، وتبدو كما لو كانت تعليقا على ما حدث للمخرج عليرضا خاتمي” نفسه الذي تعرض فيلمه السابق للرفض من جانب الرقابة.

إننا نرى مخرجا شابا، يريد التصريح بتصوير فيلم عن والدته التي تتعرض للضرب على يدي والده، فيطلب منه مسؤول الرقابة “حذف” 16 صفحة من السيناريو، معترضا على تفاصيل كثيرة في السيناريو، وعلى كثير من الشخصيات والمشاهد تحت ذرائع مختلفة تشي بحالة البارانويا التي تنتاب الرقباء ضد أي شيء يتصورون أنه يمكن أن يكون مخالفا للاستقامة الدينية أو السياسية. إنه يعترض مثلا على أن ينتهي الفيلم بقتل والد المخرج، بل إنه يطلب منه في وقت ما أن يتخلى عن مشروع فيلمه ويصنع فيلما عن احدى قصص القرآن، وعندما يبدي المخرج موافقته ويختار قصة سيدنا يوسف ويقول إنه يمكن أن يصورها كما جاءت في القرآن تماما، ينزعج الرقيب، وينتهي الأمر بأن يأخذ المخرج في انتزاع صفحات عديدة من السيناريو، يلقي بها في سلة القمامة، بحيث لا يبقى سوى بضع صفحات لا تصلح لعمل أي فيلم!

في فيلمه الجديد “كوميديا إلهية”- الذي كتبه مع خاتمي- يمد علي عسكري هذه الفكرة على استقامتها ويخصص فيلمه بأسره- للتعليق الساخر والقاسي والمباشر على تدخل الرقابة في إيران في الأفلام، ومحاولة فرض نوع معين من أفلام الترفيه على المخرجين، بحيث يبتعدون عن تصوير الواقع في أفلامهم.

هنا، ومرة أخرى يستخدم علي عسكري أسلوب الواقعية التسجيلية أو الدوكيو-دراما، ليروي قصة وقعت فصولها على نحو ما، باستخدام اثنين من الممثلين اللذين يقومان بدوريهما الحقيقيين في الواقع، هما المخرجان- التوأم بهرام آرك، وبهمن آرك. الأول، أي بهرام هو الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهي شخصية مخرج سينمائي يصنع أفلاما تنتمي إلى سينما الفن، ويرفض السينما التجارية الترفيهية، لكن الرقابة الإيرانية تمنع عرض أفلامه. وهو يسعى بشتى الطرق للحصول على تصريح بعرض فيلمه الجديد، وعندما يفشل في ذلك، يسعى لعرض الفيلم بشكل غير رسمي في تحد مباشر للرقابة.

المشهد الأول في الفيلم (وهو مشهد سيتكرر كثيرا ولو في سياق مختلف فيما بعد) نرى كلا من بهمن يركب خلف منتجة فيلمه وبطلته المفضلة (في الحقيقة) أي الممثلة “صدف عسكري” ابنة شقيقته في الحياة، التي تقود دراجة نارية وردية اللون، تتأرجح يمينا ويسارا في شوارع طهران بينما تضع فوق رأسها الخوذة التي يرتديها من يقودون مثل هذه الدراجات، ولن نراها بعد أن تخلع هذه الخوذة، ترتدي الحجاب المفروض على النساء في إيران، بل قبعة صغيرة، كما ترتدي سراويل واسعة بعض الشيء وليس “الشادور” التقليدي. وفي مشاهد عديدة نراها في شعرها الأزرق من دون غطاء للرأس. أي أننا من المشاهد الأولى وتحت وقع الإيقاعات الموسيقية التي توحي بأننا أمام عمل تهكمي ساخر، يتحدى عسكري تماما التقاليد الرقابية: امرأة يركب وراءها رجل يمسك بكتفيها، لا ترتدي الحجاب، تقود دراجة نارية، تتأرجح بها أمام السيارات من خلفها، وكأنها تتحدى الجميع في وضح النهار.

المشهد الذي يدور بين بهرام والرقيب بعد ذلك، هو مشهد طويل، مصور بواسطة كاميرا ثابتة، وحوار لا نرى منه سوى بهرام، فنحن لا نرى الرقيب المتشدد المتزمت الذي يصر على رفض الفيلم بل نسمع صوته فقط: أنت في إيران، لماذا تصنع فيلما ناطقا باللغة التركية؟ فبهرام من الأقلية التركية الأرزية، ولا يجد غرابة في صنع فيلم ناطق بلغته الأم، في سياق سياسة احترام الأقليات والتعدد الإثني، لكن الرقيب يحتج، ويجادل، ثم يعترض على تصوير كلب في دور بارز يثير التعاطف في الفيلم، فالكلب غير مرحب به في الأفلام، ثم يتساءل: لماذا لا يصنع بهرام أفلاما ترفيهية تعجب الجمهور مثل شقيقه بهمن الذي أصبح أكثر شهرة منه، يعيش حياة مستقرة؟

يبحث بهرام بعد ذلك كيف يعرض فيلمه، لكنه سيقابل رجلا غامضا في “مقهى دانتي”، يبدي استعداده لأن ينتج له فيلمه شعبيا ويناقشه في السينما بحيث يبدو أنه مطلع على أعمال السينما الفنية لكن مع امتداد الحوار وسط تصاعد كتلة مرعبة من النيران بين وقت وآخر، ينفخها الرجل الذي يعد المشروبات في المقهى (الذي يبدو في الحقيقة أقرب إلى حانة غامضة) يتصاعد في الوقت نفسه غضب الرجل وتهديده المباشر لبهرام بالاعتقال إن خالف التعليمات وقام بعرض الفيلم من دون تصريح. وهو يلوح له أيضا بأنه تحت المراقبة الدائمة.

النيران تشير في الفيلم إلى الجحيم، أي جحيم دانتي، ولكن الكوميديا هنا عبثية تماما، ولن تنتهي نهاية سعيدة على غرار كوميديا دانتي. وكل الأماكن والشوارع والمقاهي التي نشاهدها في الفيلم واقعية تماما. ومع ذلك هناك ما يوحي بالغرابة في سلوك الشخصيات إلى حد العبث، بهرم مثلا يقابل رجلا يبدو متشردا، أمام مقهى، يحاول أن يقنعه بانه “نبي”، وأنه سيخرجه من أزمته الروحية ويرد إليه إحساسه بالسعادة. لا نعرف هل هذا الرجل مخرف، أم محتال، أم موفد من السلطة لمراقبته وتعقبه. لكنه ينتهي بالاستيلاء على قطعة من الكعك الذي يتناوله بهرام!

سيذهب بهرام يطلب مساعدة رجل يريد أن يصبح ممثلا، لكنه ممثل رديء سبق أن رفض بهرام قبوله، لكنه يمتلك قاعة عرض خاصة، وهو مدمن مخدرات لعين، ويتعين على “صدف” الآن أن تحصل له على بعض المخدرات من النوع الممتاز على سبيل الرشوة لاستمالته وإقناعه بعرض الفيلم من دون تصريح. كما يتعين على بهرام أن يمتدح قدراته التمثيلية ويعده خيرا..

وعندما يتم العثور على قاعة داخل قصر تمتلكه أرملة ثرية، تنفجر الأحداث في سورية، وتتم الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتطغى التداعيات السياسية التي نشاهدها ويتابعها الجمهور على شاشة التليفزيون، على عرض الفيلم، كما لن تسمح السلطات أيضا بعرض الفيلم من دون ترخيص. وسينفجر جحيم من نوع آخر.

في الفيلم الكثير من المناقشات حول السينما ومفهوم الفن، وهل السينمائي يجب أن ينحاز لسينما الفكر والفن، أم أن دوره هو الترفيه عن الجمهور؟ وخلال الحوارات التي تدور بين بهرام وشقيقه بهمن الذي ابتعد عن سينما الفن واستسلم لإرضاء النظام وارتضى العمل وجني المال والعيش في منزل أنيق، تتردد أسماء كياروستامي وأرونوفسكي وسكورسيزي (بهرام يقول للرقيب إنه صنع فيلمه عن المسيح ناطقا بالإنجليزية لا الآرامية دون أن يعترض أحد) وجودار (الذي مازال بهمن يعرض ملصقا لصورته الكبيرة على جدار منزله) رغم ابتعاده عن السينما الفنية، وأحاديث عن الأفلام الرياضية مثل “روكي”، و”الأزرق أكثر الألوان دفئا” بمناسبة التعليق على لون شعر الفتاة صدف، و”الختم السابع” لبرجمان، بل و”آيات أرضية” أيضا.. وكلها إشارات تؤكد فكرة انحياز بهرام لسينما الفن، ورفض السينما التجارية. وفي نقاشه مع شقيقه بهمن، يعترف الأخير بأنه أحب السينما بسبب فيلم “ماتريكس” إلا أنه لم يعد يحبه الآن.

هناك أداء تمثيلي متميز وواثق كثيرا من جانب “بهرام آرك” بوجه خاص، الذي يتماهى مع دوره ويصبح الحوار الذي ينطقه كما لو كان قد تدفق تلقائيا، وتبدو كلمات حواره أقرب إلى “المونولوج” الاحتجاجي والتعليق الهجائي الساخر، منه إلى الديالوج.

يساند أداء بهرام، أداء شقيقه “بهمن”، وأداء ممثلته المفضلة “صدف عسكري”. ويتميز تصوير أمين جعفري بقدرته على اقتناص اللقطات الخارجية الجريئة وإضفاء أجواء واقعية فريدة عليها دون أي ارتباك، وتحقيق إضاءة غامضة خاصة داخل مقهى دانتي، ثم داخل قصر السيدة التي كان بهرام سيعرض فيلمه فيه، ما أن بدأ عرض الفيلم وظهر الكلب (دون أن نراه بل نسمع صوت نباحه فقط) إلا وانفجرت كلبة السيدة في النباح بحيث استحالت متابعة الفيلم.

فيلم “كوميديا إلهية” بيان هجائي شديد ساخر، ضد القيود المفروضة على حرية الإبداع والتعبير في إيران، وهو خطوة متقدمة في مسار مخرجه، لا نعرف بوضوح، كيف أنتج، وهل صور بشكل طبيعي في طهران؟ وهل سيسمح بعرضه في إيران؟   

لا توجد معلومات واضحة عن أماكن التصوير، لكن الفيلم من الإنتاج المشترك بين إيران (شركتان إيرانيتان) مع شركات من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا. ويجب أن نستنتج أن جانبا من تصوير الفيلم- على الأقل- دار في إيران.. وهو كثيرا ما يحدث وتتغاضى عنه السلطات، ثم تمنع عرض الفيلم نفسه بعد ذلك، وإن تتركه يُعرض في الخارج بحيث تصبح إيران ممثلة باستمرار في مهرجانات السينما الدولية.

 

موقع "عين على السينما" في

10.09.2025

 
 
 
 
 

عن قوّة صوت هند خارج حقل الصورة

جورج كعدي

صوت هند رجب الذي مسّ شغاف القلوب هو الذي استدعى ذاك التصفيق المديد والمؤثّر في مهرجان البندقية الأخير لدقائق تجاوزت العشرين، وهذا حدثٌ نادرٌ في عروض المهرجانات السينمائية الكبرى حيث الأذواق الصعبة والإرضاء غير السهل. أثّر صوت الطفلة المستغيثة في الحضور المهنيّ والنخبويّ أكثر من الصورة نفسها، ما يردّنا إلى أحد العناصر الجوهرية في التعبير السينمائيّ: الصوت. فاستخدام الصوت في فيلم «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية له أولوية الوظيفة والتأثير، كركيزة في السرد، على الصورة التي تتراجع إلى خلفية المشهد وتدع له مجال الفعل الخاص والذي لا تستطيع الصورة وحدها إتمامه.
يعتمد فيلم بن هنية، كما بات معلومًا، بشكل كبير على الصوت، وبخاصة على التسجيلات الصوتية الأخيرة للطفلة الشهيدة هند العالقة في سيارة مع جثث بعض أفراد عائلتها، وفي التسجيلات لدى الهلال الأحمر الفلسطيني استغاثاتها وخوفها وترجّياتها للمساعدة، ما يجعل صوتها العنصر السردي الرئيسيّ الذي يصل من خلاله حجم الألم والرعب والوحشية التي تعرّضت لها على أيدي بهائم القتل الصهيونية. كان الألم المسموع حقيقيًا شديد التأثير، لا يحتاج إلى دعم الصورة وسيطًا. حتى لحظات صمت هند كانت تضجّ في الأسماع، على ما يصف الذين سبقونا إلى مشاهدة الفيلم المتوقع أن يُعرض للجمهور قريبًا في بلادنا العربية والعالم
.

لم يكن فيلم كوثر بن هنية في حاجة إلى الدم والخراب بصريًا. كان سماع الطفلة هند تتعرّض إلى خطر الموت في أي لحظة، قبل أن تنتهي ساعات الانتظار المأساوية باستشهادها، كافيًا لإيصال المعاناة وجعل المشاهد يتعلّق عاطفيًا وإنسانيًا بالطفلة المحاصرة. صوت هند هو البطل الحقيقي في الفيلم، وبالتالي نحن أمام تجربة سينمائية سمعية أكثر منها بصرية، منذ اللحظة الأولى إلى اللحظة الأخيرة، فالصوت يفتتح المأساة ويختمها. كأنّ المخرجة تطبّق إحدى أفكار المخرج الفرنسيّ الكبير روبير بروسون الذي قال: «أفضّل استحضار الصورة بمساعدة الصوت، ففي كل مرة أستطيع استبدال صورة بصوت أفعل ذلك. وأفعله أكثر فأكثر». الصوت لدى بروسون يعيد خلق الشعور بالإدراك المكثّف. يسمح استخدام السرد الصوتي، على الشاشة وخارجها، باتباع نهج أكثر واقعية. هذا فعلًا ما حصل مع صوت هند عنصرًا صوتيًّا: أضحى الفيلم بأكمله أكثر واقعية بفضل الصوت.

"أثّر صوت الطفلة المستغيثة في الحضور المهنيّ والنخبويّ أكثر من الصورة نفسها، ما يردّنا إلى أحد العناصر الجوهرية في التعبير السينمائيّ: الصوت"

يرتبط الصوت خارج حقل الصورة في فيلم «صوت هند رجب» بالصورة نفسها إذ يستحضر في مخيّلة المشاهد صورًا دقيقة. مَن كان يسمع صوت هند كان يبني تصوّرًا مشهديًا لحالتها، كأنّه يراها بأمّ عينه. الصوت يمسي هنا امتدادًا للمكان. يعتقد بروسون أنّه عندما يحلّ الصوت مكان الصورة، أو يقطعها أو يحيّدها، تتجه الأذن أكثر نحو الداخل والعين نحو الخارج. في فيلم يستند إلى الصوت ندرك ما يحدث لأننا نسمعه بوضوح شديد ونبني له صورة في أذهاننا قد تكون أقوى مما لو كنّا رأيناه فعلًا. يروي لنا الصوت ما يقع خارج نطاق رؤيتنا، بل يضاعف كذلك من توترنا وانتظارنا وتوقعنا وقلقنا. ينقل الصوت إلينا إحساس هند بالرعب والوحدة والحصار والخوف والانتظار. يمكن الصوت في هذه الحال أن يعني كل صخب الحياة والموت.

يعرف الدماغ كيف يتعامل مع الصوت، فهو يختار المهمّ ويمحو الباقي. يتمتع الصوت بثبات معين لا تشترك فيه بالضرورة الصور أو التمثيلات الرمزية. وفي سياق الأيقونة الصوتية، مثلما هي أيقونة صوت هند رجب، لا تكمن قوة الصوت في الصوت نفسه بل في سياقه وظروفه. تصبح طبيعة الصوت أيقونة حين ترتبط بحدث أو لحظة مناسبة. قوة الرمز الصوتي تكمن في سياقه الترابطيّ لا في صفاته الجوهرية. الصوت في فيلم كوثر بن هنية أداة سردية قائمة بذاتها، تروي مأساة هند لا من خلال المواجهة المباشرة للحدث والواقع، بل من خلال التلميح الصوتيّ والتباين. التكامل السلس بين الصوت والصورة ينشئ خلفية تُقلق المشاهد ببراعة وتجذبه إلى عيش الخوف بطريقة لا واعية، فيتسلّل خوفه وقلقه مع تقدم حوادث الفيلم. على المشاهد أن ينصت فقط إلى صوت هند الأيقونيّ المرتبط بالخوف واحتمال الموت.

تكره السينما عمومًا الفراغ الصوتيّ، ولا تُعدّ سينما تلك التي تهمل الأصوات الواقعية أو الشريط الصوتيّ. الصوت هو دائمًا في خلفية الصورة والمشهد، حتى لو كان صمتًا. الصمت هو صوت أيضًا، أو بالأحرى غياب للصوت، وهذا بذاته مقلق. كانت شخوص السينما الصامتة تمدّد أجسادها وآذانها تعبيرًا عن الإنصات إلى مصدر الصوت خارج الشاشة، ولكي تلفت إلى الصوت الخفي المحيط بها. المادة الصوتية توحّد ما هو في حقل الصورة وما هو خارجها. يحاول الصوت دائمًا أن يجعل نفسه مسموعًا في السينما. ثمّة فضاء بصريّ يؤثر فيه «المشهد الصوتيّ» الذي يتحوّل مع كثافة الاستماع (كما إلى صوت هند) إلى «صورة صوتية» تنغمس في الزمن، زمن الواقع الحقيقي وزمن الفيلم.

"يعتقد بروسون أنّه عندما يحلّ الصوت مكان الصورة تتجه الأذن أكثر نحو الداخل والعين نحو الخارج. في فيلم يستند إلى الصوت ندرك ما يحدث لأننا نسمعه بوضوح شديد"

لأنّ «صوت هند رجب» هو أيضًا في سباق مع الزمن، أي مع الوقت الذي يمرّ ويحدّد المصير، يمكن قراءة علاقة الصوت بالزمن على ضوء ما رآه جيل دولوز وظيفة للصوت بكونه يبطئ أو يسرّع الإحساس بالزمن، ويعبّر عن حركة داخلية ونفسية لدى شخوص الفيلم، كما هي حال فريق الإسعاف الذي، مثل هند، يسابق الزمن أيضًا نحو الإنقاذ أو الموت. السينما بالنسبة إلى دولوز ليست، وعلى نحو حاسم، مجرّد سرد بصريّ، بل تجربة حسية وفكرية متكاملة تشمل الصوت في شكل أساسيّ، ليس بكونه مرافقًا للصورة، إنما بكونه ذا وظائف تأثيرية وحتى فلسفية. الصوت ليس تابعًا للصورة، بل يمكنه أن يكون مستقلًا بذاته. إنّ تداخل الصورة والصوت (أو حتى تنافرهما) يوسّع معنى المشهد والفيلم.

سيرغي أيزنشتاين نفسه، الرائد والمنظّر الكبير، كان يخشى منذ دخول الصوت إلى السينما أن يغدو الصوت عبدًا للصورة، فدعا إلى «المونتاج العمودي» الذي يتمّ تركيب الصوت فيه مع الصورة على نحو جدليّ يولّد معنى جديدًا. فالصوت يفتح بالنسبة إليه بعدًا جديدًا يمكن أن يسبق الصورة أو يتأخر عنها أو يغيب عنها كليًا (خارج الحقل). والصوت يحرّك لديه المكان ويُشعر المتفرّج بمسافة أو قرب لم يُرَ بصريًا. فيما رأى الناقد والمنظّر الفرنسي الكبير أندريه بازان أن الصوت يعمّق الإحساس بالزمان والمكان الواقعيين، فالصوت ليس في عُرفه زخرفًا بل صلة وصل بين المشاهد والعالم الفيلميّ. وكان رنيه شيون Chion أحد أبرز منظّري الصوت في السينما قد أدخل مصطلحات جديدة مثل الصوت الغائب/ المصاحب Acousmêtre أي الصوت الذي نسمعه من دون أن نرى مصدره (تمامًا مثل صوت هند) ما يخلق فضاءً غير مرئيّ وزمنًا مفتوحًا. وبفضل الصوت يعتقد شيون أنّ إدراكنا الصورة يتغيّر كليًا، إذ تولّد العلاقة بين الصورة والصوت «زمانًا حسّيًا» جديدًا. كما أن الصوت قادر على تفكيك المكان ومدّ الزمان أو ضغطه. من ناحيته، لفت كريستيان ميتز Metz، وهو من كبار منظّري السينما أيضًا، إلى أنّ الصوت يوسّع فضاء المكان بما يتجاوز حدود الكادر أو حقل الصورة. ومثله يؤكد ريتشارد ألتمان، الاختصاصيّ في تاريخ الصوت في السينما، أن الصوت خارج حقل الصورة (off-screen) يشرّع فضاءً أوسع من حدود الصورة، فلا يعود المكان ذاك الذي نراه فحسب، بل ما نسمعه أيضًا.

إنّه تمامًا ما فعلته كوثر بن هنية في فيلمها «صوت هند رجب» الذي ننتظره بشوق ولم نحظ حتى الساعة برؤية إلّا بضعة مشاهد منه غير مُشْبِعة بالطبع وغير وافية. فالمخرجة الموهوبة والقديرة التي شاهدتُ فيلميها السابقين «الرجل الذي باع ظهره» (2020) و«بنات ألفة» (2023) البديع والغريب بدمجه الروائي إلى التوثيقي على نحو فريد، وسّعت بالصوت فضاء المكان والزمان كي تروي مأساة الطفلة الغزّية الشهيدة هند رجب، وخلقت زمنًا حسّيًا مكثّف التأثير والمشاعر، وغلّبت المسموع على غير المرئيّ، فاستحقّت التصفيق وكذلك الجائزة واحترام الجميع لالتزامها الإنسانيّ العميق.

* ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

14.09.2025

 
 
 
 
 

فيلمان في فينيسيا 82: أسئلة الجراح اللبنانية سينمائياً

محمد هاشم عبد السلام

لا تزال السينما اللبنانية، في كلّ جديد تُنجزه بمثابرة تنطوي على جرأة، تنبش الماضي، وترصد ثقله على الراهن، وتحاول التكهّن بمستقبل غامض، أو التحذير من تكرار الأخطاء.

تكرار مواضيع عدم النسيان، ومساءلة الماضي بجرأة، وفتح الجراح بقسوة، والاشتباك الصادق مع أغلب المسكوت عنه، تُعدّ من أبرز مميّزات سمات السينما اللبنانية المعاصرة. يتجلّى هذا في أفلامٍ وثائقية، أكثر من الروائية، رغم أنّ هذا يتأكّد في أول روائي طويل لسيريل عريس، "نجوم الأمل والألم"، الفائز بجائزة الجمهور، مناصفة مع "ذاكرة" للأوكرانية فلادلينا ساندو، في برنامج "أيام المؤلّف 22"، في الدورة 82 (27 أغسطس/آب ـ 6 سبتمبر/أيلول 2025) لمهرجان فينيسيا.

يُطلّ عريس على الحاضر من نافذة الماضي لرصد تبعاته. يختار سبعينيات القرن 20، مع ولادة بطلي فيلمه في الوقت نفسه، أثناء القصف. تبعات الحرب، التي لم يشهداها، وغيرها من مشاكل عائلية ونكبات وحروب صغيرة مرّت في بلدٍ وعلى شعب، وصولاً إلى نهب المصارف، وانفجار مرفأ بيروت، هذا كلّه أثّر في شخصيتيهما، وطبع سلوكياتهما، وبات يتحكّم بردود أفعالهما، ونظرتيهما تجاه مستقبل غامض، وبلد يجبر سكّانه على التفكير اليومي بالمغادرة والهجرة، والعيش في شتات ومنفى قسريين. هذا تأكيد آخر على إحدى أهم السمات المتكرّرة بكثرة في السينما اللبنانية الحديثة: هاجس الرغبة القسرية في المغادرة/الهجرة.

في النهاية، يطرح الفيلم خيارات الرحيل والفراق والشتات وتمزّق المصائر، بعد اجتماع شمل انقطع ثلاثة عقود، عقب مزاملة ياسمينا (مونيا عقل) ونينو (حسن عقيل) في المدرسة، اللذين جمعهما حبّ طفولي لكنّه صادق، يتجدّد في الحاضر بعنف، بعد صدفة عشوائية تجمعهما، يعقبها قرار بزواج، يليه تردّد وخوف من إنجاب، وصولاً إلى تدهور أحوال تضعهما وطفلتيهما أمام خيار الرحيل إلى دبي، هرباً من راهن بلد جميل وحزين، لم يعد صالحاً لأي رومانسية، بل لعيشٍ عادي.

بين صرخات الميلاد وأزمة قرار الرحيل، المتوِّج لذروة الأحداث، أنجز عريس بمهارة دراما كلاسيكية رومانسية كوميدية مُحكمة إلى حدّ بعيد، ومُقنعة ولطيفة ومؤثّرة وحيوية، خاصة في الثلثين الأولين. الأهم أنّ خلطته، البعيدة جداً عن الكليشيهات المبتذلة، أتت بنَفَسٍ جديد للأفلام الروائية اللبنانية، الفنية تحديداً. عبر حوار رشيق بلا ثرثرة، وضبط جيد للأداء، خاصة حسن عقيل، لامس عريس التعطّش إلى الحب والرومانسية. كما نقل بصدق محاولة انسجام حبيبين أحدهما مع الآخر، وتعايشهما ومقاومتهما، رغم حضور الموت والحرب والفراق، وخيار الرحيل والمنفى. صحيح أنّ الحبكة لم تأت بجديد، مع أنّ هناك إمكانية سهلة لجعلها أكثر تعقيداً وتنوعاً، إنسانياً وفلسفياً، لكنّ المخرج لم يحد عن مُراده.

ببساطة وجدية وصدق، آثر عريس طرح الأسئلة اللبنانية نفسها، من دون مباشرة، في قالب رومانسي كوميدي، يترك أسئلة كثيرة معلّقة: أهناك ما يستحق البقاء في بلد منذور لحروب مستمرة؟ أعلى المرء البحث عن حياة أفضل في مكان آخر، رغم الارتباط بأماكن وذكريات وأحباب، وحياة ربما تكون عسيرة وحزينة للغاية، لكنّها جميلة أيضاً؟

الأسئلة، المطروحة برقة ونعومة في "نجوم الأمل والألم"، يُمدّدها على استقامتها، ويُعَمِّقها بشدة، الوثائقي "هل تحبّني" للانا ضاهر، المعروض في البرنامج نفسه. فعبر الماضي، تطلّ المخرجة برسالة ذات طابع رومانسي، بمسحة حنين لافتة، ترصد بعض جوانب الشخصية اللبنانية، المتّسمة بالمرح والحميمية، رغم الجراح والخسارات والمخاوف. ما يُعيد إلى الأذهان شخصيتي نينو وياسمينا وعوالمهما.

بداية، تفاجئ ضاهر، في وثائقيّها الأول هذا، بأنّ التاريخ اللبناني المعاصر، لبلدٍ جميل وحزين، لا يُدَرَّس في المدارس، رغم حضوره المؤثّر في شتى الجوانب اليومية. الأكثر مفاجأة وجرأة وإبداعاً بُنية الفيلم، المكوّنة من مئات اللقطات الأرشيفية، والموسيقى اللبنانية الخالصة، في جهد توثيقي بصري سمعي، نادر جداً في الوثائقيات العربية. إذْ لم يقتصر الأمر على محض اختيارات أو تجميعات عشوائية لموادٍ، وتوليفها ودمجها معاً.

الصعوبة السينمائية متأتية من ذكاء الانتقاء، وخلق التناغم الإبداعي بين موادٍ، تغطّي نحو 70 عاماً من تاريخ لبنان، من دون أي تعليق صوتي، خلا بضع لوحات إرشادية. المُثير للاهتمام أنّه، رغم خصوصية غالبية المواد ومحليّتها، المجهولة لجمهور عريض، تصل الفكرة بسهولة وعمق وتشويق، ومتعة أيضاً.

رغم طول الفترة الزمنية المرصودة، لا يسير "هل تحبني" بخطيّة متصاعدة، بل يتبع ترتيباً زمنياً خاصاً، بتقدّمه إلى الأمام أو بتراجعه في الزمن، وفقاً لطبيعة المادة الأرشيفية، المكوّنة أساساً من لقطات أفلام روائية ووثائقية، معروفة ومحلية، وبرامج تلفزيونية، وتقارير صحافية، وصُوَر فوتوغرافية، وأفلام هواة. إلى هذا، هناك لقطات لأغنيات مُصوّرة ومسموعة، يتكرّر فيها، في 70 دقيقة، أصوات فيروز وزياد الرحباني وأغنياتهما، وغيرهما أيضاً، منها الأغنية الشهيرة لعائلة بندلي، "دو يو لاف مي" (هل تحبني).

بجهد مونتاجي خارق للمونتير قتيبة برهمجي، وبمهارته الملموسة، تصل الفكرة المرصودة عبر مئات المقاطع الفسيفسائية المتنوّعة، الموصولة معاً بسرعة وتناغم وانسجام، يتطّلب إمعان النظر لمعاينة تاريخ يترى، يتألف من شظايا حيوات اجتماعية وسياسية متباينة. إذ نرى انفجارات واغتيالات وسيارات مشتعلة ودمار محيط، ووحشية الحرب، والخراب الجاثم، والموت المتربص. هناك أيضاً الغناء والبحر والمَشاهد الملوّنة، إلى حفلات زفاف ورقص وولادة، ولهو أطفال، وجمال الحياة، وسذاجة لقطات سينمائية مُنفّذة بركاكة.

فسحة الأمل والأحلام، المرصودة في فيلمي عريس وضاهر، تؤكّد أنّ هناك شعباً ينتفض دائماً لإعادة بناء بلده، وإنْ ظلّ ماضيه وحاضره يكبّلان مستقبله.

 

العربي الجديد اللندنية في

17.09.2025

 
 
 
 
 

«صوت هند رجب» يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

فاز بجائزة «الأسد الفضي» في «فينيسيا»

القاهرة: «الشرق الأوسط»

أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الأربعاء، عن اختيار فيلم «صوت هند رجب» من إخراج التونسية كوثر بن هنية للعرض في ختام الدورة الـ46 للمهرجان المقرر إقامتها في الفترة بين 12 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، برئاسة الفنان حسين فهمي.

الفيلم الذي فاز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان فينيسيا بدورته الـ82 التي عُقدت في الفترة من 27 أغسطس (آب) الماضي، إلى 6 سبتمبر (أيلول) الحالي، تدور أحداثه حول «الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي تحولت مكالمتها للهلال الأحمر الفلسطيني إلى شهادة حيّة على البراءة في مواجهة العنف؛ ليُبرز قوة السينما بصفتها أداةً للتأثير والتعبير عن القضايا الإنسانية العميقة»، وفق بيان للمهرجان، الأربعاء.

ويمزج الفيلم العنصر الروائي بالتوثيقي في دراما تقدم سرداً إنسانياً مؤثراً يستند إلى أحداث حقيقية مأساوية من غزة.

ويشهد يوم 21 نوفمبر العرض الأفريقي الأول للفيلم في ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد النجاح العالمي الذي حققه.

وكان المهرجان أعلن من قبل عن اختيار المخرج التركي العالمي نوري بيلجي جيلان، الحائز السعفة الذهبية من مهرجان «كان» وصاحب أفلام، من بينها «بيات شتوي» و«بعيد»، رئيساً للجنة تحكيم المسابقة الدولية في الدورة الـ46 للمهرجان.

وعدّ المهرجان نوري بيلجي جيلان واحداً من أهم المخرجين المعاصرين الذين تركوا بصمة بارزة على خريطة السينما المستقلة والعالمية، على مدى ثلاثة عقود؛ إذ قدّم أعمالاً عميقة تعكس القلق الإنساني وتوظّف الصورة السينمائية ببراعة شاعرية، وفق بيان سابق للمهرجان.

وجاء هذا الإعلان في إطار شراكة بين مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجمعية منتجي التلفزيون والسينما (TESİYAP) ومؤسسة السينما والثقافة السمعية البصرية التركية (TÜRSAK) والسفارة التركية في القاهرة. وتشمل الشراكة عروضاً لأفلام تركية، واستقبال وفد من 15 شخصية من صناع السينما التركية، بالإضافة إلى مشاركة تركية موسعة في سوق القاهرة السينمائي.

وأعلنت إدارة «القاهرة السينمائي» من قبل عن أنشطة عدة للمهرجان، خصوصاً بعد أن حاز جائزة أفضل جناح في سوق مهرجان «كان»، خلال الدورة الماضية رقم 78 التي عُقدت في الفترة (13 - 24 مايو/ أيار 2025)، وتم الإعلان عن تعاون بين مهرجان القاهرة السينمائي والاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) بمناسبة بمرور 100 عام على تأسيسه.

ويتضمن التعاون إصدار كتاب خاص عن تاريخ الاتحاد، وتنظيم حلقة بحثية تجمع بين النقاد المصريين والدوليين، بالإضافة إلى تقديم جائزة «فيبريسي 100 – إنجاز العمر» لشخصية سينمائية بارزة خلال الدورة الـ46 لمهرجان القاهرة في نوفمبر 2025.

ويُعدّ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي تأسس عام 1976، أحد أعرق المهرجانات فى العالم العربي وأفريقيا، والوحيد في المنطقة العربية والأفريقية المسجل ضمن الفئة A بالاتحاد الدولي للمنتجين بفرنسا (FIAPF). ويقدم المهرجان الذي يقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية برنامجاً متنوعاً من العروض العالمية والإقليمية الأولى، والبرامج الصناعية، والفعاليات العامة التي تحتفي بالإبداع السينمائي وتعزز التبادل الثقافي.

وكرّم المهرجان على مدى دوراته السابقة الكثير من صناع السينما على مستوى العالم، وكشف المخرج محمد عبد العزيز عن تواصل إدارة المهرجان معه خلال الأيام الماضية، وتم إبلاغه أن المهرجان سيكرمه في دورته المقبلة الـ46 بجائزة «الهرم الذهبي» عن إنجاز العمر.

 

الشرق الأوسط في

17.09.2025

 
 
 
 
 

"جيم جارموش" شاعر السينما البطيئة

ترجمة: نجاح الجبيلي

يقدّم جيم جارموش في فيلمه الجديد" أب، أم، أخت، أخ ""Father Mother Sister Brother" ثلاث حكايات قصيرة متجاورة عن العائلة، تتسم بالهدوء والبطء، لكنها مشحونة بأسئلة دفينة عن الروابط الأسرية وما يظلّ عالقاً بين الآباء والأبناء بعد سنوات من الفقد والجفاء. المخرج، المعروف بكونه "شاعر السينما البطيئة"، يبتعد هنا عن أي حبكة درامية صاخبة أو حلول سهلة، ليقدّم عملاً أقرب إلى تأملات سينمائية في العلاقات الإنسانية، حيث لا يحدث الكثير ظاهرياً، لكن كل شيء يتكشّف في ما بين السطور، في الصمت والغياب، وفي ما لا يُقال.

جارموش كتب الفيلم في ثلاثة أسابيع فقط، ووصفه بأنه "فيلم مضاد للأكشن"، لكن الناقد رايان لاتانزيو يرى أن في داخله "أكشن" من نوع آخر: حركة عاطفية تحت السطح، توترات مكتومة، انفعالات مكبوتة، كلّها تقطع المشاهد كضربة سيف دقيقة في "زمن بطيء"، مدعومة بموسيقى من تأليف المخرج نفسه، تحثّ المتلقي على التوقف والتأمل في التفاصيل الصغيرة، أو حتى في لقطات مراهقين يؤدون حركات تزلج بطيئة.
تدور كل حكاية في مكان مختلف وتجمع بين أبناء آباء وأمهات متقدمين في العمر.

في القصة الأولى "Father"، يظهر آدم درايفر ومايم بياليك كأخ وأخت يزوران والدهما (توم وايتس) بعد عزلة طويلة. الزيارة أشبه بتحقيق رسمي بارد منها إلى لقاء عائلي حميم، حيث يطغى على الأجواء شعور بالمسافة العاطفية، بينما تظل ذكرى انهيار الأب في جنازة الأم حاضرة بين السطور. لكن جارموش يترك النهاية بلا مصالحة أو حلّ.

القصة الثانية "Mother" تجري في دبلن، حيث تلتقي أختان (كيت بلانشيت وفيكي كريبس) بوالدتهما (شارلوت رامبلنغ) لشاي بعد الظهر. إحدى الأختين مؤثرة على مواقع التواصل تعاني مشاكل مالية رغم مظهرها الفخم، بينما الأخرى أكثر اتزاناً، والوالدة تبدو ككاتبة حكيمة، متصالحة مع حياتها، لا ترغب سوى في أن تبقى الأمور هادئة بلا نبش للماضي. رامبلنغ تقدّم أداءً لافتاً يمزج البساطة بالعمق.

في القصة الثالثة "Sister Brother"، يلتقي توأمان (إنديا مور و لوكا سابات) في باريس ليخوضا تجربة "جرعة صغيرة" من مخدر السيلوسايبن، فيما يستعرضان أغراض والديهما اللذين قضيا في حادث طائرة. هذه القصة تبدو أكثر وضوحاً من حيث البنية الدرامية، لكنها تختتم الفيلم بنغمة حنين، تحمل بعض الأمل والإيمان بالإنسانية.

ويؤكد الناقد لاتانزيو: أن الفيلم لا يقدّم خلاصات نفسية جاهزة ولا يتبنى مسار "علاج عائلي"، بل يطرح سؤالاً صعباً: ماذا لو كان الأوان قد فات على إصلاح ما انكسر بين الآباء والأبناء؟ يترك جارموش الباب موارباً، مشيراً إلى أن العلاقة بالوالدين قد لا تكون دائماً محكومة بالحب الخالص، بل بمجرد رابطة بيولوجية أو اجتماعية تُبقي الأفراد متصلين، حتى لو غاب الشعور العاطفي الحقيقي.

في النهاية، فإن هذا الفيلم يعبر من خلال الصمت أكثر من الكلام، وعن الغياب أكثر من الحضور، وعن المسافة التي لا تُردم بسهولة. إنه فيلم يتطلب صبراً وإصغاءً لإيقاعه الهادئ، لكنه يكافئ المشاهد بجرعة من الصدق والشفافية حول طبيعة الروابط العائلية وما يبقى منها مع مرور الزمن.

 

المدى العراقية في

18.09.2025

 
 
 
 
 

حين صعدت غزة إلى منصات العالم:

الفن يجهر بصوت فلسطين

كتب آلاء شوقى

داخل قطاع «غزة» المكلوم، لا تسجل المجازر بالأرقام فقط، بل تنقش بالدم على جدران البيوت المهدمة، فى مشهد مأساوى تملأ فيه جثامين الأطفال الطرقات المدمرة، بينما تُقصف المستشفيات بمن فيها، والخيام المهترئة تُهدم فوق رءوس ساكنيها. ولكن، فى وجه هذا الخراب، بدأت معالم مقاومة جديدة تتشكل فى مشهد غير تقليدى، فهى مقاومة لا تأتى من جبهات القتال أو طاولات السياسة، بل من قاعات السينما، ومهرجانات الموسيقى، وبيوت الثقافة

معًا من أجل فلسطين

فى مشهدٍ نادر من التضامُن الجماعى، امتلأت ساحة «أرينا ويمبلى» فى «لندن» بأكثر من 13 ألف متفرج فى حفل خيرى بعنوان «معًا من أجل فلسطين».. شارك فيه عشرات الفنانين، والمغنيين، ومذيعو البودكاست، وغيرهم من مشاهير الفن، فى حفل جمع بين عروض موسيقية مؤثرة، ورسائل إنسانية هدفها تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطينى فى قطاع «غزة». 

وخُصِّصت جميع أرباح الفعالية لصالح منظمات فلسطينية تعنى برعاية الأطفال، وتوفير احتياجاتهم الأساسية، من بينها «صندوق إغاثة أطفال فلسطين»، و«جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية» و«مؤسسة التعاون»؛ حيث جمع الفنانون ما يقارب 1.5 مليون جنيه إسترلينى من مبيعات التذاكر والتبرعات والمنتجات الفنية

كما شارك فى الحدث نجوم موسيقى بارزون، مثل: «دامون ألبارن، باستيل، هوت تشيب»، وغيرهم، إلى جانب ممثلين، مثل: «جاى بيرس، وريتشارد جير، بينيديكت كامبرباتش، فلورنس بيو»، وغيرهم

كما حضر إعلاميون مثل «لويس ثيرو»، ومقدمة البرامج «لورا ويتمر»، والـ(يوتيوبر) «أميليا ديمولدينبيرج». 

ولم يكن الحدث استعراضًا للنجومية؛ بل فعل مقاومة فنية منظم، تولت إدارته الفنانة الفلسطينية «ملاك مطر»، فيما أشرف على تنظيمه الفنان الموسيقى «براين إينو»، الذى أكد أن الهدف من تنظيم الحفل، هو مواجهة ما يجرى فى «غزة»، والتأكيد على قدرة الفنانين على دعم المجتمعات، وكشف الظلم.  ورغم طول الحفل، لم يغادر الجمهور حتى النهاية.

مقاومة الفن والفنانين، الذين قرروا أن يصطفوا إلى جانب الإنسانية، ورفضوا أن يكونوا جزءًا من مشهد ثقافى يتستر على جرائم الحرب، ويمنح الشرعية للاحتلال؛ معلنين أن الفن لم يقف على الحياد، ولن يكتفِ بعرض المأساة على الشاشة من خلال الأفلام التى ترصد المأساة فحسب، بل سيتجاوز حدود التوثيق، ليرفع راية الفعل.

صوت السينما فى وجه الصمت

فى واحدة من أوسع حملات المقاطعة الفنية فى التاريخ الحديث، أعلن أكثر من 4500 شخصية من العاملين فى مجال السينما حول العالم، بينهم نجوم كبار من «هوليوود»، و«أوروبا» عن مقاطعتهم الكاملة للمؤسسات السينمائية الإسرائيلية، احتجاجًا على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى فى أرضه.

وكُتب فى بيان مفتوح صيغ بلغة أخلاقية حاسمة: «نتعهد بعدم عرض أفلامنا، أو المشاركة، أو التعاون بأى شكل من الأشكال مع المؤسسات السينمائية الإسرائيلية، بما يشمل المهرجانات، ودور العرض، والهيئات الإنتاجية، والجهات الإذاعية، المتواطئة فى الإبادة الجماعية، ونظام الفصل العنصرى ضد الفلسطينيين».

هذا البيان، الذى حمل توقيعًا أوليًا من نحو 1300 شخصية فنية مرموقة، من بينهم: ممثلون ومخرجون، مثل: «جوش أوكونور، تيلدا سوينتون، خافيير بارديم، أوليفيا كولمان، براين كوكس، مارك رافالو، ولينا هيدى» وغيرهم، توسع دائرة داعميه بسرعة مذهلة خلال ساعات قليلة، لتشمل أسماء كبيرة، مثل: «خواكين فينيكس، إيما ستون، جاى بيرس، أندرو جارفيلد، رونى مارا، إليوت بيج، وأريك أندريه» وغيرهم.

كما ضم البيان توقيع مخرجين، ومؤلفين، ومصورين، ومنتجين، من خلفيات فنية متعددة بداية من «هوليوود، وبريطانيا، وإيطاليا»، إلى «فلسطين» والعالم العربى كله؛ ولا تزال القائمة مفتوحة لانضمام المزيد.

وشدد أصحاب البيان على أنهم يركزون على المؤسسات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر مع نظام الاحتلال والقمع؛ مؤكدين أن المحكمة الدولية - أرفع جهة قضائية فى العالم - اعتبرت أن هناك احتمالًا معقولًا لوقوع جريمة إبادة جماعية فى «غزة»، وأن الاحتلال الإسرائيلى يستند إلى نظام فصل عنصرى غير قانونى ضد الفلسطينيين.

«يوروفيجن» فى مهب المقاطعة

لم تتوقف المقاطعة عند قطاع السينما فحسب، بل امتدت إلى أحد أضخم الأحداث الثقافية الأوروبية، وهو مسابقة «يوروفيجن» الغنائية، التى من المقرر أن تعقد فى 2026.

فأعلنت كل من «هولندا، أيرلندا، وإسبانيا» عن نيتها الانسحاب من المسابقة إذا تم السماح بمشاركة إسرائيل، احتجاجًا على المعاناة الإنسانية المستمرة فى «غزة».

وقالت هيئة البث الهولندية فى بيان صريح: «لن نشارك فى «يوروفيجن» طالما أن إسرائيل لا تزال ضمن قائمة الدول المشاركة.. لا يمكننا تبرير مشاركتها فى ظل معاناة المدنيين والانتهاكات المتواصلة لحرية الصحافة».

فى السياق نفسه، أصدرت «أيرلندا» بيانًا مشابهًا؛ مؤكدة أن الانسحاب من المسابقة سيكون حتميًا، إذا استمرت إسرائيل فى استخدامها كمنصة ترويج سياسية.

كما أبلغت هيئة  الإذاعة  والتليفزيون السلوفينية اتحاد الإذاعات الأوروبية - الجهة المنظمة والمسئولة رسميًا عن مسابقة «يوروفيجن» - بعدم مشاركتها فى ظل الظروف الراهنة؛ بينما قالت هيئة الإذاعة والتليفزيون الأيسلندية إن مشاركتها غير مؤكدة، وأنها فى انتظار قرار الجمعية العامة لاتحاد الإذاعات الأوروبية.

من جانبه، دعا وزير الثقافة الإسبانى «إرنست أورتاسون» هيئة الإذاعة والتليفزيون الإسبانية إلى الانسحاب إذا أُدرجت إسرائيل فى المسابقة.

كما أكدت «بلجيكا» إنها ستعلن فى ديسمبر المقبل، ما إذا كانت ستشارك فى مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» للعام القادم أم لا، وسط مخاوف من عدم استبعاد إسرائيل من المشاركة.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل انضم إلى الحملة فنانون ومسابقون شاركوا فى «يوروفيجن»، وأكثر من 70 فنانًا طالبوا بإقصاء إسرائيل من النسخة المقبلة للمسابقة.

 الأوبرا البريطانية تثور

إن تحركات الممثلين، وصناع السينما، والمطربين جاءت بعد خطوة تاريخية تضاف إلى قائمة المقاطعات الفنية العالمية، إذ أعلن 182 عضوًا من دار الرويال باليه والأوبرا البريطانية، من راقصين، ومغنين، وموسيقيين، وموظفين فنيين، وإداريين، رفضهم القاطع لأى عروض، أو تعاون مستقبلى مع المؤسسات الإسرائيلية

جاء هذا الموقف احتجاجًا على الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى «غزة»، وعلى محاولة إدارة الأوبرا منع فنان رفع العلم الفلسطينى خلال عرض مسرحى، فى فعل شجاع يُجسد التضامن مع الشعب الفلسطيني.

وفى رسالة مفتوحة موجهة لإدارة المؤسسة، أعرب الموقعون عن استيائهم من قرار تقديم العرض فى إسرائيل؛ مؤكدين أن هذا القرار ليس موقفًا محايدًا، بل دعمًا مباشرًا للاحتلال ونظامه القائم على القتل الجماعى للفلسطينيين، حيث يُقدم المسرح الإسرائيلى تذاكر مجانية لجنود جيش الاحتلال، مما يجعله شريكًا فى التستر على جرائم الإبادة.

وأدان الأعضاء كذلك تصرف المدير الفنى «أوليفر ميرز»، الذى حاول -قسرًا- إزالة العلم الفلسطينى من خشبة المسرح؛ معتبرين ذلك فعلًا سياسيًا معاديًا يرفض حرية التعبير والتضامن مع الضحايا؛ مطالبين بمحاسبته علنًا.

كما دعا الموقعون، دار الأوبرا الملكية إلى الاعتراف -رسميًا- بالإبادة الجماعية التى تشهدها غزة، ووقف كل أشكال التعاون مع المؤسسات التى تدعم الاحتلال؛ مؤكدين أن التاريخ سيحكم على مواقفهم الأخلاقية والإنسانية فى هذه اللحظة الحاسمة.

ردًا على هذا الضغط الأخلاقى الجماعى، أعلن المدير التنفيذى للدار «أليكس بيرد» قرار إلغاء إنتاج أوبرا (توسكا) المخطط عرضها عام 2026 فى الأوبرا الوطنية الإسرائيلية بتل أبيب، حيث أُزيلت جميع الإشارات إلى دار الأوبرا البريطانية من موقع الأوبرا الإسرائيلية.

من مهرجانات أمريكا لإيطاليا وفرنسا

من قلب مسارح التتويج، وهتافات التصفيق، خرجت كلمات صارخة تتحدى الإبادة، وترفض التواطؤ، لتُعلن أن جوائز الترفيه لن تُسكت أصوات الضحايا

ففى ثلاث محطات مفصلية فى الذاكرة الفنية العالمية، وهى (جوائز إيمى، مهرجان فينيسيا، ومهرجان كان) شهدت هذا العام تحولًا فارقًا، حيث لم تعد المنصات الفنية مجرد أماكن للاحتفاء، بل ميادين مقاومة.

فى حفل جوائز «إيمى» فى دورته الـ77 - الذى أُقيم منذ أيام - لم يكن الضوء مسلطًا فقط على الفائزين، بل على الرسائل التى حملوها، مثل الممثلة الأمريكية «هانا أينبيندر»، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة مساعدة فى مسلسل كوميدى، التى اختتمت كلمتها بجملة: «Free Palestine»، التى انتشرت كالنار فى الهشيم على وسائل التواصل، رغم أن الشبكات الأمريكية قامت بتعتيم جزء منها. كما أهدت لحظتها لأطباء ومُسعفين فلسطينيين الذى يعملون فى ظروف إنسانية قاسية؛ إذ قالت فى المؤتمر الصحفى عقب الحفل:

«اعتقدت أنه من المهم الحديث عن «فلسطين» لأنها قضية عزيزة جدًا على قلبى، لدى أصدقاء فى «غزة» يعملون - الآن - فى الخطوط الأمامية، كأطباء فى شمال القطاع، لتقديم الرعاية للنساء الحوامل والأطفال، ولإنشاء مدارس فى المخيمات.... أشعر أنه من واجبى كيهودية أن أميز بين اليهودى والإسرائيلى».

من جانبه، خطف النجم الإسباني «خافيير بارديم» الأنظار عندما صعد إلى المسرح مرتديًا الكوفية الفلسطينية، رمزًا لمقاومة شعب تحت القصف والحصار

وفى حديثه مع الصحفيين على السجادة الحمراء، قال بوضوح، إن: «ما يحدث فى «غزة» ليس نزاعًا، إنه إبادة جماعية، يجب أن يتوقف العالم عندها»؛ معلنًا مقاطعته لأى تعاون فنى مع جهات تدعم الاحتلال الإسرائيلي.

كما انضمت الممثلة الكوميدية الأمريكية «ميجان ستالتر»، إلى هذا الخط السياسى الواضح، حين حملت حقيبة كُتب عليها «وقف إطلاق النار».

ولم يكن هؤلاء الممثلين وحدهم فى موقفهم المعلنة، إذ ارتدى عشرات الفنانين شارات (Artists4Ceasefire)، فى حملة تطالب بوقف إطلاق النار الفورى فى «غزة»، وتسليط الضوء على المعاناة المدنية.

أما فى أواخر أغسطس الماضى، وأثناء افتتاح مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فى نسخته الـ82، تحولت شوارع جزيرة «ليدو» الهادئة إلى ساحة احتجاج ضخمة، فى مشهد لم يشهد له المهرجان مثيلًا فى تاريخه الحديث

فقادت الحراك مجموعة (Venice4Palestine)، وانضم إليها فنانون، ومخرجون، ومواطنون، حاملين لافتات وأعلام «فلسطين»، مرددين شعارات، مثل: «Stop the Genocide»، و «Free Gaza». 

كما وجه المخرجون المشاركون فى المهرجان رسالة مفتوحة إلى إدارته يطالبون فيها باتخاذ موقف أخلاقى ضد الاحتلال الإسرائيلي.  المثير للدهشة، بأنه على عكس ما جرت العادة فى الفعاليات الدولية الكبرى، لم يحاول المهرجان تهميش أو قمع الاحتجاج، بل سمح للرسائل بالظهور، وفتح بابًا لنقاش علنى حول دور الثقافة فى زمن المجازر.

وقبل الافتتاح، وقع أكثر من 1500 شخص من مخرجين، وممثلين، وكتاب رسالة مفتوحة عبر (Venice4Palestine)، طالبوا فيها بأن يتخذ المهرجان موقفًا قاطعًا وواضحًا نحو ما يحصل فى «غزة»، ويدين الإبادة الجماعية، الاحتلال غير القانونى، وغيرها من الانتهاكات

ودعت الرسالة، المهرجان إلى تقديم منصة حقيقية للأفلام الفلسطينية، التى توثق معاناة الشعب الفلسطينى، ودعم الفنانين الفلسطينيين، الذين يعانون تحت الاحتلال.

وقبل أشهر من «إيمى»، و«فينيسيا»، احتضن مهرجان «كان» السينمائى بدايات الموجة الفنية العالمية المتضامنة مع «فلسطين».  ففى البداية، جاء المهرجان مع توقيع أكثر من 350 مخرجًا وممثلًا على رسالة مفتوحة، اتهموا فيها مؤسسات العالم السينمائى بالصمت على الإبادة المستمرة فى «غزة». 

وركزت الرسالة على ضرورة إدانة الاحتلال الإسرائيلى، ووقف الدعم الثقافى له، من خلال سحب الأفلام التى تروج لتبرير الاحتلال

كما طالبت الرسالة - فى الوقت ذاته - بمنح فرص أوسع للأفلام الفلسطينية؛ داعية إلى مقاطعة الأنشطة الثقافية الإسرائيلية فى المهرجان، ورفض استقبال الضيوف الإسرائيليين المتورطين فى دعم الاحتلال.

وجاء فى نص الرسالة: «نحن نخجل من هذه السلبية. لماذا يبدو أن السينما، التى تعد حاضنة للأعمال الملتزمة اجتماعيا، غير مبالية برعب الواقع والقمع الذى يعانى منه إخواننا وأخواتنا؟؛ وباعتبارنا فنانين وفاعلين فى المجال الثقافى، لا يمكننا أن نبقى صامتين بينما تحدث الإبادة الجماعية فى «غزة»؛ وهذه الأخبار المروعة تضرب مجتمعاتنا بشدة. ما فائدة مهنتنا إن لم تكن استخلاص الدروس من التاريخ، وإنتاج أفلام ملتزمة، إن لم نكن حاضرين لحماية الأصوات المضطهدة؟... لماذا هذا الصمت؟».

فى النهاية، يمكن القول إنه فى عالم تتواطأ فيه بعض الحكومات الداعمة للاحتلال بالصمت، وتتورط المؤسسات بالتبرير، يقدم الفن صفوف المقاومة لمجابهة الحياد الزائف حين ترتكب الجرائم التى تنتهك المشاعر الإنسانية قبل القوانين الدولية فى «غزة». 

فالفنانون الذين أعلنوا مقاطعتهم لم يختاروا طريقًا سهلًا، بل اختاروا أن يكونوا صوتًا للمقهورين، وأن يصطفوا مع الضحايا لا مع الجلادين، ليعيدوا تعريف معنى الفن، بأنه ليس أداة ترفيه وتضليل، بل هو فن.. يفضح، يقاوم، وينحاز للعدالة.

 

المصرية في

04.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004