تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

صيف العراقيات

قيس قاسم

اوقات الفراغ ومروحة الحلول

المطالعة، التلفزيون، الثرثرة في الهاتف، الانترنت، الالتحاق بمدرسة صيفية، العمل الجزئي بقصد التدرب، او الاذعان لاوامر الاهل والاشقاء وملازمة البيت اي «السجن العائلي»، كلها خيارات متاحة للفتيات العراقيات في عطلة الصيف. ماذا عن الأوقات «الحرة» بعد انتهاء الدوام المدرسي او الجامعي؟

اقتراح طريف ومخيب للآمال تقدمت به احدى طالبات المرحلة الاعدادية وهي تستقبل العطلة الصيفية حين عرضت عليها والدتها ان تشغل وقت فراغها باشياء مفيدة كمطالعة رواية مثلا. ردت الطالبة باقتراح آخر يقضي بتجزئة الرواية الى جزأين ومطالعة جزء منها فيما تطالع شقيقتها الجزء الآخر، ثم تتبادلان رواية الاحداث. من خلال هذا الاقتراح نكتشف مدى غرابة وطرافة اسلوب تفكير الجيل الحالي من الفتيات، وكذلك مدى قصور مستوى ثقافتهن ووعيهن الى درجة مخيبة للآمال – بحسب اقبال جاسم – مديرة المدرسة التي لا تمتلك ابنتها مروة اي رغبة في مطالعة الكتب او مواكبة البرامج الثقافية والمعلوماتية وتكتفي بمشاهدة المسلسلات التركية والافلام الهندية مبررة ذلك بمللها من المطالعة وتحررها، من الامتحانات. وتشكو عفاف فرحان /مهندسة من وجود فراغ ذهني وثقافي لدى فتيات اليوم لعجزهن عن ملء اوقات فراغهن بهوايات نافعة، واكتفائهن بمشاهدة التلفاز واستخدام الانترنت لغرض التسلية والمتعة فحسب، فضلا عن الثرثرة في الهاتف والتجول في الاسواق، مؤكدة افتقاد معظم الفتيات الى صفات كانت تتزين بها مثيلاتهن من الاجيال السابقة كالصبر والطموح وحب المنافسة والرغبة في تعلم الكثير من الاشياء المفيدة والبحث عن المعرفة.

جهد اضافي

لم تعد المناهج الدراسية وحدها تحقق النجاح المطلوب، لذلك يلجأ الطلبة غالبا الى الاستعانة بالملخصات والدروس الخصوصية، ولا يقتصر ذلك على اشهر العام الدراسي بل يمتد احيانا ليشمل العطلة الصيفية لدى طلبة الصفوف المنتهية للحصول على معدلات جيدة، فيتلاشى لديهم الاحساس بحلاوة العطلة كما تقول ديما سعيد التي تحلم بالحصول على معدل يؤهلها لدخول كلية الصيدلة، مما يضطرها الى الالتحاق بدروس تقوية في المواد العلمية الاساسية طوال العطلة الصيفية، لأيمانها بأن تدريس المناهج العلمية بطريقة تكديس المواد وتراكمها على الطلبة لم يعد يفي بالغرض، وباتت الحلول الفردية تتفوق على المدرسين الذين تراجع مستوى تدريسهم كثيرا خلال السنوات الاخيرة. وتستغل ديما اوقات فراغها القليلة في مساعدة والدتها في شؤون المنزل واستخدام برامج «الفوتو شوب» في حاسوبها الالكتروني الالكترونية لتطوير قدراتها في هذا المجال بهدف اختيار دراسة علوم الحواسيب في حال عدم حصولها على الصيدلة.

حالات

في عيادة احد الاطباء، تعمل مي عبد الكريم /17 عاما سكرتيرة وتستقبل المراجعين طوال فترة ما بعد الظهر من دون ان تفارقها كتبها المدرسية. وتفرح مي لحلول العطلة الصيفية لأنها ستتفرغ لعملها بعدما حققت النجاح في بلوغ السادس الادبي رغم الصعوبات التي واجهتها خلال الامتحانات، لكنها تشعر بالحسرة ايضا لرغبتها في الاستمتاع بالعطلة بطريقتها الخاصة دون الاضطرار الى قضاء نصف يومها في عيادة الطبيب للحصول على راتب يساعدها على اتمام دراستها ويعين والدتها على تربية اخوتها الصغار بعد مقتل والدهم على ايدي العصابات المسلحة، واضطرار الام هي الاخرى الى العمل منظفة في احدى المدارس الابتدائية. وتحلم مي بدخول الجامعة من دون أن تفكر في مغادرة مقعد السكرتيرة او تهمها نظرات الاندهاش والمواساة التي تتلقاها من بعض المراجعين، ذلك أن طموحها يلغي مشاعر التأثر بنظرات الآخرين ويمدها بالقوة والرغبة في تحدي واقعها.

واذا كانت مي تنوي مواصلة العمل خلال الدراسة فان رواء ستكتفي بمساعدة خالتها في صالون الحلاقة الذي تملكه خلال العطلة الصيفية مقابل أجر اسبوعي يساعدها على جمع مبلغ مناسب تشتري به لوازم دراستها الجامعية، بعدما ارهقت والدها بنفقاتها ونفقات اشقائها طوال العام الفائت. وتشعر رواء برضى عميق لقدرتها على مساعدة والدها عدا استمتاعها بالعمل في صالون الحلاقة لأختلاطها بالمجتمع واتساع صداقاتها مع فتيات في مثل سنها، وبالتالي فلن تشعر بالملل خلال العطلة وستحصد المتعة والفائدة معا.

على العكس من رفيقاتها، ل اترحب طيبة/16 عاما بقدوم العطلة الصيفية لأن اشقاءها يفرضون عليها سجنا من جدران منزلها وسجانه والدتها، وحجتهم في ذلك هي الخوف عليها من مخاطر الخروج والاختلاط. ولأنها وحيدة بين اشقائها فالمدرسة تعني بالنسبة اليها الاحتكاك بفتيات في مثل سنها ما يعوضها عن وحدتها ويمنحها الامل ببلوغ مجال ارحب بعد دخول الجامعة العام المقبل.

ولا تحبذ مديرة مركز الرافدين للأنترنت آمال حسن عزل الفتيات عن العالم الخارجي طوال العطلة الصيفية لوجود منافذ عديدة حاليا يمكنها الافادة منها، كمراكز الانترنت ومعاهد تعليم اللغات والحاسبات فضلا عن وجود جمعيات نسوية تستقطب الفتيات فقط، وبهذا تحقق طمأنة الاهل الـذين يرفضون اختلاط بناتهم بالجنس الآخر واستقبال العديد من المعارف وتعلم الحرف وممارسة الهوايات المختلفة في تلك الجمعيات والمنظمات.

من جهتها، تجد نظيرة علي/ ربة بيت في العطلة الصيفية فرصة طيبة لتعليم بناتها فنون الطبخ والشؤون المنزلية المختلفة، لأنها تؤمن بوجوب استعداد الفتيات جميعا لاستقبال الزوج الذي قد يظهر فجأة ويطالبها بانجاز واجباتها الزوجية على اتم وجه. في الوقت الذي تسخر دانيا لطيف طالبة في معهد الفنون الجميلة من هذه الفلسفة وتفضل استغلال عطلتها في تعلم كل ما من شأنه منحها كيانا مستقلا وشخصية ممميزة، وهي تقضي نهاراتها في تعلم قيادة السيارة في احد معاهد تعليم قيادة السيارات عدا محاولة تطوير موهبتها في الرسم والاستعانة بالحاسوب لممارسة هواية تصميم الازياء التي تعشقها وتحلم بتحويلها الى حرفة عبر افتتاح دار خاصة بها لتصميم الازياء في المستقبل. ولا يفوت دانيا بالطبع مشاركة اهلها نزهاتهم ورحلاتهم طالما انها تعني العطلة الصيفية بالنسبة اليها فرصة للحيوية والمرح والفائدة.

ورغم تعدد الامزجة والطباع والهويات والرغبات لدى فتيات اليوم فهناك حقيقة تؤكدها معظمهن وهي صعوبة استغلال العطلة الصيفية في تلبية جميع طموحاتهن لقلة مراكز الشباب التي تستقبل المواهب الرياضية والثقافية والفنية، ولقصور نظرة المجتمع الى حق الفتاة في تحديد ملامح حياتها واختياراتها فضلا عن عجز الفتيات عن الخروج الى الاماكن العامة مع صديقاتهن فقط ومن دون مرافقة الاهل. مع ذلك، تأمل العديد منهن أن تنال الفتاة العراقية حصتها من الامان وثقة الاهل، ليمكنها بالتالي استغلال ايامها كلها من العطلة الصيفية فقط بما يحقق لها الفائدة والتسلية والمرح في آن.

الأسبوعية العراقية في

19/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)