حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي التاسع والستون

يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (6)

السينما العربية في المهرجانات الدولية: الكيل بمكيالين

فينيسيا: محمد رضا

ميشال خليفي مخرج فلسطيني حررت أفلامه الأولى، في مطلع الثمانينات، العقل الغربي من النظر إلى المسألة الفلسطينية من زاوية أفلام البروباغاندا التي سادت تلك السينما في السبعينات. «الذاكرة الخصبة» (1980) و«عرس الجليل» (1987) استقبلا بحفاوة كبيرة في زمنيهما، سنوات طويلة قبل أن يخرج من تلك السينما مخرجان آخران عرفا النجاح هما رشيد مشهراوي وإيليا سليمان. الأول لم ينجز كل ما كان موعودا منه، في حين تمكن سليمان من تحقيق إنجازات عالمية تذكر بتلك التي حققها خليفي في زمنه.

تسأله، إذ وصل إلى هذا المهرجان في زيارة خاصة، أين أنت؟ يضحك بابتسامته العريضة ويقول، «أنا هون». تريد أن تعرف المزيد فيجيب: «هناك بعض المشاريع التي أشتغل عليها لكن المسألة ليست مادية. هناك تمويل لكن ليس هناك توزيع».

ميشال خليفي وصل إلى دورة المهرجان الحالية بدعوة، لكن ليس من قبل المهرجان؛ لأن المهرجان لا يعرف له فيلما، بل من قبل المنتج المصري أحمد مناويشي صاحب شركة أروما التي أسهمت فعليا في تمويل «الشتا اللي فات» لإبراهيم البطوط والذي عرض هنا في مظاهرة «آفاق» آملا، ونحن معه، في أن يحظى بجائزة هذه المظاهرة.

أحمد المناويشي لديه، حسب حديث بيننا، اثنا عشر فيلما: «بدأنا بهذا الفيلم ولن نتوقف، وكل أعمالنا سوف تكون ذات قيمة نوعية لأن هذا هو الطريق الوحيد للعمل والاستمرار».

اللقاء بين المخرج والمنتج لم ينته بعد، لكن المخرج حذر: «الاستقلالية عندي هي أهم شيء وأهم شيء عند الفنان ولن أبدأ العمل على أي فيلم جديد مع أي من كان إلا بعد ضمان هذه الاستقلالية».

فيلم ميشال خليفي الأخير «زنديق» فاز بجائزة مهرجان دبي الأولى سنة 2010 لكنه لم يفز بأي عرض تجاري باستثناء فرنسا (في شتاء العام الماضي).. ولم يتقدم أحد لشرائه، يقول لي وهو ينظر إلى جموع المحتشدين لمشاهدة فيلم سويدي قبل عودته لعقد اجتماع أخير قبل سفره في اليوم التالي. تساءلت ماذا كان سيحدث في التاريخ لو أن هذا الفيلم الذي يشهد تلك الحشود (وهو بعنوان «بلوندي» وليس أكثر بكثير من «سوب أوبرا» تلفزيوني) كان من نصيب فيلم لهذا المخرج.

- لماذا «زنديق» لم ير النور في أوروبا حيث تعيش؟

«لأن هناك هامشا ضيقا للمخرجين العرب. عليك أن تكون مع وليس مستقلا.. ناهيك عن أن تكون ضد».

يفتح ميشال خليفي صفحة إعلان في مجلة «فاراياتي» الأميركية. الإعلان عن مجموعة إنتاجات إسرائيلية معروضة في المهرجان (من بينها اثنان في المسابقة). ينزل بأصبع الإشارة إلى حيث يكمن فيلم من إخراج هيام عبـاس بعنوان «تراث». الفيلم هو الروائي الأول للممثلة - المخرجة الفلسطينية التي تعيش وتعمل في باريس. يضيف: «هذا هو الجانب الذي يريدون للسينما الفلسطينية أن تنضوي تحته.. أن تكون من إنتاج مؤسسة الدعم الإسرائيلية. هذا ما يرحبون به».

خليفي لا يتحدث بنبرة غضب، ولا هو معارض للتعاون مع مخرجين إسرائيليين. لقد فعل ذلك سنة 2004 حين عمل مع المخرج الإسرائيلي أيام شيفان على فيلم تسجيلي طويل من 270 دقيقة عنوانه «الطريق 181: شظاها من رحلة في فلسطين - إسرائيل». لكن ما يسترعي انتباهه هو أن تقسيم المخرجين العرب إلى فئات يضعه في تلك التي لا ظهر لها. «زنديق» بحد ذاته كان فلسطينيا إماراتيا، بريطانيا، بلجيكيا. كلفته المحدودة كانت سبيل خليفي للحديث عن نفسه من خلال شخصية مخرج فلسطيني عاد إلى فلسطين من بلد هجرته (يعيش خليفي ويدرس في مدينة بروكسل) ليجد نفسه غريبا. يومها قال إن هذا كان شعوره أيضا إذ وجد نفسه بين عالمين.

بالنسبة لإبراهيم البطوط فإنه يعيش حاليا وضعا أفضل من أي وقت مضى: فيلمه وجد قبولا لدى فئات المشاهدين، محترفين وهواة، والجهد الذي بذله المخرج وفريق الإنتاج ومنهم الممثل عمرو واكد، أثمر عن أفضل فيلم أنجزته السينما المصرية عن أحداث يناير (كانون الثاني) 2011.

لكن ما يثير الملاحظة (وقدر لا بأس به من الاستغراب) أن «الشتا اللي فات» إذ تم إرساله إلى إدارة هذا المهرجان لعله يدخل شريحة الأفلام الرئيسية المتسابقة انتهى إلى المسابقة الثانية. ليس أن أهل الفيلم يشكون من ذلك. هم فرحون بما أنجزوه وبالاحتفاء الإعلامي الكبير الذي حققوه، لكن حين تكتشف وجود فيلم فرنسي يتحدث بدوره عن ثورة أخرى، لكنه أضعف عملا وأقل خيالا من «الشتا اللي فات» لا بد أن تتساءل عن السبب الذي تم بسببه قبول الفيلم الفرنسي وليس الفيلم المصري.

الفيلم الفرنسي هو «قبل أيار - مايو» (ولو أنه يحمل بالإنجليزية عنوانا آخر تماما هو «شيء في الهواء» والثورة التي يتحدث عنها هي تلك الشبابية في مطلع السبعينات، التي بالقياس بثورة 1968 المعروفة، لم تكن سوى حركة لـ«جيل الزهور» كما كان اسمهم في ذلك الحين: أؤلئك الذين خلطوا بين تحقيق الرغبات السياسية والعاطفية والفنية ولم ينجزوا في أي من هذه المجالات الكثيرة مما شكل معالم مستقبل أكيد.طبعا، هي ليست المرة الأولى التي نجد فيها فيلما عربيا جيدا خارج المسابقة مقابل أفلام ليست أفضل منه حالا.

فيلم البطوط نفسه فوجئ بأن مهرجان تورنتو لن يعرضه مفضلا عليه فيلم يسري نصر الله «بعد المعركة». وسؤال البعض كان: «على أي أساس قام العارضون بتفضيل فيلم على فيلم؟». ما هي الأسس التي تم اعتمادها للاكتفاء بفيلم واحد عوض فيلمين.

المسألة مهمة لأن تورنتو مهم، فهو سوق السينمات المختلفة على السوق الأميركية وموسم الجوائز فيه. لكن يبدو أن المشرفين على برمجة الأفلام لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا كانت لهم تحبيذاتهم الخاصة.

فينيسيا كانت له حساباته الخاصة بخصوص فيلم عربي آخر لا يزال مثل الجوهرة الصغيرة المدفونة تحت قليل من الرمال ينتظر من ينفضها عنه. إنه فيلم لمخرج مصري جديد اسمه (لا يجوز ذكر اسمه وعنوان الفيلم حتى لا نحرق احتمالاته الأخرى) أنجزه في مطلع هذا العام وبعث به إلى إدارة المهرجان التي بعثت له برسالة شكر وبعدم رغبتها به. هذا الناقد شاهد الفيلم فإذا به من صنف أفلام المهرجانات بلا ريب. صحيح أنه مصنوع بميزانية محدودة، لكن هذا لم يكن سابقا ولا يجب أن يكون اليوم أو في الغد السبب وراء عزوف مهرجانات السينما عن اختياراتها. إنه عمل مثير للإعجاب إلى حد كبير مستخلص مما قامت عليه سينما انغمار برغمن سابقا من عناصر درامية ومواجهات شخصية في أفلام محصورة داخل بيت واحد.

كل ما سبق، وسواه مما تراكم من متابعات ومشاهدات، يشي بأن هناك معيارين تمارسهما معظم المهرجانات الدولية ويمكن تلخيصه بالشكل التالي: الفيلم الغربي عليه أن يتحلى بسقف معين لقبوله في المسابقات الرسمية، لكن الفيلم العربي عليه أن يتحلـى بسقف أعلى بضعفين أو ثلاثة لأجل قبوله. والواضح أن الانتشار الحالي للأفلام العربية في المهرجانات، ذلك الذي بدأ فجأة في العام الماضي، يعود إلى سبب أساسي وهو أن العالم العربي في الأخبار وعناوين الأحداث العاصفة. فإذا كان فيلم من وزن وقيمة «الشتا اللي فات» لم يستطع الوصول إلى مسابقة «فينيسيا» أي فيلم يستطيع؟

طبعا، سيقال دوما أن هناك مهرجانات عربية تفي بالغرض، لكن هذه ليست النقطة هنا، كما أن المهرجانات العربية، في معظمها، تمر حاليا في مخاضات عسيرة والسينما الآتية من الأركان العربية تحارب من أكثر من طرف وجهة عربية قبل سواها، ما يحدو بالمخرجين العرب إلى مواصلة التوجه إلى المهرجانات الدولية على أساس أنها قد تمنحهم ما يحتاجون إليه من دعم في حلقة مفرغة تعيدنا إلى ما بدأنا هذا التقرير به.

أفلام «فينيسيا»

* الفيلمان الأكثر منافسة على الجائزة الذهبية حتى الآن

* « The Master» (السيد) - إخراج: بول توماس أندرسن.

- تمثيل: واكين فينكس، فيليب سايمور هوفمان، آمي أدامز، لورا ديرن.

- تقييم الناقد: (3*) (من خمسة)

الحرب العالمية الثانية انتهت وفريدي (فينكس) يلعب على رمال الشاطئ لعبا غير بريء. رفاق السلاح ينظرون إليه ثم ينظرون بعيدا. هو لا يبالي. رجل على الفطرة ولديه تاريخ من المصاعب النفسية والعقد التي تفرز تصرفاته العنيفة التي سنراها في أكثر من موقع في هذا الفيلم. في الحياة المدنية من جديد يحن إلى صديقة من بلدته اسمها دوريس ويعمل من حين لآخر مصورا فوتوغرافيا وذات مرة يتعارك مع رجل بسبب ضيق حاق به عندما أخذ يقرب مصابيح الإضاءة إلى وجه الرجل حتى كاد يحرق وجهه. حين دفع الرجل المصباح بعيدا عنه شاكيا، أمسك فريدي بياقته والاثنان بدآ مشادة. فريدي، النحيل، لم يكن من وزن وقوة خصمه فهرب. في اليوم التالي وجد نفسه على ظهر باخرة صغيرة يملكها رجل غريب الأطوار اسمه لانكاستر (هوفمن) الذي يقدم نفسه ككاتب ورحالة وفيلسوف من بين مهن أخرى.

لانكاستر يجد في فردي حيوان اختبار لفلسفته المتعلقة بالحياة والروحانيات والصلة بينهما وبين تاريخ الإنسان وواقعه. من هنا يدخل الفيلم في محاكاة مع ما قامت عليه كنيسة «السيانتولوجي» التي كانت، لحين قريب، من أكثر الكنائس غموضا. لانكاستر بذلك هو رديف لمؤسس تلك الكنيسة وما نسمعه ونراه من أفكار وممارسات هي ذاتها تقريبا مع تلك التي تمارسها تلك الكنيسة. هل هذا مقصود؟ طبعا. هل هناك قصد من وراء الحديث عنها؟ هذا ما هو غير معلوم. الفيلم ليس في وارد الدعاية لها، بل هو ينتقدها ويصور بطله تائها وسط ضبابيات أحاسيسه ومصالحه الخاصة. زوجته (أدامز) ربما كانت أكثر وعيا منه لكنهما معا بعيدان عن التسليم بأهمية ما يؤمنان به. وسط هذا العالم سيمضي فريدي حياته وبالتدريج سوف يفقد هويته من دون أن ينجح في اكتساب هوية جديدة.

الفيلم سينجز الضجة التي خبأ لها واستعد، لكن من الصعب معرفة ما إذا كان سينجز النجاح النقدي ذاته الذي حققه فيلم المخرج السابق «سيكون هناك دم» (There Will Be Blood) قبل ثلاث سنوات. بعد التمهيد وانتقال الفيلم من الباخرة إلى اليابسة يفقد الفيلم شحنته من الدوافع والكثير من حرارة الحدث. مصور بفاعلية ومنفذ بعناية لكنه ضعيف في الفصل الثاني منه، ذلك الذي يلي التمهيد ويسبق الخاتمة.

* «To The Wonder» (إلى العجب) - إخراج: ترنس مالك

تمثيل: أولغا كوريلنكو، بن أفلك، خافييه باردم، راتشل ماك أدامز.

- تقييم الناقد: (4*) (من خمسة)

فتح أحد النقاد البريطانيين المخضرمين دفتر ملاحظاته وسحب قلمه واستعد ليكتب ملاحظاته حول فيلم ترنس مالك الجديد «إلى العجب». بعد 117 دقيقة حين انتهى الفيلم كانت الصفحة لا تزال بيضاء. السبب بسيط: لا يمكن تسجيل شيء خلال العرض لأنه لا شيء قابل للتحول إلى انطباعات ولا حتى إلى ملاحظات... بالتالي لا يوجد ما يمكن كتابته خلال العرض.

إنه فيلم فذ لمخرج هو الوحيد من نوعه في العالم. هذا ما يمكن كتابته. لا شيء يمكن تلخيصه حول القصة لأنها تكاد ألا تكون موجودة. ولا شيء يمكن الحديث فيه عن قضايا وطروحات (شغلة البعض المفضلة) لأنه فيلم فلسفي أكثر مما هو تطبيقي. وحتى على الصعيد الفني، لا يوجد هناك تلك المراجع التي يمكن الاستشهاد بها حين النظر إلى الأسلوب أو الرغبة في الحديث عنه.

على ذلك، هو أقرب إلى تحفة أخرى من أعمال هذا المخرج. فيلم يحتوي على فكرة تدمج ما يحدث بين رجل وامرأتين مع ملاحظاته حول ما يقع في بيئته ثم تدخل في سياق مشروع أكبر عن الحياة والخليقة والمفاهيم التي يريد الفيلم طرحها والتعامل معها. بن أفلك هو الرجل، والممثلة الجديدة أولغا كوريلنكو هي الفتاة الفرنسية التي كان التقى بها وأحبها ومعا يشدان الرحال من باريس (بعد نحو ربع ساعة من كاميرا تسبح فوق المعالم وتموج كالعشب البحرية) وبصحبتهما ابنتها الصغيرة من زواج سابق. الرجل متمنع عن الزواج بها، لذا هي قلقة وغير راضية. تتركه بعدما بعثت بابنتها لتبقى لجانب أبيها، وتأخذ بالبحث عن عمل في نيويورك مصطدمة بحقيقة أنها تحتاج لفيزا (غرين كارد). تعود إلى من تحب وتقنعه بالزواج منها. لكن في خلال غيابها يتعرف على امرأة أخرى ويحب. ليس فيلما عن رجل فالت من عقاله بل بالأحرى عن رجل هو، مثل بطله شون بن في فيلم مالك السابق «شجرة المعرفة» حائر في الحياة المعاصرة التي يعيش فيها.

ومثل ذلك الفيلم ليس هناك من قدرة على قراءة منهج فني. المخرج قد يترك الممثل يتكلم متوجها بالكاميرا إلى منطقة أخرى وبذلك يصبح ممثله خارج اللقطة. فجأة، بفضل توليفه السلس، الممثل في اللقطة التالية والكاميرا ما زالت تتحرك في الانسياب نفسه. لا يمكن إحصاء عدد اللقطات التي يتألف منها الفيلم، ولا تقع موقع اللقطة المقبلة أو رصد تتابعها على منهج ما. الحوار هو ما يمكن عد كلماته لأنه محدود جدا.

السيناريو لا بد كتب كفكرة ولا بد أنه عولج خلال التصوير؛ لأن كل ما نراه له علاقة بمكان التصوير ذاته. التصوير هو الذي يختار السيناريو وحركة الكاميرا هي ما تؤلف الفيلم.

الشرق الأوسط في

04/09/2012

 

يوميات مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي (5)

الرجل والمرأة في أفلام فينيسيا

فنيسيا: محمد رُضا

من بين ما أفرزته الأفلام المعروضة حتى الآن وجود أكثر من مرشح يستحق جائزة أفضل ممثل أو أفضل ممثلة. هذا ليس وضعا تلقائيا وتحصيلا حاصلا لا بد منه. في كثير من الدورات السابقة هنا أو في مهرجانات أخرى، طالعتنا الكثير من الأفلام التي لم يسجل لها تميز في إطار التمثيل، ناهيك باستخدام ممثلين جيدين في أدوار غير مناسبة، أو الإتيان بممثلين يؤدون أدوارهم بتعميم.

هذه السنة، وحتى الآن، لدينا أكثر من ممثل وممثلة يستحق الإشادة، إما تبعا لموهبته وإما تبعا لنجاح مشروع اندماجه في الشخصية التي يؤديها. وبالأمس فقط شاهدنا نموذجين من هذا النوع: جواكين فينكس وفيليب سايمور هوفمان في فيلم بول توماس أندرسون «السيد» (The Master).

ما يفقده فينكس من حضور بدني (هزيل البدن) ومن وسامة متعارف عليها، يعوضه عبر توظيف هذا «النقص» المبدئي لموازاة الشخصية التي يقوم بها. فجأة بدنه وحركاته وتصرفاته ووجهه الدقيق هي ما يجب أن يكون عليه الشخص الذي يقوم بأدائه في الفيلم فريدي كويل. السيناريو لم يكتب بهذه المواصفات الجسدية، لذلك فإن ما قام به فينكس من سعي لتجسيد تلك الشخصية فعل شامخ يعيد طرحه كأحد أبرز ممثلي جيله (في سن السابعة والثلاثين هو أصغر من جوني دب وتوم كروز وقريب من براد بت). لكن فينكس لا يتوقف عند هذا الحد. يضيف إلى شخصيته شكليا ما يتلاءم وفحواها الداخلي، فيمشي محدودبا، خصوصا عند الانفعال. أما في الداخل فإن ما يتفاعل في نفسه واضح وإن لم يكن بمتناول أحد آخر التعبير عنه بنفس الطريقة.

«السيد» هو الفيلم الذي قيل فيه الكثير من حيث إنه يهاجم كنيسة «السيانتولوجي» الغامضة، تلك التي ينتمي إليها توم كروز وجون ترافولتا من بين آخرين. وهو بالتأكيد فيلم موازٍ من دون أن يسمي الأشخاص والأسماء بحذافيرها. والعنوان يدل على صاحب ذلك التوجه الفلسفي والديني في الفيلم لانكاستر دود الموازي لشخصية ل. رون هوبارد في أفكاره وتنوعات مضاربه من النشاطات والأعمال. في الفيلم لانكاستر دود، كما يؤديه فيليب سايمور هوفمن، يدعو لعلاقة فلسفية بين الروح والحياة، معتبرا أن الإنسان أبدي الحياة وأنه على نوعين، نوع مرتقٍ وآخر لا يزال «حيوانا»، كما يقول. وفي قراءات فإن الكنيسة المذكورة تحاذي هذا الاعتبار وتضيف، من بين ما تضيف، شرائح من الأفكار المستحدثة حول الإنسان وتاريخه على الأرض الذي يتجاوز ملايين السنين (!) وهذا وارد في الفيلم كما وارد أيضا اعتماد دود، باعتباره رئيس الحركة الفلسفية التي نتابعها، على التمارين التي تستطيع تحويل الإنسان الفطري إلى إنسان «كامل».

لكن الفيلم يبرهن عن زور هذه الأفكار، وفريدي هو تجسيد لهذا الفشل وعدم قدرة الإنسان على أن يكون كاملا، فهو بعد كل التمارين وحشو الأفكار يفلت هاربا، ولو أنه يضطر إلى العودة إلى مجتمع دود بعدما تم لهذا تدمير قدرته على البقاء مستقلا.

في هذا الخضم، هناك تمثيل مدهش آخر في هذا الفيلم هو ذاك الذي يوفره هوفمن. والمخرج يعرف أي ممثلين ضخمين لديه فيكثر من تلك المشاهد التي تعرض أداءهما وفهم كل منهما للدور الذي يؤديه. ولن يكون مفاجئا على الإطلاق إذا ما دخل الاثنان عراك الأوسكار معا. المهم هنا هو أن هوفمن يظهر الفراغات الكثيرة في كيانه، الثقوب المتكاثرة في فهمه وشخصيته. هو في أكثر من مشهد ليس سوى شخص «غير متكامل» و«يلتقط الأفكار بينما هو مسترسل في حديثه»، كما يقول ابنه (جيسي بليمونز) عنه.

إلى نوعية مختلفة جدا من الأداء ننتقل إلى ما تبديه الممثلة ألبينا جانابييفا، وهي ممثلة روسية لديها باع مسرحي وسينمائي طويل وشهرة قصيرة الأمد تقوم بدور البطولة في الفيلم الروسي المشارك هنا تحت عنوان «خيانة». الفيلم بحد ذاته مركب دراميا على نحو غير متوازن. بعض الألغاز التي يطرحها لا جواب عليها أو لا جواب شافيا لها على الأقل. لكن بصرف النظر عن هذه النقطة، هناك تمثيل بارع من هذه الممثلة التي تستطيع فعل كل شيء بأقل درجة من التعبير في الملامح، مؤكدة أن التعبير الزائد يعمل على عكس النتيجة المطلوبة دراميا وفنيا (وهو أمر نلحظه أيضا في أداء عمرو واكد في فيلم إبراهيم البطوط «الشتا اللي فات» كونه قائما على أقل درجات التعبير المعتادة).

في «خيانة» نرى جانابييفا تلعب دور طبيبة تستقبل في أحد الأيام رجلا أراد الكشف عن قلبه. عوض النتيجة التي ينتظرها (سماع عبارة أن «قلبك ممتاز» أو «قلبك في خطر») يفاجأ بالطبيبة تخبره أن زوجته تخونه مع زوجها. هذا هو المنطلق لكل ما يأتي بعد ذلك من أحداث (نترك النقد لحين آخر). جانابييفا لا تغيب عن معظمها وتعكس حالات امرأة محرومة وشريرة ومسكينة وفاتنة ومدانة من دون أن يكشف وجهها عن الحالة التي هي عليها. قد تبتسم هنا أو تغمض عينيها هناك لكن كل شيء واضح في داخلها (أكثر وضوحا مما يود الفيلم قوله في بعض الأحيان).

لكن في مقابل هذه النماذج المذكورة أعلاه، هناك ذلك الأداء الذي يسبب الحيرة لبعض الوقت، وهو ما نجده في أداء الأميركي دنيس كوايد لاعبا شخصية المزارع الذي لا ينوي التوقف عند حد في تجارته، وذلك في فيلم رامين بحراني «بأي ثمن». في البداية يبدو كوايد كمن لو كان يبحث عن المفتاح الذي سيساعده على فتح أسرار الشخصية، والمؤكد أنه لم يجده إما بسبب الكتابة وإما لأنه لم يجد من العناصر ما يكفي لاتخاذها منفذا. نصف الساعة الأولى من ظهوره يبدو كما لو كان يبحث عن مقبض للدور، لكن الوضع يتحسن بدرجات كبيرة في الساعة التالية من الفيلم، لدرجة أن بعض ما يعتري الممثل من حالات قلق تصبح لازمة صحية لما يعتري الشخصية من قلق أيضا. بما أن الفيلم يدور في موقع واحد فإنه من المرجح جدا أن يكون تصوير الفيلم تم - عموما - بالتسلسل الذي نراه مرتسما، ما يعزز ما ذهبت إليه هنا.

المفاجأة الطيبة في هذا الفيلم الأداء الذي يقدمه زاك إفرون. ممثل في الرابعة والعشرين من العمر لعب أدوارا شبابية في أفلام عابرة مثل «17 مرة أخرى» و«تشارلي سانت كلاود» و«مطلع رأس السنة»، لكنه هنا يجد الدور الذي يتيح له الانتقال بحرفته إلى مستوى الإجادة. إنه ابن دنيس كوايد في الفيلم، عمد إلى شخصيته بتأنٍّ ودراية للمطلوب منها ووفر مراحل الدور بقناعة. هو الابن الذي يحمل رفضا لوالده، وخروجا عنه وحبا للرياضة واللهو من قبل أن يعود إلى العائلة، مقتنعا بأنها الغطاء الوحيد الذي سيؤمن له مستقبله. في كل ذلك هو قابل للتصديق وجيد في تأليف أحاسيس مرهفة.

حين كنت صغيرة لم أنظر إلى نفسي كفتاة.. كنت ألعب مع الصبيان 

نوومي راباس: بعد «عاطفة».. أتطلع إلى أدوار عاطفية وكوميدية خفيفة

يأتي دور الممثلة نوومي راباس في فيلم برايان دي بالما الجديد «عاطفة» في وقت جيد. من ناحية، هناك رد فعل إيجابي حيال ما ساد النصف الأول من هذا العام حين تساقطت الأفلام ذات البطولات النسائية كأوراق الخريف، فلم يتقدم منها ما يعزز مكانة الممثلة في هوليوود، ومن ناحية أخرى يأتي الفيلم قريبا من موسم الجوائز، ولو أن الذين سيقومون بالتصويت سيجدون أنفسهم محتارين حيال هذا الفيلم، فالبطولة متساوية بين نوومي راباس وراتشل ماكأدامز، وكلتاهما - وقد شوهد الفيلم في عرض خاص سابق - متساويتان إلى حد بعيد في حسن الأداء والانصهار لتلك الإدارة الخاصة التي يطلبها المخرج دي بالما من ممثلاته.

·        ما تاريخ هذا المشروع بالنسبة إليك؟

- كان السيناريو وصل إلي قبل عام ونصف، أعتقد في شتاء عام 2011، ولم أكن شاهدت الفيلم الفرنسي الذي تم اقتباس هذا الفيلم عنه. كنت مشغولة وقررت أن أرجئ القرار بشأنه، لكني لم أستطع، خصوصا بعدما أتيحت لي فرصة الفيلم - الأصل.

·        هل كانت راتشل ماكأدامز قد وافقت على المشاركة في الفيلم حين أعلنت قبولك له؟

- أعتقد ذلك. أعتقد أنها كانت على علم به وأنها سبقتني إلى قبول الفيلم بقليل. طبعا حين علمت زاد حماسي وسعدت جدا لاختيارها لأنني أعلم أن لكل منا طريقتها في الأداء. سعدت أكثر حين تعرفت عليها، لكن التباين في الأسلوب كان لصالحنا لأننا في الفيلم شخصيتين مختلفتين!

·     كيف وجدت المشاهد الساخنة في هذا الفيلم؟ النسخة الجديدة لا تكتفي بالإيحاء بوجود علاقة مثلية بينكما، بل تتحدث عنها.

- صحيح. لكني أعتقد أنها تفعل ذلك بأسلوب غير متكلف. كما تقول العلاقة موحى بها في فيلم (المخرج) آلان كورنيو، لكنها هنا تدفع باتجاه إعلانها. ما وجدته ساحرا هو أنها مستخدمة من قبل الطرفين لا كتعبير عن استحسان أو إعجاب أو حب، بل تمهيدا لكل ما يحدث لاحقا من غيرة وخداع وجريمة.

·     هل تعتقدين أن الملصق الذي يصوركما معا سوف يكون باعثا لنجاح الفيلم بين المشاهدين أم أن هناك فئة كبيرة منهم ستشعر بالاستفزاز؟

- كل هذا وارد، ولو أني أرجح أن الملصق سوف يزيد من رغبة المشاهدين في حضور الفيلم عوض انصرافهم عنه. طبعا هناك فريق من الجمهور سيقرر عدم مشاهدة الفيلم، لكن أعتقد أن هناك الكثيرين من الذين يعلمون أن الملصق ليس كل الصورة وأن جمهورا آخر هو ذاك الذي يكن الإعجاب لماكأدامز أو لي أو لبرايان دي بالما، سوف يقبلون على الفيلم بسببنا.

·     الفيلم عن صراع بين قوتين بالفعل، وهذه ليست المرة الأولى التي تؤدين فيها دور امرأة قوية. لقد ظهرت في «الفتاة ذات الوشم التنين» وفي «برومثيوس» وفي هذا الفيلم ضمن هذه الصفة. هل أنت امرأة قوية بالفعل؟

- حين كنت صغيرة لم أنظر إلى نفسي كفتاة. نظرت إلى نفسي كشخص فقط. كنت وأنا طفلة ألعب مع الأولاد الذكور. وعندما كبرت تعلمت الجودو وبعض فنون القتال الشرقية. لكني رغم ذلك لست «توم بوي» وأحاسيسي أنثوية كاملة. بالتالي، ربما كنت أعكس هذه الجوانب حتى الآن، لكني أعتقد أيضا أن نجاح دوري في «الفتاة ذات الوشم التنين» وضعني في هذا الإطار. لا أشكو، لكني سأتطلع إلى أدوار عاطفية أو كوميدية خفيفة... في الحقيقة أبحث عنها الآن.

·     بقراءة عناوين أفلامك اللاحقة ومنها «ضربة قاضية» و«سقوط ميت» يبدو أن البحث سيطول قليلا...

- (تضحك) يبدو كذلك. من الممكن أن لا يحدث خلال هذا العام أو في العام المقبل. لكني بالتأكيد سأفوز بالدور الذي نتحدث فيه. إنها مسألة وقت فقط.

·        هل ساعدك في هذه المهنة أنك كنت أوروبية؟

- تقصد في هوليوود؟

·        نعم. أساسا في هوليوود.

- نعم، وإلى حد كبير. العالم بات جزءا واحدا بالفعل. أنت تعلم أن الكثيرين جدا من الممثلين غير الأميركيين يتولون اليوم أدوار البطولة في هوليوود. هناك ممثلون غير أوروبيين أيضا في أفلام أميركية، وبالنسبة لي استفدت من هذه الموجة بلا شك.

·     ما الذي يجذب المخرج الأميركي لوجه غير أميركي، في حين أن الكثير من الممثلين والممثلات الأميركيين لعبوا في السابق أدوارا غير أميركية؟

- هذا في اعتقادي مرده تقدير الموهبة الجيدة والناجحة قبل أي شيء آخر. ليست هناك سياسة في الفن وليس في التمثيل تحديدا، بل مصلحة الفيلم تأتي في المقام الأول. بالنسبة لي فإن «عاطفة» مناسب جدا كون الأحداث تقع في أوروبا (تم تصوير أجزاء كثيرة من الفيلم في ألمانيا)، وبالتالي أنظر من وجهة نظر درامية أيضا وليس من وجهة نظر إنتاجية فقط.

الشرق الأوسط في

03/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)