تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

شحاتة الذي ليس إنساناً.. وليس ملاگاً

ماجدة موريس

هل كان شحاتة غافلا للحظة عن شرور إخوته ورغبتهم في الخلاص منه؟ أم أنه أحبهم كما لم يحب أحدا قبله أبناء أبيه لدرجة الاستسلام للموت علي أيديهم؟.

وهل ما فعله شحاتة هو مفهوم السلام الذي نبحث عنه جميعا، أم أنه استسلام صريح لمن بادره بالكره والعداء منذ اللحظة الأولي.. وهل يدعونا الفيلم - في النهاية - إلي محبة العالم بلا شروط، ومهما نكل بنا، أم أن علينا أن نهلك ونموت لنؤكد هذه المحبة، ونصبح رمزا لها.. في فيلم «دكان شحاتة».

يطرح علينا المخرج خالد يوسف والكاتب ناصر عبدالرحمن هذه الأسئلة من خلال رؤية تصل إلي موت البطل شحاتة «الابن الأصغر» بيد شقيقه الأوسط «سالم» أمام الأكبر «طلب» في الاحتفال بفرح ابنه، لم يكن شحاتة مدعوا للفرح وإنما خارجا من سجن طويل وضعه فيه أخواه بتآمرهما عليه لإبعاده عن اقتسام ثمن بيع الدكان والبيت الذي تركه الأب إرثا للجميع، ولم يكونا وحدهما وإنما شاركت في المؤامرة شقيقتهما «نجاح» بالصمت «حتي لو كان السبب تحريض زوجها» لكنها شريك أساسي بهذا الصمت في السرقة والتزوير والظلم بل إنها لم تذهب لزيارته مرة واحدة طوال سنوات سجنه، فأي قلب قاس هذا الذي يدعي الحب بعد ذلك؟.. أما «بيسة» حبيبة شحاتة وخطيبته التي رفضت بإصرار شقيقه سالم ورفضت غيره ممن تقدموا لها أو حاول شقيقها البلطجي «كرم غباوة» فرضهم عليها، فإننا نشعر ونري كمشاهدين أنها قاومت بما يكفي من أجل الارتباط بحبيب لم يقاوم بعد أن فقد الحماية كلها عقب موت أبيه، بل علي العكس استسلم للعداء والشر، لقد ذهبت «بيسة» وحدها لزيارته مرات بصفتها خطيبته، ثم انقطعت بعد أن آلت لشقيقه سالم من زواج أقرب للجبر والاغتصاب، قبل أن يدفعها القلق والشوق لزيارته بعد زواجها مرتدية النقاب، كانت تريد رؤيته بدون أن يراها أو يدرك ما حدث، لكنها فرت.

إن أزمة «دكان شحاتة» الكبري هي في رغبة صناعه في المزج بين الرمزي والواقعي علي نحو متعسف، وفي رغبة ناصر عبدالرحمن وخالد يوسف علي استباق الأحداث وفرض نهاية مقحمة عليها.. ففي قصة شحاتة وإخوته استيحاء وتأثر واضح بقصة النبي يوسف - عليه السلام - وأولاده، فالأشقاء يكرهون أصغرهم ويودون موته، ولكن، علي مستوي الدراما والقصة هنا، لا توجد أسباب قوية لهذا العداء، بل واهية، فالأب سمي دكانه علي اسم الابن الذي كان سببا في الحصول عليه وعلي رزق جاء من الله ولم يكن يتوقعه حين أعطاه صاحب القصر الذي يحرسه هبة بمناسبة مولد الصغير، وبالتالي زيادة عدد عياله إلي أربعة، أعطاه أرضا إضافية لبناء حجرة ثانية توسع عليهم، ومكانا لدكانه يبيع فيها فائض فاكهة الحديقة.. تصرف صاحب القصر تجاه عامله هنا يبدو خيرا مطلقا قريبا من العدل الإلهي، كما يبدو - من جهة أخري - متربطاً بزمن جميل كان الأغنياء فيه يعرفون معني التكافل والرحمة والبر بالفقراء، وحين لمح «مؤنس بك» انحياز حجاج الأب تجاه ابنه الأصغر «لأنه الأكثر عطفاً عليه والأكثر ضعفا» نصحه بالعدل بين أبنائه.. وفي تأمل هذه القصة ودلالاتها يبرز الرمز واضحا علي المستويين الديني والسياسي، ويزداد هذا طوال الفيلم حين يسلك شحاتة سلوكاً أقرب للملائكة وأبعد عن البشر تجاه شيطانين مؤذيين هما أخويه، وشيطانة صامتة هي أخته وشياطين مساعدة هي كرم والبرص وغيرهما، وطوال الفيلم نسأل أنفسنا لماذا يتسامح شحاتة لهذه الدرجة.. هل هو المسيح؟ بل هل هو من البشر أساسا؟ ذلك لأنه قادر علي رد الإساءة وإيقاف المعتدين كما فعل مرتين، مرة تجاه إخوته، ومرة بعد خروجه من السجن وهو يدافع عن البرص.. ولكنه فعل هذا من قبيل إثبات المقدرة ليس إلا، إنه قادر.. ولكنه لا يريد.. قادر علي إنقاذ نفسه.. ولكنه لا يريد إنقاذها.. هذا هو الموجز في حدوتة شحاتة ربما ليصل الفيلم إلي نهايته كما يريد المخرج معبرا عن أن العالم الذي لا يحتمل براءة واستقامة شاب مثله لا يمكنه إلا أن يكون عالما علي وشك الانفجار.

وهو ما حدث في مشهد النهاية بعد مصرع شحاتة وهجوم الصيع بقيادة البرص علي الفرح والمدعويين، ثم امتداد الفوضي إلي خارج المكان وظهور رجال الجماعات وكل البلطجية والفرق التي تنتظر لحظة البداية.. ولأن المخرج حريص علي تأكيد الرمزين السياسي والديني في فيلمه، فإننا في هذه النهاية لابد أن نمزج بين يوم الفوضي، ويوم القيامة من خلال هذا الهجوم التتري علي القاهرة وشوارعها ومظاهر الحياة فيها، وقد زرع المخرج لنهاية فيلمه مبكرا، بل منذ ما قبل التترات حين بدأت الأحداث بمولد شحاتة في المنيا وعودة الأب به إلي القاهرة في ليلة مصرع السادات وحظر التجوال، لكننا قبل هذا أيضا كنا قد رأينا فوتو مونتاج للجرائد يؤرخ لأحداث مصر السياسية منذ عهد عبدالناصر، وليؤكد الفيلم في حدوتة بطله أن شحاتة الذي كتب اسمه علي دكان أبيه أيام البراءة، وأمسك بدفاتره ليضبطها ويحمي الدكان في أيام عبدالناصر قبل أن يتم إبعاده وتغييبه في أيام الانفتاح ليصبح البديل هو توكيل سيارات لأخويه وثروة طائلة ورشوة لمن يخفي مكانهما عنه، وحين يخرج يكون الحال قد تغير، والشارع قد أصبح موقعا للعنف، والناس تغيرت، وحين ضاعت آثار إخوته توصل إليهم بعد حركة عنف أو جدعنة كانت هي طريقه إلي لغة الشارع الجديدة، وحين ذهب يطلب السلام والمحبة وبيده ما احتفظ به طوال سنوات السجن، بطاقة أبيه الشخصية وشريط السيرة الهلالية، كان زمنه قد فات ليتلقي الرصاص.. لأن رسالته لم تصل وإن شعر بها «طلب» لحظة موته.. انه بالتأكيد ليس بشرا وإنما ملاكا يرتدي ملابسنا.. أي شحاتة وليتركنا الفيلم أمام أسئلة وعلامات استفهام أكثر مما بدأ به، لكن بعد مشاهدة ممتعة كانت تصبح أفضل لو قل زمنه قليلا، ولو أصبح شريط الصوت والمؤثرات والغناء الذي أقل صخبا ومساحة لأننا افتقدنا لحظات من الصمت كانت ضرورية أحيانا، يلفت النظر هنا الأداء الرفيع للثنائي الفذ، محمود حميدة «الأب» وعبدالعزيز مخيون «مؤنس بك» كما تؤكد غادة عبدالرازق جدارتها كممثلة تزداد نضجا ويقدم صبري فواز في دور طلب نفسه لأول مرة ربما في دور كبير بعد سنوات طويلة من العمل في صمت بلا فرص حقيقية، ويؤكد عمرو عبدالجليل في دور «كرم غباوة» مقدرته وموهبته الكبيرة، كما يطرح محمد كريم نفسه في أدوار أكبر وأهم، أما عمرو سعد فهو وجه مميز تماما يثبت أن الحياة المصرية قادرة دائما علي تقديم المواهب إذا ما أحسن الباحثون عنها الإنصات لنبض الواقع، أخيرا هيفاء وهبي الممثلة المجتهدة في دور بيسة، وصاحبة الوجه الجميل والحضور الجذاب، وقد كان كل هذا جديرا بنتيجة أفضل للفيلم، في حال التزامها فقط بمظاهر الشخصية التي قدمتها، الملبس والمكياج.

الأهالي المصرية في

20/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)