تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الحرب التى خاضتها السينما

أفلام النكسة التى صنعها الشامتون والشتامون

محمود مسعود

قبل أن نخوض فى غمار التحقيق عن موضوعية العلاقة السينمائية التى ربطت التناول السينمائى وأحداث نكسة يونيو 76. 

علينا أولاً أن نتأمل عدداً من المحاور اللافتة والتى اجتمعت ربما بفعل المصادفة على كيفية هذا التناول وحدوده وملامحه «وإن كنت أشك فى عنصر فعل المصادفة هذه..» ذلك لأن التوافق فى ملامح التناول وأسلوب العرض وزمنه وحتى أسماء صناع الأفلام تؤكد بصورة قاطعة أن هذا المنهاج يسير وفق خطوط خارطة معدة سلفاً ومتفق على جميع منحنياتها وهو الأمر الذى قد ينفى عنها فعل المصادفة بل يضفى على هذا التناول تلك الخصوصية التى لم تحقق سينمائياً فى الماضى الحروب الأخرى التى خاضتها مصر وتناولتها السينما منذ عام 84: 3791. 

أول هذه المحاور: 

قلة الأفلام التى تناولت هذه الحرب رغم ما خلفته من نتائج قد توصف بالكارثة ورغم انعكاس تداعياتها على كل منحنى يمس بصورة مباشرة الواقع الحياتى للمواطن المصرى بل إنه مس مساً مباشراً الجغرافيا والتاريخ والثقافة الوطنية التى تمثل كينون هذا الوطن، وبالتالى ومن واقع الافتراضية التى تقرر بحكم الضرورة ارتباط السينما بالجماهير باعتبارها أحد فنون الفرجة المرتبطة بالحس والعقل الإنسانى فقد كان على صناع الشريط السينمائى أن يضعوا هذا الحدث الفارق موضع المعالجة والتناول لكى تطل الجماهير من خلال نافذة الشاشات الفضية على تداعيات هذا الحدث وانعكاساته وربما أسبابه أيضاً. خاصة أن السينما لم تتوقف عن إنتاج شرائطها بل إن معدل إنتاجها زاد وبشكل ملحوظ فى أعقاب أحداث النكسة والمواسم التى تلتها فقد كان عدد الأفلام التى أنتجت فى عام النكسة 43 فيلماً ازدادت فيلماً واحداً فى العام التالي. ثم قفزت فى عام 96 إلى 14 فيلما لتصل فى عام 07 إلى 05 فيلماً. 

إذن فالإنتاج السينمائى لم يتوقف والجمهور لم يهجر السينما..!! 

ومن هنا طرح هذا التساؤل وبقوة لماذا خاصمت السينما هذا الحدث الفارق فى حياة المصريين..؟ 

وظلت علامات الاستفهام تلك عالقة!! 

جانب آخر يشير إلى نوعية التناول السينمائى للموضوعات التى حملتها الشرطة ما بعد أحداث النكسة حيث لم تتغير أساليب التناول. ولم تظهر ملامح التأثير بمقتضيات الحرب أو تداعياتها أو انعكاساتها على الواقع السياسى والاجتماعى المصري. هى المسيطرة على فكر صناع الشريط السينمائي.. للدرجة التى أحاطوا بها السينما بتلك العزلة عن واقعها ومقتضيات أحداثه التى يجب أن تعايشها على أى من نوعية الأفلام التى تم إنتاجها منذ عام 76 وحتى عام 17 ولم تفرض القيادة السياسية موضوعات بعينها يلتزم بها صناع الشريط السينمائى تتواءم أو تتلاءم وزمن الحرب. 

والطريف أن الفيلمين اللذين تعرضا للمواجهة الرقابية، حيث فسرا على نحو سياسى فقد كان إسقاط الرؤية عليهما بمناخ ما بعد الحرب وهما. «ميرامار، شيء من الخوف» والاثنان تم إنتاجهما عام 96 وعرضا بتصريح خاص من عبدالناصر شخصياً. 

إذاً فخصام صناع الشريط السينمائى لواقع ونتائج حرب يونيه لم يكن هناك ما يبرره موضوعياً خاصة فى ظل حماسة وطنية ترجمت أبعادها حرب الاستنزاف التى اشتعلت فى أعقاب أحداث النكسة مباشرة لكى يحقق مقولة مؤكدة نصها.. أن المعركة لم تنته بعد. 

والغريب فى الأمر أن جميع المؤسسات الشعبية والرسمية قرأت هذه العبارة جيداً.. عدا السينما. 

المحور الثانى وهو يشير إلى المصادفة التى جمعت عرض الأفلام التى تناولت أحداث النكسة مع بداية السبعينيات وتحديداً مع المقتضبات التى أحدثها هذا المتغير الذى طرأ على القيادة السياسية برحيل عبدالناصر المفاجئ والمبكر وإسدال الستار جبراً على الحقبة الناصرية بكل تداعياتها وظهور بوادر التمرد من قيادة الجمهورية الثانية وأعلامها على ميراث وموروث ثورة يوليو وخط قائدها. 

والمتأمل للموضوعات أو أسلوب المعالجة السينمائية درامياً وفكرياً لتلك الأفلام سوف يتبين أن الملمح الرئيسى الذى جمع بينها هو الهجوم على الحقبة الناصرية بكل أبعاد تكوينها سياسياً واجتماعياً باعتبارها السبب الرئيسى فى حدوث النكسة.. ولأن هذا هو السبب الرئيسى لهذه المعالجة. وهو أيضاً مفاده صناعة وعرض هذه الأفلام. وهو الأمر الذى خلت معه من المعالجة الموضوعية لأحداث النكسة باعتبارها حدثاً تاريخياً كان له هذا الأثر الفاعل فى حياة المصريين وليس مجرد وسيلة للنيل من الثورة وقائدها. 

وهذا الاتفاق بين هذه الأفلام على هذا النحو ينفى تماماً مقولة «المصادفة» التى جمعتهم وإنما يعكس بصورة مؤكدة رؤية مخطط واضح الملامح محدد الهدف والرؤية وأن صانعى هذه الأفلام أفصحوا عما كانوا يبطنونه من مرض عضال بداخلهم حمل كراهية الثورة وزعيمها هذا المرض الذى أحدث بداخلهم هذا الشرخ الأسود الذى عكسته أفلامهم وسوف يتضح عمق هذا الشرخ لاحقاً فى الأفلام التى شاركوا فى صناعتها وهى التى تزامنت مع ازدهار عصر الردة والحنين الجارف إلى مجتمع ما قبل الثورة والغريب فى الأمر.. أن هؤلاء لا يمثلون من مجتمع الباشوات إلا الأذناب فليس منهم من اقتطعت أبعادياته الزراعية.. أو منهم من أممت مصانعه..!!! لكنه مرض والعياذ بالله. 

المحور الثالث يشير إلى أساليب حمله المباخر التى جعلتها هذه الأفلام منهاجاً لهم فى صناعة هذه النوعية الفليمية التى قد لا يوجد بها توصيف نقدي. إلا أنها أفلام صفراء حققوا بها ذلك الاتهام الذى وصمت به السينما المصرية تاريخياً. 

حيث إن ما قدموه من أفلام سواء تلك التى أرادوها تأريخاً لأحداث نكسة يونيو 76 أو تلك التى وجهوهها سهاماً مسمومة وممقونة إلى ثورة يوليو وإنجازاتها ورمزها. حول عقد السبعينيات فهى نوعية غير مسبوقة فى تاريخ السينما المصرية ربما من حيث الكم ذلك لأن هناك تجربة وحيدة عايشتها السينما المصرية طوال تاريخها حملت ملامح هذه النوعية وقد كتب لها الفشل الذريع. 

ذلك هو فيلم «من فات قديمه» والذى عرض عام 3491 وقام بإنتاجه أحد رجالات حزب الأمة. نكاية فى حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس حيث تناولهما الفيلم بأقذع الصفات وأشنع الاتهامات لكن الرقابة الوفدية قامت بأعمال مقص الرقيب على شريط الفيلم حتى إنها حذفت أغلبه، الأمر الذى جعل منه شريطاً مهلهلاً يحمل مجموعة من الصور المتحركة لا رابط بينها ولا معني.. وهو ما دعا مشاهدى العرض الأول للفيلم أن يهاجموا دار العرض ويحطموا مقاعدها وزجاجها.. ولم تكن هذه نهاية مخرجة والتجربة الوحيدة لمنتجة، هذا هو الفيلم الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى حمل ملامح هذه النوعية الفليمية وتلك كانت نهايته ونهاية صناعه.. لكن الرقابة فى السبعينيات كانت مختلفة عنها فى الأربعينيات حيث إنها كانت تمثل جزءاً من المنظومة السياسية لنظام الجمهورية الثانية وهى التى حملت على عاتقها مسئولية تشويه الحقبة الناصرية ومنجازاتها وكان إنتاج أفلام هذه النوعية وعرضها جزءاً من هذه المسئولية!!! 

ولأن هذه النوعية تفتقد كل عوامل الجذب الجماهيري.. حيث إن كل العناصر تحمل ملامحها من تملق وكذب ودعاية ممقوتة ومبالغات سقيمة وميلو دراما زاعقة كلها عناصر طرد للجماهير. 

ولأن صانعيها يعون تماماً حقيقة واقع أفلامهم.. ويعون أيضاً أبعاد الظرف السياسى الذى تزامن وعرضها. حيث الجميع مهمومون بانتظار المعركة القادمة. 

ولأن عبدالناصر كان يحتل الجزء الأكبر من ضمير الأمة وفكرها. وأن الضغط على الجرح الذى أصاب كل المصريين قد يصبح مادة طاردة للجمهور من هنا كان سبب استخدامهم كل وسائل المشهيات الفلمية الرخيصة بهذا التعامل الجزئى المتجاوز لكل الحدود لمشاهد الجنس والمخدرات. 

وتصور صانعوها أن هذه العوامل قد تكون فى أفلامهم تلك عوامل جذب.. لكن الوعى بهموم المعركة. والوعى الجماهيرى بحقيقة وهدف هذه النوعية الفليمية كان أقوى من كل هذه الترهات الفلمية وبقى عبدالناصر التاريخ ومحنته فى يونيه أقوى من كل وسائل التزييف والشماتة التى صنعوا بها أفلامهم تلك التى سقطت فى غياهب النسيان. 

لماذا الثرثرة؟ 

فى عام 5691 ظهرت رواية نجيب محفوظ «ثرثرة فوق النيل» وكتب أحد النقاد عنها.. أنه لولا عمق التناول الفلسفى الذى أضفاه محفوظ على بناء شخصيات الرواية لكانت مجرد صورة حية لمجموعة من المساطيل لا طائل منها. 

ومن هنا يفرض هذا التساؤل نفسه! 

رواية بهذا التوصيف النقدي.. كيف يمكن أن يتم اختيارها لفيلم المفترض أن صانعيه قد حددوا الهدف من إنتاجه أو على الأقل كان فى غاياتهم أنهم يصنعون فيلماً عن أحداث نكسة يونيو 76 وهذا أبسط أنواع الاتفاق بين فريق عمل أى فيلم حيث إنهم ينفقون بداية على اختيار الـ OVER HAED.... لموضوع الفيلم. 

فكيف وقع الاختيار على هذه الرواية لتكون فيلماً يعبر عن حالة الحرب التى تعيشها البلاد ونوعية القضايا المطروحة. والحوار الدائر هنا والذى يجب أن يكون هناك. 

نحن أمام واقع اجتماعى وسياسى قوامه الحرب أما الرواية فإنها تعيش قواماً مختلفاً تماماً سواء على مستوى الخط السردى أو على مستوى المعالجة والتناول. 

نحن فى عام 5691 - زمن الرواية وعالم ما قبل النكسة - فى مواجهة أمام مجتمع 17 زمن الفيلم وعالم ما بعد النكسة. 

ورغم صعوبة التوافق بين أطراف هذه المعادلة فإن الأمر لم يكن صعباً عند صناع الفيلم فقد كان الهدف من تحقيق هذه التركيبة واضحاً. 

فعالم العوامة الذى يضم مجموعة من المساطيل الغارقين فى إيهام وأوهام الدخان الأزرق هى صورة مؤكدة لمجتمع ما قبل النكسة ذلك المجتمع الذى يعيش فى ظل المنهاج والنظام السياسى الذى أوجدته ثورة يوليو. 

وإذن محفوظ أراد أن يحقق بعداً فلسفياً لهولاء الذين يعيشون على أبخرة الدخان الأزرق فإن صناع الفيلم أرادوها بعداً اجتماعياً يعكس أبعاد نظام سياسى بالدرجة الأولي. 

وكان اختيار ممدوح الليثى، لإعداد النص السينمائى عن الرواية أمراً فرضه النجاح الذى حققه مع «ميرامار» الذى عرض عام 96. حيث استطاع أن يحقق جذباً جماهيرياً من خلال استخدامه للحوار السياسى الساخر على كل الأصعدة والاتجاهات. 

«.. هذا إذا لم نضع فى الاعتبار مدى قرابته لمنتج الفيلم..». 

وتناول الليثى إعداد النص ملتزماً التزاماً يكاد يكون حرفياً بمستويات الخط السردى والحدثى للرواية. وإن كان أمعن التصرف فى بناء بعض شخصيات الرواية. 

وأتصور أن هذا التصرف جاء نتيجة متطلبات الرؤية الإخراجية التى أراد حسين كمال أن يحققها. 

وكان لابد من إيجاد الرابط بين موضوعية الرواية وأحداث واقعها بين خط سردى مجموعة من المساطيل يعيشون على أوهام الدخان الأزرق وواقع اجتماعى يعيش على هموم معركة فاتت وأخرى قادمة. 

ولم يجد الليثى صعوبة فى اختيار ذلك الرابط حيث جسده فى لحظة التنوير تلك التى تصيب «أنيس» بعد زيارته لمدن المواجهة.. وأراد «أنيس» أن يسقط أبعاد لحظة التنوير هذه على بقية أفراد جماعة العوامة.. لكن حسين كمال أرادها غير ذلك حيث حقق بتأكيد العناد مقولة «المخرج عاوز كده». 

وتناول حسين كمال معالجة الليثى ونجح فى تجسيدها على الشاشة بطريقته الخاصة حيث برع فى تجسيد عالم المساطيل بكل صوره وآلياته وممارسته وقد اعترضت الرقابة على الكثير من هذه المشاهد هذا بالإضافة إلى مشاهد الجنس الذى جعلته بمثابة المحرك والدافع لتصعيد الأحداث. 

إلى أن جاءت لحظة التنوير التى كان عليه أن يتعامل معها بشكل يتفق مع أهميتها فى كونها تمثل لحظة التحول الدرامى التى تحقق المفادة الدرامية لمضمون العمل. 

غير أن حسين كمال لم يتعامل مع هذه اللحظة بتلك الجدية المطلوبة فالتعامل معها على النحو المطلوب سوف يقلب موازين أفكاره التى كانت معدة مسبقاً والتى هيأت للهجوم على مجتمع يوليو ونظامه السياسي.. ومن هنا كان تعامله بتلك المعالجة الساذجة المفتعلة التى لعب فيها المونتاج المتتالى الدور الرئيسى حيث توالت مشاهد الخراب والدمار التى أصابت المدينة من خلال عيون «أنيس» وكأنه هو المشاهد الوحيد لها. 

لم تكن النهاية التى اختارها تتفق وأبعاد المعالجة السينمائية التى قام بها الليثى حيث إنها فرضت توجهاً آخر سواء على مستوى الخط السردى أو على مستوى بناء الشخصيات وبالتالى أصبحت النهاية المضببة المعنى التى حققها النص الأدبى لا تتفق وأبعاد هذا المتغير لكن.. ولأنها تتفق وهوى المخرج الذى أراد أن يبقى على عالم المساطيل أن يبقى على عوامل النكسة.. وكأنه يقول إننا لا نستحق سواها. 

الأغنية والممر 

عندما أصدرت جماعة السينما الجديدة التى تأسست عام 86 بيانها الأول والذى تضمن رفض شباب السينمائيين نتائج العدوان ودعوتهم إلى صنع سينما مغايرة تلعب دوراً فاعلاً فى مرحلة البناء التى تعيشها البلاد ما بعد النكسة ومن واقع ترجمة ما جاء فى البيان عن دور شباب السينمائيين.. كان المشروع الأول للجماعة وهو إنتاج أول فيلم سينمائى يحمل ملامح السينما الجديدة التى تدعو الجماعة إلى تحقيقها. 

على الجانب الآخر كان هناك عرض مسرحى يواكب أحداث النكسة قوبل بنجاح جماهيرى عريض حمل اسم «أغنية على الممر» للمؤلف الشاب «حينئذ» على سالم. 

وقررت الجماعة أن تكون هذه المسرحية باكورة مشروعاتها لصناعة الأشرطة السينمائية المغايرة ووقع الاختيار على المخرج الشاب «حينئذ» على عبدالخالق لإخراج الفيلم. 

وتتكاتف كل إمكانات الجماعة لكى تقدم كل قدرات أعضائها من جميع عناصر صناعة السينما من الشباب للعمل بالمشروع ويبذل الجميع أقصى ما لديهم لكى يخرج الفيلم معبراً للصورة العملية لما صدر عن الجماعة فى بيانها الأول من الدعوة لصناعة سينما مغايرة. 

وعلى الرغم من وضوح فقد الإمكانات الإنتاجية فإن استغلال المتاح الاستغلال الأمثل والتركيز على القدرات البشرية، خاصة من فريق التمثيل الذى بذل جهداً عكس، وبصورة صادقة، الحس الوطنى الداخلى لكل أفراد الفريق ونجح عبدالخالق فى أن يعكس مفهوم البطل على المجموعة الصغيرة من الجنود البسطاء الذين استطاعوا أن يحققوا الصمود والمقاومة رافضين لفكرة الهزيمة. 

وأضاف الفيلم نوعية فيلمية جديدة لأفلام الحروب فمنذ أن رصدت السينما أفلاماً عن المعارك التى خاضتها مصر منذ عام 8491 وهى تقدم أفلام الحرب من واقع إطارها السياسى والاجتماعى الأمر الذى قد يكسب هذه الأفلام صيغة الفيلم السياسى أكثر منه فيلماً عن حرب محسومة بمعارك ونتائج. 

أما «أغنية على الممر» فقد قدم صورة لفعل معركة عسكرية فى صورتها المباشرة حيث يرصد الفيلم فى أحداثه إحدى المعارك التى دارت عقب الأيام الستة الأولى لأحداث الحرب عندما واجهت فرقة صغيرة مكونة من خمسة أفراد.. بأسلحتهم الخفيفة هجمات وغارات العدو المستمرة والمكثفة بغرض الاستيلاء على الموقع الذى تسيطر عليه الفرقة الصغيرة إلا أنهم يرفضون تسيلمه إلا بعد استشهادهم جميعاً. 

ومن واقع الخط السردى للأحداث تم لهم ما أرادوا حيث يستشهد الواحد منهم تلو الآخر ولم يبق منهم سوى اثنين لكى يحققوا الصمود والمقاومة والاستمرار وبين طيات هذا الخط برزت الجوانب الإنسانية والسياسية والاجتماعية لكى تحقق «للأغنية» جديتها وتفردها ويحقق الفيلم النجاح الجماهيرى الذى كانت تطمح الجماعة فى تحقيقه واستقبل الفيلم من النقاد حفاوة بالغة لأنه استطاع أن يحقق التفاعل الحقيقى والصادق مع حركة الجماهير وإحساسها بأخبار وأحداث المعركة المعايشة فى وجدانهم قبل عقولهم. 

عرض الفيلم الثالث فى عام 27 أيضاً وهو فى تكوينه وتركيبته ومفادته يعكس الحالة الضبابية التى كانت تخيم على الرأى العام بسبب تضارب الشعارات التى أطلقتها القيادة السياسية فيما عرف بعام الحسم. أو عام الضباب وهو الأمر الذى عكس بتداعياته على تشكيل وصياغة الرأى العام. الذى بات حائراً بين واقع الإعداد للمعركة وحلم تحقيقها. 

ومن هنا كانت الأسباب التى أدت إلى ظهور العديد من التصورات والخيالات والشائعات عن موعد وشكل الحرب القادمة. 

ولم تكن هذه التصورات مرتبطة بشكل موضوعى بأبعاد وإمكانية طرفى المعركة بقدر ما كانت مرتبطة ارتباطاً حسياً ووجدانياً بتصورات الجمهور وخيالاتهم وأمانيهم فيما يمكن تحقيقه على أرض المعركة. 

وكثرت خطط جنرالات المقاهى وانتشرت دبلوماسية سياسيى النوادي.. والطريف أن أذان المصريين استطاعت أن تستوعب كل هذه التصورات لكنها لم تعها. 

ويبدو أن سعيد مرزوق أراد أن يحقق هذه التصورات «صوت وصورة» مجسدة على الشاشة فكانت فكرة هذا الفيلم الذى حمل اسم «الخوف» حيث شارك فى كتابة السيناريو والحوار وهو بطبيعة الحال صاحب الرؤية الإخراجية. 

وتحقيقاً لمقولة حق يراد به باطل فقد استخدم مرزوق حقه فى تجسيد البعد الفكرى للدراما رمزياً مستنداً إلى خطط جنرالات المقاهي.. وعلى المستوى السياسى على دبلوماسية سياسيى النوادى فجاءت الرؤية مهلهلة ليس لها منطق بقدر ما تعتمد على الصياغة المشوشة والمضببة التى تطقها خيالات الجماهير مستندة إلى منطق المتصيد لأخطاء التجربة الثورية التى عايشتها مصر فى ظل منهاج ثورة يوليو المجيدة. 

العربي المصرية في

09/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)