تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

"كارثة غزة".. يدين الصمت الأوروبي

معاذ محمود

يفضح الفيلم الحرب على غزة

العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ومدى عنفه صدم الكثير من المتابعين والمهتمين بهذا النزاع في أرجاء العالم، ولم تكن تغطية الإعلام الغربي على مستوى الحدث؛ بسبب الانحياز أحيانا، والجهل بتفاصيل القضية الفلسطينية أحيانا أخرى.

من هنا جاءت فكرة الفيلم الوثائقي الفرنسي "كارثة غزة.. اليوم التالي" (Gazastrophe..le jour d'après)، الذي يأمل مخرجاه من خلاله أن يفضحا التجاوزات الأوروبية أمام الرأي العام الفرنسي والعالمي عموما.

حول هذا الفيلم، نظم "مركز ثقافات الإسلام" في باريس الجمعة 13 مارس ندوة استضاف فيها المخرجين سمير عبد الله، وخير الدين مبروك لعرض مقاطع من عملهما، والحديث حول ظروف تصويره.

والفيلم، وهو ما زال قيد الإنجاز، يحكي عن حجم الدمار والمعاناة التي خلفها العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة؛ حيث استطاع المخرجان الدخول إلى قطاع غزة في يوم 20 يناير، بعد 48 من إعلان وقف إطلاق النار، وطوال ثلاثة أسابيع، تجول المخرجان بالكاميرا في مدن وأحياء غزة المنكوبة يرافقهما نشطاء حقوق الإنسان في القطاع، وبعض أصدقاء المخرج سمير عبد الله، الذي سبق له تصوير فيلمين وثائقيين في الأراضي المحتلة عن الشاعر محمود درويش، وحصار ياسر عرفات في 2002.

أسلوب جديد

واختار المخرجان أسلوبا جديدا لإنتاج أول تجربة مشتركة بينهما؛ حيث قررا أن لا ينتظرا الانتهاء من إخراج الفيلم (المقرر الانتهاء منه في أكتوبر 2009) لعرضه على الجمهور، فبدءا بتنظيم العديد من العروض التجريبية لعرض بعض المقاطع التي تم تصويرها والتناقش مع الجمهور حولها وحول ظروف تصويرها، كما قاما بتدشين موقع للفيلم على الإنترنت يمكن للجمهور أن يدعم الفيلم من خلاله سواء عن طريق شراءDVD الفيلم مقدما، أو عن طريق التبرع بهبة للمساعدة في إنجاز العمل.

 والسبب الذي دفعهما لاختيار تلك الطريقة، كما يقول سمير عبد الله، أن أي فيلم وثائقي يستلزم تسجيل عشرات الساعات، يقوم المخرج بعدها بغربلتها واختزالها في صورة فيلم لا يزيد طوله عن ساعتين، وهي ما يعني خسارة الجمهور لمادة ثرية لدواع إنتاجية بحتة، خصوصا إذا كان الفيلم عن موضوع كالعدوان على غزة.

 كما أن الفيلم أتى بمبادرة شخصية من المخرجين فهما لا يتلقيان أي تمويل من أي منتج، وبالتالي هما في حاجة لتمويل مباشر من الجمهور بهذه الطريقة لتغطية النفقات، والتمكن من الانتهاء منه.

السبب الثالث أن أصدقاءهم من جمعيات حقوق الإنسان في غزة رجوهم أن ينشروا تلك المقاطع في أقرب فرصة لفضح تجاوزات إسرائيل ووحشيتها أمام الرأي العام العالمي، ولتزويد الناشطين الحقوقيين حول العالم بمادة ثرية تتيح لهم تجهيز ملف قوي ضد إسرائيل في القضايا التي سترفع ضدها؛ بسبب عدوانها على غزة.

ثم يحكي المخرجان عن كيفية دخولهم لقطاع غزة؛ حيث اجتازا معبر رفح من الجانب المصري مع وفد فرنسي من الأطباء والحقوقيين والشخصيات السياسية، كلهم تحت مظلة أنهم أطباء؛ لأن الأمن المصري لم يكن يسمح بالدخول إلا للأطباء.

والطريف أنه حينما سأله الأمن المصري عما يثبت أنه طبيب، أبرز لهم بطاقة التأمين الصحي الفرنسية وانطلت عليهم الخدعة.

وبعد انتظار دام ست ساعات وسط العشرات من الوفود الطبية الآتية من حول العالم للمساهمة في جهود الإغاثة في القطاع المنكوب، تمكن المخرجان من اجتياز الحدود؛ حيث كان في انتظارهما على الجانب الفلسطيني نشطاء "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان".

دمار في كل مكان

وبدأ المخرجان في عرض بعض اللقطات تباعا والتعليق عليها، وأظهر المقطع الأول اجتياز المخرجان الحدود ودخولهما إلى رفح الفلسطينية، ثم جالت الكاميرا عبر الشريط الحدودي مظهرة حجم الدمار الرهيب الذي لحق بتلك المنطقة جراء القصف الإسرائيلي المركز الذي كان يهدف إلى القضاء على الأنفاق، ثم يعرض شهادات السكان الذين جاءهم القصف على حين غرة، وظنوا في أول الأمر أن هناك زلزالا، أو "أن القيامة قد قامت" على حد تعبير أحد السكان.

وتجول الكاميرا بعد ذلك في مدينة رفح؛ حيث نرى مبنى البرلمان الفلسطيني الذي لم يوفره القصف، كما ترينا الكاميرا أكوام البضائع المصرية المهربة إلى القطاع عن طريق الأنفاق.

ثم علق سمير عبد الله على المقطع الأول مشيرا أن غرض إسرائيل من ذلك الاستهداف العنيف للشريط الحدودي هو تحويله إلى منطقة عازلة أو No man's land، ويضيف أن السكان والقيادات المختلفة التي قابلها كانوا يتوقعون العدوان، لكن أحدا لم يكن يتوقع أن يبدأ الهجوم يوم سبت (يوم الإجازة الأسبوعية في إسرائيل)، ولا أن يكون بهذه الدرجة من العنف. فالهجوم بدأ في الحادية عشرة صباحا، أي في ذروة يوم العمل وفي وقت خروج التلاميذ من المدارس، واستهله الطيران الإسرائيلي بـ 2000 ضربة متزامنة بغية التخلص من كل قيادات وكوادر حماس وحركات المقاومة الأخرى، ولما لم تنجح في ذلك، بدأت منذ اليوم التالي استهداف المدنيين بشكل واسع النطاق.

ويرى المخرج أنه من المؤسف أن الإعلام الغربي يحصي الصواريخ الفلسطينية البدائية التي تطلق على جنوب إسرائيل، ويتجاهل الكمية المهولة من القذائف الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين.

ثم يعرض المخرجان مقطعا آخر تم تصويره في قرية قريبة من مدينة خان يونس، ورغم كون المنطقة زراعية بالأساس، إلا أنها لم تسلم من القصف الإسرائيلي بحجة أن مقاتلي حماس يختبئون فيها.

 ويبدي السكان تعجبهم من ادعاء إسرائيل أنها هزمت حماس؛ لأن القصف كان يستهدف المدنيين بالأساس، وغالبية القتلى كانوا من بين المدنيين، كما يظهر في المقطع بقايا قنبلة فسفورية ما زالت مشتعلة وسط الأراضي الزراعية.

ثم يتوالى عرض المقاطع التي تبرز ما خلفه العدوان من دمار رهيب، كما ترى آثار جنازير الدبابات التي دمرت الطرق وجرفت الحقول، ويسمع في الخلفية أزيز طائرات الاستطلاع التي لا تتوقف طلعاتها فوق القطاع.

 كما تعرض المقاطع عدة حوارات مع السكان الذين استنكروا الموقف الدولي الخجول إزاء العدوان، فيقول أحدهم: "لا نريد أن يعطونا نقودا أو يبنون ما ستقوم إسرائيل بقصفه بعدها بقليل، لا نريد أن يبنوا لنا بيوتا يدكها الإسرائيليون فوق رءوسنا، كفى سخرية واستهزاء بنا، ما نريده هو الحرية".

ويقول سمير عبد الله إن ما لم يتمكن من نقله بالكاميرا هو الرائحة: مزيج من رائحة الحريق والجثث المتفحمة والمتعفنة، والمواد الكيميائية المتخلفة عن القذائف، هو مزيج لا يمكن وصفه، بل يشم فقط.

 ويضيف أن الانطباع العام الذي خرج به من مناقشاته مع السكان أن الفلسطينيين من كافة المشارب والتوجهات السياسية توصلوا إلى قناعة مفادها أن الخيار الوحيد الذي أمامهم هو المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ودعا الحضور إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية؛ لأنه مؤمن أن العقوبات الاقتصادية فقط هي التي ستجبر إسرائيل على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

ويقول المخرج خير الدين مبروك أنه لمس لدى أهالي غزة شعورا بأنهم في سجن كبير، وهو ما يجعلهم يتحلقون حول أي غريب يتمكن من عبور الأسوار والدخول إليهم في محبسهم، وانتقد بشدة مساهمة مصر في هذا الحصار، ووصف موقفها بأنه تابع لإسرائيل.

غير أن ما أدهشه خلال زيارته للقطاع هو موقف الغزاويين بعد العدوان: رغبة كبيرة في الصمود والتحدي، واستنكار لصمت المجتمع الدولي، لكن لم يكن هناك أي مشاعر حقد أو كره تجاه الغرب.

ناقد مقيم في فرنسا

إسلام أنلاين في

08/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)