«فارايتى»
تبرز المشاركة المصرية فى مهرجان برلين
برلين ــ خالد محمود:
•
وصناع الافلام: مسئولون عن تمثيل أنفسنا.. ونخشى من نظرة الغرب
السياسية لأعمالنا
اهتمت مجلة فارايتى الأمريكية المعنية بالأحداث السينمائية
بالأعمال المصرية المشاركة فى مهرجان برلين السينمائى الدولى هذا
العام، حيث قامت بنشر تقرير مطول عن تلك المشاركة ومخرجى الأعمال
تحت عنوان «صناع السينما المصرية» وقد ارتكز التقرير على عدد
الأفلام، حيث تشهد هذه الدورة اكبر تواجد مصرى من حيث عدد الأفلام
ستة أفلام.
وألمحت المجلة إلى ان المهرجانات هى البداية الحقيقة للنظر فى
الأفلام القادمة من بلاد مثل مصر لم يحظ وضعها السياسى باهتمام فى
وسائل الإعلام، لتكون فرصة حقيقية لمعرفة أوضاع مجتمعاتها.
وتساءلت «فارايتى» عن المعايير التى يتم على اساسها اختيار هذه
الأفلام؟، وهل يعود الاختيار لقيمتها الفنية، أو أنها تصبح وسيلة
للمبرمجين لتسليط الضوء على الثقافات المختلفة؟، وبعض صناع الأفلام
المصرية والعربية ومن شمال افريقيا تتخذ من المهرجانات وسيلة لعرض
انتماءاتهم السياسية؟، والتى ربما تختلف مع سياسة اوطانهم وبخاصة
المهرجانات الأوروبية والأمريكية، بغض النظر عن مسألة الانتماء
لأوطانهم للتخفيف من عبء المسئولية، ومن المعروف ان بعض المخرجين
يسعون بمفردهم لعرض تلك الأعمال بعيدا عن أى مسئولية وطنية.
«فى
نهاية المطاف أنا لست مسئولا عما يمثل 300 مليون شخص، وأنا المسئول
عن تمثيل نفسى»، هكذا صرح المخرج تامر السعيد، الذى يعرض المهرجان
العرض العالمى الأول فيلمه «اخر ايام المدينة»، فى قسم منتدى
برلين، واضاف: «بالطبع أنا جزء من مصر، أنا جزء من المنطقة
العربية، أنا جزء من هذه الثقافة، ولكن أيضا أنا جزء من العالم،
ولدى الحق فى التعبير عن نفسى كجزء من العالم».
إنها المشاعر التى رددها صناع الأفلام المصرية الآخرين فى برلين
هذا العام، وأعرب العديد منهم عن القلق من توقعات المبرمجين التى
ترى فى موضوعات الأفلام حقل ألغام ربما يجعل توزيعها محدودا.
«بالتأكيد
المهرجانات الأوروبية تسعى لإظهار القضايا السياسية فى الوطن عبر
الأفلام المصرية»، هكذا قالت هبة أمين، مخرجة فيلم «كما تحلق
الطيور»، الذى يعرض فى المنتدى الموسع.
وقالت فارايتى ربما ان العمل امتداد للسرد الذى تقدمه وسائل
الإعلام من قضايا، ولكنه يقدم نظرة متناقضة من الخارج، وانه ليس
عملا سياسيا بحتا.
ويعود تامر السعيد ليقول: «كل شىء متعلق بالسياسة، ولكنى لا أصنع
أفلاما لأن لدى رسالة سياسية، فأنا أصنع أفلاما لأننى أشعر أن هناك
أشياء أريد أن أشارك بها، والجانب السياسى يأتى من الداخل، وهذا
شىء لا أستطيع السيطرة عليه». ويضيف السعيد عليك ان تنظر فى العمل
الخاص بك ومحاولة لمعرفة إلى أى مدى كل ما تفعله يضعك فى خطر،
يمكنك أن تصبح مجنونا، وتسأل نفسك، «هل أنا اتخذت هذا القرار لأننى
خائف من العواقب، أو لأنه جيد للفيلم»؟
اسلام كمال مخرج فيلم «منتهى الصلاحية» والذى يعرض ايضا فى منتدى
المهرجان الموسع اعرب عن مخاوفه تجاه نظرة الغرب لسينما الشرق
الأوسط كنظرة قاصرة على السياسة.
وقال: «عندما تمر الجماهير الأوروبية من خلال الكلمات الرئيسية مثل
«الشرق الأوسط»، فبالقطع سيعتقدون انهم سيشاهدون فيلما ذا بعد
سياسى والواقع اننا فقط نقدم رؤيتنا ولا ينبغى لأحد ان يوجهنا فى
تلك الرؤية.
بينما قال المخرج ماجد نادر الذى يقدم فيلم «فتحى لا تعيش هنا بعد
الآن» فى المنتدى الموسع: «كل شخص لديه توقعات من جنسية الفيلم،
ولكن المشكلة هى تلك التوقعات التى هى فى معظمها تتحدث عن المحتوى
أكثر من الأسلوب الفنى أو الجماليات وهذا ما يحمل الأفلام ضغطا
كبيرا بالسياسية، وخاصة فى هذه اللحظة فى تاريخنا، وعلى رأس هذه
الضغوط التحدى المتمثل فى صناعة أفلام بدولة ربما تكون منخرطة فى
حرب.
وقال منتج «منتهى الصلاحية» مارك لطفى: يأمل صناع السينما المصرية
ألا يرضخوا للشعور بالهزيمة بسبب عدم وجود التشجيع الإبداعى، فمن
المهم لنا ألا نقع ضحايا للإحباط.
«نار
فى البحر».. مشاهد مأساوية للفارين من جحيم سوريا وليبيا
برلين ـ خالد محمود:
•
فيلم إيطالى يحذر العالم من كارثة إنسانية عبر قوارب الموت
•
قصص متشابكة للاجئين بلغة سرد غير تقليدية
عاما بعد عام، يؤكد مهرجان برلين السينمائى، أنه أصبح منصة مهمة
لإطلاق رسائل سينمائية تلفت انتباه العالم إلى قضايا شائكة،
وصراعات تنهش فى كيان شعوب باتت فى أمس الحاجة لنظرة مختلفة
وحقيقية لها.
وقد جاء الفيلم الوثائقى الإيطالى الفرنسى المشترك «نار فى البحر»
والذى عرض فى المسابقة الرسمية منافسا بقوة على الدب الذهبى، اسم
على مسمى بصورته السينمائية المبهرة بفنياتها، وفى الوقت نفسه
مقلقة ومؤرقة لما تتركه بداخلك من آثار موت يومى بعرض البحر
لمجموعة من البشر الفارين من لهيب حياة يعيشونها بأفريقيا والعالم
العربى، بحثا عن لجوء أمن فى دول أوروبا، ومحطة العبور تكون دائما
فى جزيرة سامبدوريا الإيطالية، حيث يرسون عليها.
الفيلم الذى يقدمه المخرج جيانفرانكو روسى، يقدم لنا مأساة قصة
هؤلاء اللاجئين بلغة سرد غير تقليدى، حيث يسير السيناريو فى عدة
خطوط إنسانية تصب كلها فى الهدف الحقيقى، وربما مشاركته فى كتابة
السيناريو والحوار، جعلت شخصياته أو أبطاله يعبرون عن أنفسهم بصدق،
وهم يجسدون قصصهم.
قدم المخرج الفيلم من خلال صبى يدعى صامويل «١٢ عاما» يعيش بمنزل
على جزيرة فى البحر الأبيض المتوسط، مثل كل الأولاد من عمره لا
يتمتع دائما بالذهاب إلى المدرسة، ويفضل تسلق الصخور بالشاطئ،
واللعب مع صديقه بال بصيد العصافير تلك الجزيرة كانت لسنوات المقصد
من الرجال والنساء والأطفال، فى محاولة للعبور من أفريقيا فى
القوارب الصغيرة والمكدسة بالبشر.
وقد أطلق على الجزيرة اسم «لامبيدوزا» والتى أصبحت كناية عن هروب
مئات الآلاف من اللاجئين والحالمين إلى أوروبا من خلالها مع مصير
مجهول ينتظرهم فى رحلة بحثهم عن حياة والسلام والحرية والسعادة،
وفى كثير من الأحيان لا يتم سحب جثثهم من الماء، وهكذا، كل يوم
تشهد لامبيدوزا أكبر مأساة إنسانية فى عصرنا.
تلك الحياة اليومية تقربنا إلى هذا المكان الذى هو حقيقى بقدر ما
هو رمزى، وللعالم العاطفى لبعض سكانها الذين يتعرضون لحالة طوارئ
دائمة، عبر إعلان الإذاعة عن العثور على مركب غارق يحتاج للإنقاذ.
قضى روسى عدة أشهر مع الذين يعيشون فى الجزيرة المتوسطية، يترقب
معهم وصول مئات المهاجرين أسبوعيا، ثم تناول وضع المهاجرين الخطير
من وجهة نظر سكان الجزيرة، بما فى ذلك الصبى صامويل، وأبيه الصياد،
وبيترو بارتولو، الطبيب الوحيد فى لامبيدوزا.
وقال روسى، خلال المؤتمر الصحفى، إن الفيلم يمكن أن تقرأه سياسيا،
باعتباره شاهدا على مأساة ما يحدث أمام أعيننا، وأعتقد أننا جميعا
مسئولين عن هذه المأساة الكبرى ربما بعد المحرقة، وهى واحدة من
أكبر المآسى التى شهدها العالم على الإطلاق.
وروى أحد الشهود الحقيقيين وهو بارتولو كيف أن المأساة تقشعر لها
الأبدان، حيث كان مقيما فى الجزيرة على مدى ٢٥ عاما الماضية، وقال:
«رأيت الكثير منذ عام 1991 عندما سقطت القوارب الأولى، ورأيت بعض
الأشياء الجميلة ولكن قبل كل شىء رأيت أشياء مروعة حقا، الكثير من
الأطفال القتلى، الكثير من النساء ميتة، العديد من النساء تعرضت
للاغتصاب، إنه أمر فظيع حقا أن ننظر إلى هذا، هذه هى الكوابيس التى
تطاردنى فى كثير من الأحيان».
وأضاف «تحدثت عن الأمر مع معظم وسائل الاعلام التى تأتى إلى
الجزيرة، وفى الفيلم أوصلنا الرسالة من أجل توعية الجميع الذين
يمكن أن يفعلوا شيئا أكثر منا».
وقال: «لا أعتقد أن جدارا أو أسلاكا شائكة كافية لوقف هؤلاء الناس
النازحين، علينا أن نتصرف بشكل مختلف.. فنحن بحاجة إلى خلق أوضاع
إيجابية فى بلدانهم.. لا يوجد شخص واحد فى العالم كله يريد أن يترك
وطنه إلا أنهم أجبروا على القيام بذلك».
وقال روسى كانت الفكرة الأولية هى تقديم فيلم قصير عن أزمة
المهاجرين فى لامبيدوزا، ولكن بعد وصوله إلى الجزيرة، أدرك أن
الفيلم القصير لن يكون كافيا، وكان من المستحيل تقريبا سرد مثل هذا
الواقع المعقد فى فيلم قصير».
كان طقس الصورة طوال الفيلم ملىء بالغيوم والضوء الخافت للغاية،
وهو العالم الذى لجأ إليه المخرج وهو يقدم لوحته السينمائية، لتبدو
أكثر مواءمة للحدث، مستخدما كاميرا صغيرة وخفيفة للقبض على اللحظة
الدرامية فى رصده لكيف تهتز الحياة على جزيرة لامبيدوسا الإيطالية
من خلال موجات من المهاجرين، واضعا الوحدة والقيم الأوروبية بشدة
على المحك، أمام كتلة النار البشرية فى البحر، وجاءت مشاهد رجال
البحرية والساحل على الشاطئ، لإنقاذ ما يستطيعون من الناجين عظيمة
فى ألمها للمتلقى، وعمليات الإنقاذ فى كثير من الأحيان تأتى مثيرة
مع الحياة الهادئة للصيادين وأسرهم الذين يقطنون الجزيرة، وكشف
الفيلم الأفضل فى المهرجان حتى الآن من وجهة نظرى، أن معظم الضحايا
من الأفارقة والسوريين والليبيين، وقد ترك أسئلة كثيرة بلا إجابة،
حيث مات الكثيرون من العطش والإرهاق والبرد.
روسى يلتقط بسلاسة وهو مدير التصوير أيضا جو العالم القديم
لامبيدوسا ليس فقط فى صورة الوعرة وشواطئها الصخرية، ولكن من خلال
مقتطفات سخية من الإيقاعات الموسيقية لأغنيات مثل «ليتل حمار»
و«الحب وسائق العربة»، كنوع من الدراما الإنسانية. |