تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

سينما الاغتصاب مشاهد عري لجذب المشاهد لشباك التذاكر

فيصل عبد الحسن من الرباط

لفت أنظار المهتمين بالفن السابع في الوطن العربي، منذ فترة التسعينات ظاهرة في السينما العربية أخذت تسود على ما سواها من ظواهر في هذا الحقل المهم من حقول الفن، هي ظاهرة سينما الاغتصاب، أو السينما التي تحاول أن تحيا على ظهر حالة مرضية إنسانية، لا تمثل في حياة الناس في مجتمعاتنا العربية، الإسلامية، سوى نسبة ضئيلة لا يعتد بها، ولكن هذه الأفلام أخذت هذا الحيز من الاهتمام، لأنها صارت بديلا للتنفيس عن الكبت الجنسي، لأعداد كبيرة من المراهقين والشباب، التي لا تجد ملاذا للتنفيس عن عواطفها، ومكنوناتها غير ظلام قاعات العرض، لتطالع نماذج شائهة لعلاقات تتم في الظلام تحت التهديد بالإيذاء الجسدي أو عن طريق تخدير الضحية، أو عن طريق ابتزازها، وهدف مخرج الفيلم الوحيد رفع إيرادات الفيلم، حتى لو أضطره ذلك لحشر المشاهد حشرا ومن دون دواعٍ فنية، مما يحول هذه الأفلام إلى نوع من أنواع البورنو" أفلام الجنس"التي هي بالفعل موجودة في الغرب كنوع مستقل، إضافة إلى نوع آخر هو عروض "التعري قطعة قطعة" ولكلا النوعين جمهوره الخاص، ولسنا هنا في صدد الدعوة لأي منها، لأنها نتاج مجتمعات لها تسلسل تاريخي تطوري خاص بها، وبما فرضته عليها ظروفها القيمية الخاصة بها، أن التباس مفهومي سينما الجنس وسينما الاغتصاب، في السينما العربية، جعل الكاتبة المصرية أمل عريان فؤاد تشمِّر عن ذراعيها وتقدم لنا كتابا مهما عن هذا النوع من السينما العربية، وأن تضع النقاط على الحروف في أهداف وتبعات ذلك على السينما الجادة العربية، وعلى أجيالنا العربية الشابة، التي تتأثر كثيرا بالصورة المرئية أكثر من تأثرها بأي شيء آخر، إلى درجة أنه تم تحويل أعطاء معظم المهارات في الجامعات العالمية لطلابها، إلى البث الفيلمي التلفزيوني، عوضا عن الكلمة المطبوعة أو المسموعة.

الاغتصاب في التأريخ

لقد كانت عقوبة العرب في الجاهلية لمقترف جريمة الاغتصاب، ونرى مبلغ تشددهم في هذا الآمر بالرغم  من كفرهم واستشراء الفساد الديني، والأخلاقي بين الأفراد، وانتشار دور المباءة التي ترفع  راياتها الحمر، للإعلان عن نفسها كأمكنة للعهر، تقول المؤلفة أنهم لم يكتفوا بمعاقبة الرجل المغتصب، بل عاقبوا المرأة أيضا، وحجتهم في ذلك هو توقعهم أن تقاوم المرأة المغتصب حتى الموت، ولا تستسلم. وكانت أبشع عمليات الاغتصاب تقع بعد انتهاء المعارك بالنصر فقد كان من عادة الإغريق كلما فتحوا مدينة قاموا بتوزيع نسائها فيما بينهم، "كذلك فعل اليهود ولكن من الملاحظ أن اليهود لم يحتفظوا إلا بصغار الإناث، أما الكبيرات المتزوجات، فكانوا يتخلصون منهن بالقتل لرغبتهم في تنشئة الإناث الصغار تنشئة يهودية" ص6 لقد تشدد القدماء في معاقبة المغتصب، لأنه في نظرهم لم يرتكب جرما واحدا، بل عدة جرائم هي: انتهاك الحرمة، والزنا، وخلط الأنساب...وكلها كانت من الآثام البشعة التي لا تغتفر في نظرهم، ولهذا فالعقوبة لديهم كانت بشعة هي الأخرى:" إخصاء الجاني" وفي الديانة اليهودية تكون العقوبة: الرجم بالحجارة.

أما المجتمع الروماني فلم يعرف الزواج الذي يختص فيه الرجل بامرأة واحدة، فقد كان ينسب الأبناء   لأمهاتهم باعتبارها الطرف، الذي لا يشك احد في أن الأبناء جاءوا منها، أما الأب فقد كان مجهولا للآخرين، وبالتالي فان حالات الاغتصاب في المجتمع الروماني نادرة جدا، لعدم الحاجة إليها!
تحدد المؤلفة تعريف جريمة الاغتصاب في وقتنا الحاضر،فتقول: نستطيع أن نقول إن جريمة الاغتصاب تحدث نتيجة لعوامل مختلفة  يتفاعل بعضها مع البعض في ظروف معينة، فليس شرطا أن تلعب العوامل نفسها الدور ذاته في كل جريمة، وهذا النوع من الجرائم ينشأ بتفاعل مجموعة من العوامل منها ما هو شخصي ومنها ما هو مجتمعي.

عارضات الأزياء

وقد تناولت المؤلفة في كتابها، أفلام الحب الأولى في السينما المصرية، كفيلم "زينب" المأخوذ عن  رواية بالاسم ذاته، وكذلك فيلم "بين الأطلال"، "إني راحلة"، وأغلب قصص يوسف السباعي، ووسادة إحسان عبد القدوس الخالية، وأعطت مثالا للسينما الأجنبية، التي تتناول العلاقة العاطفية بشكل رومانسي، مؤثر من دون أن تنحدر للإسفاف بجنس رخيص، ومناظر عري مبتذلة، فقد ظهرت في السبعينات رواية الكاتب الأمريكي المعروف، أريك سيجال"قصة حب "وكان لهذه الرواية أثرها المدوّي، الذي لم يخطر على بال، وقد تحولت الرواية إلى فيلم شهير وناجح هز مشاعر الناس في الدنيا كلها، وأثار سؤالاً عن سر نجاح هذه القصة الرومانسية، التي تحكي حكاية عاشقين شابين في العصر الحديث، وتناولت الكاتبة ما يحبه الجمهور الأمريكي في أفلام الاغتصاب أن تكون نماذجه من عارضات الأزياء، الرشيقات الصغيرات في السن، بينما في دول أخرى، مثل ايطاليا وفرنسا  تقدر وضع المرأة بكونها زوجة وأما، فإلى قبل عشرة سنوات كانت على سبيل المثال صوفيا لورين، نموذج الجنس المثالي للايطاليين، رغم اقترابها في ذلك الوقت من الستين عاما في العمر، وكذلك كاترين دينوف، وجين مورو، أما في الدول العربية فتختلف النظرة من وقت لآخر، وفقا لازدواجيتنا الجنسية المزمنة، فنحن نميل إلى النساء المجربات ذوات الخبرة، ولا مانع أن يكن يمثلن دور العاهرات، أو الراقصات أو الممثلات، وفي معظم الأحيان يتمنى الجمهور العربي رؤية الغليظات، الطويلات، الممتلئات شحما ولحما بوجوه مدورة بيضاء، وفاقعات الماكياج!

سينما الاغتصاب

وقد تناولت الكاتبة فيلم" الليلة الأخيرة"،الذي قامت ببطولته فاتن الحمامة، وعدتها في عداد المغتصبات في هذا الفيلم من خلال خداعها، فزوج أختها استغل فقدانها للذاكرة، وأوهمها بأنها زوجته، لتستمر تحت يده أموالها..وهكذا عاشرها على هذا الأساس الباطل، الذي تم بالخداع، وهناك  حالة أخرى شبيهة، وهو ما حدث ليلى علوي في فيلم "زمن الممنوع" للمخرجة إيناس الدغيدي، وذلك تحت تأثير المخدر وشم الهيروين: سلمت نفسها لشاب في "الغرزة" وكذلك ما حدث لسيمون في فيلم " الهجامة" عندما منحها صبي المعلم جرعة هيروين، وحقنة ماكس ثم قام باغتصابها، وكذلك ما حدث في فيلم" بيت القاصرات" من اغتصاب" سماح أنور تحت تأثير تناولها للمخدر، وفيلم "المغتصبون" لسعيد مرزوق وفيلم " اغتصاب" لعلي عبد الخالق و"الأوباش" لأحمد فؤاد. 

الجريمة والعقوبة

 لقد حاولت المؤلفة وعبر صفحات كتابها،من الإجابة على سؤال مهم، وذلك من خلال رصدها جريمة الاغتصاب السينمائية، والبحث فيما إذا كانت ضرورة فنية تحتمها، أم هو مجرد مشاهد عري تجاري محض لجذب المشاهد إلى شباك التذاكر؟! وقد تناولت المؤلفة الاغتصاب  وعقوبة هذه الجريمة في القانون المصري ص25 : أن الجنس لا يعني الاغتصاب، والاغتصاب في كثير من حالاته لا يعني ممارسة الجنس، وفي تعريف قانون عقوبات المصري للاغتصاب أنه" مواقعة أنثى بغير رضاها" وذلك وفق المادة 267، والتي تنص على أن من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإشغال الشاقة  المؤبدة أو المؤقتة.

فصول الكتاب

لقد تناولت في كتابها سينما الاغتصاب من خلال خمسة فصول رئيسية، كما قسمت الفصول إلى عنوانات فرعية، فقد جاءت كالأتي: اغتصاب على الشاشة.. اغتصاب في الواقع، وناقشت موضوع الفصل عبر ثلاثة محاور هي: السينما..المرأة:الشرارة الأولى، لماذا اقترن الاغتصاب بالجنس؟، مأزق التعبير بين الكاتب والمخرج، سينما مقتبسة ..جنس واغتصاب،التعبير السينمائي...والضرورة الفنية: التفكك الأسري والاجتماعي،الفساد السياسي وفقدان الحرية، نكسة حزيران1967،انفتاح واغتصاب في كل الأزمنة، الرقابة عيون لا تنام:السلطة والرقابة، تطرف الثمانينات وأفلام ممنوعة، رقابة الأزهر، الرقابة في مرآة السينمائيين، وختمت كتابها بشهادات لمخرجين وكتاب ومنتجين، لهم تجاربهم في سينما الاغتصاب المصرية.

أهمية الكتاب

وتنبع أهمية كتاب "سينما الجنس...سينما الاغتصاب" للكاتبة أمل عريان فؤاد، من كونه كتاباً أعاد طرح ذاتنا العربية من خلال سينما سكتنا عنها طويلا، ولم يتم تناولها إلا عرضا في بعض الدراسات والنقود السينمائية الجادة، بالرغم من كون هذه السينما صارت سوقا واسعة، تغذي صالات السينما العربية، بما هو مؤذ لأجيالنا الصاعدة، ووسيلة رخيصة لحرف هذه الأجيال الشابة عن أهداف سامية تطمح مجتمعاتنا في سباق التطور المخيف مع المجتمعات الأخرى، أن تجعلهم ذخيرتها في التعلم وتطوير الحياة بما يقلل الفقر، ويحصر التخلف في أضيق نطاق ممكن، ومن المعروف أن الدراسات الميدانية أثبتت أن هذا النوع من الجرائم في مجتمعاتنا من اقل الجرائم، ولم نعان كما تعاني من هذه الجرائم كشعوب الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية، التي ترتفع فيها كل سنة جرائم الاغتصاب بمعدلات مخيفة، وذلك ناتج عن نوع المعتقدات التي نؤمن بها، كمسلمين، ونوع الحياة الأخلاقية التي نعيشها، وما تتيحه لنا من حلول لمعالجة الجانب الجنسي في حياتنا المجتمعية، كالزواج المبكر، وتعدد الزوجات، وما تفعله الأسرة من تلقيح مبكر لأطفالها بفكرة الحلال والحرام، وتقاليد إرثنا القبلي، الذي نتناقله جيلا بعد جيل.

*سينما الجنس ..سينما الاغتصاب../الناشر وكالة الصحافة العربية/ القاهرة/سلسلة نوافذ/ 146صفحة من القطع المتوسط 

faissalhassan@hotmail.com

إيلاف في

25/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)