تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فيلم «زوزو».. تبعات الحرب اللبنانية

خالد ربيع السيد

الاربعاء – جدة

في لغة سينمائية تمازج بين الكوميديا والتراجيديا لمغادرة الوطن، فهو يحكي قصة اللبنانيين المهاجرين إبان اشتعال الحرب اللبنانية في السبعينيات، ويتطرق الى هذا الموضوع من خلال إلقائه الضوء على مرحلتين مهمتين من حياة طفل لبناني أجبرته ظروف الحرب هو وعائلته الى محاولة مغادرة البلاد ، إلا أن الموت كان أسبق وحال دون تحقيق رغبتهم، حيث قتلوا جيعاً جراء سقوط قذيفة مدمرة على البناية التي يقطنونها، بقي الطفل «زوزو» وهو الناجي الوحيد يجاهد لكي يذهب الى السويد ليعيش مع جدّه الذي كان له تأثيره الأكبر في تكوين شخصيته المستقلة لا سيما ومجابهته للكثير من الضغوط النفسية والعاطفية.

هكذا يروي الفيلم طفولة «زوزو» (عماد كريدي) وأحلامه بالهجرة على وقع الأسى والكوميديا الممزوجة بدراما الحياة المعاشة. وربما يكمن سرّ إجادة المخرج جوزيف فارس إضحاك الجمهور، في إدراكه أن الكلمات العفوية والمولودة من التراجيديا، هي السبيل الوحيد لتحقيق هذه المهمة التي تستعصي على الكثيرين، فابتعد عن السيناريو المركّب والمعقد والسوداوي ، وعن اللغة الخطابية والخشبية والشعاراتية في التحاور ، واستقى مفرداته من الواقع أيًا كان مستواه، فشكلت الحصيلة النهائية للقطاته، لوحة مختلطة من مشهديات حياة بدت أسيرة أحداث متسارعة لا بل متدافعة شجنًا وأنينًا، دون أن تخلو من لحظات سيريالية، تعمدها المخرج ليخرج مكنونات (زوزو) وتوجساته إلى العلن.

في مجريات الفيلم يستعيد الفتى ملامح طفولته الغائبة حين يتكلم مع كتكوت (صوص أو صغير الدجاج) في لبنان أو طائر في السويد. ولم تقتصر المشاهد الخيالية على محاكاته الحيوانات إنما تعدتها إلى أحلامه وكوابيسه التي أنهكته، فانعكست نضجاً وقلقاً ترجِم تساؤلاته الملحة، ليضع تحت المجهر صعابا واجهت الفتى في لبنان ورافقته إلى السويد، إنما بحلة مختلفة، فبات يواجه رهان الانخراط في مجتمع جديد ومختلف حتى الجذور، عما ألفه في موطنه. فقد تغيّرت أحلام الصغير من النجاة من القذائف، إلى الخلاص من حرب نفسية خاضها لمجرد أنه مختلف عن الأطفال السويديين، فتنبع بذلك الانفجارات من عمقه.

وإلى جانب نجاحه في كتابته القصة والسيناريو، برع المخرج في انتقاء الممثلين واكتشاف طاقات خام لم تكابد العمل الدرامي من قبل. فأتى الفيلم باكورة أعمال جميع من ضم ممثلين باستثناء الممثلة اللبنانية كارمن لبّس في دور والدة زوزو، والممثل الكوميدي شربل اسكندر في دور الوالد. كما نجح الياس جرجي في تجسيد شخصية الجد اللبناني التقليدي باحتراف، فكان له دور أساسي في مساعدة حفيده على متابعة حياته ومد شخصيته بالقوة والثقة بالنفس عبر تلقينه دروسا في الرجولة.

وعلى الرغم من تطرق الفيلم لموضوع لا تزال ذاكرة اللبنانيين مشحونة بتداعياته الحزينة، ولا يزال يمثل كابوسا مقلقا وكئيبا، إلا انه استطاع أن يرسم له صورة لافتة، وخطى درامية ممتعة، وكوميدية متقنة. وكانت قفشاته التي يخرج بها بين الفينة والأخرى متنفسا لدى المشاهد التي يتابع قصة تشكلت من احداث مأساوية ومؤلمة. فاستطاع بكل إتقان أن يمازج بين الكوميديا والتراجيديا، فلا هو الى الميلودراما المفجعة ولا الى الكوميديا المسفة، ليخرج المشاهد من الفيلم ضاحكاً باكياً، يحمل معه الكثير من معاني الإنسانية والهوية الوطنية التي يعيشها الكثيرون ويفتقدون الى الإحساس بجوهرها.

لم يكن للحوارات المباشرة والحادة أي مكان بين حوارات أبطال الفيلم، وحتى زوزو نفسه الذي عاش المأساة بعينها، عاش أيضا طفولة بريئة، كانت سريعا ما تنسى مآسيها إذا وجدت من يسليها. وعلى الرغم من إحتواء الفيلم أحيانا على مشاهد سيريالية وفنتازية كوسيلة الى التعبير عن مشاهد هذا الطفل وآلامه الداخلية إلا انها كانت لا تزال في حدود المعقول، وتجاوزها في أحيان أخرى ويظهر ذلك عندما حاول زوزو الحديث في السويد مع ذلك الطائر كما كان يحادث كتكوته في لبنان إلا إنه فشل في أي تواصل خيالي معه.

الأربعاء السعودية في

03/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)