ملفات خاصة

 
 
 

خلفيات جوائز «مهرجان ڤينيسيا» في دورته الثانية والثمانين

«أب أم أخت أخ» و«صوت هند رجب» أمام فرص جوائز أخرى

ڤينيسيامحمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

توزّعت جوائز «مهرجان ڤينيسيا» على مستحقيها غالباً. هذا الاستحقاق يشمل الفيلم الفائز بالجائزة الأولى (الأسد الذهبي)، والفيلم الفائز بالجائزة الثانية (الأسد الفضي) الذي يُطلق عليه أيضاً اسم «جائزة لجنة التحكيم الكبرى»، وجوائز أفضل تمثيل (نسائي ورجالي) وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو من بين جوائز أخرى.

في الواقع هناك مسابقتان رئيسيّتان، واحدة لأفلام المسابقة الرئيسية، والأخرى لأفلام قسم «آفاق» والنتائج كانت عادلة وواقعية بالنسبة للمسابقتين في حفل حاشد ختم به المهرجان دورته الثانية والثمانين.

دورة رائعة

ترددت الآراء ما بين أن دورة العام الحالي جاءت أفضل من العام الماضي، وأن أفلام هذه الدورة كانت أفضل من أفلام دورة «مهرجان كان» المنافس.

كلا الرأيين انتشر بين كثير من النقاد والصحافيين الذين قصدوا المهرجانين الكبيرين. الجانب الذي يحتاج إلى جهد أفضل من قِبل «ڤينيسيا» هو عملية توزيع الأفلام المشتركة (9 أقسام) على نحو يؤكد أهميّتها أكثر من مجرد تركها لشأنها بعد برمجتها وتوزيعها على الصالات الـ11 المخصصة للمهرجان والمتقاربة ضمن مساحة جغرافية واحدة.

الجوائز الممنوحة كانت من التنوّع بحيث لم يتم إغفال فيلم أحدث ضجة بعد عرضه، خصوصاً فيلم كوثر بن هنية «صوت هند رجب» الذي تعامل مع القصّة الحقيقية للفتاة ذات الـ12سنة التي وجدت نفسها بين جثث أقارب لها بعدما استُهدفت السيارة التي كانت تقلهم.

لساعة ونصف الساعة، نسمع تضرعها عبر تسجيل صوتي فعلي لها استُخدم جيّداً وبشكل مؤثر. لا مشاهد لهند رجب كون الأحداث الدرامية اختيرت لها. وبمهارة أيضاً، تدور الأحداث في مكاتب «الهلال الأحمر الفلسطيني» في رام الله.

تمتَّع الفيلم بأفضل استقبال تحقق لأي من أفلام المهرجان. ليس لأن التصفيق الحاد الذي تبع عروضه امتد أكثر من 20 دقيقة فقط، بل أساساً لأمانة وإخلاص عرضه لتلك المأساة التي انتهت باستشهاد الفتاة بعدما طال انتظارها النجدة.

أحد الذين اقتربوا من الممثل معتز مليس، الذي لعب أحد الدورين الرجاليين الرئيسيين (لجانب عامر حليحل)، كان الممثل الأميركي خواكين فينكس، الذي طبع على خد معتز قبلة تجسد مشاعره.

كثير من الحضور مسح دموعه، والأكثر منهم من منحه إعجابه على نحو أو آخر تجلى مع استقبال جيّد من قِبل نقاد عالميين كثر. كان واضحاً كذلك أن الفيلم مرشح للفوز بإحدى الجائزتين الأولى أو الثانية، وهو مُنح فعلاً الجائزة الفضية وسط تصفيق حار آخر.

إلى محافل أخرى

بالمناسبة، تردّد اسم فلسطين إيجاباً 4 مرّات خلال حفل الاختتام. مرّة عندما وقفت المخرجة الهندية أنوبارنا روي التي تسلمت جائزة أفضل مخرج عن فيلمها «أغاني الأشجار المنسية» (Songs of the Forgotten Trees)، ومرة ثانية عندما فاز المخرج المكسيكي ديڤيد بابلوس بجائزة أفضل فيلم في مسابقة «آفاق» وعنوانه «على الطريق» (En El Camino)، ثم مرّة ثالثة على لسان الممثل الإيطالي توني سرڤيلو حين تسلم جائزة أفضل تمثيل رجالي عن بطولته لفيلم «شكر» (La Gracia). المرّة الرابعة هي عندما وصل إعلان الجوائز إلى ذروته بتقديم الفيلم الفائز بالذهبية وهو «أب أم أخت أخ» للأميركي جيم يارموش، الذي طالب باحترام كرامة الفلسطينيين.

«أب أم أخت أخ»، هو جديد المخرج المستقل جيم يارموش، والوصف «مستقل» ينطبق على أعماله جيّداً، كما على أعمال رئيس لجنة التحكيم ألكسندر باين الذي صوّت، مع أعضاء اللجنة، لفوز هذا الفيلم بالأسد الذهبي.

دراما تتخذ سبيلاً مختلفاً في عرضها للعلاقات العائلية بين أفرادها الأربعة عن كل فيلم آخر سبق أن تعرّض للهامش العريض نفسه. منح يارموش بطولة هذا الفيلم إلى مجموعة واثقة بالممثلين من بينهم أدام درايڤر الذي سبق له أن ظهر في فيلمين سابقين ليارموش هما «باترسون» (Paterson)، و«الموتى لا يموتون» .( في (2016 و2019 ،(The Dead Don’t Die)

الجائزتان، الذهبية والفضية، تبدوان «كارت بلانش» لمزيد من الجوائز في المحافل والمناسبات المقبلة.

بين الأفلام الفائزة بجوائز «ڤينيسيا» «تحت السحب» (Below the Clouds) لجيانفرانكو روزي: فيلم تسجيلي عن المصير الذي تتوقعه مدينة نابولي لنفسها مع البركان الذي يطل عليها والهزات الأرضية التي تعيش فوقها. نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم الخاصّة (البرونزية حسب تواردها).

وإذ فاز توني سرڤيلو بجائزة أفضل ممثل كما ورد، تم منح الممثلة جين شيلاي المقابل النسائي عن دورها في الفيلم الصيني «الشمس تشرق علينا جميعاً» (The Son Rises on Us All).

جائزة أفضل إخراج نالها الأميركي بني سافدي عن «الآلة المحطِّمة» (The Smashing Machine) هذه هي الجائزة الوحيدة التي كانت هناك بدائل لها من بين الأفلام المتسابقة. دراما رياضية من بطولة دواين جونسن وإميلي بلنت حول صعود وهبوط المصارع الحر مارك كير. الفيلم جيد التنفيذ، لكن جودته لا تنطلي على اختيار معالجة فنية ترتقي بحكايته.

ما ينتظره المتابعون بعد نهاية المهرجان الحافل هو توجه الفيلمين الفائزين بالجائزتين الأولى والثانية («أب أم أخت أخ» و«صوت هند رجب») إلى دخول عرين السباقات الأخرى في أوروبا (عبر جوائز بافتا وغيرها) والولايات المتحدة (عبر الأوسكار). وبالنسبة لفيلم كوثر بن هنية، فهذه فرصة سانحة لدفع الفيلم لمزيد من الجوائز وسط وعي إعلامي وجماهيري جديد وغير مسبوق بما يقع في تلك الحرب غير العادلة.

 

####

 

مريم التوزاني لـ«الشرق الأوسط»: «شارع مالقا» يستعيد أثر العائلة في طنجة

فيلمها حصد جائزة الجمهور بـ«فينيسيا»... والمغرب رشحته لـ«الأوسكار»

القاهرةأحمد عدلي

قالت المخرجة المغربية مريم التوزاني إنها بدأت العمل على فيلمها الجديد «شارع مالقا» بعد رحيل والدتها، مؤكدة أن تلك اللحظة المفصلية دفعتها إلى إعادة النظر في علاقتها بالذاكرة والبيت والعائلة مع شعورها بحاجة داخلية ملحة إلى العودة لطنجة، المدينة التي ولدت فيها، ونشأت بين أحيائها، لتستحضر من خلال الفيلم ما تبقى من أثر والدتها وجدتها.

وأوضحت في حوارها لـ«الشرق الأوسط»، أنها رأت في السينما مساحة شخصية للتعبير عن هذا الفقد، وفي الوقت نفسه وسيلة للاحتفاء بالحياة التي تستمر رغم الغياب، وأضافت: «علاقتي بموضوع الفيلم تعود إلى طفولتي مع جدتي الإسبانية التي جاءت إلى المغرب في عمر السابعة، ولم تغادره حتى رحيلها، حيث عاشت سنواتٍ طويلة في بيت العائلة بعد أن انفصلت عن جدي المغربي، وكانت جزءاً أساسياً من تكويني الشخصي والثقافي».

وعرض فيلم «شارع مالقا» الذي رشحه المغرب لتمثيله في «الأوسكار» للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان «فينيسيا» بدورته الأخيرة، وحاز على جائزة الجمهور بالمهرجان، قبل أن تنتقل مخرجته إلى مهرجان «تورنتو» في عرضه الثاني بالمهرجانات السينمائية حول العالم، وتدور قصة الفيلم حول «ماريا» وهي امرأة إسبانية تبلغ من العمر 79 عاماً، تعيش وحدها في طنجة، وتتشبث ببيتها العتيق الذي صار جزءاً من ذاكرتها وهويتها.

لكن حياة «ماريا» تنقلب رأساً على عقب حين تعود ابنتها «كلارا» من مدريد لتبيع المنزل باسمها القانوني، محاولة دفع والدتها إلى ترك المكان الذي عاشت فيه 40 عاماً. لكن رفض «ماريا» مغادرة بيتها يقودها إلى رحلة معقدة بين استعادة الأثاث المبيع وإعادة ترتيب عالمها الخاص، وفي خضم ذلك تنشأ بينها وبين أحد جيرانها علاقة إنسانية تتجاوز حدود الصداقة.

تقول التوزاني إن «الفيلم يروي قصة مقاومة صامتة لامرأة ترفض الاستسلام لفكرة التضحية الدائمة من أجل الأبناء، وتصر على التمسك بحقها في العيش بكرامة وحرية حتى في أواخر العمر، من خلال الكشف عن صورة أوسع للمدينة التي تحمل في طياتها تداخل الهويات الإسبانية والمغربية، وعن معنى الانتماء المتعدد دون إلغاء الآخر».

وأضافت أن جدتها ظلت إسبانية في تفاصيل حياتها اليومية، في طبخها وفي إيمانها، لكنها في الوقت نفسه كانت مغربية القلب والهوى، تعشق طنجة وتعتبرها وطنها الحقيقي، لافتة إلى أنها رأت في جدتها صورة ملموسة للانتماء المزدوج الذي لا يلغي الآخر بل يتعايش معه ويصنع منه ثراء إنسانياً خاصاً.

واعتبرت التوزاني أن شخصية «ماريا» تجسد هذه الازدواجية امرأة إسبانية الهوية لكنها مرتبطة بعمق بالمغرب الذي احتضنها، وأصبح وطنها بالتبني، مؤكدة أنها أرادت من خلال الفيلم أن تقول إن الإنسان ليس مضطراً للاختيار بين هويتين، بل يمكنه أن يكون أكثر من شيء في وقت واحد، لأن الهوية ليست قالباً جامداً بل تجربة معيشة تتشكل من التفاعلات اليومية والذكريات والعلاقات، وهو طرح يعكس أيضاً تجربتها الشخصية بوصفها «امرأة مغربية نشأت بين لغتين وثقافتين متداخلتين»، على حد تعبيرها.

وأوضحت أنها كبرت وهي ترى أصدقاء جدتها من الجالية الإسبانية التي استقرت في طنجة وتطوان هرباً من الحرب الأهلية الإسبانية، وكانت تراقبهم وقد تقدم بهم العمر، فيما عاد أبناؤهم إلى إسبانيا ولم يرجعوا، بينما ظل الكبار في المغرب حتى آخر لحظة من حياتهم.

وأكدت المخرجة المغربية أن «من الجوانب التي حرصت على إبرازها في الفيلم تصوير الشيخوخة بوصفها مرحلة مفعمة بالجمال والكرامة، لا عبئاً أو نهاية، لقناعتي بأن التقدم في العمر امتياز وفرصة لمواصلة التجارب الإنسانية، بما فيها التجارب العاطفية والجسدية»، مشيرة إلى أن علاقتها بالمدينة كانت حاضرة بقوة في بناء الفيلم، فقد أرادت أن توازن بين وجه طنجة التاريخي المتمثل في العمارات القديمة والبيوت العريقة، وبين وجهها المعاصر المليء بالحركة والأسواق والبائعين والشباب.

ولفتت إلى رغبتها في إظهار كيفية تجاور الماضي والحاضر في الشارع ذاته، وكيف تظل العلاقات الإنسانية في الأسواق الشعبية مصدر إلهام وجمال، على عكس المدن الكبرى الأخرى التي فقدت هذه الروابط، معتبرة أن طنجة بالنسبة لها ليست مجرد خلفية للأحداث، بل هي شخصية حية تتنفس مع أبطال الفيلم.

قالت مريم إن «التعاون مع زوجي المخرج نبيل عيوش في إنتاج الفيلم كان امتداداً لشراكة فنية وإنسانية بدأت منذ سنوات، فقد شاركت معه سابقاً في كتابة فيلم (الكل يحب تودا)، وهو بدوره كان سنداً أساسياً لي في مراحل تطوير الفيلم، ووجوده منتجاً للفيلم أتاح لها التركيز الكامل على الجانب الإبداعي من دون القلق بشأن التفاصيل التنظيمية».

وفي الختام أعربت مريم التوزاني عن سعادتها بردود الفعل التي لمستها في عرضه الأول بمهرجان «فينيسيا» خلال الأيام الماضية، لافتة إلى أن عملية توزيع الفيلم وتسويقه تسير بشكل جيد مع الاهتمام بعرضه في عدد من الدول مما عكس وصول رسالتها عبر القصة الإنسانية التي تقدمها بالفيلم.

 

الشرق الأوسط في

07.09.2025

 
 
 
 
 

وثائقي يرصد نضال حركة “فلسطين أكشن” في بريطانيا..

قراءة في فيلم “لتحطيم آلة الحرب

إسلام السيد

في لحظة تاريخية فاصلة، تتقاطع فيها السياسة مع الفن والمقاومة مع التجريم، تظهر نوعية من الأفلام مثل “تحطيم آلة الحرب” (To Kill a War Machine) في لحظات يائسة، لتكون شاهدا على محاولة السينما الوثائقية في مواجهة آلة الحرب والقمع، وإن كانت فقط قادرة على تقديم سردية مضادة تُطمس.

هذا الفيلم أخرجته حنان مجيد و”ريتشارد يورك”، وأنتجته “مجموعة قوس قزح” (Rainbow Collective) ، وهو لا يكتفي بتوثيق أنشطة “حركة فلسطين” (Palestine Action) البريطانية، بل يمارس مناهضة سياسية نُشاهد تبعاتها، لا سيما بعد قرار البرلمان البريطاني في 2 يوليو 2025 تجريم الحركة، فسحب المنتجون النسخة الإلكترونية من الفيلم مؤقتا، ومنعوا كل عروضه الأخرى حتى إشعار آخر.

يحمل ذلك مخاطرة قانونية في ظل التعسّف ضد كل شكل من أشكال مناهضة الحرب على غزّة، لكنه يطرح تساؤلات جوهرية حول دور السينما الوثائقية في زمن الأزمات، لا سيما في ظل جريمة إنسانية تحدث في فلسطين، والعالم والمسار القانوني والدولي يقفان أمام ذلك، ما بين التواطؤ والصمت، أو رد الفعل المحدود على أقصى تقدير.

فهل يمكن أن يجد هامشا جانبيا من حرية التعبير، يكون الفاعل فيه الموازنة بين الفن والنشاط السياسي؟

إن المشروع السينمائي هنا يتجاوز كونه مجرد عمل فني، ليتجسد بيانا سياسيا، يتحدى السرديات الرسمية، ويقدم سردية مضادة للسردية السائدة.

كيف تُقاوم آلة الحرب؟

لفهم السياق الذي يتحرك فيه الفيلم، لا بد من ذكر حيثيات وجود “حركة فلسطين”، التي تأسست في يوليو/ تموز 2020 على يد هدى عموري، وهي ناشطة بريطانية من أصل فلسطيني وعراقي، و”ريتشارد بارنارد” الناشط اليساري.

هدى عمّوري و”ريتشارد بارنارد”، المؤسسان المشاركان في حركة “فلسطين أكشن

جاءت الحركة استجابة لتصاعد العنف في فلسطين، بهدف مواجهة الشركات في المملكة المتحدة، التي تزود إسرائيل بالسلاح والتقنيات العسكرية، وتسعى الحركة إلى تعطيل سلاسل الإمداد العسكرية، والضغط على الشركات المتواطئة في الصراع.

وتشمل أساليبها مجموعة متنوعة من أدوات المناهضة، بداية من الاعتصام على أسطح مصانع الأسلحة، إلى أعمال التخريب مثل كسر النوافذ ورش المباني بالطلاء الأحمر، ثم التعطيل المباشر لخطوط الإنتاج، وإتلاف المعدات العسكرية.

رشّ مقر هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بطلاء أحمر، وسط تظاهرة حاشدة مؤيدة لفلسطين في لندن. احتجاجا على تغطيتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد انتقد بعض المشاهدين “بي بي سي”، لرأيهم أن تغطيتها غير متوازنة بما فيه الكفاية

تتخذ هذه المناورات قيمتها الأخلاقية من قدرتها على التطرف، ويبرر ذلك مستوى كارثية ما تناهضه. وتتضمن أنشطتها أعمالا دعائية رمزية، منها استهداف مواقع تاريخية مرتبطة بالاستعمار البريطاني في فلسطين، كما حدث لمقر هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في 2025، فغُطي المبنى بالطلاء الأحمر، احتجاجا على ما رآه النشطاء انحيازا لإسرائيل.

اتجاه الذاكرة المضادة

يُفتتح فيلم “تحطيم آلة الحرب” بأغنية “إن أن” لثنائي الراب “شاب جديد”و “وضبور”، وهما فنانان فلسطينيان تمحورت أغانيهما حول الحياة اليومية في فلسطين، ولا يعتمدان في تعاونهما أو عملهما منفردين على الأحداث الكبيرة، بقدر ما تعكس أغانيهما هموما يومية وذاتية.

مع ذلك، فإن هذه الأغنية بالتوازي مع تسجيلات مجموعة “الموقف الفلسطيني” وهي تقتحم مصنع سلاح بالمملكة المتحدة، مثّلتا تمازجا نوعيا، يقدّم الوضع الفلسطيني كأن لديه قدرة ما، لا ترتبط به مباشرة، لكنّها جزء من حقه في ظل ما يناله من قتل دائم.

تستعيد هذه القوة فكرة أخلاقية مطموسة تماما في حياتنا المعاصرة، ولعلها مُتكررة تاريخيا، وهي وجود صوت موضوعي يستطيع التحيّز للشأن الفلسطيني، ويستطيع أن يقول علينا أن نوقف قتل المدنيين بشتّى الطرق، بما فيها الطرق العنيفة والمانعة.

اشتباك مع موقف الحركة

يتناول الفيلم نشاط الحركة بحوارات متعددة مع الناشطين بها، وأولياء أمور المعتقلين على إثر نشاطهم بها، وكيف أسسوا أدوات مناهضة مُغايرة، لا تقوم فقط على الإدانة الخطابية، بل تحاول أن تستخدم العنف في اتجاه مُبرر، يجعل قتل الفلسطينين شيئا يجب التفكير بشتّى الطرق لإيقافه.

يوازي الفيلم بين تسجيلات من قلب قطاع غزة، وأخرى من الضفة الغربية، متعلقة باعتداءات من الاحتلال تعود إلى عام 2020، وفي فضاء صوتي صاخب ومتنوّع، يعرض أغنيات عربية عدة معنيّة بالشأن ذاته.

يقدم الفيلم سردية متشابكة قائمة على العبور الإنساني وتجاوز الفروق العقدية، فنحن أمام هذا الفيلم لا نشاهد عرضا خطيا تقريريا، بل تُستعاد الأحداث بأثر رجعي، لبناء سجل تاريخي يقوم على انتقاء أرشيفي مكثف، تتبيّن به الرواية التي يحتاجها العالم، أو عليه أن يترك تجاهلها وطمسها.

تكمن إحدى نقاط قوة الفيلم في مباشرته، وفي الاشتباك الحاد مع موقف الحركة من الشأن الفلسطيني، إذ يعبر جميعهم عن ضرورة التفكير في وسائل دائمة، تدفع العالم إلى التفكير فيما يحدث للفلسطينيين.

يشمل ذلك تصدير العنف، وتعطيل موارد التسليح وتحطيمها، وتصوير هذه الممارسات لوضعها في إطارها المُحدد، وهو مناهضة قتل الفلسطينيين، لأنها بطبيعة الحال عُرضة للتجريم دائما.

النشطاء الفاعلون الساردون

لا يبدو المحتجون هنا مجرد مخربين، بل هم أفراد يجمعهم سياق مُشترك في الحديث، وتضامن أخلاقي جماعي يُبرر المخاطرة المستندة على موقف جماعي وإيمان ضروري بالإنحياز، ويقف هذا التوجه أمام التمثيل الإعلامي السائد، الذي غالبا ما يسطح الوضع الفلسطيني، ويحركه من إبادة وتهجير إلى “صراع”.

كذلك تظهر الدوافع الأخلاقية والإنسانية وراء التخريب وتصدير العنف على أنه نوع من المقاومة، بالاشتباك المباشر مع الفاعلين في الحركة، فنراهم واعين بهذه الأفعال، وتحديد حيثيات ممارستها، وتوقيت ذلك، وكيف يمكن الضغط بها لإبراز صوت آخر مضاد للسائد.

تأخذ الأفعال العنيفة هنا بُعدا جدليا يضعها في مساحة إشكالية، فهي من الجهة القانونية تلاقي ما لاقت الحركة، فتنتهي بالإدانة القانونية والإدراج ضمن قوائم الإرهاب، فتُمنع من وجودها الشرعي، وتكون وجودا موصوما بشعارات ترهيب مُستهلكة. ومن جهة أخرى، يتمثّل في تصدير العنف -كما يوضح الفيلم- أسلوب من التعبير له ضرورته.

مُخرجا الفيلم حنان مجيد و”ريتشارد يورك” صانعا أفلام معروفان في مجال حقوق الإنسان، قدّما فيلما عن عمال النسيج في بنغلاديش، هو فيلم “دموع على القماش” (Tears in the Fabric) عام 2014، وقد جمعا المواد لهذا الفيلم من شبكات النشطاء ومواقع التواصل، ليضعا النشطاء في موقع الفاعلين والساردين في آن.

الانحياز فنيا وأخلاقيا

يتخذ فيلم “تحطيم آلة الحرب” موقفا واضحا من الأحداث التي يوثقها، رافضا الادعاء بالحياد أو الموضوعية المزعومة، على عكس الجهات الدولية والإعلامية، التي تفتعل اتخاذ موقف، وتسطح فِعل الإبادة، وترواغه لغويا بمفردات مثل “الصراع”.

يختار  الفيلم أن يُظهر انحيازه بوضوح، فيرفض مسافة التقرير الموضوعي، ويقدم النظر عن قرب في مسائل التمييز العرقي وحيثيات الإبادة، والضرورة المشتركة للعمل الجماعي.

يأخذ هذا الانحياز ضرورته من الحق الفلسطيني في أن يكون مرئيا، لا أنه إحصائية رقمية، أو قتيل محتمل، أو إرهابي حين يخرج عن صمته، بل هو مُمثّل لوجود إنساني أصيل، له حق في الأرض والحياة وتحديد المصير.

نشطاء من حركة “فلسطين أكشن” يسكبون الطلاء ويحطمون النوافذ، أثناء احتجاجهم على سطح مصنع محركات الطائرات المسيرة المحدودة في شينستون، ليتشفيلد، وسط إنجلترا

ولذلك لا يحاول الفيلم إبراز السردية الأخرى، بوصفها فقط حقيقة غائبة، بقدر ما هي أيضا في حاجة إلى إقحام المشاهد، ليكون جزءا من بنية تُدين الوجود الإنساني جُملة.

يظهر ذلك في تأسيس الفيلم بأسلوب ديناميكي ومتقطع، فينتقل بين الحوارات ولقطات النشطاء وهم يحطمون النوافذ ويتسلقون الأسطح، وإعلانات شركة التصنيع المُسلّح “إلبيت”، التي تتباهى بالدقة في منتجها، تتبعها لقطات ضبابية مروعة لأطفال ضحايا تلك الدقة.

تاريخ من الاحتجاج المنظم

لا يمكن فهم “حركة فلسطين” وفيلم “تحطيم آلة الحرب” إلا بوضعهما في سياق العلاقة مع تاريخ أوسع، في إطار تقليد طويل من حركات المقاومة التي استهدفت صناعة الأسلحة، فقد شهد التاريخ حركات مماثلة، اعتمدت العمل المباشر والتخريب المحدود وسيلة للاحتجاج على الإنتاج والتصدير للأسلحة المستخدمة في قمع الشعوب.

ومن أبرز تلك العمليات ما فعل نشطاء “بلوشيرز” (Plowshares) عام 1980، حين دخلوا مصنعا لصناعة القنابل النووية في ولاية نيويورك، وكسروا المعدات، ورشوا الدم على الآلات احتجاجا على تطوير الأسلحة النووية.

اعتُقل النشطاء وحوكموا، وحُكم عليهم بالسجن زمنا طويلا، لكنهم اتخذوا المحاكم منصة لتوضيح موقفهم الأخلاقي والسياسي. وقد أدت هذه الأعمال دورا في زيادة الوعي العام بالأسلحة النووية، وطرحت تساؤلات أخلاقية حول إنتاج الأسلحة، وضلوع الأنظمة الكُبرى الحالية في تصدير واسع للعنف.

محاصرة نظام الفصل العنصري

في سياق أكثر قربا من الشأن الفلسطيني، وخلال الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مارست حركات مدنية ضغطا شديدا على الشركات الغربية، التي زودت الدولة بالأسلحة.

تأسست مجموعات صغيرة متخصصة في العمل المباشر ضد مصانع الأسلحة والمخازن العسكرية، مع التركيز على منع تصدير الأسلحة التي تُستخدم لقمع السكان السود.

كانت هذه الحملة جزءا من نضال أوسع ضد نظام الفصل العنصري، وأظهرت أن المجتمع المدني يمكن أن يؤدي دورا حاسما في تغيير السياسات الحكومية.

شملت أساليب هذه المجموعات اقتحامات صغيرة لمصانع الأسلحة وتحطيمها، ونشر تقارير وأشرطة فيديو إلى المجتمع الدولي، لإظهار صلة الشركات الغربية بالقمع العنصري، والضغط على المصارف والمؤسسات المالية، لوقف تمويل الشركات المصنعة للأسلحة.

مواجهة الأنظمة القمعية

نجد عبر الفيلم أن الاعتراض القائم على تصدير عُنف مماثل، لإثبات موقف سياسي وأخلاقي يقوم على التضامن، كان حاضرا في التاريخ الحديث، وعبر سياقات شتى.

فخلال السبعينيات والثمانينيات، واجه عمّال في أمريكا اللاتينية أنظمة سياسية قمعية، كانت ضد صورة مقاربة للأنظمة السياسية والشركات العابرة للقارات، المتواطئة معها في الشأن الفلسطيني.

شملت عمليات الاحتجاج وتحطيم الآلات مصانع المعدات الثقيلة وتصنيع الأسلحة، وتعاظم حضورها بسبب رد الفعل القمعي تجاهها، وكوّنت مجموعات يسارية مسلّحة وشبه مسلحة، رأت تخريب الآلات والمعدات وسيلة فاعلة للتعبير والرفض.

سردية السينما الوثائقية

يمثّل فيلم “تحطيم آلة الحرب” نموذجا مُلتزما للسينما الوثائقية، التي تُحاول المشاركة في صنع سردية على يسار مجريات تفاعل أنظمة العالم الأول وقطاعه الخاص، الذي يرتكز على دعم ممارسة إبادية، بتجاهله الأخلاقي، وتواطؤه الجماعي.

ينطلق الفيلم من فكرة تُقدّر مأساة الشأن الفلسطيني حاليا، وهي ضرورة الانحياز لصوت كتيم. يحضر المُنتج الفنّي المُشبّع بالمادة السياسية، ليؤكد قيمة هذه الأداة في مثل هذه الأوقات، التي تحتاج إلى كل أشكال التسليح الممكنة، لإحداث تغير اجتماعي، مهما كان ضئيلا.

لا يعد هذا التغير بالضرورة ذا تأثير مباشر ولحظي، لكنه تأثير يظل محفوظا للتاريخ صوتا آخر، يعيدنا إلى التفكير في علاقة الوضع الفلسطيني بتواريخ تُشبهه، وأخرى تشترك معه في ضرورة استخدام العنف أداة للتعبير.

فحين يُحاول الفيلم أن يضع ما يلقاه الفلسطينيون في إطار تاريخي أوسع، ينتج سردية تُقاوم السردية السائدة، من حيث توجيه النظر إلى الفلسطينين بعين إنسانية، تُدرجه ضمن حركة التاريخ، بدلا من إقصائه في عدّة أطر سطحية، تُشكّلها خطابات وإدانات آمنة، أما فعل القتل فيظل مستمرا، وله مُبرراته المدجّنة.

وعلى مستوى تاريخي، ينفتح موضوع الفيلم على المجال التاريخي، فيربطنا بحراكات مُشابهة حدثت في سياقات شتى، تتعلق بالعرق والصراع الطبقي والحقوق العمالية.

يفتح ذلك سياقا أوسع لفهم الوضع الفلسطيني، الذي يعود إلى سياق طويل من الاعتداء، يجعلنا نُفكّر في علاقة النظام العالمي الحالي وروابطه الاقتصادية المتمثلة في القطاع الخاص، وأي علاقة تجمع هذه الأطراف بصور وتنويعات من الاعتداء والقمع المؤسسي.

ناقد سينمائي مصري.

 

####

 

فيلم الحرب على غزة “صوت هند رجب”

يحصد الجائزة الثانية في مهرجان البندقية السينمائي

خاص-الوثائقية

فاز الفيلم الدرامي-الوثائقي “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية بجائزة الأسد الفضي – جائزة لجنة التحكيم الكبرى، وهي ثاني أرفع تكريم في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، يوم السبت 6 سبتمبر/ أيلول 2025.

يتناول الفيلم أحداث 29 يناير/ كانون الثاني 2024، حين كانت الطفلة هند رجب (5 سنوات) الناجية الوحيدة في سيارة استهدفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت تحاول الفرار مع عائلتها من جحيم العدوان على غزة.

خلال الهجوم، أجرت هند مكالمة يائسة مع متطوعي الهلال الأحمر الفلسطيني، تستغيث لإنقاذها، وقد حاول المسعفون البقاء على تواصل معها وإرسال سيارة إسعاف، لكن الرصاص أصاب المركبة والطفلة قبل وصول النجدة.

وبعد تسلم الجائزة، ألقت المخرجة كوثر بن هنية كلمة، أهدت فيها التكريم إلى الهلال الأحمر الفلسطيني، وأشادت بالأبطال الذين يعملون في فرق الإنقاذ تحت القصف والخطر.

وقالت في كلمتها: كان صوت هند صرخة استغاثة سمعها العالم بأسره، لكن لم يُجِب أحد. سيظل صوتها يتردد حتى يتحقق الحساب والعدالة. السينما لا تستطيع أن تعيدها إلى الحياة، ولا أن تمحو الجريمة التي ارتُكبت بحقها، لكنها قادرة على حفظ صوتها.

ثم قالت إن هذه ليست فقط قصة هند، بل هي أيضا قصة “النظام الإسرائيلي المجرم الذي يتصرف بلا رادع”.

وإن الحكاية ليست ماضيا يروى فحسب، بل هي أيضا قصة استعجال راهنة، فما زالت أسرة هند -مثل آلاف العائلات في غزة- تعيش تحت الخطر والجوع والخوف، في ظل قصف يومي متواصل، داعيةً قادة العالم إلى التحرك.

ثم ختمت بالقول: فلترقد هند بسلام، ولتسهر أعين قاتليها فلا تنام، ولتحرر فلسطين.

وكان عرض الفيلم الأول قد حظي باستقبال استثنائي من الجمهور، وتوج بتصفيق حار استمر أكثر من 24 دقيقة.

أما جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم، فقد ذهبت إلى المخرج “جيم جارموش” عن فيلمه “أب وأم وأخت وأخ” (Father Mother Sister Brother)، ونال المخرج “بيني سافدي” جائزة الأسد الفضي عن فئة أفضل مخرج لفيلمه “آلة التحطيم” (The Smashing Machine).

 

الجزيرة الوثائقية في

07.09.2025

 
 
 
 
 

اختتامُ دورةٍ حافلةٍ بالمفاجآت و«صوت هند رجب» يتوَّج بالأسد الفضيّ

أسماء حراشيف

بعد مضي أسبوعين حافِلَين ببريقِ الأجواءِ الاحتفالية، على ضفافِ مدينة الليدو المنبسطة على مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث تلألأت السجادة الحمراء بنجوم الفن السابع، وحضرَ فنانون لامعون من هوليوود والعالم العربي، إلى جانب آخرين من مختلف أنحاء العالم، ها هي أضواء الليدو المتلألئة تُوقِّع الفصل الأخير من هذا المحفل، لتُعلِن بخفوتِها ختامَ دورةٍ فريدةٍ وفارقةٍ في تاريخ هذا المهرجان العريق.

في قلب هذه الأجواء الاحتفالية المهيبة، تعالت الهتافات الداعمة لغزة، واحتدمَت المواقف والآراء السياسية بين أفلام المسابقة الرئيسية. وكان فيلمُ «صوت هند رجب» الأكثر وقعًا والأعلى صوتًا من بين جميع أفلام المسابقة. ومنذ الاحتجاجات الأولى، التي سبقت المهرجان وكانت من تنظيم مجموعة من المخرجين الإيطاليين دعمًا للقضية الفلسطينية، ظلَّت صور التضامن مع غزَّة حاضرةً خلال فعاليات المهرجان، ولم تغفل عدسات الصحافة عن التقاط صور وملامح هذا الاحتجاج الذي عبَّر عنه عدد من الفنانين والمخرجين العالميين كلٌّ بطريقته الخاصة.

فلسطين و«صوت هند رجب» في الواجهة

بعد سلسلة من التتويجات العالمية الكبيرة التي حصدتها بأفلامها الوثائقية الآسرة، والتي جاء في مقدمتها فوز فيلمها «بنات أولفة» بجائزة سيزار إلى جانب جائزة العين الذهبية من مهرجان كان السينمائي، ها هي كوثر بن هنية تعود من جديد لتطل من منصة أعرق مهرجان سينمائي، بفيلم يحمل قضية تتجاوز الفيلم نفسه، ليمتد صداها إلى كل أنحاء العالم، ويصبح فيلم «صوت هند رجب» أحد أبرز الأفلام المرتقبة لهذا العام، وهو فيلم قال عنه رئيس المهرجان أنه سيكون فيلمًا شديدَ الوقع على المشاهدين.

ورغم أن حضورَ الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية كان سابقًا للمهرجان، من خلال احتجاج عدد من الإيطاليين العاملين في قطاع السينما، مطالبين إدارة المهرجان بإدانة الإبادة الجماعية في غزة، إلا أن عرض فيلم «صوت هند رجب» كان الحدث الاحتجاجي الأكبر المرتبط بالقضية الفلسطينية في تاريخ المهرجان، بل وفي تاريخ السينما كله. فقد احتشدت قاعات العرض بالمتفرجين، وبدت صور التأثر والانفعال على الجميع، بشهادة كل من كان حاضرًا، وامتد التصفيق إلى حد قياسي من الدقائق تجاوز الـ22 دقيقة، ليكون بذلك أكثر الأفلام نيلًا للتصفيق في تاريخ المهرجان.

ولا عجب أن يكون للفيلم هذا الأثر الكبير على المشاهدين، فقد واجه صناع الفيلم بحد ذاتهم موجات من التأثر ونوبات من البكاء خلال مراحل إنجازِهم للفيلم. ولأن الفيلم يروي من خلال هند رجب قصة عشرات الآلاف من الأطفال الذين عاشوا واقعًا مأساويًا أشد بشاعة، وقضوا نحبهم خلال هذه الإبادة الممنهجة في حق شعب أعزل.

وعن الفيلم تصرِّح المخرجة في لقاءات صحفية قائلة: «صوت هند هو صوت غزة، هذا الصوت الذي ظل يلازمني، منذ استماعي إليه لأول مرة، حين كنت أستعد لإنجاز فيلم آخر، فشعرت أنه عليَّ التوقف عن كل شيء لأروي قصة هند»، مشيرة إلى أن صنع الفيلم كان ضرورة ملحة لأنه يرسخ الحقائق القابلة للنسيان في ذاكرة الأجيال. ولأن هذه مسؤولية كبيرة يحملها كل فنان، مسؤولية أن يقف ضد النسيان، وأن يخلق ذاكرة جمعية، ترى الإنسانية ذاتها من خلالها وتتأمل عواقب أفعالها، كي تضع حدا لهذه المأساة وتحُول دون تكرارها.

من خلال فيلمها، قدَّمت كوثر بن هنية إلى العالم صوتَ إستغاثةٍ، ليس لهند فحسب، بل لأطفال غزة كلهم، موجه للعالم أجمع. لكنه صوتٌ لا يُجاب إلا بعد فوات الأوان، ليصبح وزرًا كبيرًا تتحمل ثقله البشرية جمعاء، أو كما قالت: «صوت هند هو صوت غزة تستغيث.. ولا أحد يُجيب!». لقد حظي الفيلم بدعم فنانين من هوليوود، ممن نشأوا على صوت هذه السردية الإسرائيلية، التي ظلت لزمن طويل أمرًا مسلما به، في أروقة هذه الاستوديوهات الكبيرة المتسيّدة للصناعة السينمائية الأمريكية. فها نحن نشهد، من خلال هذا الدعم الذي أبداه نجوم هوليوود، انقلابًا للسّحر على الساحر، وسقوطًا للقناع الذي طالما برَّر أبشع الجرائم الإنسانية.

وإلى جانب هذا الفيلم المؤثر، تنوعت عروضُ الأفلام التي نقلت معاناة الشعب الفلسطيني، من بينها الفيلم الوثائقي السويسري «من لا يزال حيًّا» للمخرج نيكولا واديموف، في قسم "أيام المؤلفين" (Giornate degli Autori)، الذي يحكي قصة تسعة ناجين من غزة ذوي خلفيات فنية متعددة، يستعيدون ما عاشوه من مأساة داخل القطاع، في لحظات سرد شفيفة تجمع بين التوثيق الحميمي والرمزية الفنية. إضافة إلى عرض الفيلم الفلسطيني «مهدد بالانقراض» (Coyotes) في قسم آفاق (Orizzonti)، للمخرج سعيد زاغة، ليصبح بذلك أول فيلمٍ فلسطيني قصيرٍ يشارك في منافسات هذا القسم.

وبهذا أظهرت دورة البندقية لهذا العام تعبئةً جماهيريةً غير مسبوقة، إلى جانب الاحتجاجات والعروض السينمائية واللقاءات، التي عكست أهمية السينما ودورها الكبير في أن تكون صوتًا بليغًا مناهضًا لكل أشكال القمع والإبادة، ومنبرًا يدعو لتحقيق السلام ونبذ العنف وإحداث التغيير.

أفلام عربية تحصد الجوائز

شهدت الدورة الـ82 من مهرجان البندقية السينمائي، مشاركةً عربيةً متميِّزة، تجلت في هذا الحضور المتنوع للأفلام التي تناولت عددا من القضايا والقصص العربية الأصيلة، والتي تُوِّج عدد كبير منها بجوائزَ مرموقة، انطلاقًا من فيلم «صوت هند رجب» المرشح للأسد الذهبي، مرورًا بفيلم «هجرة» و«شارع مالقة» المشاركين في قسم "سبوتلايت"، وصولًا إلى الأفلام العربية الحاضرة خارج المسابقات الرسمية، مثل مشاركة كل من فيلم «رقية» للمخرج الجزائري يانيس كوسيم و«ملكة القطن» للسودانية سوزانا ميرغني ضمن أسبوع النقاد، إلى جانب الحضور العربي المتميز في برامج دعم الصناعة السينمائية في مراحل ما قبل الإنتاج.

في عرضه العالمي الأول، تألق فيلم «هجرة» للمخرجة السعودية شهد أمين بين نخبة من الأعمال الآسيوية اللافتة، ونجح في الظفر بجائزة نيتباك (NETPAC) لأفضل فيلمٍ آسيويٍّ، في تتويج هو الأول من نوعه لفيلمٍ سعوديٍّ في مهرجان البندقية السينمائي العريق. فبعد مضي ست سنوات على نيلها جائزة "فيرونا" عن فيلمها «سيدة البحر»، تعود شهد إلى نفس المهرجان بخطى ثابتة وبطرح مختلف عما عودتنا عليه من أسلوب فانتازي رمزي محتشد بالاستعارات، لتنقلنا هذه المرة إلى أسلوب آخر أكثر ارتباطًا بالبيئة المحلية، مستمدًا شعريته وسحره منها ومن شعيرة الحج العظيمة، لتأسر به المشاهدين والنقاد على حد سواء، وتظفر بجائزة أخرى، ترقى بفيلمها إلى منزلة أفضل فيلم آسيوي، من بين الأفلام المشاركة.

جمعت شهد في فيلمها بين القصة الزاخرة بالكثافة السردية والمعنى، التي تلتقي فيها الأزمنة وتتصادم فيها ثلاثة أجيال من النساء، وبين المناظر الطبيعية الآسرة، ليصبح فيلمها بمثابة توثيق خلاب للثقافة المحلية والطبيعة الساحرة في المملكة، مستكشفة بعدستها الآسرة طرق الحج القديمة ما بين الشمال والجنوب، متنقلة من تبوك إلى الطائف إلى جدة وغيرها من المناطق السعودية.

أما «صوت هند رجب» فقد فاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم في المهرجان (جائزة الأسد الفضي)، ويعتبر هذا التتويجُ انتصارًا كبيرًا تحقِّقه كوثر بن هنية، سواء على صعيد مسيرتها الفنية أو على صعيد هذه القضية العادلة، إذ سيكون هذا الانتصار أكبر تقويض لسردية لطالما سعى المستعمر إلى ترسيخها، وإعلاءا لصوت غزة والمستضعفين فيها. ولن يقتصر صوت هند بعد هذه الجائزة على مهرجان البندقية فحسب، بل سيصدَح في كل مهرجان وكل محفل قادم. بدورها، نالت المغربية مريم التُوزاني جائزةَ الجمهور في قسم "سبوتلايت"، عن فيلمها «شارع مالقا»، الذي يروي قصة ماريا الإسبانية، وهي امرأة سبعينية تعيش في طنجة حياة هادئة، إلى أن تقرر ابنتها القادمة من مدريد بيع البيت. وبينما تسعى ماريا للحفاظ على منزلها، تتكشّف لها معان للحب والحياة كانت غائبة عنها. وقد أفصحت مريم أثناء استلامها للجائزة عن حزنها لما يحدث في غزة، وأشادت بهذه الدورة التي أبرزت تضامنًا إنسانيًا عميقًا، معبرةً عن فخرها بالمشاركة فيها.

وقد حظي عدد من الأفلام العربية بجوائز متفرقة من برنامج ما بعد الإنتاج "Final Cut awards"، حيث نالت المخرجة اليمنية سارة إسحاق خمس جوائز من البرنامج عن فليمها «المحطة» بما في ذلك جائزة أفضل فيلم في مرحلة ما بعد الإنتاج، وهو فيلم يحكي قصة لَيَال، المرأة اليمنية التي تدير محطة وقود مخصصة للنساء، متحدية بذلك القيود الاجتماعية والأعراف، في مدينة أنهكتها الحرب، ومقدمة بذلك صورة آسرة للمرأة اليمنية القوية. وبالمثل، حظيت المخرجة اليمنية مريم الذبحاني بعدد من الجوائز، من ذات البرنامج، عن فيلمها «يلا نلعب عسكرة»، الذي يسلط الضوء على المسؤوليات الكبيرة التي تُلقَى على عاتق الأطفال حين يغيب مقدِّم الرعاية من حياتهم، فيصبحون هم المعيل للأسرة، في أزمنة الاضطراب وانعدام الأمن. كما فازت المخرجة المغربية هند بن ساري بجائزة صندوق البحر الأحمر في "فاينال كت" عن فيلمها «خارج المدرسة».

أما جائزة الجمهور من قسم "أيام البندقية"، والتي تُحدَّد استنادًا إلى تصويت المشاهدين في قاعة "سالا بيرلا"، عقب عروض أفلام المسابقة الرسمية، فقد آلت على نحو استثنائي إلى فيلمين معًا، إذ ظفر بها كل من «نجوم الأمل والألم» للمخرج اللبناني سيريل عريس، وفيلم «ذكرى» للمخرجة الأوكرانية فلادلينا ساندو. وقد تناول فيلم سيريل عريس قصة رومانسية-كوميدية، يتكشَّف من خلالها واقعُ البلد والصراعات المتعددة التي تواجهها لبنان.

مهرجان بطابع سياسي

وإلى جانب أصوات الاحتجاج المتعالية الداعمة لغزة، وما أحدثه فيلم «صوت هند رجب» من وقعٍ مدوي، فإن أفلامًا أخرى أضافت زخمًا لهذا الجدل السياسي القائم في أروقة المهرجان. فنجد على الواجهة مثلا فيلم «ساحر الكرملين» (The Wizard of the Kremlin)، الذي أعاد إلى النقاش الأوضاع السياسية الراهنة، إذ يروي قصة صعود الرئيس الروسي إلى السلطة. وهو فيلم يقول عنه مخرجه: «هو تأمل في السياسة الحديثة وفي ستائر الدخان التي تختبئ خلفها اليوم». وقد حظي الفيلم بعشر دقائق من التصفيق احتفاءً بهذه المعالجة الآسرة والقصة متعددة الأبعاد.

وقد شهدت المؤتمرات الصحفية جدلًا متجددًا حول مشاركة ممثلين داعمين لإسرائيل في أفلام لمخرجين كبار، وهو ما أعاد إلى الواجهة هذه العلاقة الجدلية بين الفنان وأدائه الفني من جهة، وخلفيته ومواقفِه السياسية من جهة أخرى.

كما نجد أيضًا فيلم لانثيموس «بوغونيا» (Bugonia) الذي أعاد إلى السطح النقاش القديم الذي يعكس قلق عصرنا المثقل بنظريات المؤامرة، وانعدام الثقة، وسطوة الخوارزميات. ومن خلال عوالمه العبثية المصقولة بذكاء، يسعى لانثيموس إلى أن يضعنا مجددًا في مواجهة أكبر مخاوفنا وهواجسنِا.

أفلامٌ تحصدُ الجوائزَ الكبرى

بعد دورة حافلة، لمعت خلالها الشاشات بالعروضٍ السينمائيَّة المميزة، التي بنت جسورًا وجدانية بين الجمهور وبين هذه الأعمال الفنية وقصصها الإنسانية، واحتدمت خلالها النقاشات السياسية، جاءت نتائج هذه المنافسة مختلفة عن كل التوقعات. فقد ظفر جيم جارموش بجائزة الأسد الذهبي عن فيلمه «الأب الأم الأخت الأخ» (Father Mother Sister Brother)، وهو فيلم روائي كوميدي مكون من ثلاثة فصول، تتقاطع قصصها في نسقٍ واحدٍ يتمحور حول العلاقة التي تجمع بين الأبناء والآباء. ويقول عنه جيم جارموش: «إنه فيلم مضاد للحركة، بُني أسلوبه الدقيق والهادئ بعناية للسماحِ بتراكم التفاصيل».

وكانت جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج من نصيب بيني صفدي عن فيلم «آلة التحطيم» (The Smashing Machine) الذي منح فيه لدواين جونسون أفضل أدواره على الإطلاق، وهو فيلم يتناول قصة أخصائي في الفنون القتالية المختلطة وصراعه مع الإدمان. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب الفيلم الإيطالي «تحت الغيوم» (Below the Clouds) للمخرج جيانفرانكو روسي، وحازت الفرنسية فاليري دونزيلي إلى جانب غيليس مارشان على جائزة أفضل سيناريو عن فيلمِها «في العمل» (At work). وكانت جائزة البندقية لأفضل فيلم أول (جائزة أسد المستقبل) من نصيب فيلم «صيف قصير» (Short Summer) للمخرجة ناستيا كوركيا.

أما في قسم آفاق (Orizzonti)، فقد فاز فيلم «في الطريق» (On the road) للمخرج ديفيد بابلوس بجائزة أفضل فيلم في هذا القسم. كما فاز أنوبارنا روي عن فيلم «أغانِي الأشجار المنسية» (Songs of Forgotten Trees) بجائزة أفضل مخرج. ولم تتوقف التتويجات عند هذا الحد، ففي قسم الأفلام الكلاسيكية، فاز فيلم «ماتا هاري» (Mata Hari) للمخرجين جو بيتشينكوفسكي وجيمس سميث بجائزة أفضل فيلم وثائقي عن السينما، كما ظفر الفيلم الإيراني «باشو، الغريب الصغير» (Bashu, the Little Stranger - 1986) للمخرج بهرام بيزايي بجائزة أفضل فيلم مُرمَّم في قسم الكلاسيكيات.

كما منح الاتحاد الدولي لنقاد السينما جائزة أفضل فيلم في مهرجان البندقية 82 لفيلم «الصديق الصامت» (Silent Friend) لإيلديكو إينيدي. أما الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد فقد ظفر بها فيلم «الدائرة المستقيمة» (Straight Circle) لأوسكار هدسون.

وقد فاز الفيلم الوثائقي «إعادة تصوير» (2025 - Remake) لروس ماكلوي بجائزة الغولدن غلوب للتأثير في فئة الفيلم الوثائقي، وهي جائزة تقدمها مؤسسة Artemis Rising لتكريم الأعمال التي «تسلط الضوء على قضية اجتماعية رئيسية، تجمع في طريقة طرحها بين البراعة الصحفية والأسلوب الإبداعي». خلال الفيلم، تتبع الكاميرا العلاقة العاطفية بين المخرج ماكاوي وابنه أدريان، قبل رحيله، لتتحول فيما بعد إلى رحلة استكشاف متعددة الطبقات للذاكرة ولعملية صناعة الصور، في محاولةٍ لخلقِ جسرٍ نحو التشافي من خلال السرد القصصي الخالص.

وقالت عضوة لجنة التحكيم هلين هوين: «السينما الوثائقية هي إحدى أقوى الأدوات التي نملكُها لتسليط الضوء على الحقائق، وتضخيم الأصوات غير المسموعة، وإحداثِ تغييرٍ هادف. في غولدن غلوب، نؤمن بأن السينما لا تقتصر على البراعة الفنية فحسب، بل تتعلق أيضًا بالتأثير، وهذه الجائزة مكرَّسة لتكريم الأفلام التي تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية الملحة بشجاعة وإبداع».

مخرجون وفنانون يحظون بالتكريم عن مجمل أعمالهم

شهدت الدورة الثانية والثمانين لمهرجان البندقية السينمائي، تنوعًا ملحوظًا في الأفلام وفي المواضيع، وفي ثقل القضايا المطروحة أيضا. وقد حظي عدد من المخرجين والفنانين بالتكريم والتقدير على مجمل أعمالهم السينمائية.

فقد نال المخرج الألماني فيرنر هرتزوغ جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة، وقد عبر هرتزوغ عن سعادته بالجائزة قائلا: «لطالما حاولت أن أكون جنديًا صالحًا للسينما، وهذه الجائزة تبدو بمثابة وسام شرفي لعملي». وقد امتدت مسيرته لتشمل ما يقارب الـ 70 فيلما، حافظ خلالها على أسلوب بارع لرواية القصص غير المعتادة، واعتُبر آخرَ ورثةِ التقليد الرومانسي الألماني الكبير، كما يقول ألبيرتو باربيرا.

إلى جانب هرتزوغ، حظيت الممثلة الأيقونية كيم نوفاك بجائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعمالها. وبرغم اعتزالها التمثيل، فقد خلَّدت حضورها في السينما عبر مجموعة من الأداءات الأيقونية التي ستبقى من أبرز ما سجلته ذاكرة السينما. ورغم تنوّع الأدوار التي جسَّدتها، ظلت صورتها الأكثر ارتباطًا بفيلم «دوار» لهيتشكوك. وفي أجواء تسودها الحفاوة والإعجاب، تسلم المخرج جوليان شنايبل جائزة كارتييه «Glory to the Filmmaker» لعام 2025، وقد جاء هذا التكريم تقديرًا له على إسهاماته في السينما المعاصرة وأسلوبه المبتكر الذي يجمع بين الحس البصري والتجريب السينمائي ولمسته التشكيلية. وفي عرضه العالمي الأول، قدم فيلمه الأخير «بين يدي دانتي» (In the Hand of Dante)، وهو فيلم حافل يوظف فيه أسلوبه المتفرد الذي قال عنه مدير المهرجان: «كل فيلم من أفلامه هو عالم مستقل بذاته، ينبض بالحيوية والجمال، وينقب عن المعنى، مستعيرا من الفن التشكيلي لغةً حيةً، تُنقل عبرها الطاقة السردية»، حيث يستعين في فيلمه الأخير بمخطوطة "الكوميديا الإلهية" لدانتي ألغيري التي تنتقل بين يد كاهن وزعيم مافيا في نيويورك، في رحلة رمزية تعكس مسيرة المخرج الفنية، ليقدم من خلالها سردًا ملحميًا محكمًا.

كما تسلم المخرج غاس فان سانت جائزة «كامباري للشغف بالسينما»، تقديرًا لإسهاماته في السينما الأميركية المستقلة، وقد حظي فيلمه «سلك الرجل الميت» (Dead Man's Wire) بعرض عالمي أول خارج المسابقة الرسمية.

ختاما، فإن مهرجانُ البندقية السينمائي قد أسدل، هذا العام، الستارَ على دورةٍ فريدةٍ وفارقةٍ في تاريخه، وسطَ أجواءٍ احتفاليةٍ حملت في طياتها الكثير من المفاجآت، وأحيَت قضايا ونقاشات سياسية كثيرة. دورةٌ أعادت بأفلامها وبروح التضامن التي انبثقت منها تجاه القضايا العادلة، إلى المهرجانات قوّتها وإلى السينما تأثيرها الكبير في وجدان البشرية، مجدِّدةً ومؤكدةً قدرتها على التغيير وتقويض سرديّة المعتدي.

بدعم من مبادرة سينماء، نُشرت هذه المقالة أيضًا في منصة ميم السينمائية.

 

موقع "سينماء" السعودي في

07.09.2025

 
 
 
 
 

بمهرجان فينيسيا السينمائي

جائزة الأسد الفضي للجنة التحكيم الكبرى لفيلم صوت هند رجب

البلاد/ مسافات

في أولى عروضه، فاز الفيلم التونسي صوت هند رجب للمخرجة كوثر بن هنية بجائزة الأسد الفضي للجنة التحكيم الكبرى بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في ختام دورته الـ 82، وذلك بعد أن حاز على أكثر من 20 دقيقة من التصفيق بعد عرضه العالمي الأول، وهي المدة الأطول التي استمر بها تصفيق الجمهور خلال المهرجان.

وأهدت بن هنية الجائزة للهلال الأحمر الفلسطيني و"الأبطال" الآخرين في فرق الاستجابة الأولية.

وقالت: "كان صوت هند صرخة استغاثة سمعها العالم أجمع، لكن لم يُجبها أحد. سيظل صوتها يتردد حتى تتحقق المحاسبة والعدالة. لا يمكن للسينما أن تعيدها إلى الحياة، ولا أن تمحو الفظائع التي ارتُكبت بحقها. لكنها قادرة على حفظ صوتها".

وتابعت بنبرة حازمة: "هذه ليست قصة هند فحسب، بل قصة نظام إسرائيلي مجرم يتصرف دون عقاب. رحم الله هند، وليحرم الله أعين قاتليها من النوم. فلسطين حرة".

الفيلم من كتابة وإخراج كوثر بن هنية، شارك في بطولة الفيلم سجا الكيلاني ومعتز ملحيس وكلارا خوري وعامر حليحل، وتصوير خوان سارمينتو جي، ومونتاج قتيبة برهمجي، ماكسيم ماتيس، وكوثر بن هنية، وموسيقى تصويرية أمين بوحافة، ومصمم الإنتاج باسم مرزوق، وهو إنتاج تونسي فرنسي مشترك لكل من نديم شيخ روحه لشركة Tanit Films و Mime Films وأوديسا راي لشركة RaeFilm Studios، وجيمس ويسلون لشركة Jw Films Production، وتتولى MAD Distribution التوزيع بالسينمات والعروض الثقافية للفيلم بالعالم العربي، بينما تعمل Sunnyland (مجموعة A.R.T) كموزع رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتولى شركة The Party Film Sales إدارة المبيعات العالمية وتمثيل الحقوق في أمريكا الشمالية بالتعاون  مع شركة CAA Media Finance.

صوت هند رجب، وهو مرشح تونس لتمثيلها في جوائز الأوسكار الـ 98، أحدث ضجة كبيرة ليلة عرضه، حيث وقف المشاهدين بعد انتهاء العرض لأكثر من عشرين  20 دقيقة كاملين مع تصفيق حار للفيلم، وملئت القاعة هتافات "فلسطين حرة" مصحوبة بدموع الحضور، كما كتبت عنه الصحافة العالمية والعربية بلا توقف حتى الآن،

وأتى هذا الاستقبال على خلفية قصة الفيلم المؤلمة، التي تدور أحداثها في 29 يناير 2024، تلقى متطوعو الهلال الأحمر اتصالاً طارئًا. طفلة في السادسة من عمرها عالقة في سيارة تحت نيران الاحتلال في غزة، تتوسل لإنقاذها. وبينما كانوا يحاولون إبقاءها على الخط، بذلوا قصارى جهدهم لإحضار سيارة إسعاف إليها. كان اسمها هند رجب.

وفي وقت سابق كان قد أعلن موقع Deadline أن نجوم هوليوود، براد بيت، وخواكين فينيكس، وروني مارا، والمخرجين ألفونسو كوارون، وجوناثان جليزر، من بين الأسماء البارزة التي انضمت إلى فريق عمل الفيلم كمنتجين منفذين، وذلك بعد إعجابهم بالفيلم. كما يشارك ديدي غاردنر، وجيريمي كلاينر من شركة الإنتاج "بلان بي" التابعة لبراد بيت كمساعدو إنتاج، ومن بين الشخصيات العامة البارزة الأخرى التي انضمت إلى المشروع كمنتجين منفذين، الصحفية المنتجة جيميما خان، ورجل الأعمال الكندي والمؤسس السابق لشركة "ليونزجيت" فرانك جيسترا، ومصممة المجوهرات والشخصية الاجتماعية البارزة سابين غيتي.

عن المخرجة

كوثر بن هنية مخرجة تونسية ولدت بسيدي بوزيد وتابعت دراستها في الإخراج السينمائي بمعهد الفنون والسينما في تونس العاصمة وفي جامعة «لا فيميس» بباريس ولتلتحق سنة 2005 بكلية كتابة السيناريو في المعهد نفسه في باريس. وقدمت فيلمها القصير الأول أنا وأختي والشيء وفي سنة 2010 الفيلم الوثائقي الأئمة يذهبون إلى المدرسة وتشارك في عديد المهرجانات بفيلم قصير هو يد اللوح الحاصل على أكثر من عشر جوائز .

أما فيلمها الطويل الأول شلاط تونس فقد شارك في مهرجان كان السينمائي الذي أيضًا استقبل فيلمها على كف عفريت بمسابقة نظرة ما عام 2017 وترشح  لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار الحادي والتسعون في 2019.

في عام 2020 أخرجت بن هنية فيلم الرجل الذي باع ظهره والذي نافس بمهرجان فينيسيا السينمائي وفاز بطله الممثل يحيى محيني بجائزة أفضل ممثل، كما فاز الفيلم بجائزة أديبو كينج للإدماج. وفي العام الماضي شارك فيلمها الأشهر بنات ألفة بمهرجان كان السينمائي الدولي وفاز بثلاثة جوائز هم  جائزة السينما الإيجابية، وجائزة العين الذهبية - مناصفة مع الفيلم المغربي "كذب أبيض"، وجائزة فرنسوا شالي، ثم خاض رحلة سينمائية طويلة توّج فيها بعدة جوائز ووصل إلى القائمة القصيرة لترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

 

####

 

"صوت هند رجب" يوقظ المشاعر في مهرجان فينيسيا السينمائي

البلاد/ مسافات

شهد مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، العرض العالمي الأول لفيلم "صوت هند رجب" من تأليف وإخراج التونسية كوثر بن هنية، وذلك في إضاءة سينمائية على مأساة الطفلة الفلسطينية هند رجب، التي حاصرتها دبابات إسرائيلية، وتوسّلت مسعفي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لساعات عبر الهاتف لإنقاذها بعد مقتل عمها وعمّتها وثلاثة من أبناء عمومتها في قصف إسرائيلي استهدف سيارتهم.

وفور انتهاء عرض الفيلم الذي استمر لـ 90 دقيقة، وقف الحضور وشرعوا بالتصفيق لأكثر من 20 دقيقة متواصلة، في تعبيرٍ عفوي عن حالة التعاطف والمشاعر المتأججة التي ملأت القاعة بأسرها.

جاء الفيلم من إنتاج كل من المنتج التونسي الحاصل على العديد من الجوائز العالمية نديم شيخ روحه، والمنتج العالمي الحاصل على جائزة الأوسكار جيم ويلسون، والمنتجة الكندية الحاصلة على جائزة الأوسكار وجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام أوديسا راي. وانضمت "استويوهات MBC" كمنتج تنفيذي للفيلم، إلى جانب أسماء عالمية كبيرة في قطاع السينما منهم نجم هوليوود براد بيت، ونجم هوليوود خواكين فينيكس، وصانع الأفلام والمخرج المكسيكي الشهير الحاصل على أربع جوائز أوسكار وثلاث جوائز غولدن غلوب وسبع جوائز BAFTA ألفونسو كوارون، والنجمة الأميركية المرشحة لجائزتي أوسكار وجائزتي غولدن غلوب وجائزة الاكاديمية البريطانية للأفلام روني مارا التي حضرت العرض الأول للفيلم في فينسيا.

 وخلال المؤتمر الصحفي للعرض الأول للفيلم، قالت كوثر بن هنية مؤلفة ومخرجة الفيلم للصحفيين: "لقد رأينا أن الرواية السائدة حول العالم هي أن من يموتون في غزة هم مجرد ضحايا جانبية. إن هذا أمرٌ لا يمتّ للإنسانية بأي صلة. ولهذا السبب، تُعدّ السينما والفن وجميع أشكال التعبير الأخرى بالغة الأهمية، لمنح هؤلاء الناس صوتًا ووجهًا"

 في هذا السياق، أوضحت سمر عقروق، المديرة العامة للإنتاج ولاستوديوهات MBC: "نحن فخورون بالدعم الذي قدمناه لفيلم "صوت هند رجب" وبصفتنا أحد المنتجين المنفذين. جاءت هذه الخطوة انطلاقاً من التزام استوديوهات MBC بسرد القصص العربية من خلال صناعة محتوى سينمائي وتلفزيوني راقٍ يتمتع بمواصفات عالمية ويتيح إيصال قصصنا وسرديتنا ووجهة نظرنا إلى العالم بأسره." وختمت عقروق: “حمل هذا الفيلم قصة إنسانية عميقة تتجاوز الحدود والانقسامات، بل وحتى ضجيج العناوين الرئيسية، فهو يخاطب الجوهر الإنساني المشترك للبشر. لقد أثّرت قصة هند في العالم بأسره، لذا آثرنا التعامل مع المشروع بمصداقية ونزاهة فنية، وقبل كل شيء بإنسانية. نحن في "استوديوهات MBC" نؤمن بقوة السرد القصصي ودوره في تسليط الضوء على القصص الإنسانية التي لم تُروَ، وهذا الفيلم يُجسّد تلك القيمة بكل صدق وأمانة.”

 ومن المزمع أن يشارك فيلم "صوت هند رجب" في عروض أولى عالمية قادمة في تورونتو/كندا، ولندن/المملكة المتحدة، وسان سيباستيان/اسبانيا.

*الشركاء:

استوديوهات MBC - فيلم 4 - مؤسسة ستيتشينغ جيسترا الدولية - ووترميلون بيكتشرز - إيه. آر. تي - استوديوهات يوتوبيا - أحمد خان - مؤسسة رامبورغ - جوري غراهام - ملص إنترتينمنت - وزارة الثقافة التونسية - كومون بيكتشرز - مؤسسة بي إف إف - 1888 فيلمز - كوكون فيلمز - ستيفاني وإريك نادي أولسون - مؤسسة الدوحة للأفلام - ويلا - جيميما خان - جيرالين دريفوس.

تتولى شركة Party Film Sales مسؤولية المبيعات العالمية، وتمثل حقوق الفيلم في أمريكا الشمالية بالتعاون مع شركة CAA Media Finance، والتوزيع الإيطالي بواسطة شركة I Wonder Pictures.

نديم شيخ روحه يقدم

إنتاج مايم فيلمز (Mime Films) / تانيت فيلمز (Tanit Films)

تأليف وإخراج كوثر بن هنيه

من إنتاج نديم شيخ روحة وأوديسا راي وجيمس ويلسون

بطولة: سجى الكيلاني، معتز ملحيس، كلارا خوري، عامر حليحل.

مدير التصوير: Juan Sarmiento G

المحررون: قتيبة برهمجي، مكسيم ماثيس، كوثر بن هنيه

الصوت: أمل عطية، إلياس بوغدير، جوينولي لوبورن، ماريون بابينو، لارس جينزل

موسيقى: أمين بوحافة

مصمم الإنتاج: باسم مرزوق

مصممة الأزياء: خديجة الزقاي

مساعد مخرج أول: ماري فيشر

 

البلاد البحرينية في

07.09.2025

 
 
 
 
 

«صوت هند رجب» المستغيث... بطل فيلم كوثر بن هنيّة ومهرجان البندقيّة

بيروتكريستين حبيب

يوم صرخت هند رجب في غزة في يناير (كانون الثاني) 2024، ظنّت أن صوتها سيبقى أسير السيارة المحاصرة بالقذائف والرصاص حيث علقت، ملتصقةً بجثث أقربائها الذين سبقوها إلى عدّاد الموت.

لكنّ الصوت وصل، بعد أن انطفأ. سمعه العالم أجمع عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. غير أنّ العالم، كالعادة، لم يستطع شيئاً. فابنة السنوات الـ5، مثلُها مثل أكثر من 20 ألف طفل في غزة، قضت تحت النيران الإسرائيلية وهي بعد تحلم بشاطئٍ وأرجوحة ومثلّجاتٍ بنكهة الفرح.

يحكي روّاد «البندقيّة السينمائي» أن أي فيلمٍ عبرَ في سجلّ المهرجان الإيطالي العريق، لم يحصد 23 دقيقة من التصفيق. وحدَه «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، خرق البروتوكول وجدار الصمت حاصداً ذهول الحاضرين ودموعهم خلال عرضه العالمي الأول في الدورة 82 من المهرجان قبل أيام.

صار الفيلم حديث المهرجان والرأي العام العالمي من دون منازع، وسط توقعاتٍ بأن يجري ترشيحه إلى أوسكار 2026 عن فئة أفضل فيلم روائي أجنبي. نجوم السينما، والنقّاد، وخبراء المجال عبّروا بكاءً وذهولاً بعد مشاهدته. وهم لم يخفوا امتعاضهم عندما حجب مهرجان البندقيّة «الأسد الذهبي» عن الفيلم، مكتفياً بمَنحه الجائزة الثانية، أي جائزة لجنة التحكيم المعروفة بـ«الأسد الفضّي».

لكنّ ما حصل في البندقية ربما يكون أهمّ من الجوائز. فصوت هند رجب عاد إلى الحياة ليخترق الضمائر، ويذكّر بآلاف الأطفال الذين ما زالوا محاصرين داخل القطاع الفلسطيني المدمّر. تبني بن هنيّة فيلمها على المكالمة الهاتفية التي جمعت الطفلة هند بفريق «الهلال الأحمر» الفلسطيني مستغيثةً لإنقاذها، بينما الدبابات الإسرائيلية تحاصر السيارة حيث هي. كانت، وأفراداً من عائلتها، يحاولون الهروب من مدينة غزّة عبر تلّ الهوى عندما انهال القصف عليهم فمات الجميع وبقيت هند، قبل أن تنال منها النيران بعد ساعات.

في الشق التوثيقي من الفيلم، استخدمت المخرجة التسجيل الصوتي الحقيقي الذي بدأ بتلقّي الهلال الأحمر في رام الله مكالمة من عمّ هند المقيم في ألمانيا، واضعاً الطفلة على اتصالٍ مباشر مع المسعفين. أما في الشق الدرامي المعتمد على إعادة التمثيل، فيبقى المشهد محصوراً داخل مركز الإسعاف، على بُعد 80 كيلومتراً من غزة. استعانت بن هنيّة بمجموعة من الممثلين جسّدوا شخصيات المسعفين الذين تواصلوا مع هند.

«تعالوا خذوني... كل عيلتي ماتوا»... محصورةً لساعات بين جثث أقربائها، تتحدّث هند بصوتها الباكي والمذعور إلى أفراد الطاقم مداورةً. تتوسّل سيارةً أو أحداً يأتي لإنقاذها. تقول إنها خائفة من الليل الذي بدأ بالهبوط، ومن الدبابات التي تقترب أكثر فأكثر من السيارة. الجميع في المركز يشعر بالعجز، فتأمين عبور عربة إسعاف إلى المكان يقتضي تنسيقاً مع القوات الإسرائيلية غير المتعاونة بطبيعة الحال. مهدي، مدير الفريق، والذي يؤدّي دوره الممثل عامر حليحل، يدرك المحاذير، وهو ما عاد يريد التضحية بمزيدٍ من المسعفين المصفوفة صورُهم على جدار المركز، بعد أن قضوا خلال مهامهم الإنسانية في غزة.

المسعف عمر (الممثل معتز ملحيس) هو أول من تلقّى الاتصال من داخل السيارة المحاصرة. أتاه بدايةً صوت فتاةٍ تلفظ رعبَها وأنفاسها الأخيرة، لتتحوّل الآذان بعدها إلى هند الصغيرة. في المؤتمر الصحافي الذي واكب إطلاق الفيلم في البندقية، شرح ملحيس صعوبة الموقف الدرامي: «لفَرط التصاقنا بصوت هند الحقيقي، ظننّا لوهلة أنها ما زالت على قيد الحياة وأنه بإمكاننا أن نهرع لإنقاذها. وكان اصطدامنا بالواقع أصعب ما في الأمر». في أحد مشاهد الفيلم، يفيض غضب عمر؛ فثمة سيارة إسعاف على بُعد 8 دقائق من المكان لكنها غير قادرة على التحرّك. يصرخ قائلاً: «كيف ممكن تنسّقوا مع الجيش اللي قتلهم؟».

في أقصى لحظات الذعر، تصوّب هند أفكارها باتجاه أمها البعيدة. تتساءل ما إذا كانت ستَراها مجدداً. تصغي إليها المسعفة رنا (الممثلة سجى كيلاني) بتعاطفٍ وتأثّرٍ كبيرَين: «ما رح إتركك قبل ما يجي حدا ياخدك وأطمّن عليكي». تحاول طمأنتها مناديةً إياها «هنّود»، فيأتي ردّ الطفلة مرتبكاً وتائهاً: «ماما؟»، ظناً منها أن أمها على الجهة الثانية من السمّاعة.

لا شيء يوقف عقارب الساعة المعلقّة على حائط المركز، والمسعفون عارفون أنهم في سباقٍ مع الوقت المفقود. ببراءتها تسأل هند المسعفة رنا ما إذا كان زوجها قادراً على المجيء لأخذها من حيث هي. الطاقم هو الآخر يخترع سيناريوهاتٍ طفوليّة، كأن يرسل أحداً كـ«سبايدر مان» يقفز فوق السطوح ويسحب هند من بين الركام والجثث.

لكن بالتوازي مع محاولاتهم تأمين خطة لإنقاذ هند، ينفعلون ويصرخون ثم يقدّمون الدعم لبعضهم البعض بين لحظة انهيارٍ وأخرى، كما يواصلون إلهاء الفتاة والتمويه عنها رغم التراجيديا المحيطة بها. يسألونها عن شعبتها في المدرسة: «صفّ الفراشات»، وعن اسم المدرسة: «الطفولة السعيدة». أما الجواب حول لونها المفضّل فيأتي صارخاً: «ما بحبش إشي!». كيف تتذكّر الزهريّ والبرتقاليّ والأصفر، فيما الدبابة تقترب من السيارة وأزيز الرصاص يلعلع حولها؟

لا يبقى سوى الدعاء. تطلب منها رنا أن تذكر الله... «الله»، تقول. لعلّها الكلمة الأخيرة التي صدرت عن صوت هند رجب قبل أن تنال الدبابة الإسرائيلية منها، ومن مسعفَين اخترقا النيران بعد مرور 3 ساعات على بداية الاتصال، في مسعىً لإخراجها من السيارة السوداء.

أسدل مهرجان البندقيّة ستائره على صور طفلةٍ تلهو سعيدةً على شاطئ غزّة. اسمُها هند رجب وصوتُها وصل. في الأثناء، يواصل الفيلم رحلته إلى العالميّة، مسنوداً من منتجين منفّذين من طراز براد بيت، وخواكين فينيكس، وألفونسو كوارون، ومتطلّعاً إلى جماهير لا تكتفي بالدمع والتصفيق.

 

الشرق الأوسط في

08.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004