تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

يهمّه روح الفيلم لا تفاصيله ولا يؤلّف لفيلم جاهز ولا لسينمائي لا يُحبّه

غبريال يارد: أحبّ تأليف الموسيقى للأفلام لكنّي أحبّ الموسيقى أولاً

نديم جرجورة

لم تكن لديه خطّة عمل مسبقة يعتمدها في مسار حياته المهنية. وُلد في عائلة اعتاد أبناؤها العمل في مجالات عديدة ومتفرّقة، ابتعدت كلّها عن الفنون. مع هذا، وجد نفسه أسير أحد هذه الفنون منذ أن بلغ الرابعة من عمره، عندما هجس بالموسيقى، التي رافقته حتى هذه اللحظة. أخبره والده في ما بعد أنه، في ذاك العمر، بدا كأنه غارقٌ في عالمها حتّى الثمالة. درس الحقوق في الجامعة اليسوعية في شارع هوفلان بالقرب من مونو، لكنه لم يستطع التأقلم مع هذا العلم، فآثر التمسّك بالموسيقى التي عشقها صغيراً، من دون أن يعثر على جواب حاسم لمعرفة سبب ولعه بها: «وُلدت من أجلها. هي أشبه بوحيّ هبط عليّ، ولا أعرف لماذا وكيف. هكذا عشت الموسيقى»، قال غبريال يارد (مواليد 7 تشرين الأول 1949) في لقاء أجريتُه معه في فندق «موفنبيك»، قبل أربعة أيام فقط على إحيائه حفلة موسيقية في إطار «مهرجانات بيت الدين الصيفية» مساء غد السبت. أما الحقوق، فصعبة عليه. صمد في دراستها عامين اثنين فقط.

وجد في مبنى الجامعة غرفة خاصّة بالموسيقى، فجيّر وقته كلّه للعزف على آلة الـ «أورغ»، إلى أن غادر بيروت في العام 1971، «لأني حصلتُ على منحة من وزارة التعليم لمدّة عام واحد، خوّلتني الالتحاق بـ «دار المعلّمين للموسيقى في باريس». غير أن المسألة بدت لي أشبه بسياحة، لأن المحاضرات والدراسات كانت قليلة جداً، بمعدل مرّة واحدة في الشهر، على الرغم من أني تدرّبت على يديّ أحد أبرز المؤلّفين الموسيقيين وأهمهم، هنري أوغيل. لم أكن أعرفه حينها. كنتُ على النقيض التام من الطلاّب الآخرين، القادمين من مدن ومعاهد موسيقية مرموقة. أما أنا، فلم أكن طالباً في «المعهد الوطني للموسيقى» في بيروت، بسبب تجاوزي السنّ المطلوبة للانتساب».

خطوة

يُمكن القول، في هذه الحالة، إن زيارته باريس في تلك الفترة شكّلت الخطوة الأولى له على طريق الحرفية الموسيقية. أصرّ، في لقائي به، على اعتبار الوحي أساسيا في حياته الفنية: «عندما أؤلّف الموسيقى، يهبط الوحي عليّ أيضاً. لكن الوحي هذا لا يكفي إذا بقي لوحده. على المرء أن يُركّز الوحي على العلم والمعرفة، باشتغاله الجدّي والطويل الأمد على ذلك. على المرء أن يُتقن مفردات الموسيقى وتقنياتها. أن تكون لديه أذن موسيقية، فهذا أمرٌ جيد. لكن هذا لا يكفي أبداً. يظنّ المرء أن أذناً كهذه تكفي للتأليف الموسيقي. هذا خطأ. دراسة التقنيات والقواعد مهمّة للغاية، بقدر أهمية الوحي».
إذاً، لم يكن العام الباريسي مجرّد سياحة، لأن هذه الأمور بدأت تختمر في ذات غبريال يارد في تلك المرحلة، التي أفضت به إلى اكتسابه، فيما بعد، الأسس الحقيقية والعلمية للتأليف والإنتاج و«التجويق الموسيقي» (الترجمة العربية للكلمة الفرنسية Orchestration وهي تعني: نَظْم الألحان لجوقة): «في باريس، بدأ مساري المهني بالعمل في مجال «التجويق الموسيقيّ»، ما يعني أن فناناً يأتي إليّ بمشروع موسيقي غير مكتمل، فأهتمّ ليس فقط بما يوصف بالعربية بأنه «التوزيع»، بل أكثر من ذلك، لأني أكتب المقدمة والسياق اللحني وأموراً أخرى متفرّقة». في هذا المجال، عمل مع فنانين كبار، كشارل أزنافور وجوني هاليداي وميراي ماتيو وسيلفي فارتان وجيليبر بيكو وفرنسواز هاردي وغيرهم: «بدلاً من أن أشتري منزلاً لي بالمال الذي كنت أربحه من عملي هذا، اشتريتُ كتباً وأعمالاً خاصّة بكبار الموسيقيين الكلاسيكيين، أمثال موزار وبيتهوفن وتشايكوفسكي وباخ، كي أتعلّم الموسيقى بقراءتي الكلاسيكيات الكبيرة. هنا، أودّ الإشارة إلى أن لديّ أبجدية خاصّة بي في دراسة الموسيقى واتقان تأليفها. فالمسألة بالنسبة إليّ كامنةٌ في أني أقرأ الموسيقى كما أقرأ كتاباً. أنا «أفتح» موسيقى وأقرأها. الآن، أشعر أنها الطريقة الأفضل للتعلّم».

مع هذا، عندما بلغ يارد الثلاثين من عمره، وعلى الرغم من أن أموره كانت تسير بشكل جيّد، توقّف عن هذا النوع من العمل، لأنه شعر بأنه محتاجٌ إلى المزيد: «كل شيء سار على خير ما يُرام، ومع هذا توقّفت لأني أدركتُ أني لست كاملاً، وأني محتاجٌ إلى أن أتعلّم أكثر. في الثلاثين من عمري، عدت إلى مقاعد الدراسة، كي أتلقّى المعرفة الأكاديمية الضرورية بمسائل مثل التأليف الموسيقيّ والطباق (لحن يُضاف إلى آخر على سبيل المصاحبة) والتتابع والإيقاع وتآلف الأنغام وانسجامها مع بعضها البعض».

مع غودار

في لحظة ما، بدا أن المسار الحياتي والمهني الخاص بغبريال يارد اصطدم بمنعطف لم يكن الفنان اللبناني الأصل والفرنسي الجنسية طامحٌ إليه: تأليف موسيقى الأفلام السينمائية. كرّر مراراً، في لقائي إياه، أنه لم يضع خطّة مسبقة لحياته المهنية: «لم أخطّط لشيء. فالأهمّ عندي كان ولا يزال وسيبقى أمراً واحداً: الموسيقى. أما المنعطف الذي أدخلني إلى عالم الفن السابع، أنا الذي لم أكن أشاهد أفلاماً كثيرة حينها، فكامنٌ في حادثة بسيطة جرت معي قبل سنين طويلة، عندما التقيتُ جان ـ لوك غودار في أواخر السبعينيات، وكان بصدد العمل على تحقيق فيلمه Sauve Qui Peut La Vie (1980). ما جمعني به لاحقاً قاسمٌ مشتركٌ بيننا: لا أحد منا يُحبّ موسيقى الأفلام (بالمعنى المتداول والعادي). لاحظ أن أفلامه الأخيرة لا تملك موسيقى مؤلّفة خصّيصاً بها، بل هناك مقطوعات موسيقية كلاسيكية»، علماً بأن يارد أدرك استحالة العمل التجاري في هذا الإطار، لأنه فضّل (ولا يزال يُفضّل) جعل التأليف الموسيقي للأفلام جزءاً أساسياً من المسار الإنتاجي والإبداعي لصناعة هذه الأفلام. أما قصّة علاقته بغودار، فطريفة: لعب ميشال دوترون (المطّلع على أعماله الخاصّة بفرنسواز هاردي) دوراً في التعارف بين الرجلين، ممازحاً يارد بالقول إن السينمائي السويسري الأصل يبحث عن مؤلّف موسيقي «كلاسيكي». دوترون نفسه، «بحسّ الفُكاهة، وأيضاً لأنه استشعر فيّ بعض القدرات النائمة، أوصى بي لدى غودار». عندما التقى الرجلان، سأل يارد عمّا إذا كان يُمكنه رؤية بعض الأشياء، فقال غودار إن هذا ليس ضرورياً، مشيراً إلى اختياره أربعة «موازير» Mesures من افتتاحية الفصل الثاني من «لا جيوكوندا»، وهي أوبرا لبونتشيالّي، المؤلّف الموسيقيّ الحقائقيّ (الحقائقية مدرسة أدبية وموسيقية ظهرت في إيطاليا في أواخر القرن التاسع عشر، دعت إلى تمثيل الحقائق برمّتها، على غرار المدرسة الواقعية في فرنسا)، وهو عاش في مرحلة فيردي: «لم تكن هذه الأوبرا معروفة جداً. لكن، في الافتتاحية المذكورة (المصنوعة كلّها بموسيقى آلية)، هناك ثيمة جميلة جداً، عبارة عن نوع من «توقيع متعاقب سريع»، طلب منّي غودار أن أشتغل على «موازيرها» الأربعة تلك على مدى الفيلم». أما نتيجة اللقاء، فغير متوقّعة: رفض يارد العمل في هذا الإطار، لشعوره أنه، في نهاية السبعينيات تلك (وتحديداً في العام 1979)، خرج من مرحلة التجويق الموسيقي، وأنه لم يعد يرغب في هذا النوع من العمل. قال يارد لغودار: «إذا كان الأمر مرتبطاً بتجويق موسيقي أيضاً حول مادة معينة، فهذا لا يثير اهتمامي»، مشيراً إلى رغبته في التأليف الموسيقي.

البدء مجدداً

وإذا فوجئ البعض برفض الشاب يارد العمل مع سينمائي مثل غودار، فإن غودار نفسه، الذي أحبّ صدق الموسيقي الشاب، سرعان ما أرسل إليه رسالة مختصرة: «أحببت كثيراً حوارنا. لنتحدّث معاً». وعندما التقيا ثانية، قال غودار: «لا أريد أن «أحاصرك» بهذه الثيمة، لكنها ركيزة. استكشِفْها». هنا، قال يارد إنه في مرحلة باكرة أدرك أن الثيمة بحدّ ذاتها لا أهمية كبيرة لها، «بل ما نفعله بها، وكيفية الإحاطة بها واستكشافها».

رفض يارد العمل مع غودار على أساس التجويق الموسيقي، لأنه دخل مرحلة شعر فيها أنه يرغب في البدء مجدّداً من الصفر: «على الرغم من تجربتي الحدسية في الكتابة، شعرت بالحاجة إلى الدراسة والتعمّق في مسألة التطابق. كنتُ في الثلاثين من عمري. قرّرت اتّخاذ عطلة طويلة من أجل هذين التعمّق والدراسة». في هذه اللحظة، جاء غودار، الذي أدخل يارد إلى عالم السينما: «أكرّر لك مجدّداً أني لم أخطّط لشيء في حياتي. ما يهمّني كلّياً هو الموسيقى. عندما التقيتُ غودار، كنتُ متأكّداً من أن الموسيقى يجب أن تولد من تلقاء نفسها في داخل الفيلم. بدأت عملي الموسيقيّ في السينما مع رجل لا أعرفه لأني لم أكن أذهب إلى السينما إلاّ قليلاً. فيما بعد، أدركت أن حظّي كبير لأني عملت معه. طلب منّي أن أكون مؤلّفاً موسيقياً بحدّ ذاته. هذه ركيزتي الفنية الأساسية. لا أعمل وفقاً للمتداول، أي أن أضع صورة أمامي وأبدأ تأليف الموسيقى. الأساسي بالنسبة إليّ هو روح الفيلم. أن أجلس مع المخرج لنقاش حيوي حول الفيلم وروحه ومناخه، بهدف بلوغ مرحلة التآلف بين الفيلم والموسيقى. هذا ما فعلته مع غودار. الفنان الموسيقي لا يحتاج إلى المخيّلة، لأنها يجب أن تكون في داخله، لا أن تأتي إليه من الخارج، عندما يقع نظره على مشهد أو صورة أو لقطة. ولكي تعمل المخيّلة بشكل جيّد وجدّي، ليس مهمّاً أن يتحدّث المخرج عن التفاصيل كلّها، بل عن روح الفيلم. أنا مقتنعٌ تماماً بأن الخطأ الفادح كامنٌ في تقرير كل شيء منذ البداية».

بمعنى آخر، بدا يارد مؤمناً بضرورة عدم إدراك كل شيء منذ اللحظة الأولى، لأن الأهمّ كامنٌ في إشاعة التفاعل بين المخيّلة والحرفية من خلال مسار إنجاز الفيلم، وارتكازاً على عناوينه الأساسية. لكنه لم يستخدم هذه الآلية في عمله مع السينمائيين الآخرين جميعهم، وعددهم كبيرٌ جداً، بدءاً من الإنكليزي الراحل أنتوني مانغيلا، الذي عمل معه في «المريض الإنكليزي» (1996)، الفائز عنه بجائزتي «غولدن غلوب» و«أوسكار» في فئة أفضل موسيقى أصلية، و«السيّد ريبلاي الموهوب» (1999) و«جبل بارد» (2003) و«تحطيم وكسر» (2006)، وجان ـ جاك آنو الذي ألّف موسيقى فيلمه البديع «العشيق» (1992) ففاز بجائزة «سيزار» أفضل موسيقى، تلك الجائزة التي فاز بها قبل أعوام قليلة بتأليفه موسيقى «كاميل كلوديل» (1988) لبرونو نيوتان. كما عمل مع عدد من المخرجين الراحلين، كاللبناني مارون بغدادي في ثلاثة أفلام هي «حروب صغيرة» (1983) و«الرجل المحجّب» (1988) و«فتاة الهواء» (1992)، والمصري يوسف شاهين في «وداعاً بونابرت» (1987)، والأميركي روبرت ألتمان في «ما بعد العلاج» (1987) و«فنسنت وثيو» (1990)، من دون تناسي اشتغاله مع كوستا غافراس في «هانا ك.» (1984) وجان بول رابنو في «سفر سعيد» (2003) وسيدريك كان في «الطائرة» (2005) وفلوريان هانكل فون دونرسماك في «حياة الآخرين» (2006) وغيرهم.

الموسيقى والسينما

لم تكن علاقة غبريال يارد بالسينمائيين جميعهم متشابهة، لكنه أصرّ دائماً على ترداد مقولته أمامهم: «أنا لا أفهم سينما. يهمّني الفيلم طبعاً، لكن الأهمّ عندي هو الموسيقى. أما كيف أحدّد لك علاقتي بالمخرج والمشروع، فالمسألة بسيطة: هناك أولويات بالنسبة إليّ، تبدأ بضرورة حصول تفاهم بيننا ثم تناسق وتجانس، على أن أشتغل على طريقتي. أرى أن المخيّلة أقوى من أن يُشَاهد الفنانُ اللقطات والصُوَر كي يصنع عمله. الصُوَر تقضي أحياناً على المخيّلة. هكذا أعمل. لم أستطع الاشتغال مع المخرجين جميعهم بهذه الطريقة دائماً. لكن الغالبية، ومنهم جان ـ جاك بينيكس وجان ـ جاك آنو ومانغيلا مثلاً، تُشعرني براحة ما عندما نعمل معاً هكذا. أقرأ السيناريو، ثم أتحدّث مع المخرج، وفي هذه اللحظة بالذات أبدأ التفكير بالموسيقى، حتى قبل أن يبدأ التصوير. هذه طريقتي في العمل. لا يُمكنني كتابة موسيقى في ثلاثة أشهر، مع نهاية المسار الإنتاجي للفيلم. لا يُمكنني بهذه الطريقة أن أبلغ مرحلة التساوي مع عمل مخرج، حمل فيلمه في ذاته منذ عامين أو ثلاثة أعوام. إذاً، أبدأ التحضير مسبقاً، وأشتغل كثيراً قبل إطلاق مرحلة تنفيذ الفيلم، ثم تأتي مرحلة ثانية متمثّلة بمشاهدتي اللقطات أو المشاهد، لأرى كيفية ملاءمة المقطوعات الموسيقية معها. هنا، أبدأ العمل بالتفاصيل».

هناك مسائل لا يُمكن تفسيرها، لأنها تُشكّل جزءاً من ذات الفنان وروحه. هذه خلاصة اللقاء الذي جمعني بغبريال يارد. حتى هو ردّد العبارة مراراً. عندما سألته عن كيفية تأليفه الموسيقيّ لهذا الفيلم أو ذاك، وكيفية موافقته على هذا المشروع أو ذاك، قال إن المسألة تشبه العلاقة بالمرأة: «تتحدّث إلى امرأة، فتثير إعجابك، وتشعر أن هناك تناغماً بينكما. أمضي وقتاً طويلاً مع ذاتي عندما أشتغل، قد تتجاوز الستة أشهر أحياناً. مع «المريض الإنكليزي»، أمضيت عاماً كاملاً. إنه، باختصار شديد، عمل حب. إذا لم تتفق معه ترفضه، لأنك لا تستطيع العمل مع من لا تحبّ، أو مع من لا تشعر بإلفة وتناغم بينكما. هذه مسألة حسّاسة ومهمّة بالنسبة إليّ، يليها موضوع الفيلم. رفضتُ ولا أزال أرفض التأليف الموسيقي لأفلام العنف مثلاً. أقول العنف، وأعني به العنف المباشر، لأن هناك عنفاً نفسياً لا أتردّد عن الموافقة عليه، كـ «السيّد ريبلاي الموهوب» مثلاً. يجب أن يثير الموضوع اهتمامي. هذه نقطة ثانية. أما النقطة الثالثة، فمرتبطة بعلاقتي بالمخرج، إذ أحبّ أن يفهم طريقة عملي.أحبّ تأليف الموسيقى للأفلام، لكنّي أحب الموسيقى أيضاً، بل أولاً. وهذا يتطلّب منّي وقتاً طويلاً أحياناً. لو أردتُ إنجازات سريعة، لقدّمت موسيقى لمئات الأفلام. أنا أعمل وفقاً للعلاقة الداخلية والذاتية بيني وبين الموسيقى والفيلم وروحه، لأني أرغب في أن تخرج الموسيقى من داخلي، أي من انفعالاتي». وعلّق غبريال يارد على ما يظنّه البعض من أن الألحان التي يسمعها أثناء مشاهدته فيلماً ما هي تلك التي ألّفها الموسيقيّ. لكن هذا الأمر ليس صحيحاً، لأن المؤلّف الموسيقي يُؤلّف نصّه الموسيقيّ كاملاً، ثم يتم اختيار مقطوعات معيّنة منه لمشاهد محدّدة في الفيلم. أي إنه يصنع عملاً موسيقياً متكاملاً.

أولويات ضرورية

لكن، هناك من يأتي إلى غبريال يارد بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، طالباً منه تأليف موسيقاه. هذا ما رفضه ويرفضه دائماً، لأنه مقتنع بضرورة أن «يبدأ العمل منذ البداية. قلتُ لك سابقاً إن المخرج يعمل طويلاً لبلوغ ما يريده. وقد تطول المدّة لعامين أو ثلاثة أعوام. لا بأس. هذا ما أريده للموسيقى أيضاً. يجب عليها أن تتطوّر مع تطوّر العمل على إنجاز الفيلم». إذاً، ألهذا السبب لم يعمل مع سينمائيين عرب، باستثناء مارون بغدادي ويوسف شاهين؟ «لم أتغاض عن أي طلب أُرسل إليّ، لأني مصرّ على الردّ احتراماً لمنطقي في التعاطي مع الجميع. إذا شعرتُ برغبة في العمل، أوافق إذا كان لديّ الوقت الضروري. لم يتصل بي أحدٌ من المخرجين العرب، باستثناء بعضهم الذي جاء إليّ حاملاً معه فيلمه المنتهي وطالباً منّي إسقاط تأليف موسيقي عليه. لا أعمل وفقاً لهذه الطريقة. لا أرغب في تكرار ما قلته لك سابقاً، لكنّي مصرّ على أولويات أراها ضرورية: يجب أن أكون شــغوفاً بالسينمائي وبالعمل».
أردتُ أن أوضح له أني لم أقصد بســؤالي عن غيــابه عن الســينما العربية التوقّف عند كونه لبــنانياً أو عربيــاً، ما يعني أنه مطالبٌ بالعمل لمصلحة الســينما اللبنانية والعربية، وأخبرته أني أعاني هذه المشكلة أحياناً، لأن البعض يظنّ بأن «الجنسية اللبنانية» كفيلةٌ بالتواطؤ بين المخرج والناقد، ما يعني ضرورة أن يتغاضى الثاني عن أخطاء ما (إذا وجدت) في فيــلم الأول. ابتسم يارد وقال: «تماماً. ليس لأني لبنانـي، فأنــا مُطالب بالعمل كيفما كان.الأهمّ عندي أن أكون شغوفاً بالمشروع المقدَّم إليّ. هناك أمر آخر: يحتاج التأليف الموسيقي إلى ميزانية كبيرة، ليس لأني أتقاضى أجراً كبيراً فقط، بل لأن تكالــيف التــأليف والتسجيل تكون ضخمة أحياناً. لا أستطيع العمل بميزانية تساوي عشرة آلاف دولار أميركي مثلاً. أحياناً أوافق على تخفيض أجري إذا أثار الموضوع وصاحبه اهتمامي وشغفي، إذا علمتُ أن ميزانيته صغيرة. أضف إلى ذلك أني أرغب، أحياناً، في الابتعاد عن السينما. هذا لا علاقة له لا بالجنسية ولا بالمشاريع ولا بطريقة العمل. إنها رغبة في الابتعاد عن الشاشة الكبــيرة. لــهذا، بدأت التحضير مع أمين معلوف (إنه صديقي منذ أيام الدراســة المدرسية) على تحقيق عمل مسرحي مستوحى من «النــبي» لجبران خليل جبــران. إنه نــصّ محتاج إلى جــهد كبير لتحويله إلى عمل درامي».

السفير اللبنانية في

24/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)