كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عمالقة رحلوا عنا وبقيت أعمالهم الخالدة

محرر القبس الإلكتروني

عن رحيل «أسطورة الكوميديا»

عبدالحسين عبدالرضا

   
 
 
 
 

 (كونا) — احتضن ثرى الكويت أمس الأربعاء جثمان الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا لكنه بقي نجما ساطعا في قافلة رواد الفن الأصيل في الكويت الذين حملوا على عاتقهم طيلة حياتهم غرس القيم الأصيلة لدى الجمهور.

وهؤلاء الرواد سعوا طيلة مسيرتهم الفنية إلى تكريس روح الولاء والانتماء للوطن والحفاظ على الوحدة الوطنية وروعة العلاقة وقوتها بين الحاكم والمحكوم ووضع الأساس للرقي بالفن الكويتي فاستحقوا عن جدارة أن يكونوا خير سفراء لهذا الوطن.

واستحوذ أولئك العمالقة على مساحة مهمة في الذاكرة الكويتية إذ غابوا عنا بأجسادهم لكنهم باقون دائما في ضمائرنا وقلوبنا نشاهد مرارا وتكرارا صغارا وكبارا ما قدموه على الشاشة أو المسرح لتصبح مفرداتهم في حواراتهم التمثيلية ضمن قاموس مفرداتنا اليومية.

وفي لمسة وفاء نتوقف عند بعض الأسماء الفنية الرائدة ممن رحلوا عنا لنذكر الجيل الجديد بهم وبأدوارهم وأعمالهم التي سطرت النهضة الفنية في الكويت ومازالت راسخة في مسيرة الفن.

فقد غيب الموت في 23 مايو 2017 الفنان علي البريكي أحد رواد المسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية الكويتية الذي أشتهر بدوره في مسلسل (محكمة الفريج) هذا الدور الذي مازال حاضرا إلى اليوم وكذلك بأدائه شخصية الشاعر فهد العسكر بمرحلة الشباب في مسلسل (فهد العسكر الرحلة والرحيل).

وخسرت الساحة الفنية الكويتية برحيله فنانا موهوبا ومبدعا استطاع أن يشق طريقه بموهبته واخلاصه لفنه وايمانه برسالة الفن التنويرية والابداعية.

وبدأ الراحل البريكي حياته المهنية كمصور حتى اختاره الفنان زكي طليمات أثناء زيارته لمشاهدة مسرحية (سر الحاكم بأمرالله) هو وصديقه جعفر المؤمن للمشاركة في مسرحية (صقر قريش) مع (فرقة المسرح العربي).

وقدم الراحل البريكي في حياته الفنية اكثر من 50 عملا مسرحيا وتلفزيونيا وتم تكريمه عام 2012 من قبل مهرجان المسرح للشباب وكانت آخر مسرحية شارك فيها (صوت الزمن) عام 1994.

وفي 11 أبريل 2015 توفي الفنان أحمد الصالح الذي ولد عام 1938 ويعد من أبرز وجوه الحركة المسرحية في البلاد منذ بداياتها إذ عاصر الرعيل المسرحي الأول في ستينات القرن الماضي وقبل تلك الفترة شارك في أعمال المسرح المدرسي.

وقدم الصالح خلال مسيرته الفنية الطويلة عددا كبيرا من المسرحيات الناجحة مع فرقة المسرح الشعبي وتولى فيها عدة مناصب إدارية.

ومن أشهر مسرحيات الراحل الصالح (شرايج بوعثمان) و (العمارة رقم 20) وغيرها اضافة الى مسرحية (فرحة أمة) وهي مسرحية كوميدية اجتماعية ساخرة تناقش القضايا الاسرية والترابط الاسري والتطرف الديني وعرضت أمام قادة دول الخليج في انعقاد احد مؤتمرات القمة الخليجية.

وللفنان الصالح سجل حافل في الدراما التلفزيونية ابتداء من عام 1974 حتى سنوات مرضه الأخيرة كما أطل سينمائيا من خلال فيلم (بس يا بحر) عام 1971 وفيلم (الصمت) عام 1976 وشارك في الجزء الأول من برنامج الأطفال التعليمي (افتح يا سمسم) عام 1979.

وفي 9 نوفمير 2011 توفي الفنان منصور المنصور في الجزائر بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد أثناء مهمة عمل مع فرقة مسرح الخليج العربي.

وولد الراحل المنصور عام 1941 من أسرة فنية وبدأ عمله في إذاعة الكويت وشارك في أول عمل مسرحي مدرسي بعنوان (الحاكم بأمر الله) توالت بعدها مشاركاته الفنية سواء المسرحية ومنها (ضاع الديك و1234 بوم والبساط السحري) إضافة الى مشاركته في العديد من المسلسلات الناجحة مثل (حبابة والقرار الأخير ودروب الشك ودارت الأيام وغصات الحنين وجفنات العنب).

وفي 19 أكتوبر 2010 وبعد صراع مع المرض في العاصمة البريطانية رحل نهاش فتى الجبل غانم صالح الغوينم الذي ولد عام 1943 وهو أحد الوجوه المتميزة في مسيرة الفن الكويتي إذ استطاع منذ بداية ظهوره على خشبة المسرح في أوائل الستينيات أن يحتل مكانة مميزة بين زملائه ومتابعيه.

وجسد الراحل غانم الصالح شخصيات مازالت تقبع في الذاكرة إضافة الى مسميات عرف بها مثل (كامل الأوصاف وذياب ونهاش فتى الجبل وأبوالريش) وغيرها.

وساهم في تأسيس فرقة المسرح ومن أبرز أعماله مسرحية (على جناح التبريزي) التي شاركت في مهرجان دمشق للفنون المسرحية ونالت جائرة أفضل عرض مسرحي.

كما شارك في عدد من المسرحيات المتميزة مثل (باي باي لندن) و(فرسان المناخ) و(حرم سعادة الوزير) و(أرض وقرض) و(ممثل الشعب) اضافة الى العديد من الاعمال التلفزيونية والمسلسلات منها (محكمة الفريج) و(خالتي قماشة) و(رقية وسبيكة) و(قاصد خير) و(خرج ولم يعد) و(الخراز) و(فريج صويلح) و(ام البنات) و(اخوان مريم ) وغيرها من الاعمال المتميزة حاصدا العديد من الجوائز وشهادات التقدير المحلية والخارجية.

وفي يوم 28 أكتوبر 2008 توفي الفنان علي المفيدي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 69 عاما من العطاء والتميز الفني أثرى خلالها الساحة الفنية الكويتية بالعديد من الأعمال الفنية المتميزة بالمسرح والتلفزيون والإذاعة.

ويعد المفيدي أحد رواد الحركة الفنية الكويتية وشارك في العديد من المسرحيات منها (بخور أم جاسم) و(هالو دوللي) و(حامي الديار) اضافة الى (جنون البشر) التي عرضت عام 1997 ليوم واحد على مسرح قصر بيان بمناسبة انعقاد أعمال القمة الخليجية.

ومن أفلام الراحل المفيدي (بس يا بحر) عام 1972 وهو فيلم يحكي عن حياة الكويت أيام الغوص ومن أشهر أعماله التلفزيونية (درب الزلق) و(خالتي قماشة) و(رقية وسبيكة) و(سوق المقاصيص).

وحصد المفيدي جائزة الإبداع الإذاعية في مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون السادس عام 2000.

وفي 31 يناير 2008 توفي الفنان خليل محمد اسماعيل الذي ولد عام 1947 وكان قد انتسب إلى فرقة مسرح الخليج العربي عام 1981 ومن أبرز أعماله المسرحية (أرض وقرض) و(الكرة مدورة) و(انتخبوا أم علي) و(ولعها شعللها).

كما شارك الراحل اسماعيل في العديد من المسلسلات مثل (درب الزلق) و(خرج ولم يعد) و(العتاوية) و(خالتي قماشة) الا أنه توقف عن العمل الفني عام 1998 بداعي المرض.

وفي 27 مارس 2006 توفي في العاصمة المغربية الرباط الفنان القدير خالد النفيسي الذي اشتهر بشخصية بائع الثلج المعروف ب(فلج بوصالح) بمسلسل (درب الزلق).

وتعد مسيرة النفيسي الفنية حافلة إذ يعتبر من مؤسسي الحركة الفنية في الخليج واحد رواد الحركة المسرحية في الكويت.

وكان النفيسي بدأ مشواره الفني عام 1957 في مسرحية (ضاع الأمل) ثم شارك في مسرحية (صقر قريش) التي تعد أول عمل مسرحي جماهيري في الكويت لتتوالى بعدها أعماله الفنية المميزة لاسيما في المسرح.

وشارك الفنان الراحل في العديد من المسرحيات منها (حامي الديار) و(حرم سعادة الوزير) و(بيت بوصالح) و(دقت الساعة) كما تولى بطولة المسلسل الاجتماعي الناجح (الى أبي وأمي مع التحية) وشارك في العديد من المسلسلات مثل (محكمة الفريج) و(درب الزلق) و(خالتي قماشة).

كما شارك النفيسي في فيلم (الصمت) الذي يعتبر أول فيلم خليجي تعرفه دور السينما العربية اضافة الى تقديمه فن الاوبريت من خلال (المطرب القديم) و(الكويت بين الماضي والحاضر) وآخر أعماله الفنية مسرحية (وزير الناس) في دولة قطر عام 2002 ثم مسلسل (عديل الروح) عام 2005.

وفي 3 يونيو 2004 توفيت الفنانة مريم الغضبان التي عرفت ب(حبابة) في مسلسلها الرمضاني الذي يحمل نفس الاسم و(نسمة) في مسلسل خالتي قماشة.

وتفوقت الراحلة مريم الغضبان في أداء الشخصية الشريرة التي أحبها الجمهور رغم شرها لعلمه بمدى طيبة قلبها وجمال خلقها الحقيقي.

وتعد الفنانة الراحلة إلى جانب الفنانة مريم الصالح أول سيدتين كويتيتين وقفتا على خشبة المسرح في الكويت كما شاركت الراحلة في العديد من الأعمال التلفزيونية وفي رصيدها عدد كبير من الأعمال المسرحية سواء مع فرقة المسرح العربي أو من خلال فرقة المسرح الشعبي التي انضمت إليها أو مع الفرق الخاصة.

وكانت الغضبان قد حصلت على العديد من الجوائز والدروع التقديرية إذ ‏كرمت في أكثر من مناسبة فنية محلية وإقليمية وعانت مضاعفات مرض السكر وارتفاع الضغط والشرايين مما أدى لفقدانها البصر في آخر سنين حياتها.

وفي 22 مايو 2002 توفي الفنان القدير عبدالعزيز النمش الشهير بشخصية (ام عليوي) في مسلسل (درب الزلق) وشخصية (منيرة الطواش) في مسلسل (الأقدار).

ويعد الفنان النمش الذي ولد عام 1930 أول من تمكن من أداء وتمثيل دور المرأة بجرأة وتميز وإبداع لم يسبقه إليه أحد وذلك لتعويض نقص العنصر النسائي في الحركة الفنية في البلاد التي كانت قليلة جدا في الماضي.

ولم يمثل النمش دور الرجل خلال مسيرته الفنية إلا مرتين وقد بدأ حياته الفنية عام 1946 بمسرحية (سكانة مرته) من خلال دور (المطوعة مكية) ثم توالت بعدها الأدوار فشارك في العديد من الأعمال الفنية الهامة لاسيما دور (أم عليوي).

وشارك الراحل في عدة مسرحيات منها (ضحية بيت العز) و(بيت بوصالح) و(كازينو أم عنبر) و(فرسان المناخ) و(هالو بانكوك) وشارك في العديد من المسلسلات التلفزيونية منها (عائلة بوجسوم) و(درب الزلق) و(الاقدار) و(مذكرات بوعليوي) ويعد أحد مؤسسي فرقة المسرح الحر.

وفي 17 فبراير 2002 ودعت الفنانة طيبة الفرج الحياة بعد صراع مع المرض أنهى مشوارها الفني الذي امتد حوالى 40 عاما.

وقد ولدت الفنانة طيبة الفرج عام 1947 وبدأت مشوارها الفني في سن 14 عاما مع الفنان محمد النشمي في برنامجه (ديوانية التلفزيون) الذي كان له الفضل في انضمامها إلى فرقة المسرح الشعبي عام 1963 لتشارك في مسرحية (سكانه مرته).

ومن أشهر المسلسلات والاعمال التلفزيونية للفنانة الراحلة (مذكرات جحا) و(الدكتور) و(خرج ولم يعد) و(سليمان الطيب) وآخرها مسلسل (سوق المقاصيص).

وفي 3 ديسمبر 1999 توفي الفنان خفيف الظل محمد السريع عن عمر ناهز 59 عاما بعد رحلة عطاء فنية عامرة.

وقد ولد الراحل السريع عام 1940 وهو من أبرز أعضاء فرقة مسرح الخليج العربي التي انتسب اليها عام 1968 وشغل فيها العديد من المناصب الإدارية.

ومن أبرز أعماله المسرحية (بخور أم جاسم) و(ضاع الديك) و(علي جناح التبريزي) و(هالو بانكوك) و(عبيد في التجنيد) و(وحش الليل) و(السندباد البحري) كما شارك في عدة مسلسلات تلفزيونية منها (الابريق المكسور) و(البساط السحري و(مدينة الرياح) و(قاصد خير) و(بو قلبين) و(طير الخير) وأخيرا (لمن تشرق الشمس) عام 1998.

وفي 23 مايو عام 1997 توفي الفنان عبدالله الخريبط بعد رحلة حافلة بالعطاء الفني إذ بدأ مسيرته الفنية عام 1956 وكان ممثلا ومخرجا ومسرحيا من جيل الرواد.

ويعتبر الخريبط من مؤسسي فرقة المسرح الحر الخاصة عام 1974 ومن مؤسسي جمعية الفنانين الكويتيين عام 1963 إذ قدم خلال مسيرته الفنية المتميزة عددا كبيرا من الاعمال الفنية وسواء تلك التي شارك فيها مخرجا وممثلا أو الاثنين معا مثل (سكانه مرته) و(الجنون فنون) و(غلط يا ناس) و(يمهل ولا يهمل) و(كازينو ام عنبر) و(انتخبوني) و(حرامي اخر موديل) و(رزنامه) و(ثور عيده) و(ضعنا بالطوشة) و(مدير طرطور).

كما شارك الراحل في بطولة الفيلم الكويتي (بس يا بحر) ومن أشهر أعماله التلفزيونية كذلك دوره المميز في مسلسل (درب الزلق).

وفي 17 سبتمبر 1992 وافى الاجل الممثلة القديرة عائشة إبراهيم التي قدمت الكثير من الأعمال المميزة والإبداعية أبرزها شخصية (تراجي) في مسلسل (عتاوية الفريج).

وقد ولدت الفنانة الراحلة عام 1944 وبدأت عملها الفني الأول عام 1963 في مسرحية (حظها يكسر الصخر) ثم انتقلت بعد ذلك إلى التلفزيون وقدمت برنامج باسم (ديوانية التلفزيون).

وانضمت الراحلة عام 1964 إلى فرقة المسرح العربي وقدمت خلال مسيرتها الفنية 37 عملا مسرحيا وتمثيليا وشاركت بتأسيس (فرقة المسرح الحر) كما حصلت خلال مسيرتها على عدة جوائز ودروع لأدوارها المسرحية.

وكان آخر أعمال الفنانة الراحلة على المسرح مسرحية (لولاكي 2) وفي التلفزيون مسلسل (الماضي وخريف العمر) عام 1992.

وفي فجر 25 ديسمبر 1978 توفي الفنان صقر الرشود إثر حادث سير في دولة الامارات العربية المتحدة حيث يمارس عمله كمستشار مسرحي في وزارة الإعلام والثقافة وقد اطلق اسمه على المسرح الذي تأسس في إمارة رأس الخيمة عام 1976 وعلى المسرح الشعبي في إمارة دبي تخليدا لذكراه.

وتميز الرشود بشغفه وحبه للمسرح والفن والادب فكان له دور بارز في المسرح الكويتي مع العديد من الفنانين حيث شارك في تأسيس (فرقة مسرح الخليج العربي) وشارك مخرجا ومؤلفا وممثلا في عدة مسرحيات بلغ عددها 23 مسرحية.

وارتبط اسم صقر الرشود بانطلاق عصر جديد في الستينيات للمسرح الكويتي من المسرح الأرتجالي إلي النص المكتوب فقدم أول نص مسرحي كويتي مكتوب عام 1960.

وفي 9 أغسطس 1977 توفي الفنان عبدالعزيز المسعود في العاصمة البريطانية لندن اثناء سفره للتجهيز لمسرحية (رأس المملوك).

وكان الفنان المسعود الذي ولد عام 1937 أحد رواد الحركة المسرحية في الكويت وانضم الى فرقة المسرح الشعبي حيث قدم في عام 1950 أول مسرحياته بعنوان (الطاحونة).

وبعد ذلك توالت الأعمال المسرحية التي شارك بها الفنان الراحل ومن أشهرها (مذكرات أم عليوي) و(سكانة مرته) و(كازينو أم عمبر) إضافة الى مسرحية (ضاع الديك) التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا كما قدم في التلفزيون مسلسل (اجلح وأملح) وشارك في أول فيلم سينمائي كويتي (بس يا بحر).

وهناك قافلة من الفنانين الأوائل الذين انضموا الى ركب الراحلين الذين يصعب تعويضهم وقدموا خلال مسيرتهم الفنية المتميزة العديد من الأعمال الفنية ومنهم كنعان حمد بوعركي وجوهر سالم عبدالرحمن وكاظم القلاف وماجد سلطان مبارك وجاسم عبدالله الصالح وعبدالرحمن سليمان الضويحي وجعفر المؤمن ومحمد حسن وحسن عبدالرسول وحسين الصالح.

القبس الكويتية في

17.08.2017

 
 

أبوعدنان.. صانع البهجة الخليجية!

محمد حبوشة

طوت الثقافة الكويتية صفحة من إبداعاتها، وودِّعت قامة شامخة قدمت الكثير لأمتها في مسيرة الفن الكوميدي الناضج، والذي تمكّن خلاله من ملامسة قلوب الجمهور، عبر بساطة الطرح وعفوية الأداء، ما أكسبه شهرة واسعة على المستويين الخليجي والعربي، بعد أن أثرى الحياة الفنية الكويتية بإبداعه الغض الندي،

حتى أصبح أيقونة ورمز الكوميديا في هوليوود الخليج. لقد تميز ملك المسرح أو عملاق الفكاهة، بأداء أصعب أنواع الدراما وهي الكوميديا، فمن السهل على الممثل إبكاء الجمهور، ولكن من الصعب جداً إضحاكه، إذ قدَّم درساً غير مباشر في كيفية التعامل مع عمل كوميدي، يحتاج إلى تقنية عالية في الأداء، ومقدرة على التلقائية، وسرعة البديهة في الموقف الكوميدي، حتى غدا صاحب مدرسة كبيرة في الكوميديا بعبق الخبرة، والكاريزما التي لم تأفل يوما طوال مسيرته الفنية، فقد حتم على نفسه أن يعيش الواقع على المسرح لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الخشبة حضورا حيا، ذا نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة.

إنه الراحل الكبير «الحسين عبد الرضا»، صانع البهجة الخليجية الذى شكِّل علامة بارزة فى تاريخ الحقبة الكوميدية الكويتية الذهبية، والتى انتعشت بفضله فى ستينيات القرن الماضي، فقدم للعالم العربى خلال خمسة عقود أنماطاً تمثيلية لم تتكرر، بل استطاع العيش فى وجدان الناس إلى الآن عبر أسماء الشخصيات التى قدمها فى ذلك الوقت، من بينها: «بوعليوي، بومريان، حسين بن عاقول، حمود الطوّاش، عتيج المسيان، جلّاب، بوهيلان، مفتاح الحلي، شارد بن جمعة، منصور بوحظين».

لأن الكوميديا تعتمد على عملية الإضحاك، وهذا لن يتحقق إلا بتوافر مقومات صناعة العمل الكوميدي: المبالغة سواءً فى الشكل أو اللغة أو الحركة أو اجتماع كل هذه العناصر مع بعضها، فقد برع «عبد الرضا» فى التقاط خيوط الكوميدية ليصنع بهجته الخاصة التى قدمها للجمهور عن طيب خاطر، إضافة إلى اقترابه من المشاكل الاجتماعية والسياسية الواقعية التى تهم الشارع الكويتى من حيث الإسقاطات، وأحياناً تفوه بها مباشرة، عبر شخصية «صقر بومنقار»

دخل قلوب عشاقه من الباب الملكى عام 1981بمسرحيته الشهيرة «باى باى لندن» والتى استطاعت أن تنقش اسمه بحروف من نور فى عالم الدراما والمسرح حتى لقب بـ «الأسطورة»، و«المعلم»، و«سيد المسرح»، ليترك بصمات واضحة للمسرح فى أزهى عصوره، حيث تناولت مسرحياته كثيراً من القضايا المحلية والإقليمية، والتى لاقت استحساناً بين الجماهير والنقاد على مختلف طوائفهم بفرط من موهبة خاصة حملها بين جوانحه وترجمها فى عدة أعمال كتبت الخلود للمسرح الكويتى.

من موظف فى الدوائر الرسمية، وتحديداً فى مجال الطباعة، إلى أحد روّاد الفن فى الكويت، حيث تعود بدايات صاحب الأداء التلقائى والنكتة الظريفة إلى ستينيات القرن الماضي، وهو فى هذا لاينسى أساتذته ومعلميه وعلى رأسهم المخرج المصرى «حمدى فريد» أحد أهم المخرجين فى تاريخ الدراما الكويتية، والذى أشاد به «عبد الرضا» قائلا : «أخرج حمدى فريد أجمل الأعمال الكويتية، وأبرزها «درب الزلق» و«خالتى قماشة»، كما أشاد أيضاً بالمخرجين الكويتيين الراحلين» كاظم القلاف وعبدالعزيز المنصور، فيصل الضاحى» الذى أخرج مسلسله الرائع «الأقدار».

شارك «أبو عدنان» - أحب الأسماء إلى قلبه - فى أول عمل مسرحى بالعربية الفصحى تحت عنوان «صقر قريش» عام 1961، لكنه قدّم لخشبة المسرح أكثر من 33 مسرحية، أشهرها «باى باى لندن»، و«بنى صامت»، و«على هامان يا فرعون»، و«سيف العرب»، وكان قد كتب بعضها بنفسه، وقد أسهم فى إنشاء فرقة «المسرح الوطنى» عام 1976، كما أسّس «مسرح الفنون» كفرقة خاصة عام 1979، وفى 1989 أسهم بشكل كبير فى تأسيس فرقة «المسرح العربى» ثم دخل مجال الإنتاج وأسس شركة «مركز الفنون»، وقد أدى كل ذلك بالطبع إلى إبراز دورهً فى نشر فن الكوميديا، خاصة بعد تأسيسه لـ «فنون»، أوّل قناة تلفزيونية فى العالم العربى مخصصة حصريا لعرض الأعمال الكوميدية.

لقد حفر الراحل العظيم بصمته الخاصة فى الدراما التلفزيونية من خلال مشاركته فى أكثر من 30 عملاً، منها «درب الزلق - مراهق فى الخمسين - سوق المقاصيص - حبل المودة» و«العافور» الذي كان آخر عمل من بطولته عام 2014، وقد كان له مشاركة فى رمضان 2017، والتى شكلت آخر ظهور له على الشاشة الصغيرة من خلال إطلالته كضيف شرف فى حلقتين من مسلسل «سيلفى 3» للكوميدى السعودى ناصر القصبي.

لم يكن عبد الحسين عبد الرضا مجرّد ممثل كوميدي، بل كان قادراً فى نصوصه وأدائه الفذ على استخدام فن إضحاك الجمهور كأداة لتوجيه رسائل نقدية تسخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة فى المجتمع الخليجى أوّلاً، والمنطقة العربية والعالم، ماعرّضه لمحاولة اغتيال، فضلا عن المساءلة القانونية من جهات رسمية، وربما كان ذلك ناجما عن فعل نضالى آمن به ما قبل شروعه بالتمثيل، فقد تطوّع أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 ضمن صفوف الجيش المصري، الأمر الذى يجعل نضاله على مستوى الوطن العربى وليس الكويت وحدها.

لقد ظل «عبد الحسين عبد الرضا» بين الحياة والموت محتفظا بابتسامته الوديعة الهادئة، حتى ترجل عن صهوة المجد فى مسرح الحياة ، وسلم لحكم الواحد الأحد، ثم أسلم روحه إلى بارئها، مخلفا فى القلب والوجدان الكويتى والعربى صورا عبقرية للكوميديا النظيفة الشجاعة، وعلى شفاهنا تبقى أغانيه بعذوبة صوته الشجي، وهو ما ميزه عن بقية الفنانين فى جيله؛ ما جعله يخوض تجربة الأوبريتات، والتى شاركه فى ثمانية منها الفنانة «سعاد العبد الله»، وكان أول فنان يخوض تجربة الأوبريتات التمثيلية الغنائية التى لاقت نجاحاً كبيراً، بالإضافة إلى أنه غنَّى ضمن أعماله التلفزيونية والمسرحية عندما كان العمل يستدعى ذلك.. رحم الله «أبو عدنان» صانع البهجة الخليجية ورائد مسرحها الحديث الذى سيبقى محفورا فى الذاكرة العربية بحروف ذهبية.

الأهرام اليومي في

18.08.2017

 
 

6/6 : الراحل الباقي

يوسف الجاسم

أيها الغائب الحاضر، ملأت دنياك وشغلت ناسك، كنت حراكاً لا يهدأ، وإشراقة لا تخبو، وظاهرة فنية لا تتكرر. ملأت أيامنا عبر نصف قرن، أو يزيد، بعطاءات فنية وتثقيفية قلَّ نظيرها؛ كمَّاً ومضموناً، واخترقت حُجُب القلوب، وسكنت ساحاتها دون استئذان، وتربَّعت على عرش الفنون المسرحية في وطنك ومحيطك الخليجي سيداً لا ينازعه في السيادة أحدٌ، وتمكنت من إبهاج الخواطر المكسورة والنفوس المتعبة، وانتزعت البسمة ورسمتها فوق الوجوه العابسة، وجعلت من أعمالك، الممتدة عبر الأجيال المتعاقبة، مادة للترديد والاستذكار، وكل مرة تكون كأنها الأولى، ونكتشف فيها شيئاً فاتناً من لمحاتك الساخرة التي زرعت فينا الفرح النبيل، فأعمالك ممهورة بأختام لا تنتهي عبر الزمان.

آه لو تعلم كم أوجع نبأ رحيلك شعباً بأكمله، وحلَّ عليه كالصاعقة، وكم كان فراقك صاخباً بالألم، بقدر صخب حضورك بالابتسام! فرحيلك أصابنا بالدهشة، مثلما كان حضورك يدهشنا بإبداعاتك.

بكاك الناس بدقائق بقدر ما أسعدتهم بعقود، وتراكم برحيلك حزن وطني مشترك، وإجماع عاطفي ندر حدوثه مع غيرك من راحلينا الكبار، فهاجت من حولك بحور المراثي متفجرة من خزائن حب الجميع لك، ولفنك وعطائك، كرائد لعالم المسرح والدراما، وقامته الشامخة، ونجمه الشامل، الذي حباه الله مواهب متوقدة؛ شِعراً ولحناً وغناءً وكتابة وإخراجاً وتمثيلاً، وحزت فيها جميعاً مراكز الصدارة والأستاذية، وتبوأت مكانة المُعلِّم والقدوة لأجيال تعلمت في مدارسك، ونهلت من فيض نجاحاتك.

نقلت مع عمالقة عصرك الإبداع المحلي إلى مساحات خليجنا ووطننا العربي، وأصبحت أبرز نجوم بساطها الأحمر.

قبل هذا وذاك، كنت الإنسان والأب والأخ الحاني على كل مَن حولك، من أهل وأصحاب ومعارف، ولكل واحد منهم معك حكاية وفاء وشهامة، وأنا أحدهم، وسيشعر الكثيرون باليُتم من بعدك، ولا يقتصر ذلك على أبنائك وذريتهم فحسب.

أرثيك رمزاً من رموز الصف الأول في فضاء الثقافة والتنوير في وطني، ومثالاً لحب الوطن ووحدة أبنائه، فوطنك الذي احتضنك برفق أحببته بعنف، والذي رعاك بسخاء أجزلت له العطاء، وتركت فيه آثاراً وأعمالاً لن تبددها مسافات الزمن. أخلصت لفنك وعملك وجماهيرك، فأخلصوا لك الوفاء، وليس أبلغ إخلاصاً للناس من إكمالك أحد أعمالك المسرحية الفكاهية بعد تلقي العزاء بوفاة والدتك، رحمها الله، في السادسة مساءً، لتبدأ عرض مسرحيتك في الثامنة، وكتمت حزنك وألمك، فاختلطت دموعك بضحكات الجماهير.

لن أنسى نداءك من القلب الذي أطلقته للشباب في لقائي التلفزيوني معك: "الكويت وبس... حافظوا عليها"، وحديثك الوطني البليغ عن إخوتك بالرضاعة من العوازم الذين نشأوا معك في فريجهم الذي وُلدت فيه.

كرَّمك وطنك حياً، واحتفى بك راحلاً احتفاء الفرسان، ففي حياتك تجمَّعنا حول أعمالك، وفي مماتك توحَّدت الحشود، سائرة خلف جنازتك المهيبة، تزفك باكية إلى مثواك الأخير، وحملت شلالات دموعها مركبك المرتحل في مشهد لن تمحوه الذاكرة، وسيعود كل منا إلى بيته، ليواصل حضوره معك، عبر تراثك الغزير الذي تركته للجميع نهراً لن يتوقف تدفقه الخصيب.

كتبت في أيام سابقة عند رحيل قامات وطنية إلى دار الخلود، أن الشخوص النماذج يموتون ولا يغيبون، وستبقى في ذاكرتنا أيها الأخ الكبير عبدالحسين عبدالرضا نموذجاً متميزاً من الرجال، وراحلاً باقياً لن يغيب.

رحمك الله يا بوعدنان، ولذويك والكويت ولنا حُسن العزاء.

# # # #

الثقافة تصنع الفارق وعبدالحسين من صناعها

أ. د. فيصل الشريفي

المرحوم عبدالحسين ورفاق دربه صنعوا الفارق، صنعوا تاريخ الثقافة الفنية للكويت، وضعوا اللبنات الأولى للمسرح والدراما الخليجية، فكانوا المرآة النافذة على المجتمع، نطقوا بما عجزت عنه الأقلام والأفواه، فكانوا حقاً كلمة الوطن.

مواساة رسمية وشعبية رافقت ترجل الفارس الفنان عبدالحسين عبدالرضا سفير الابتسامة وسفير السلام والمحبة، فهنيئا لك يا أبا عدنان، نم قرير العين، فقد وحدت في حبك كل أطياف المجتمع، حتى لا يكاد بيت من بيوت أهل الكويت إلا وأخذ العزاء فيك.

المرحوم عبدالحسين ورفاق دربه صنعوا الفارق، صنعوا تاريخ الثقافة الفنية للكويت، وضعوا اللبنات الأولى للمسرح والدراما الخليجية، فكانوا المرآة النافذة على المجتمع، نطقوا بما عجزت عنه الأقلام والأفواه، فكانوا حقاً كلمة الوطن.

وصلتني رسالة من شاب مصري الجنسية اسمه محمود فتحي يدرس في السنة الأخيرة ليسانس حقوق بجامعة القاهرة معزياً بوفاة الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، ليتكلم عن أثر الثقافة والموروث الشعبي في حياة المصريين والتي يعتقد أنها أحد الأسباب في ألفة الشعوب وتقاربها.

يقول محمود: بينما نحن نشاهد الصراعات والدمار حول العالم تغذيها الطائفية، مثلما يحدث في اليمن والعراق وسورية، نجد المصريين يتصدون لها بكل عزم، وبتعالٍ على الجراح رغم تكرار الحوادث الإرهابية التي مرت عليها، فالمصريون المسلمون (سنة وصوفية) والمسيحيون (كاثوليك وبروتستانت) قد تناقلوا عادات وتقاليد تؤكد عمق الترابط الاجتماعي حتى صارت جزءا من حياتهم بالمدن والأرياف على وجه الخصوص، كعادة "دق الهون" المرتبطة بالإنجاب، حيث يحتفل أهل المولود بعد ولادته بأسبوع ويسمى "سبوع دق الهون"، وهو قطعتان من الحديد تحدثان صوتا حادا عند اصطدامهما ببعض، يقال إنها عادة فرعونية تناقلتها الأجيال، وكذلك يوم "الأربعين" الذي يعقب وفاة الفرد بأربعين يوما حيث ظلت تلك العادة باقية إلى اليوم يقوم بها المسيحي والمسلم على حد سواء.

محمود لم يكتف بضرب الأمثلة لكنه شخص الحالة التي يمر بها وطننا العربي، وأن المصلحة من وراء زرع الفتن في الأمة يعود لمن له المصلحة في جعل الشرق الأوسط بين خراب ودمار، كي لا تقوم له قائمة، لكنه استطرد حديثه بالآية الكريمة "وَقَالَتِ الْيَهُوْدُ يَدُ اللهِ مَغْلُوْلَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيْهِمْ وَلُعِنُوْا بِمَا قَالُوْا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوْطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيْدَنَّ كَثِيْراً مِّنْهُمْ مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوْا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِيْنَ). 64 سورة المائدة.

في ختام رسالته وضع عنوانا آخر جميلا "ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ".

هذه الروح المتسامحة هي ما يحتاجه شبابنا من خلال نشر ثقافة احترام عقيدة الآخر وتمكينه من ممارسة عبادته بكل حرية كتصرف حضاري إنساني كفلته الأديان وتبنته المجتمعات المتحضرة.

نعم يا محمود إن كان من يدخل مصر آمناً فالكويت بلد التعايش والصداقة والسلام، وهي البلد الذي ينكسر على سواحله أصوات التطرف، وهذه المرة جاءت عن طريق فقيد الكويت الفنان الذي استطاع أن يجمع حوله كل هذه المحبة، فرحمة الله عليه وعلى رفاق دربه ممن سبقوه لدار البقاء وأطال بعمر البقية منهم.

ودمتم سالمين.

الجريدة الكويتية في

18.08.2017

 
 

روشنة

عبدالحسين هرم الفن الباقي

عبدالمحسن الشمري

إذا كان الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا قد رحل جسداً، فإنه باق بأعماله وببصماته، ودوره الكبير في مختلف الفنون لن ينساه إنسان، وتضحياته الكبيرة لا تحتاج إلى بيان، ويعجز عن تعدادها اللسان، فقد كان سندا للصغار قبل الكبار منذ أن بدأ رحلة إبداعه، سواء على صعيد الفن أو المجالين الاجتماعي والإنساني، ولم يكن يتحدث عن تلك الجهود، وربما لم يكن يعرف بها أقرب الناس إليه.

قد يكون حديثي عن الراحل عبدالحسين متأخراً، بسبب وجودي منذ فترة خارج الكويت، وعندما علمت برحيل أبو عدنان لم يطاوعني القلم على الكتابة، ولم تنجح مشاعري في تجسيد حزني الكبير وتأثري البالغ، وكنت كلما كتبت بعض الجمل في الرحيل أتوقف وأعجز عن مواصلة التعبير عن عمق الفاجعة.

أعتقد أن أقل ما يمكن أن يقوم به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للتذكير بدور الفنان عبدالحسين عبدالرضا، وهو خالد وباق، هو إقامة ملتقى ثقافي فني سنوي للحديث عن أدواره الفنية والإنسانية والاجتماعية، ومن المهم التذكير بأن الراحل عبدالحسين كان موسوعة فنية كبيرة، ولا يقتصر دوره على التمثيل، بل له أدوار مميزة أيضا في مجال التلحين والتأليف والإعداد، وكانت له بصمة واضحة في كل عمل يقدمه من خلال لمساته وملاحظاته الثرية للمؤلفين والمخرجين ومهندسي الديكور والإضاة والصوت وغيرهم، لقد عاش هرماً شامخاً، وهو باق بأعماله هرماً فنياً كويتياً وخليجياً وعربياً.
عبدالمحسن الشمري

القبس الكويتية في

18.08.2017

 
 

بالعربي المشرمح: رحيل رحيّل غير!

محمد الرويحل

قبل رحيله أرسل إليّ يبشرني بتحسن حالته ويطمئنني بأنه بخير، وكنت على موعد للسفر إليه، وفجأة وفي يوم الجمعة تنهال علي رسائل التعزية من إخوتي وأبناء عمومتي وأصدقائي الذين يعرفون علاقتي به، ويعرفون من هو رحيّل الثنيان "أبو تركي" الذي تجبر شهامته ورجولته ونبل أخلاقه الرجال على صداقته.

فقدت ناصر الحيان وتألمت، وفقدت علي الرويحل وحزنت، وفقدت مطلق القحيص وتأثرت، وهأنذا أفقد رجلاً قل أمثاله، ورغم قصر علاقتي به فإنه ملأ فراغات كثيرة كنت قد فقدتها.

ورغم إيماني بالقدر ويقيني بالموت مررت حين تلقيت الخبر بحالة أشبه بالكفر، والعياذ بالله، من ذهول الصدمة، فكيف يموت رحيّل فجأة دون أن يخبرني، وكيف يرحل هكذا دون حتى أن يودعني، وما إن صحوت من الصدمة حتى تيقنت أنه "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ".

رحل رحيّل في اليوم ذاته الذي رحل فيه العملاق عبدالحسين عبدالرضا، ورغم حبي لهذا الفنان وحزني لوفاته فإن وفاة "أبو تركي" طغت على كل مشاعري، حتى إنني عجزت أن أكتب لأعبر عن حزني له، بل أخرجتني صدمة رحيله من واقعي إلى عالم آخر عشته وحيداً، لأتأقلم مع وقع الخبر الذي لم يخطر ببالي أنه آتٍ لا محالة، ولكنني لم أتوقعه بهذه السرعة.

رحل رحيّل وهو في عز شبابه وعطائه، ورغم صغر سنه كان مدرسةً من الحكمة والعقل والخلق النبيل، وكان محباً ومخلصاً لوطنه، عملت معه في كتلة العمل الشعبي فِي بدايات الحراك، فكان موجهاً ومعلماً لكل من حوله ناصحاً لنا في كل أمر، صادقاً فيما يقول، لا يتصنع الحديث، ولا يعرف الرياء والمجاملة في عمله الوطني ومع أصدقائه ومحبيه، وأتذكر بعد إقالة حكومة ومجلس ٢٠٠٩ كان يقول لنا إن القادم أسوأ، وفعلاً سحبت الجناسي واعتقل المغردون وأغلقت بعض الصحف وغيرها مما لم يتوقعه أحد غيره.

رحل رحيّل ولم أسمع أو أعرف كائناً من كان، ومن كل طوائف المجتمع، أنه قد غضب منه، فلقد كانت علاقاته مع الجميع علاقات مميزة، لذلك لاحظت الحزن على كل من عرفه، لدرجة أن حزني على خبر وفاة الفنان القدير عبدالحسين وشهرته وحزن الشعب الكويتي والخليجي والعربي على وفاته لم يكونا عندي أشد وقعاً وتأثيراً من حزني على "أبو تركي" لما عرف عنه من خلق ورجولة ونبل.

يعني بالعربي المشرمح:

"آآخ يا يبا" هكذا كان شعور ابنة الراحل الفنان عبدالحسين عبدالرضا متأثرة بوفاة والدها، فتخيلوا حين ينطقها رجل فُجِع بخبر وفاة صديقه ورفيقه "فآخ وآخ وألف آخ" على رحيل "أبو تركي" الذي بكاه كل من عرفه، ووداعاً يا صديقي وداعاً يا رجلاً جمع كل الصفات النبيلة التي ندر أن تجتمع في شخص واحد، فرحيلك غير يا رحيّل، ووداعاً أبا عدنان يا من صنعت الفرح لعالم فقد الفرح والابتسامة، فاعذرني بتزامن رحيلك مع رحيل رحيّل الذي طغى رحيله على أبسط وأضخم أشيائي.

الجريدة الكويتية في

19.08.2017

 
 

نجوم الخليج:

رحيل عبدالحسين عبدالرضا خسارة للفن العربي

عبدالستار ناجي

عبر عدد بارز من النجوم في دول مجلس التعاون الخليجي، عن عظيم حزنهم لرحيل الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا، فقد حرص عدد مهم من النجوم، على التواجد في الكويت والمشاركة في مراسم الدفن والعزاء على مدى ايام عدة، حيث شدد الجميع على ان رحيله بمثابة الخسارة الكبيرة للفن العربي، وذلك لمكانته ودوره كمعلم وكمبدع.

فقد وصفه النجم الإماراتي د. حبيب غلوم بانه المعلم والاستاذ الكبير، وقال عنه: لقد خسرت الحركة الفنية في الكويت والخليج والعالم العربي احد ابرز رموزها برحيل العم بوعدنان تغمده الله بواسع رحمته لقد كان نعم الاخ ونعم الاستاذ ونعم الداعم لابنائه في كل مكان من انحاء الخليج، وقد كان الاب الروحي للجميع.

بدوره قال النجم القطري غانم السليطي:

انه من وحدنا دائما، وزرع بداخلنا الفرح والضحكة واستطاع ان يؤسس علاقة متفردة مع الجماهير وبرحيله فان علينا ان نستلهم الكثير من الدروس والمعاني من التجارب الفنية التي قدمها عبر مسيرته الحافلة بالانجازات.

فيما قال الفنان البحريني القدير أحمد الجميري:

رحمك الله اباعدنان، فقد كنت الصديق والحبيب، وقبل كل هذا العنوان الحقيقي للفن الراقي، وهو لم يبخل علينا بحبه وعطائه وكان صديقا للجميع ومبدعا من والطراز الأول.

أما الفنان النجم السعودي عبدالله السدحان فقال:

اليوم خسرت الحركة الفنية في العالم العربي احد رموزها الشامخة، عرفته منذ زمن طويل، وكان دائما نعم الاخ والاستاذ والموجه، وايضا نعم الفنان الانسان الذي كانت اعماله بمثابة الشاهد على المتغيرات التي عاشتها المنطقة.

وقال النجم القطري عبدالعزيز جاسم:

رحيل بوعدنان هو رحيل الاخ والاب والمعلم والموجه والمربي الفاضل، فمنه تعلمنا ومنه ومعه كان لمسيرتنا طعم وشكل آخر، وقف مع الجميع، ودعم الجميع، وله ندين بالمحبة، والعرفان.. أعزي اسرته الكريمة والكويت الغالية الحبيبة.

وقال النجم القطري غازي حسين:

رحم الله الاستاذ الفنان عبدالحسين عبدالرضا، فقد كانت حياته وحتى مماته بمثابة الدرس الكبير للجميع، وما أحوجنا ان نستدعي هذه الدروس الكبيرة، بالذات على صعيد توحيد ابناء المنطقة والكينونة على قلب واحد دائما بإذن الله.

فيما قال النجم القطري صلاح الملا:

الراحل الكبير عبدالحسين عبدالرضا، لم يكن مجرد اسم عابر، انه مدرسة توجت مسيرتها بالانجازات، ومبدع ستظل اعماله حاضرة في ذاكرتنا وتاريخنا ليس في الكويت او دول مجلس التعاون بل في انحاء العالم العربي، رحيله خسارة لنا جميعا، وما أحوجنا ان نتعلم من مسيرته، فقد كان من وحدنا وجمعنا على محبته ومحبة الكويت ودول المنطقة، رحمه الله لقد ودنا في حضوره ورحيله.

وقال المخرج البحريني علي العلي:

لقد خسرنا علما كبيرا ورمزا شامخا واسما لامعا ونوخذة كبيرة، ستظل الاجيال تتذكره دائما لانه نموذج متفرد للفنان الحقيقي الذي نذر نفسه للمسرح والفن الحقيقي.

وقال النجم السعودي إبراهيم الحساوي:

بقلوب خاشعة مؤمنة تلقينا خبر رحيل نجمنا القدير عبدالحسين عبدالرضا، وقد حرصت ان احضر كل المراسم الخاصة بالدفن والعزاء، للمشاركة في تعزية اسرته الكريمة وابناء الحركة الفنية في الكويت ودول المجلس الذين توافدوا على الكويت الغالية للمشاركة في عزاء هذا المبدع الراحل، انه بصمة ستظل في ذاكرة محبيه ومحبي الفن الحقيقي، رحمه الله.

وقال النجم الإماراتي سعيد سالم:

أشعر بأنني فقدت أبي وأخي الكبير، لقد كان المعلم والاستاذ وقد تشرفت بالعمل في عدد من اعماله، وهو وسام افتخر واعتز به رحمه الله بواسع رحمته.

# # # #

أبناء الكويت يواصلون العزاء في «أبوعدنان»

شهد مسجد الوزان في غرب مشرف ازدحاما شديدا، حيث خرجت الكويت بكل اطيافها، وعلى مدى ثلاثة ايام متواصلة للمشاركة في تعزية فقيدها الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا، وقد رصدت «النهار» على مدى الايام الماضية ازدحاما غير مسبوق، شارك به العديد من ابناء الكويت وابناء دول مجلس التعاون الخليجي، الذين شاركوا في عزاء فقيد الكويت واحد رموزها الخالدة.

وقد عبر ابناؤه بعد الايام الثلاثة عن عظيم تقديرهم على مشاركات العزاء، حيث اشادوا بمبادرات سمو الأمير الوالد وسمو ولي العهد وأسرة آل الصباح الكريمة في تقدمهم طوابير المشيعين والمعزين، وأكدوا ان الكويت ستبقى اسرة واحدة وعلى قلب رجل واحد.

النهار الكويتية في

20.08.2017

 
 

حتى لا يموت الفن الخليجي بعد عبدالحسين عبدالرضا

د. نجاة فوزي السعيد

عوّدتنا الكويت أن تكون رائدة وصاحبة إصرار قوي منذ استقلالها في بداية العقد السادس من القرن المنصرم. فقد كان رمز عصر التنوير فيها الشيخ عبدالله سالم الصباح، رحمه الله، الذي أصر أن تكون انطلاقة الكويت الأولى تمثل شعبها بدستور وبرلمان يمثلان صوت هذه الدولة الصغيرة في مساحتها والكبيرة بشعبها المعطاء.

بدأ الفن الكويتي يبرز للعيان في العقد نفسه الذي استقلت فيه الكويت حتى صار رمزا للخليج قاطبة، فسارت الكويت بهذا الطريق بصورة منهجية فاستجلبت علماء التمثيل من مصر خاصة.

فنان بحجم الوطن

لقد كان عبدالحسين عبدالرضا من أوائل القامات التي أسست الفن الكويتي، والذي صدمني وأفزعني خبر وفاته، لأننا كبرنا مع مسرحياته ومسلسلاته، فجمله الساخرة المضحكة صارت جزءا من تعبيرنا وحديثنا اللغوي، وهذا مما جعل وفاته تمثل لنا فاجعة خاصة في منطقة الخليج.

الألم والحزن الذي سببه لنا في وفاته يثبتان لنا كم كان فنانا كبيرا بحجم الوطن، احترم جمهوره بتقديمه لفن راق، وفي المقابل أحبه الجمهور محبة تخطت أي طائفية وقبلية. جنازته المهيبة في الكويت، التي جمعت كل طوائف المجتمع من حضر وبدو وشيعة وسنة، هذا عدا من أتى من الخليج وباقي الدول العربية، تثبت التأثير الكبير للفن في المجتمع يفوق تأثير السياسيين وأصحاب الكراسي.

فكما ذكرت الشيخة إقبال الأحمد في تغريدتها «أتحدى أن يحزن هذا الكم من البشر على موت أي سياسي كما حزنوا على عبدالحسين عبدالرضا لأنه كان يبني مايهده السياسيون»، والتي أضافت أيضا «ستخرج الكويت عن بكرة أبيها لتودع العظيم أبو عدنان وستصلي كلها.. كلها.. كلها لتوجه صفعة بوجه المرض الطائفي البغيض أينما كان».

استمرار المسيرة

ومن ثم علينا في منطقة الخليج، وخاصة الكويت، أن ندرك أهمية استمرار مسيرة الفن، ولا نريد برحيل هذا الفنان العملاق أن يرحل الفن الكويتي، بل نريد من الأجيال القادمة أن تكمل رسالته الوطنية والثقافية والفنية. فنحن في هذه الأوقات التي تمر بها منطقتنا من أزمات سياسية واجتماعية وطائفية بأمس الحاجة إلى كوميدية عبدالحسين عبدالرضا الساخرة الناقدة التي تحمل هموم الشارع الخليجي والعربي كما شاهدناها في «باي باي لندن»، «باي باي ياعرب» و«سيف العرب» وغيرها الكثير.

وهذا النوع من الكوميديا ليس سهلا ولا يعتبر تهريجا ومجرد تنكيت، بل هو تفريغ الشعور بالغضب والاحتقان من الأعباء السياسية والاجتماعية لدى الرأي العام بطريقة ساخرة وبسيطة تثير ضحك الجمهور لتعزيز الثقافة المتحضرة من الوعي والنقد. وحتى يتمكن أي فنان من أداء هذا النوع من الفن عليه أن يكون موهوبا وله حضور طاغ، سريع البديهة، خفيف ظل، تلقائيا ومثقفا وكانت هذه المتطلبات جميعها متوافرة في عبدالحسين عبدالرضا، بالإضافة إلى موهبة الكتابة، والحس العالي ووجهه وقامته الفنية وقدرته على الغناء والتمثيل معا كما شاهدناه في أوبريت «شهر العسل» و«بساط الفقر».

برنامج عمل

صحيح من الصعب تكرار هذه الموهبة مرة أخرى في فنان واحد، لكن هذا لا ينكر أن مسيرته يجب أن تكمل وفنه يجب أن يدرس ولتكملة هذا المشوار يجب عمل الآتي:
ضرورة افتتاح أكاديمية عبدالحسين عبدالرضا للفنون كما أكدت ذلك النائبة في البرلمان الكويتي صفاء الهاشم، أنها ستتقدم باقتراح برغبة لتسمية أكاديمية الفنون الجديدة أكاديمية عبدالحسين عبدالرضا للفنون
.

دراسة تحليل محتوى وخطاب لكل أعماله والتحليل السيميائي لكوميديا الموقف التي تشمل لغة الجسد وحتى الملابس المختارة.

كانت هناك عدة أحلام للفنان عبدالرضا لم تتحقق، وهي زيادة عدد المسارح والاستديوهات المؤهلة في الكويت، فعدد المسارح ونوعية الاستديوهات لا تناسب الكويت كرائدة للفن الخليجي.

أيضا كان من أحلامه بناء مدينة إعلامية متكاملة في الكويت.

العمل الساخر الهادف يحتاج إلى صراحة وشفافية، وقد ذكر، رحمة الله عليه، في إحدى مقابلاته أن الرقابة اشتدت في الكويت مقارنة في السابق ونوعية المراقبين ليست على المستوى المطلوب، كما أن تدخل المتشددين في الفن حدّ من الإبداع، وأيضا نوعية المصححين للعمل الفني سواء في التصحيح اللغوي أو الأداء ليس كما كان في الماضي.

كما ذكر في عدة مناسبات مطلوب زيادة عدد الكتاب والسيناريست الذين يحولون الرواية إلى مسلسل أو مسرحية، مع زيادة عدد البعثات لدراسة المسرح واستقطاب معلمي المسرح ورواده للخليج مطلوب أكيد.

تطوير قناة فنون، وهي قناة أسسها الفنان عبدالرضا عام 2006 والآن تملكها مجموعة الوطن الإعلامية، لكن هذه القناة يجب أن تكون أكثر من مجرد عرض للأعمال الكوميدية السابقة.

دراسة شخصية الفنان عبدالحسين عبدالرضا، فهو لم ينجح فقط على الصعيد الفني، بل أيضا على الصعيد الإنساني باهتمامه والسؤال عن الآخرين، وتواضعه رغم شهرته الواسعة، ووطنيته، وهيبته وثقافته وبعده عن التفاهات والسطحية.

هذه النقاط لا تعني التشجيع على تقليد هذا الفنان الكبير، فلكل فنان لونه وموهبته، ولكن للتشجيع على دراسة أساسيات الكوميديا الساخرة والنجاح في هذا المجال الصعب، ولكي لا تموت رسالته الفنية والوطنية التي تحمّل عبئها طيلة الخمسين السنة الماضية مع جيل العمالقة.

(أستاذة مساعدة جامعة زايد – دبي)

القبس الكويتية في

23.08.2017

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)