«ما
يهمك أمن تونس؟ تونس الخضراء؟ غادي الإرهابيين يقتلونك إنت وأهلك…
فين
تصير البلاد من دون أمن؟».
هذا بعض ما يقوله المحقق للفتاة
(مستخدماً
باللهجة التونسية المحددة صيغة المذكر كما العادة هناك)
التي
تشتكي من أن رجلين قاما باغتصابها قبل ساعات.
هو
يحاول إثارة شعورها الوطني وهي تسأل عن العدل والقانون.
يريدها أن تتراجع عن دعواها وتتجاهل ما حدث لها
وتوقع على ذلك لكي تُريح وترتاح.
لكن
فيلم كوثر بن هنية
«على
كف عفريت»
(أو
«الجميلة
والكلاب»،
كما عنوانه الفرنسي)
الذي
مثل تونس في قسم
«نظرة
ما»
كما
كان
«اشتباك»
لمحمد
ديب، مثل مصر في المسابقة ذاتها في العام الماضي، لا يرتاح.
اقتبست المخرجة حكاية عملها الثالث
(والأفضل
بعد
«شلاط
تونس»
و«زينب
تكره الثلج»)
من
واقعة حقيقية تعرضت لها فتاة في الحادية والعشرين من عمرها عندما
كانت تسير ليلاً مع صديق لها على شاطئ البحر عندما استوقفهما ثلاثة
رجال شرطة.
اثنان
منهما تناوبا على اغتصابها في سيارة البوليس، والثالث منع صديقها
من الحركة.
*
الطرف الآخر من الحكاية
هذا لا نراه في الفيلم الذي رقّمته المخرجة فصولاً
من
1
إلى
9.
ففي
الفصل الأول، نشاهد مريم
(تقوم
بها مريم الفرجاني)
وهو في
حفلة بعدما تسللت إليها من المدرسة الخاصة.
ترتدي
فستاناً أزرق مفتوح الصدر وترقص ثم تتحدث مع شاب اسمه يوسف
(غانم
زريللي).
عند
حديثهما غير المسموع ينتهي هذا الفصل وننتقل إلى الفصل الثاني:
يسيران
في أحد الشوارع
(والأحداث
كلها تدور في رحى ليلة واحدة وتنتهي عند الفجر)
وهي
مهزوزة من وقع ما حدث لها وخائفة.
يقنعها
يوسف بأن تلجأ للشرطة وتتقدم ببلاغ، لكن عليهما أولاً الحصول على
شهادة طبية تثبت فعل الاغتصاب.
المستشفى الذي يدخلانه يرفض منح الشهادة من دون طلب من الشرطة.
التداول طويل نوعاً في هذا الفصل، الذي يريه متى
وكيف ستذهب مريم إلى الشرطة واثنان من أفرادها اعتديا عليها.
في
البداية تذهب ويوسف
(الذي
تدعي الآن أنه خطيبها)
إلى
أحد الأقسام والضابط هناك ينبئنا بما سيكون حال سواه:
إنه
شخص مهين يسخر من الفتاة وشكواها ويتشاجر مع يوسف ولا يجدان بدّاً
من التوجه إلى مبنى آخر للشرطة حيث ستكمن معظم مشاهد الفيلم
التالية.
توفر المخرجة هنا عدة نماذج:
هناك
الشرطي
«البلايبوي»
والضابطة الحامل التي تهتم بالشكليات فقط، والشرطي الخمسيني الذي
يحاول المساعدة محشوراً بين أترابه من رجال البوليس الذين يضنون
على الضحية حقها ويحاولون ابتزازها وتوجيه التهم لها كما لو أن هي
التي جنت على نفسها.
عندما تجد حقيبة يدها وهاتفها في إحدى سيارات
البوليس وتتعرّف على الشرطيين اللذين اغتصباها تصبح المسألة أكثر
تراجيدية، كون هذا سيورطها أكثر وأكثر في محاولة البوليس الدفاع عن
رجاله بتخويفها من مغبة الإصرار على حقها في تقديم الشكوى.
يهم المخرجة كوثر بن هنية أن تعكس في الفيلم نظرات
القسوة الموجهة إلى الضحية لما حدث لها.
على
عكس فيلم جوناثان كابلان
«المتهمة»
(1988)
عندما
واجهت جودي فوستر حالة مماثلة، تعمد المخرجة للوقوف تماماً لجانب
مريم
(في
حين أن فيلم كابلان طرح أسئلة حول ما إذا كانت جنت على نفسها بسبب
انفلاتها).
على
ذلك، هناك ما يتسرب، ربما ليس بقصد الفيلم، من موقف مماثل:
فستان
مريم الكاشف والقصير
(قبل
أن تجد ما تغطي نفسها به)
وهروبها من المدرسة لتحضر الحفل مسألتان لا يمكن إيجاد مبرر أخلاقي
لهما.
إنه كالقول إنها جلبت على نفسها ذلك.
لكن
«على
كف عفريت»
لا
يترك بطلته محصورة في هذه الزاوية بل يتعاطف معها، كما يوسف الذي
لا حول له ولا قوّة.
والمشهد الأخير في الفيلم يعكس هذا التأييد إذ
ستغادر الفتاة مركز الشرطة بعدما تدخل الشرطي الخمسيني ضد زميليه
المحققين وساندها.
الكاميرا في لقطة بعيدة متوسطة عليها وهي تخرج من المركز وكلها
تصميم على فضح المجتمع.
ليس فيلماً بلا مشكلات.
تغييب
مشهد الاغتصاب كان فعلاً جيداً لأنه جعل الحقيقة تتكشف ببطء، لكن
تقسيم الفيلم إلى فصول يغطي على غياب التسلسل الدرامي الطبيعي
والاستبدال به القفز من فصل لآخر من دون رابط حدثي سليم.
لكن المشكلة تكمن على الطرف الآخر.
تقديم
الحكاية بالإصرار على المكان
(تونس)
يحصر
الحادثة في إطار ضيق كما لو أن حوادث مشابهة لا تقع في كل مكان حول
العالم.
بذلك
فإن الضعف كامن في قوّة المضمون والفيلم ذاته وهو إشعار المشاهد
الأجنبي بـ«تونسية»
الحدث،
ما يجعله ينسى أحداثاً
(وأفلاماً
غربية كثيرة)
دارت
حول الموضوع نفسه.
*
تفرقة طائفية
قبل
«على
كف عفريت»
بساعات، وفي مسابقة
«نظرة
ما»،
تم عرض فيلم إيراني للمخرج محمد رسولوف عنوانه
«رجل
كبرياء»
(أو
«ليرد»
كما
عنوان آخر له)
وهو
يحمل الهوية الإيرانية، لكن هناك ما يوحي بأن لمسات ما بعد الإنتاج
جميعاً خضعت لمعالجات تقنية فرنسية.
محمد رسولوف حذر من أن ينتقد مباشرة ويكتفي
بالإيحاء.
ربما
لأنه أمضى في السجن الإيراني عقوبة لأربع سنوات
(تفصل
بين فيلمه هذا وفيلم السابق
«المخطوطات
لا يمكن حرقها»)
ولا
يود العودة إلى السجن مرّة ثانية.
على
ذلك فإن هذا الإيحاء متواصل الوجود وكاف ليوصم المجتمع الإيراني
بالتفكك والانهيار تحت وقع المتطلبات الإنسانية غير المحقة
والعدالة التي يقف القانون غير قادر على فرضها.
بطل الفيلم رضا
(رضا
أخلاغيراد)
مزارع
سمك.
يملك
بيتاً خارج طهران ويعيش مع زوجه
(صدابة
بيزائي).
ربّى
في برك واسعة أسماكه ليعيش على تجارتها بينما تعمل زوجته مدرسة في
البلدة القريبة.
يبدأ
رضا بالعثور على سمك ميّت بين أسماكه.
في أحد
المشاهد المبكرة في الفيلم ذي الساعتين تقريباً، يستيقظ صباحاً على
صياح زوجته المريع.
يركض
خارجاً ليجدها تقرع على طنجرة نحاسية لطرد عشرات العقبان السود
التي كانت أخذت تقتات على الأسماك.
يشارك
القرع ثم يلتفت إلى بركته ليجد أن كل أسماكه
(بالمئات)
تطفو
ميتة.
السبب هو قطع الماء عن مجري النهر الذي يملأ منه
رضا بركه.
ينطلق
إلى أعلى المجرد ليجد أن جاره عباس قد أنشأ سداً ومنع الماء.
حال
يبدأ بفتح الماء من جديد يُلقى القبض عليه.
هناك تغييب مماثل لما حدث لرضا في السجن
(كتغييب
كوثر هنية لما حدث لبطلته في مطلع تلك الليلة)
لكن
الأمور تتضح فيما بعد.
كان
عبّاس رفع قضية على رضا يدعي فيها أنه كسر يده وتزوّد بشهادة طبية
مزوّرة.
في
الوقت ذاته لم يعد رضا قادراً على تلبية احتياجاته المادية.
لقد
فقد سمكه وباع سيارة زوجته ولديه قرض من البنك لا يستطيع ردّه.
هنا يركّز المخرج على تداعي المجتمع في صورته
الكبيرة:
الطبيب
فاسد، البوليس لا يكترث، جاره قوي يدمن الحشيش ويتاجر بها.
والجميع يقبل الرشوة بلا تردد.
خلال هذا المضمون هناك مشهدان لافتان يزج بهما
المخرج مُخاطِراً بأن يُزج به في السجن من جديد؛ أولهما توسل أم
لفتاة صغيرة ستطرد من المدرسة لأنها ليست شيعية، والثاني لمشهد موت
امرأة جاء الإسعاف لأخذها وسط حشد قليل من الكسالى.
لكن
المراسم وطريقة الندب غير شيعية، فهل المقصود هي التفرقة الطائفية
التي يُعامل بها غير الشيعة؟ هل الفتاة الصغيرة وأمها ومشهد ما قبل
الدفن من السُنّة؟ لا يحدد المخرج
(ولا
يستطيع التحديد)
تماماً، لكنه يزوّد المشهد الثاني بعبارة تفي بأنه ممنوع على الشخص
المتوفي الدفن في مقابر الشيعة، مما يؤكد بعض ما يذهب إليه الفيلم.
إنه فيلم جريء بطله الإنسان الرافض لعبث مستديم في
الأخلاق والمبادئ.
رجل
يلحظ ما يدور معه وما يدور حوله ويواجه زوجته بأنها
«قضية
كفاح»،
كما يقول.
هذا
قبل أن ينتصر الشر الكامن في شخص عباس والمعنيين الآخرين ويتم حرق
المنزل الذي رفض رضا بيعه.
*
عدالة غائبة
ضمن هذا التيار المتجدد على شاشة المهرجان الحالي،
ينضم فيلم
«بلا
حب»
(Loveless)
للمخرج
الروسي أندريه زفيغنتسف.
الأول
له منذ أن حقق، قبل ثلاث سنوات،
«لفياثان»،
الذي هو أول ما عرض من أفلام المسابقة مباشرة بعد فيلم الافتتاح
الباهت
«أشباح
إسماعيل».
يبدأ الفيلم، بعدة مشاهد للطبيعة المحيطة بالحكاية
التي سنتابعها، بالصبي أليكسي
(ماتفي
نوفيكوف)
الذي
يخرج مع أترابه من المدرسة وقت الانصراف، وينطلق مشياً للعودة إلى
البيت.
طريقه
تمر بغابة وبحيرة قبل أن تنتهي عند المبنى حيث يعيش مع والديه.
الأب
(أليكسي
روزين)
موظف
في مؤسسة والزوجة
(ماريانا
سبيفاك)
تملك
صالون تجميل.
وهما
على بعد يسير من فض الزيجة والطلاق رسمياً بعد أشهر من الانفصال،
لكن هذا لا يمنع قيام خناقة عاصفة بينهما يسمعها الصبي باكياً ثم
يهب هارباً من البيت.
كل من الأب والأم يعيش الآن مع حبيب جديد:
هو مع
ماشا
(مارينا
فاسيليفا)
الحبلى
منه، وهي مع رجل ثري اسمه أنطون
(أندريس
كايش).
وبعد
هذا التقديم الذكي للشخصيات ومكامن المشكلات التي ستعصف بهما
قريباً، تكتشف الأم اختفاء ابنهما ويهب الأب ليكون حاضراً في هذه
المعضلة.
لكن
على عكس أفلام كثيرة سابقة
(غالبها
أميركي)
لا
يوظف الفيلم مشاهده لكي يؤدي هذا الحدث بالزوجين إلى مصالحة،
مدركين خطأهما تحت وقع المأساة، بل سيستمر في تصوير النزاع القائم
بينهما وينتقل، لاحقاً، إلى فصل كامل يضطر فيه كل منهما للعيش مع
شريك حياته الجديد بعد سنوات من اختفاء ابنهما من دون أن يعثرا
عليه.
زفيغنتسف لا يخفي، عادة، نظرته المدينة للمرأة.
هي
هناك في فيلمه الأول
«العودة»
(2003)
وفي
أفلامه بعد ذلك:
«المنفى»
(2007)
و«إلينا»
(2011
ولو
على نطاق محدود)
و«ليفياثان»
(2013).
هنا
يصوّر المخرج الزوجة لاهية ويوصم تصرفاتها بالأنانية ويطلق، حتى من
خلال كلماتها، ما يجعلنا ندرك أنها ليست على صواب في معظم ما تذهب
إليه.
يستطيع المرء منا أن يلحظ أن المخرج في نهاية
المطاف إنما يتحدث، مرّة أخرى، عن زواج متصدّع ينهار أمامنا.
هناك
بفعل خيانة ما، في فيلم ثانٍ بفعل ضعف قرار وهنا في صورة امرأة
أنانية لا تقبل أن تستمع إلى المنطق.
لكن هذا ما يبنى لزفيغنتسف العالم الذي يزداد منه.
بعد
إدانة الوضع القائم في زيجات أفلامه يومئ إلى إشراك القانون في
التقاعس منتقداً عدم رغبته توفير الوقت والدعم الكامل للبحث عن
الطفل الذي ربما يكون سقط في الماء أو تم خطفه.
هذا
البحث في العلاقات الزوجية وغير العاطفية قريب من بحث برغمن
وأنطونيوني وسواهما، لكن أسلوب زفيغنتسف قائم على رقة في النواحي
البصرية ترفع من جماليات الفيلم بمقدار كبير.
ما يجمع بين هذا الفيلم وسابقيه هو الإشارة إلى
عدالة غائبة، بدرجات، في هياكل اجتماعية متباعدة.
لكن في
حين أنه من المتاح تونسياً وروسياً هذا القدر من حرية التعبير، فإن
الأمر أصعب منالاً بالنسبة لفيلم إيراني.
لكن
رسولوف فعل ذلك بنبرة أعلى من زميله أصغر فرهادي مع أن الفيلم يتبع
هذا النسق من الطروحات الاجتماعية.
####
حوار فني:
تيلدا سوينتون لـ«الشرق
الأوسط»:
التمثيل والرسم والواقع كلها حياتي
اختلط
التصفير
بالتصفيق
عند
نهاية
عرض
«أوكجا»
يوم
أول
من
أمس
بعد
ساعتين
من
الأحداث
ذات
البراعة
اللافتة
والمضامين
الداعية
إلى
التمعن،
ولولا
أن
الفيلم
يقفز
بين
أنواع
ونبرات
مختلفة
طوال
الوقت،
بحيث
لا
تدري
كيف
تضمّه
إلى
تصنيف
معين
غالب،
لكان
أنجز
إعجاباً
شاملاً
أقوى
بكثير
مما
حصده
في
النهاية.
«أوكجا»
هو
فيلم
–
الحدث،
لأنه من إنتاج المؤسسة التي تعد بأن عادة الذهاب إلى السينما
ستنطوي، وأن المستقبل هو لتعليب الأفلام وبثها في المنازل فقط.
هذا
المبدأ أثار، ما ورد هنا قبل أيام من بداية المهرجان، اللغط حول من
دافع عن قرار
«كان»
بعرضه،
ومَن دافع عن قرار
«كان»
بعدم
السماح بتكرار التجربة، ومن دافع أو هاجم مثل هذه الإنتاجات من
أساسها.
قبل العرض ساد الهرج والمرج.
ظهر
اسم
«نتفلكس»
على
الشاشة فاستنكر البعض وحيّا البعض الآخر.
ثم هب
الجميع يصرخون مطالبين بإيقاف العرض، ذلك لأن حجم الشاشة العارضة
لم يتم إعداده لحجم وإطار الفيلم نفسه.
بعد
ربع ساعة من الانتظار انطلق الفيلم مجدداً بالحجم الصحيح، وما إن
ظهر اسم
«نتفلكس»
حتى
تعالى التصفير والتصفيق من جديد ولو لمدة قصيرة.
تيلدا سوينتون هي أولى الممثلات ظهوراً على الشاشة.
طويلة
ممشوقة القوام قوية النبض في الحديث ولديها خطاب تبشر فيه بأن
مؤسستها قد وجدت الحل لإطعام البشرية التي بدأت تعاني من مشكلة لا
يشير إليها أحد، وهي نقص الطعام.
الحل يكمن في استنباط وتربية خنازير بالغة الضخامة
لكي يصار إلى تزويجها والإكثار منها.
كل
خنزير منها يكفي ليطعم بلدة صغيرة.
26
منها
تكفي لإطعام بلد متوسط الحجم.
ما بين التمثيل المدمج بالمؤثرات البصرية وأنظمة
الكومبيوتر
«غرافيكس»
والإخراج المتمكن من الظاهر أكثر من المضمون، تتألق تيلدا سوينتون.
إنها
المكان الذي يرتاح فيه المشاهد ويتنعم بمشاهدة تمثيل محترف وجيد.
إذ يجلس الناقد معها يجدها على ذات الوتيرة من
الحماس والتألق.
نسخة
حقيقية من تلك المشاهد المتوارثة لها منذ أن امتهنت التمثيل قبل
31
سنة.
·
ما رأيك بالضجة التي صاحبت فيلم
«أوكجا»
من
الأساس، كونه فيلم صُنع للاستهلاك المنزلي لكنه حظي بدخول مسابقة
مهرجان كبير مثل
«كان»؟
-
أفهم
الدوافع التي حَدَتْ بالمحتجين عليه، وغيرة بعضهم الصادقة على
مستقبل السينما، هذا أمر مفهوم، لكن الفيلم فيه طاقة كبيرة وفي
اعتقادي أنه يتضمن العناصر ذاتها التي يشتغل عليها أي مخرج سينمائي
قدير كما يبرهن المخرج بونغ
(دجون
-
هو)
في هذا
الفيلم.
لا
أعتقد أن أحداً يستطيع تمييز هذا الفيلم عن أي فيلم من إنتاج شركات
«فوكس»
أو
«سوني»
أو
«يونيفرسال».
وأعلم
علم اليقين بأن
«نتفلكس»
منحت
المخرج كامل حريته.
ليس كل
شركة إنتاج مستعدة لذلك.
·
لكن رئيس لجنة التحكيم، بدرو ألمادوفار، أوحى في
مؤتمره الصحافي أنه سيتردد في منح الجائزة لفيلم لا يوزع تجارياً
في الأسواق.
ما تعليقك؟
-
لم
أقرأ هذا القول لكني سمعت به لأول مرّة خلال مؤتمرنا الصحافي يوم
أمس.
نعم،
ربما قال ذلك، لكننا لم نأتِ إلى
«كان»
بحثاً
عن الجوائز، بل لأن هذا الفيلم الرائع لديه رسالة يريد قولها و«كان»
هو
المنصّة الأهم لذلك.
·
ما هذه الرسالة في نظرك؟
-
إنها
مجموعة من الرسائل حول البيئة وحول الإنسان الذي يتم تدجينه ليقبل
مرغماً بما تفرضه عليه الصناعات الاستهلاكية.
حول
العلم وكيف يتم ترويضه ليخدم تلك الصناعات، وحول المؤسسات العملاقة
التي تعامل الناس على أساس أنهم مجرد بطون يستطيعون إطعامها ما
يشاءون.
يريدون
منا أن نُقبِل على منتجاتهم لصرف النظر عن احتياجاتنا الحقيقية
للغذاء الجيد والصحي السليم.
·
باتت هناك علاقة أقوى بين الأفلام والواقع والأحداث
الحقيقية.
في رأيك هل نحتاج إلى المزيد أو إلى التقليل من هذه
الأعمال؟
-
أفهم
مقصدك، لكن هناك ما يكفي من الأفلام لكل نوع أو لكل فئة.
الأفلام الترفيهية يمكن لها أن تحمل ذات الرسائل التي تجدها في
الأفلام الجادة أو في الأفلام التسجيلية.
لا أرى
فاصلاً كبيراً بين الاثنين.
مثلت
«دكتور
سترانج»
وهي
واحدة من شخصيات الكوميكس.
الحقيقة أنني استمتعت بذلك كثيراً، والحقيقة الثانية أن الفيلم
يحمل ما يريد أن يوجهه إلى المشاهد من مضمون.
·
شاهدته في العام الماضي، لكن بناءً على ما تقولينه
أين يلتقي، في رأيك، فيلم
«دكتور
سترانج»
مع الواقع؟
-
في
كثير من الشؤون.
دكتور
سترانج نفسه ساحر يريد الزعامة، وفي عالمنا هناك زعماء بعضهم جيد
وبعضهم أقل من ذلك، وبعضهم الثالث معدوم الخبرة.
لكن
دكتور سترانج هو مزيج من هذه العوامل ما يساعده على تجاوز مشكلاتها
عندما يجد أن عليه شق طريقه روحانياً وليس مادياً.
أعتقد
أن الفيلم هو نداء لكي نتخلى عن الماديات ونقبل على الروحانيات.
·
في مهرجان
«SXSW»
ذكرت،
كما تناقلت الصحف، أنك لا تملكين مهنة، بل تملكين حياة.
ما الذي قصدته بذلك؟
-
أعتقد
أن السؤال لم يكن حول هذا الموضوع مطلقاً، لكني استغللَتُه لأذكر
شيئاً حول كيف أعيش حياتي ما بين التمثيل والرسم والواقع.
قصدت
القول إنها جميعاً حياتي وبالتالي لا أمتهن التمثيل لأنه حياتي
كلها.
البعض
قد يمثل دوراً ويعود إلى عمل آخر.
بالنسبة لي لا عمل آخر.
أعيش
التمثيل كفن أمارسه لكي أعيش.
·
هل الفن قابل للتقسيم؟ هل تعتبرين نفسك فنانة تمثل
وترسم أو ممثلة ورسامة؟
-
أميل
إلى اعتبارهما واحداً.
ربما
لذلك لا أشعر بأني ممثلة محترفة رغم أن هذا لا يبدو واقعاً.
أعمل
في التمثيل منذ إحدى وثلاثين سنة لكني في البداية لم أكن أرغب في
أن أحترف التمثيل.
طلبني
المخرج
(الراحل)
ديريك
جارمن بعدما شاهدني في إحدى المسرحيات لكي أكون بطلة فيلمه
«كارافاجيو»،
ثم لم يتركني أمضي بعيداً.
ظهرت
في أفلام أخرى له وهذا عوّدني على حب ما أقوم به، لكن التمثيل
للسينما لم يكن وارداً عندي أساساً.
·
في تلك الفترة مثَّلتِ عدة أعمال بارزة حتى وإن كان
قصدك عدم التورط في التمثيل.
-
صحيح.
نلت
تشجيعاً كبيراً فاستمررت.
·
ما الدور المفضل لديك، إذا ما كان عندك هذا التفريق
بين دور وآخر؟
-
هل
أستطيع أن أعرف الجواب على هذا السؤال؟ أعتقد أن الدور المفضل هو
الذي أختاره.
أنا
حذرة من التمثيل الذي لا أستطيع ترك شخصيتي ماثلة فيه.
بصمتي
إذا أردت القول.
لا
أريد أن أمثل لكي أكون في الفيلم، بل أريد أن أمثل لكي أُسهِم في
رؤية صانع الفيلم وإذا ما كان لديه رؤية فهو بالتأكيد صانع أفلام
وليس مجرد مخرج عادي ليس لديه ما يضيفه.
·
مَن مِن المخرجين الذين تعاملت معهم على أساس
رؤيتهم؟
-
تحدثت
عن ديرك جارمن.
كان
بلا شك أحد هؤلاء.
أستطيع
أن أذكر وس أندرسون الذي قدرتُ كثيراً دعوتي له لكي أمثل دور امرأة
عجوز في
«غراند
بودابست هوتيل»
ومن
قبل
«مملكة
الشروق»،
وجيم جارموش عندما مثلت له
«كل
العشاق بقوا أحياء».
·
كلاهما من المخرجين المستقلين.
-
طبعاً، عيناي دائماً ما تبحثان عن أدوار مع مخرجين أصحاب رؤية. |