ملفات خاصة

 
 
 

هل نقاطع «الأوسكار» الأمريكى؟

طارق الشناوي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

طلب أحد المخرجين أن تمتد المقاطعة الأمريكية إلى مسابقة (الأوسكار) هذا العام فى الدورة التى تحمل رقم (96)، وتعلن جوائزها 10 مارس القادم.

شاركنا كعرب هذا العام بأكبر عدد من الأفلام، وصلنا إلى ثمانية فى مسابقة أفضل فيلم (دولى أجنبى) والمقصود به غير الناطق بالإنجليزية. الأفلام هى العراقى (الجنائن المعلقة) لأحمد الدراجى، و(المرهقون) اليمنى لعمرو جمال، و(إن شاء الله ولد) أمجد رشيد الأردنى، و(وداعًا جوليا) لمحمد الكردفانى ممثلًا للسودان، و(بنات ألفة) لكوثر بن هنية ممثلًا لتونس، (كذب أبيض) لأسماء المدير ممثلًا للمغرب، و(فوى فوى فوى) لعمر هلال ممثلًا للسينما المصرية، والفيلم السعودى (الهامور) إخراج عبدالله القرشى.

لم ننل طوال تاريخنا كعرب تلك الجائزة، نعم اقتربنا أكثر من مرة إلى الدائرة الخماسية (قبل الأخيرة) على التتويج، مثل المخرج الفلسطينى هانى أبوأسعد، مثلًا، حقق ذلك الإنجاز مرتين بفيلمى (الجنة الآن) و(عمر)، ولكن لم يحصل عليها أى مخرج عربى.

تتنافس هذا العام أفلامنا العربية الثمانية ضمن نحو 80 فيلمًا أخرى، تلك المسابقة تم إقرارها عام 1956، وأول مشاركة مصرية وأيضًا عربية (باب الحديد) ليوسف شاهين عام 58.

وفى إطار دعوات المقاطعة طالب هذا المخرج الذى لم يسبق له حتى أن تقدم بفيلم تنافس على جائزة فى مهرجان (المزاريطة) الدولى، طالب جميع زملائه المخرجين العرب بإصدار بيان جماعى وسحب أفلامهم، احتجاجًا على موقف الإدارة الأمريكية المنحاز والداعم لإسرائيل.

وهو كما أراه نوع من المزايدة، التى تسفر عادة عن لا شىء، مثلًا لم نستطع فى مصر مقاطعة الفيلم الأمريكى أكثر من بضعة أشهر فى أعقاب هزيمة 67، وبعدها عاد مجددًا للشارع، بناء على طلب الجماهير، وبموافقة الرئيس جمال عبدالناصر. سبق قبل بضع سنوات، تماشيًا مع التوجه العربى الذى تبنته النقابات الفنية، مقاطعة كل ما هو تركى من مسلسلات وأفلام وموسيقى ورقص وأكل حتى المشروب المفضل، (القهوة التركى) فكر البعض فى إلزام المقاهى بالامتناع عن تقديمه.

ووجدنا أكثر من دولة عربية تمنع عرض كل ما يمت بصلة قربى أو نسب لتركيا، بينما واقعيًّا المشاهدون كانوا يبحثون (بالريموت كنترول) عن المسلسل التركى، فى كل الفضائيات الأخرى غير العربية، وسقط القرار بعد بضعة أسابيع!. سلاح المقاطعة بات يُستخدم هذه الأيام بإسراف شديد، وتلاحق الكثيرين نظرات واتهامات وتلميحات لكل من لا يشهر هذا السلاح، وكأنه يرتكب خيانة وطنية.

المشاعر والتذوق ينبغى أن تظل بعيدة تمامًا عن تلك الصراعات، والتى بطبعها ليست ثابتة.

يذكر لنا التاريخ كثيرًا من الحكايات، مثلًا فريد الأطرش عندما قدم أوبريت (بساط الريح) عام 1950 فى فيلم (آخر كدبة) الذى كتبه بيرم التونسى، وكان يشدو فيه للوحدة العربية غنى لتونس الخضراء ثم انتقل مباشرة «بساط الريح» إلى مراكش «المغرب»، ولا أدرى كيف لم يمر على الجزائر، وفى الجزائر لم يغفروها، رغم أنها غير مقصودة.

ولم يتم الصلح إلا حين قدم بعد 15 عامًا أنشودة (المارد العربى) وغنى لبلد المليون ونصف مليون شهيد. هل نسينا ما حدث قبل أربعة عشر عامًا وتلك المعركة المفتعلة الخائبة، لإثارة الغضب بسبب مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر التى أقيمت فى (أم درمان)، وما تلاها مع الأسف من تداعيات مثل أن يصدر قرار فى مصر بمنع أغانى وردة على اعتبار أنها جزائرية الأصل، وأن يلغى تكريم المخرج الجزائرى أحمد راشدى من مهرجان القاهرة السينمائى.

وأن يعيد بعض النجوم المصريين الجوائز التى حصلوا من الجزائر إلى السفارة، احتجاجًا على خناقة فى مدرجات كرة قدم؟!. ماذا لو؟، حتى لوكان «لو» لا يتجاوز 10 فى المائة، ماذا لو؟ حصل على الأوسكار أحد أفلامنا العربية الثمانية، وأمسك المخرج بالميكروفون فى الحفل الذى يتابعه الملايين، وأهدى الجائزة إلى أرواح أطفالنا فى غزة، أليس هذا أفضل من المقاطعة الحنجورية؟!.

 

المصري اليوم في

18.11.2023

 
 
 
 
 

ضمن رحلته للمنافسة على الغولدن غلوب والأوسكار .. «

وداعاً جوليا» يفوز بجائزة الجمهور الرابعة في مهرجان «ليدز السينمائي الدولي»

خاص ـ «سينماتوغراف»

فاز الفيلم السوداني «وداعًا جوليا» للمخرج محمد كردفاني، بجائزة الجمهور للمرة الرابعة في مهرجان «ليدز السينمائي الدولي»، الذي أعلنت جوائزه مساء أمس 19 نوفمبر 2023، وقبل أيام حصد نفس الجائزة في مهرجان «السينما العربية والبحر المتوسط» بكتالونيا، وكذلك نال جائزة الجمهور في مهرجاني «الحرب على الشاشة، والمناظر الطبيعية لصانعي الأفلام» في فرنسا، ليصبح في رصيد الفيلم 15 جائزة دولية.

وكان الفيلم مؤخرًا قد فاز بجائزتين ضمن فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان الفيلم المسلم الدولي في تورنتو، كما حصل على جائزة أفضل فيلم، وهي الجائزة الأهم ضمن فعاليات مهرجان بلفاست السينمائي، وذلك بالتزامن مع انطلاقة تجاريًا في دور العرض الفرنسية، حيث يُعرض على أكثر من 50 شاشة في 21 مدينة.

واكتسب الفيلم زخماً في مشواره نحو الأوسكار، بعد إعلان النجمة لوبيتا نيونغو الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «12 عاماً من العبودية»، والمعروفة بدورها المميز في فيلم «بلاك بانثر»، عن انضمامها لفريق عمل الفيلم كمنتجة منفذة، وهو ما يعد دعمًا مباشرًا منها للفيلم الذي يمثل السودان في النسخة الـ96 من جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم روائي دولي 2024.

بجوار هذا، تم اختيار الفيلم للمرحلة الأولى في التصويت لجائزة غولدن غلوب 2024 لأفضل فيلم غير ناطق باللغة الإنجليزية، والتي ستُعلن قائمتها القصيرة في شهر ديسمبر المقبل.

تدور أحداث وداعًا جوليا في الخرطوم قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبب منى، المرأة الشمالية التي تعيش مع زوجها أكرم، بمقتل رجل جنوبي، ثم تقوم بتعيين زوجته جوليا التي تبحث عنه كخادمة في منزلها ومساعدتها سعياً للتطهر من الإحساس بالذنب.

الفيلم من إخراج وتأليف محمد كردفاني الحائز العديد من الجوائز، وبطولة الممثلة المسرحية والمغنية إيمان يوسف وعارضة الأزياء الشهيرة وملكة جمال جنوب السودان السابقة سيران رياك.

 

موقع "سينماتوغراف" في

20.11.2023

 
 
 
 
 

هل تعزّز الجوائز الدولية فرصة «وداعاً جوليا» في «الأوسكار»؟

فاز بـ15 مسابقة وحاز «وسام الجمهور» للمرة الرابعة

القاهرةانتصار دردير

بحصوله، للمرة الرابعة، على «جائزة الجمهور» من «مهرجان ليدز السينمائي» في بريطانيا (الأحد)، يُتوَّج الفيلم السوداني «وداعاً جوليا» بـ15 جائزة من مهرجانات دولية، فهل تعزّز الجوائز فرصته في منافسات «الأوسكار»؟

«جائزة الجمهور» من الجوائز المهمّة في المهرجانات الكبرى، تعتمد على الاختيار الحرّ للجمهور، بعيداً عن حسابات لجان التحكيم. وفاز «وداعاً جوليا» بها 3 مرات في مهرجانَي «الحرب على الشاشة» و«المناظر الطبيعية لصانعي الأفلام» بفرنسا، وفي «مهرجان السينما العربية والبحر المتوسط» بكتالونيا (إسبانيا).

يمثّل الفيلم، السودان، في منافسات «الأوسكار» لفئة أفضل فيلم دولي في النسخة الـ96 للمسابقة، كما ينافس في الفئة عينها على جوائز «غولدن غلوب»، التي تُعدّ مؤشراً لـ«الأوسكار».

حظي «وداعاً جوليا» بنجاحات دولية منذ عرضه الافتتاحي بقسم «نظرة ما» في «مهرجان كان السينمائي الدولي»، خلال دورته الماضية، وفاز فيها بـ«جائزة الحرية»، ليحوز بعدها جوائز عدّة؛ من بينها، أفضل فيلم أفريقي بجوائز «سبتيموس الدولية»، وجائزة «روجر إيبرت» ضمن فعاليات النسخة الـ59 من «مهرجان شيكاغو السينمائي»، و3 جوائز من «مهرجان Paysages de Cineastes»، كما حاز جائزة أفضل مخرج من «Debut Feature Film»، وأفضل ممثلة من «مهرجان الفيلم المسلم الدولي»، وأفضل فيلم من «مهرجان بلفاست السينمائي» ببريطانيا خلال دورته الـ23 ضمن أفلام المسابقة الدولية.

في هذا السياق، تُعبّر بطلته الممثلة والمغنّية إيمان يوسف عن فخرها بنيل الفيلم كل هذه الجوائز، واصفة ترشّحه لـ«الأوسكار» بأنه «حدث كبير وخطوة تاريخية للسينما السودانية». تضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الجوائز الدولية التي حازها تبرهن على أهميته. ذلك دليل على أنه يعالج قضايا إنسانية مهمّة لقيت صداها لدى الجمهور في جميع المهرجانات التي شارك بها»، معربة عن أملها بأن تمهّد هذه الجوائز طريقه للفوز بـ«الأوسكار».

وترى يوسف أنّ فوز السينما السودانية بمهرجانات عالمية في ظل الظروف الحالية «رسالة أمل كبيرة للسودانيين، تؤكد قدرتهم مواصلة المشوار».

وحقّق «وداعاً جوليا» أعلى إيرادات لفيلم عربي في دور العرض المصرية، وفق مراقبين ونقاد، وهو يُعرض حالياً في فرنسا، كما سيبدأ عرضه في السعودية والكويت وقطر والبحرين في 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بينما يُعرض بالإمارات بدءاً من 14 منه.

وكانت الممثلة الكينية لوبيتا نيونغو، الجائزة «أوسكار» عن دورها في فيلم «12 عاماً من العبودية»، انضمت إلى فريق عمل الفيلم مؤخراً، منتجةً منفذة، ما يُعدّ دعماً مهماً له في منافسات «الأوسكار»، وفق نقاد.

من جهته، يرى الناقد المصري طارق الشناوي، أنّ «الجوائز التي يحوزها الفيلم تلعب دوراً مهماً في الاهتمام به من المحكّمين بـ(الأوسكار)»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «(وداعاً جوليا) فيلم مهم، والجوائز التي حصدها ستجعل عيون المحكّمين عليه».

ويعزو ما يصفه بـ«النجاح التجاري للفيلم» لوجود جالية سودانية كبيرة في مصر حالياً، بالإضافة إلى أنه «خاطب الجمهور المصري الذي أقبل على مشاهدته، بدليل استمرار عرضه حتى اللحظة وتحقيقه إيرادات لم يحقّقها من قبل أي فيلم عربي». ويختم الشناوي: «(وداعاً جوليا) يُعدّ صاحب الفرصة الكبرى بين الأفلام العربية في منافسات (الأوسكار)».

يُذكر، أنّ أحداث الفيلم تدور في العاصمة السودانية الخرطوم قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبّب امرأة شمالية بمقتل رجل جنوبي، ثم تستعين بزوجته عاملةً في منزلها للتخلّص من الشعور بالذنب؛ وهو من بطولة إيمان يوسف، وسيران رياك، ونزار جمعة، وقير دويني، ومن تأليف محمد كردفاني وإخراجه.

 

الشرق الأوسط في

21.11.2023

 
 
 
 
 

مارتن سكورسيزى:

دي نيرو أراد تصوير Killers of the Flower Moon بلغة Osage

لميس محمد

كشف المخرج العالمى مارتن سكورسيزي عن أن النجم روبرت دي نيرو أراد أن يتم تصوير فيلم Killers of the Flower Moon بالكامل بلغة الأوساج، Osage،  قبيلة الغرب الأوسط الأميركية الأصلية من السهول العظمى التي حكمت تاريخيا الكثير من الولايات مثل: كنساس وأوكلاهوما وميسوري واركنساس، حيث كشف سكورسيزي عن الخبر خلال جلسة أسئلة وأجوبة مع زميله أسطورة صناعة الأفلام المخرج العالمى ستيفن سبيلبرج في مسرح DGA في لوس أنجلوس.

يتضمن الفيلم عدة مشاهد يتم فيها التحدث بلغة الأوساج، وقد استمتع دي نيرو بشكل خاص بتعلمها لدرجة أنه سأل المخرج عما إذا كان من الممكن إنتاج الفيلم بأكمله بتلك اللهجة، حيث صرح سكورسيزي: "بالمناسبة، لقد ضاع الكثير من لغة الأوساج، لكنهم يعيدونها معًا، إذا جاز التعبير، وكان هناك مدرس يدعى كريس، الذى كان يعلم جلادستون وليو، وكذلك دى نيرو، وأحب الأخير الفيلم كثيرًا لدرجة أنه أراد أن يمثل معظم الفيلم في باللغة الأصلية، فقلت له: "لا يمكنك ذلك"".

فيلم Killers of the Flower Moon الجديد بعتبر من أهم أفلام العام الذى يشارف على الانتهاء، وذلك يرجع إلى قصة العمل التى تتمحور حول قصة السكان الأصليين فى أمريكا.

كما أن فيلم Killers of the Flower Moon الجديد هو التعاون السابع بين ليوناردو دى كابريو ومارتن سكورسيزى، وحصل على 9 دقائق من التصفيق بعد عرضه لأول مرة خلال مهرجان كان السينمائى.

فيلم Killers of the Flower Moon وصلت مدته إلى 3 ساعات و26 دقيقة، وبلغت ميزانيته 200 مليون دولار، ويحكى العمل قصة واقعية عن الجشع والقتل، ويجسد فيه ليوناردو دي كابريو وليلي جلادستون دور محققين في جريمة قتل تضمنت مقتل أفراد من قبيلة أوسيدج في أوكلاهوما.

واستنادًا إلى كتاب ديفيد جران الأكثر مبيعًا والذي نال استحسانًا واسع النطاق، تدور أحداث فيلم Killers of the Flower Moon في أوكلاهوما في عشرينيات القرن العشرين، ويصور القتل المتسلسل لأعضاء من قبيلة أوسيدج الغنية بالنفط، وهي سلسلة من الجرائم الوحشية التي أصبحت تُعرف باسم عهد الإرهاب.

 

اليوم السابع المصرية في

26.11.2023

 
 
 
 
 

وداعا جوليا: تراجيديا سودانية تُعزف على أوتار إنسانية

محمد عوض

يبدو عام 2011 شديد البعد اليوم ونحن لم نبارحه بأكثر من 13 سنة. أقل من عقد ونصف جرت فيه مياهً كثيرة في نهر الحياة في الوطن العربي الممزق بين خلافات وصراعات داخلية وخارجية. شهد عام 2011 الانفصال الرسمي بين شقي السودان، ليستقل إقليم جنوب السودان بعد استفتاء واسع كانت نتيجته أكثر من 99% من المطالبين بالانفصال والاستقلال ليس فقط عن النظام الديكتاتوري لعمر الشبير، ولكن أيضًا عن مجتمع الشمال وممارساته العنصرية ضد الجنوبيين لأكثر من خمسة عقود.

بعد 13 سنة، يعود المخرج السوداني محمد كردفاني إلى ذلك التاريخ القريب ليقدم فيلمه الطويل الأول “وداعًا جوليا”، تلك التراجيديا القاسية والملهمة في آن، عن علاقة صداقة جمعت بين امرأتين شاءت الأقدار أن تمثل كل منهما أحد طرفين متباعدين في عدة ثنائيات، عرقية ودينية، ولغوية، وأن يمثل اجتماعهما صورة بلاغية للسودان ما قبل الانفصال.

تدور أحداث وداعًا جوليا في الخرطوم وعلى مدار السنوات الست السابقة على الانفصال من عام 2005 وحتى عام 2011، حول منى المرأة الشمالية التي تعيش مع زوجها أكرم والتي تتسبب في مقتل رجل جنوبي ثم تضطر تحت وطأة الإحساس بالذنب أن تعين زوجته جوليا مدبرة لمنزلها لمساعدتها هي وابنها وكنوع من أنواع التطهر من الذنب.

بنية درامية محكمة نظمها سيناريو محمد كردفاني. ففي حين أن الحدث الرئيسي الذي تبدأ به الأحداث هو قتل أكرم لسانتيو زوج جوليا، إلا أن الخطأ التراجيدي يأتي في لحظة لاحقة. بعد أن صدمت منى ابنه بسيارتها عن طريق الخطأ، يطاردها سانتيو الأب المكلوم، فتقوم منى بمهاتفت زوجها أكرم في وسط هذا الموقف العصابي وتضطر إلى الكذب بشأن مطاردها، فتخبر زوجها أن ثمة جنوبي يطارد سيارتها. تجسد هذه اللحظة خطيئة منى التراجيدية التي ستسعى فيما تبقى من عمر الفيلم في محاولات بائسة ويائسة للتطهر منها. تحت وطأة السياق السياسي والاجتماعي المشتعل، جلب أكرم بندقيته وأطلق النار على الأب ليرديه قتيلاً على الفور.

لا يشرّح نص كردفاني السينمائي السياق التاريخي فحسب، بل يتعمق أكثر إلى ما هو اجتماعي وإنساني في المقام الأول، ويفرد مساحة كافية للتأصيل لهذه اللحظة الجنونية التي دمرت أسرتين هما على طريف النقيض في كل شيء. أسرة شمالية مسلمة ميسورة الحال تعيش في أحد الأحياء الثرية، وأسرة مسيحية جنوبية فقيرة تضطرها الظروف السياسية وتنامي الصراع إلى النزوح من بيت دافئ إلى بيت من الصفيح أقيم في العراء.

لا يغرق كردفاني أيضًا في الرمزية والصورة البلاغية، وإنما يستمد من الواقعية ما يغذي هذه الصورة دون أي ابتذال. ففي نهاية المطاف ما يصوره “وداعًا جوليا” لم يتأثر ببعد المسافة الزمنية، وإنما شهد صناعه بأنفسهم ملابساته وتفاصيله في الواقع، وربما في قصص أكثر قسوة من تلك التي يحكيها فيلمهم.

نسج الفيلم رمزيته من تفاصيل واقعية ذات انعكاسات اجتماعية ملموسة. فتفاصيل بسيطة مثل الخلافات الزوجية بين منى وأكرم، عندما تصطدم رغبة منى في السعى خلف حلمها بالغناء بقناعات زوجها المحافظة وغيرته وشكه الدائمين فيها. قد تكون هذه التفصيلة انعكاس رمزي للغطاء الديني المحافظ الذي اتخذته ديكتاتورية البشير في قمعها للمجتمع السوداني، ولكن اقتراب الفيلم منها لا يوغل في هذه الرمزية بقدر ما يركز على الجانب الإنساني الذي يمكن للمشاهد من داخل أو خارج السودان أن يتماهى معها. الموهبة، والحلم، والحب، والصداقة، وأولا وأخيرًا، الحرية، كلها قيم إنسانية فطرية يتوق إليها كل إنسان على وجه الأرض، وكذلك أبطال “وداعًا جوليا”. فالفيلم يحيد كل الثنائيات ويجردها إلى ما هو أعم وأشمل، إلى ما هو إنساني.

يقدم “وداعًا جوليا” تجربة سينمائية ناضجة للغاية على مستوى العناصر الفنية والتقنية من تصوير ومونتاج وتصميم إنتاج. برع كردفاني في توظيف كافة أدواته التعبيرية لخدمة قصته السينمائية إلى الحد الذي يمنح هذه التراجيديا التقليدية الكثير من الخصوصية الفنية والسينمائية

يمزج التصوير السينمائي في “وداعًا جوليا” بين البساطة للتأكيد على الواقعية وذلك في اعتماده على مصادر الضوء الطبيعية أو الواقعية سواء في المشاهد الداخلية أو الخارجية، وبين مسحة شعرية بسيطة بحيث لا تطغى جمالية الصورة على واقعيتها. فكما أسلفنا فإن كردفاني يصر على تغليب الجانب الواقعي على الرمزي، ويستمد من قوة التراجيديا وثقلها على شخصاته عناصره البصرية دون أن يفرضها فرضًا على المشاهد، ويساعده على ذلك الأداء التمثيلي الجيد من أغلب أبطال العمل وعلى رأسهم إيمان يوسف في دور منى.

بينما تدور حربًا أهلية طاحنة في السودان اليوم كانت نتيجتها نزوح مئات الآلاف من السودانيين ومن بينهم صناع الفيلم، إلى الخارج، يحقق “وداعًا جوليا” نجاحًا تلو الآخر، بدءًا بعرضه العالمي الأول في قسم “نظرة ما” بالدورة 76 من مهرجان كان السينمائي ليسطر بذلك تاريخًا جديدا كأول فيلم سوداني يشارك في المهرجان الفرنسي العريق، حيث فاز الفيلم بجائزة الحرية. ومرورًا باختياره لتمثيل السودان في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، بالإضافة إلى العديد من العروض في المهرجانات العالمية من بينها لندن السينمائي، وكارلوفي فاري السينمائي اقتنص خلالها المزيد من الجوائز التي تعكس ليس فقط جودة الصنعة، ولكن أيضًا ذلك المشترك الإنساني القادر على الوصول إلى المشاهد العالمي.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

27.11.2023

 
 
 
 
 

شاهدت لكم:

الفيلم السوداني ”وداعًا جوليا“ في السعودية

البلاد/ طارق البحار

في عرض سعودي خاص شاهدت لكم بجدة فيلم ”وداعًا جوليا“ للمخرج محمد كردفاني الذي تدور أحداثه في الخرطوم قبيل انفصال الجنوب، حيث تتسبب منى، المرأة الشمالية التي تعيش مع زوجها أكرم، بمقتل رجل جنوبي، ثم تقوم بتعيين زوجته جوليا التي تبحث عنه كخادمة في منزلها ومساعدتها سعيا للتطهر من الإحساس بالذنب.

الفيلم من بطولة إيمان يوسف وسيران رياك ونزار جمعة وقير دويني، ومن إنتاج أمجد أبو العلاء الذي مثل السودان في ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2020 لأول مرة في التاريخ بفيلم ستموت في العشرين.

يبدأ الفيلم في عام 2005 ويركز على امرأتين من العاصمة الخرطوم: منى (إيمان يوسف) وجوليا (سيران رياك). منى مغنية سابقة تخلت عن شغفها الأكبر لتتوافق مع زوجها الصارم والثري أكرم (نزار جمعة). كلاهما جزء من النخبة الشمالية الناطقة بالعربية، وعلى هذا النحو، يمتلكان منزلًا كبيرًا ويستمتعان بأسلوب حياة أعلى بكثير من إمكانيات المجتمع. وعلى النقيض من ذلك، تعيش جوليا الصغيرة وزوجها، اللذان يكافحان من أجل تدبر أمورهما وإيجاد طرق لإطعام ابنهما دانيال. إنهم لا يملكون حتى منزلاً، لكنهم يعيشون في ما يشبه الأكواخ المتاخمة لإحدى المناطق السكنية في الخرطوم.

في الدقائق القليلة الأولى من الفيلم، نرى منى وأكرم يتقاسمان وجبة طعام في قصرهما، وعلى الرغم من ”التلميع" اللطيف، إلا أننا نلاحظ وجود تسرب على السطح حيث يتساقط الماء في دلو تم وضعه بعناية. إنها واحدة من الاستعارات العديدة التي يستخدمها الفيلم لتوضيح انهيار البلاد. في وقت لاحق، تتم إزالة لوحة قديمة ويتم إطلاق سراح طائر كناري محبوس، وهي خيارات مسرحية رمزية واضحة ولكنها فعالة تشير إلى شوق الشخصيات إلى الحرية.

بالعودة إلى القصر، يتصاعد التوتر ببطء، ثم فجأة، عندما يسمع الزوجان طلقات نارية وصراخًا خارج المنزل. الجنوبيون في حالة هياج عنيف والشماليون لا يترددون في الرد. واحدة من أولى نقاط التحول العديدة التي ربطت منى بجوليا هي نقطة تحول مأساوية؛ حادث قيادة أدى إلى اصطدام منى بجوليا وابنها بسيارتها. وبدلاً من الاعتراف بخطئها، تهرب منى خائفة، لكن زوج جوليا يطاردها. منى تتصل بأكرم وتخبره فقط أن "جنوبيًا" يلاحقها، وليس كثيرًا آخر. عندما وصلوا إلى منزل منى المسور، استقبلهم أكرم بمسدس. يطلب من زوج جوليا عدم التحرك. يبقى الزوج صامتًا لكنه يخطو خطوة إلى الأمام، فيطلق أكرم النار عليه ويقتله.

منى تشعر بالذنب، وتطارد جوليا. ثم قامت بتعيينها كخادمة جديدة لها، ودعت جوليا وابنها للانتقال للعيش في منزلها. تتشكل رابطة غير متوقعة ومعقدة، مليئة بالحب والأكاذيب. نجح نص كردفاني وإخراجه في بناء رابطة تعاطفية قوية مع جميع الشخصيات المشاركة. إنهم جميعًا ضحايا لأحكام مسبقة لبعضهم البعض، ويعيشون مع الأكاذيب والأسرار، ويرفضون في الغالب أن يكونوا في مكان الآخر. لقد اختفت براءتهم منذ فترة طويلة، ولكن هناك سذاجة لديهم أيضًا؛ بالكاد يستطيعون فهم الضرر الذي يسببونه لبعضهم البعض.

ولعل أفضل ما يجسد هذا التعقيد هو أكرم، الرجل المجتهد الذي لا يعتقد أن المرأة يجب أن يكون لها دور خارج إطار الزواج، ولكنه يريد أيضًا الأفضل لزوجته الطموحة. على الرغم من بذل قصارى جهده، إلا أنه نادرًا ما يدرك مقدار الألم والإحباط الذي يسببه عمىه، هذا إن كان يدرك ذلك على الإطلاق. ربما يرتكز الفيلم على الواقع السوداني، حيث تكثر الانقسامات الثقافية والدينية والجنسية، لكن كردفاني يتطرق أيضًا إلى موضوعات عالمية، كما يفعل مع شخصية أكرم. يتم استكشاف الأسرة والحزن وعدم المساواة الاجتماعية بعمق كاف.

يستكشف وداعا جوليا الاضطرابات الطبقية والعرقية والدينية في السودان قبل انفصاله عام 2011، وهو ما يعكس للأسف الأحداث المفجعة في السودان اليوم. يبدأ الفيلم عام 2005 ويركز على عاصمة البلاد الخرطوم. يستكشف المخرج والكاتب محمد كردفاني المواضيع السياسية بالتعاطف والصلاح والتواضع من خلال تأطيرها من خلال الصداقة النسائية. رغم كل الانقسامات، تكوّن رابطة بين منى وجوليا، وهي تتخطى الشاشة وتلامس قلوب الجمهور والذين يعرفون واقع الثقافة السودانية، ويعطي الفيلم لمحة عن الثقافة والدين والتقسيم بين الجنسين والأيديولوجية الطبقية للكثيرين.

من الناحية الفنية، فإن التصوير السينمائي للفيلم مبدع وواضح تأثير المخرج المبدع أمجد ابوالعلا، وهو شيء مميز وجذاب يبشر بالخير لمستقبل كردفان الذي تبنى سردًا تقليديًا إلى حد ما وخيارات جمالية جميلة وسهلة تخبر الجمهور عن الآلام والصراعات المحددة لأمة ممزقة.

وتخلق كاميرا بيير دي فيلييه رابطًا بين الشخصيات والجمهور من خلال لقطات مقربة ساحرة. كل إطار هو حقًا لوحة فنية رائعة، حيث يستخدم الخلفية والأرضية الوسطى والمقدمة بذكاء. تتميز ألوان فيلم "وداعا جوليا" بأنها ملفتة للنظر، حيث أن الألوان المتباينة هي السمة الرئيسية في كل مكان. يتم ذلك للإشارة إلى الانقسامات في المجتمع السوداني. يستخدم صانعو الفيلم التماثل البصري والسمعي للانتقال بين أحداث القصة والمشاهد.

يعد الفيلم مثالًا رئيسيًا على السبب الذي يجعل الأفلام لديها واجب سياسي ومجتمعي وإنساني تجاه مجتمعها لأنها تمتلك القدرة على تجاوز أي شكل فني آخر، ويعد الفيلم أول أفلام محمد كردفاني، وهو بمثابة شهادة على موهبته كمخرج وكاتب سيناريو، وسيكون من المثير متابعة مسيرته واكتشاف مشاريعه المستقبلية في عالم السينما.

 

البلاد البحرينية في

30.11.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004