تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فيلم «ملائكة وشياطين»

محاولة باهتة للمصالحة بين الكنيسة والعلم

* رسمي محاسنة

"ملائكة وشياطين" ( angels and demons) ، احدث افلام المخرج رون هوارد المأخوذة عن اعمال الروائي الاشكالي دان براون بعد فيلمه الاول "شيفرة دافينشي" ، ورغم عدم نجاح الفيلم الاول جماهيريا ، والضجة التي اثارها بدون وجه حق ، نظرا لعناصر الضعف الكثيرة التي احتواها الفيلم ، الا ان فريق العمل يعود مرة اخرى الى رواية "ملائكة وشياطين" (كتبها المؤلف قبل رواية دافنشي كود) ، الامر الذي يثير اسئلة حول هذا الاصرار على اعمال دان براون ، رغم العلاقة الوثيقة ما بين السينما والادب ، واعتماد مخرجين كبار على اعمال ادبية عالمية ، وان السينما اساسا بحاجة الى من يكتب "سينما المؤلف" ، او الاتكاء على عمل ادبي بشخصياته واحداثه ووقائعه ، وتطلق لنفسها العنان بنسج الخيال ، واضافة احداث ، وشخصيات ، او تطويرها وتحويرها بما يخدم وجهة نظر ورؤية صانعي الفيلم السينمائي.

ان اعمال دان براون من المؤكد انها تثير شهية كثير من السينمائيين ، سواء بما تثيره من جدل حول موضوعاتها ، او اقترابها من محرمات. او "ما يعتقده" القارئ انها تصلح لتكون فيلما سينمائيا ، لكن هذه الروايات بما تحمله من كم هائل من المعلومات ، والحوارات اللاهثة والاحداث المتسارعة ، والشخصيات الغامضة ، وكل تلك الشحنات التي تلهب خيال القارئ ، الذي يحول ما يقرأه الى معادل بصري في ذهنه. كل هذا يجعل من مهمة تحويل العمل الى فيلم سينمائي امرا صعبا. رغم كل ما تحمله من مقومات الرواية البوليسية ، والتشويق والاثارة ، ولذلك نجد في الفيلم ان موضوع الرواية الاساسي المتمثل بالصراع ما بين الدين والعلم ، قد تاه بين تلك المطاردات والحركة اللاهثة ، فيما عدا الدقائق الاخيرة التي جاءت فيها المصالحة ، بحوارات مباشرة ، تلقينية وتقريرية مباشرة.

تبدأ احداث الفيلم بنجاح المختبرات العلمية السويسرية في انجاز تجربة تسريع وتصادم جزيئيات لخلق المادة المضادة ، تهدف الى دراسة اصل الحياة ، وبعد نجاح التجربة ، يتفاجأ القائمون عليها بموت العالم المشرف على التجربة ، وسرقة الانبوبة الجاهزة للانفجار بمجرد انتهاء العمر الزمني للبطارية المربوطة بها ، والتي من شأن انفجارها ان يولد دمارا عظيما.

يتزامن ذلك مع موت بابا الفاتيكان بشكل مفاجئ ، واجتماع الكرادلة لاختيار بابا جديد ، ولكن يتم اختطاف اربعة من الكرادلة هم الاقوى ترشيحا لاختيار واحد منهم كونهم الاعلى رتبة دينية من بين الجميع.

يرسل الفاتيكان على وجه السرعة بطلب البرفسور "لانغدون" (توم هانكس) ، استاذ علم الرموز في جامعة هارفارد ، والخبير في تاريخ الفاتيكان والجماعات المناوئة له ، والرموز التي التي تمثل اسرارا على مر العصور ، ويطلبون منه المساعدة للكشف عن اماكن الكرادلة المخطوفين ، وعلى وجه السرعة يصل بطائرة خاصة ، ويقابل رئيس الحرس السويسري في الفاتيكان "ريختر" (ستيلان سكارسغارد) ، ويبدأ رحلة البحث مع عالمة الابحاث النووية "فيترا" (ايليت زورير) ، ويعرف "لانغدون" ان "المستنيرين" هم الذين يقفون وراء عملية الاختطاف ، وزراعة القنبلة ، وذلك تجديدا للصراع القديم بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية ، فهو يعرف جذور الخلاف ، وموقف الكنيسة الحاد منهم ، وما لاقوه من قسوة التعامل ردا على افكارهم التي كانت الكنيسة تعتبرها خروجا عن الدين.

"لانغدون" هو خبير الرموز ، وفي نفس الوقت يحمل نزعة استقصائية وتحليلية ، ولديه القدرة على الربط ما بين الاحداث ، و"فيترا" هي العالمة بشوؤن الذرة ، وتعرف تفاصيل عمل القنبلة المزروعة في مكان ما بالفاتيكان ، وهما امام مجموعة استطاعت اختراق اسوار الفاتيكان الحصينة ، والوصول الى البابا وتسميمه ، واختطاف الكرادلة الاربعة المرشحين لخلافة البابا.

وتبدأ رحلة البحث ، فالوقت يضغط على الجميع ، وكارثة الانفجار على الابواب ، وساحة الفاتيكان الواسعة تزدحم بالناس ، سواء القادمين من مختلف انحاء الدنيا لمتابعة ظهور الدخان الابيض لانتخاب بابا جديد ، او وسائل الاعلام التي ترصد لحظة بلحظة اخبار هذا الحدث. ونقطة البداية تبدأ عند "لانغدون" من احدى كتابات "جاليلو" احد المستنيرين الذين عارضتهم الكنيسة ، والتي اسموها "مذابح العلم" (التراب والهواء والماء والنار) ، وكعادة المستنيرين ، وقدرتهم على ممارسة لعبة التسلل والاختراق والاختباء خلف رموز لايعرفها الا القلة من الناس ، فانهم في ذلك الحين تسللوا للكنيسة عير احد فنانيهم النحاتين"برنيني" ، الذي قام بنحت التماثيل الاربعة على امتداد "روما بشكل عندما يتم مد خط بين هذه الكنائس التي تحوي تماثيل "برنيني" فانه يظهر شكل الصليب.

وسط هذه الاحداث المتلاحقة هناك شخصية يكتنفها الغموض ، وهي شخصية السكرتير الخاص للبابا (ايوان ماكروجر) والذي اصبح هو المسوؤل الاول للقاتيكان حتى يتم الانتخاب ، الذي تبناه مبكرا احد الكرادلة ، وطلب منه ان يتعلم فنون الطيران ، ليصبح طيارا محترفا ، ويتدرج في مناصبه الدينية ليصبح الشخص الاقرب الى البابا الراحل ، والذي يمتلك زمام الامور حتى يتم انتخاب بابا جديد.

ويتم العثور على احد الكرادلة مقتولا ، وعلى صدره وشم المستنيرين ، ويجهد "لانغدون" بالبحث في مخطوطات الفاتيكان عن اشارات تساعده على تقصي اسلوب تفكير المستنيرين ، وتحديد الاماكن التي يحتمل وجود بقية الكرادلة المخطوفين فيها ، وفي ايقاع لاهث ما بين البحث عن المعلومة ، والقنبلة المخبأة التي يحتمل انفجارها في اي لحظة ، فالوقت يمر سريعا ، والمعيقات كثيره امام "لانغدون" و"فيترا" ومعاونيهم من رجال امن الفاتيكان. وكلما يحدد"لانغدون"نقطة ، ويذهب اليها يجد ان القتلة يصفون الكرادلة ، ويشمونهم بوشم المستنيرين.

واخيرا يتم تحديد موقع القنبلة في ضريح القديس بطرس ، وتتولى الخبيرة "فيترا" محاولة ابطال مفعولها وايقافها ، لكنها تصطدم بالوقت القليل المتبقي للبطارية والذي لا يسعفها لايقاف القنبلة ، عندها يتدخل السكرتير الخاص ، ويخطف القنبلة ، ويقود طائرة الهوليوكبتر الموجودة في الساحة (بحكم خبرته كطيار سابق) ويحلق بها الى اقصى مدى في سماء روما ، وسط دهشة الناس وهلعهم ، وفجأة تنفجر القنبلة في الجو وتتطاير شظايا القنبلة ، فيما يتفاجأ الواقفون في ساحة الفاتيكان بنزول "السكرتير البابوي" بالبراشوت وسطهم ، وقد اصيب ببعض الخدوش وسط انبهار الناس بشجاعته وتضحيته.

لكن الامور تسير باتجاه اخر ، فيعرف "شتراوس" كبير الناخبين ، ان السكرتير قد انقذ الفاتيكان ، ويحاول الكرادلة الضغط على "شتراوس" بالمرونة من اجل انتخاب بابا جديد ، بعد تعقيدات لعبة الانتخابات ، لكنه يتمسك بالقوانين وحرفيتها ، وبرفض الخروج على ما تعود عليه الفاتيكان.

ويصل "لانغدون" الى معلومات جديدة ، من خلال تسجيلات سرية ليوميات ووقائع حياة البابا المقتول بالسم ، ومن خلالها يدركون حقيقة السكرتير البابوي وحقيقة دوره ، ويطلب "شتراوس" منه حضور الاجتماع ، ينظران في عيون بعضهم البعض ، نظرة ذات مغزى ، ويشير كبير الناخبين الى امن الفاتيكان ، باخذه خارجا ، ويدرك السكرتير الخاص ان نهايته قد قربت ، فيركض في اروقة الفاتيكان ، واينما تحرك يجد الامن امامه ، ويحاصره ، فيقرر انها حياته ، وفعلا يقوم بحرق نفسه ويموت.

عندها يجتمع الكرادلة ، وينتخبون "بابا" جديدا ، ويتم انتخاب "شتراوس" امينا لسر الفاتيكان ، ويطلق البابا الجديد على نفسه اسم "لوقا" وذلك ايحاء بالمصالحة ما بين العلم والدين ، وتخفيف حدة الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والعلوم. فيما يقوم امين السر الجديد باهداء "لانغدون" نسخة من مخطوطات الفاتيكان النادرة ويطلب منه ان يكتب في وصيته اعادتها لمكتبة الفاتيكان بعد موته.

ويشاهد الناس الدخان الابيض ايذانا بعهد بابوي جديد ، فيما تتناقل وكالات الاخبار ومحطات التلفزة خبر موت "السكرتير البابوي" على اعتبار انه بطل ضحى بنفسه من اجل الفاتيكان ، وببطولته جنب العالم كارثة انفجار القنبلة.

ان التعامل سينمائيا مع اعمال "دان براون" لا بد ان يضع صانعي الفيلم بشكل او باخر في دائرة حواراته وزخمها ، وتدفق المعلومات الذي لا يتوقف ، والرموز الكثيرة التي تملأ العمل الأدبي ، وبالتالي فإن السينمائي يجير جزءا من مخيلته لحساب النص ، بمعنى انه لا يستطيع تجريد الشخصيات تماما ، وخلق معادل بصري سينمائي متكامل.

ورغم ذلك فان المقارنة مع "دافنشي كود" هي في صالح الفيلم الجديد ، سواء من حيث الايقاع ، وغنى مواقع التصوير ، ومشاهد تحمل دلالات بصرية ، كما في مشهد "البروفسور لانغدون" وهو يسبح في البركة ، وتفكيره المشغول بالرموز ، وربطها بكل ما تقع عينيه عليه ، وكذلك عندما يدخل الى مكتب رئيس الحرس السويسري "ريختر" حيث يلاحظ المشاهد تسلسلا لتاريخ الاسلحة منذ ايامها البدائية ، في دلالة تحمل معاني اعتماد الكنيسة على القوة في حماية نفسها.

ولم يبخل منتجو الفيلم باقامة الديكورات الفخمة واماكن التصوير خاصة تلك التي تمثل الفاتيكان من الداخل باروقته وممراته ، ومكاتبه ومكتباته ومقتنياته ، واجهزة التحكم ، والمساحات الواسعة التي تتحرك بها الشخصيات ، والتي تبدو ضآلة الشخصيات ، وبطء حركتها وسط مكان شديد الاتساع ، وله حضوره في مخيلة الناس ، بما يحويه من اسرار وغموض ومكانة دينية.

وتاه الموضوع الرئيسي للفيلم وهو العلاقة ما بين الدين والعلم في مصالحة باهتة ، وحوارات جاءت على لسان "شتراوس" ودلالة اسم "لوقا" للبابا الجديد ، وهي بمثابة اسلوب تقليدي ، وسردي وتلقيني مع نهاية الفيلم.

وفي الاداء فإن الممثل "توم هانكس" لم يقدم افضل ما عنده ، رغم امكانياته وقدراته التعبيرية الكبيرة التي عرفناه بها من خلال افلامه السابقة ، رغم بعض الادوار التي لا تليق بمكانته في بعض الافلام الضعيفة فنيا ، الا انه وضمن ما تسمح به مساحة الدور المرسوم له ، قدم اداء معقولا ، ويبرز كذلك الممثل "ايوان ماكغروغر" الذي قدم دورا مركبا ، والقاتل المحكوم بفكر ينتمي اليه ويؤمن به ويقتنع بأن ما يقوم به هو الحق.

فيلم "شياطين وملائكة" (angels and demons) ، مأخوذ عن رواية دان براون ومن اخراج رون هوارد وبطولة توم هانكس وايوان ماغوير وايليت زورير وستيلان سارزغرد وارمن موللر ستاهل ونيكولا لي كاس.

ناقد سينمائي أردني

الدستور الأردنية في

05/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)