تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

بيار سالفادوري:

العالم يتحول غابة  ونحن نتدبر أمورنا فيها بكل راحة بال وضمير

هوفيك حبشيان

بأسلوب انيق وجذاب يخلو من الابتذال والرخص، يواصل المخرج الفرنسي بيار سالفادوري مهمته في اثارة البهجة، من خلال أفلام ترقى على الكوميديات التجارية، مستخدماً الطرافة وسيلة لامرار الأفكار السوداوية التي لا تغيب عن سينماه المسلية على رغم المظاهر الخادعة التي تسعى الى الايحاء بالعكس.

         في أفلامك تزاوج بين مناخات متعددة، الا ان الكوميديا هي الطاغية...

ــ يعجبني ان اسمع ذلك، لأنني اسعى دوماً الى ان اخلط الأنماط السينمائية كلها في فيلم واحد، وأحب ان أرى في فيلم واحد أنواعاً متعددة من الانفعالات، لأني عموماً اتطرق الى مواضيع ابطالها ليسوا على ما يرام، ويعانون التشرد والإنقلاع والتهميش، وجميع انواع التناقضات والتعقيدات. هذا لأن تاريخ الكوميديا كله يأتي من هنا. فإذا اردت انجاز عمل ابطاله من الطبقة الميسورة ولا يعانون أي مشكلة على الاطلاق، فلا احد سيهتم بما تصوره. أما الشخصيات التي تناضل لتبلغ أهدافها، فأرى في صراعها شيئاً من الشاعرية لأنها تجمع بين الرعونة والشجاعة. احب معالجة المسائل الجدية والخطيرة اذا صح التعبير، بأسلوب فكاهي يخفف من سوداوية العمل، ويضفي عليه نكهة بريئة.

         هل تعني بذلك أن المشاهد يستمتع بالضحك من مآسي الآخرين؟

ــ لا يتعلق الأمر بالضحك "على" الآخرين، بل "مع" الآخرين. لا ادعو الى الاستهزاء بل الى اسلوب سهل لحل المشكلات. ما يثير اهتمامي في الكوميديا انها تملك جانباً هداماً ومخرباً. وفي الإمكان ان نكون ظرفاء حتى عندما نتكلم عن مصائب القوم.

         يبدو لي أنك تذهب في اتجاه الأفلام التراجي - كوميدية التي اشتهرت بها السينما الايطالية في السبعينات، ولا سيما تلك التي اخرجها دينو ريزي وماريو مونيتشيللي.

- هذه السينما اثّرت فيَّ كثيراً. أنا من مواليد كورسيكا، إذاً أنا قريب من ايطاليا. في صغري، كنت أشاهد هذه الأفلام باستمرار وهي استطاعت ان تعكس واقع عصرها بأسلوب ساخر لا أحد استطاع تقليده. الشخصيات في هذه الكوميديات كانت تعلن مأساتها مسبقاً، وهذا سحرها. أحبذ فكرة ان احكي قصة بأسلوب السهل الممتنع ولا اشعر بالراحة الا في هذا الاطار من العمل. هذه طريقتي في قصّ الحكايات. عفوياً، أميل الى اسلوب ظريف لقص روايات لا تمتلك ولو حداً أدنى من الفكاهة. في "بعدكم" مثلاً، نتساءل، هل من الممكن مساعدة شخص وخيانته في آن واحد؟ وهل من الممكن ان نحب احداً ونخونه في الوقت نفسه؟ هذا هو الأمر الأساسي الذي كنا نعمل عليه، انا وكاتب السيناريو. كنا نرغب في كسر الأصول والقواعد. من ناحية، هناك الأخلاقيات التي يتقيد بها الفرد ومن ناحية أخرى هناك الغرائز الإنسانية. انا مهتم بالمعضلة وهي كثيراً ما ترتدي طابعاً انسانياً.

         ما أكثر الأفلام التي عمَّرت في ذاكرتك من تلك المرحلة؟

ـــ قد أقول "الفانفارون" أو "الحمامة" أو "مال العجوز". أفرح كثيراً بالكوميديات الايطالية، علماً انها قامت على فكرة النقد اللاذع. مراجعي ليست "الموجة الجديدة الفرنسية"، انما السينما الأميركية في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أي في العصر الذهبي الذي شهدته الكوميديات الكلاسيكية، من وايلدر ولوبيتش وبلايك ادواردز. قد نجد بنيوية أنغلوساكسونية في العمل الذي اقترحه، واتمنى ان يكون هناك شيء من الروحية الأوروبية في اسلوب السرد.

         في رأيك ما العنصر الأهم لإنجاز كوميديا ناجحة؟

ــ أولاً يجدر امتلاك الشخصية أو الشخصيات ومن ثم الموقف. فعندما تلقي الضوء على رجلين، احدهما يتمتع بشخصية قوية وهو على حافة الهاوية، والثاني يعتقد دائماً أنه مذنب (ما يربط هاتين الشخصيتين هو امرأة)، فهذا موقف هزلي بامتياز. عندما يكون لديك وضع مشابه، يبقى الاهتمام بالحوارات.

         لدينا الانطباع عند مشاهدة أفلامك بأنه كان في امكانك ان تدفع بمعطياتك السينمائية الى ابعد حد لكنك تقرر التوقف في مسافة معينة.

- اعتقد ان في الأسلوب الذي اتبعته، استطعت العثور على التوازن السليم. ولم أكن اريد ان أبالغ في المواقف لتبلغ حدود السوريالية. أردتها شاعرية ومجنونة.

         من أين تأتي رغبتك في التكلم عن الهامشيين؟

- المهمشون حاضرون في غالبية افلامي. هؤلاء اشخاص يحركون شعوري. جميعنا نعتاد عاجلاً أو آجلاً قساوة الدنيا. يتحول العالم يوماً بعد يوم غابة ونحن نتدبر أمورنا فيها بكل راحة بال وضمير. من وقت الى آخر أجد متعة في تناول فصول من حياة اشخاص يجدون صعوبة في التكيف مع شروط عيشهم.

         هل الكوميديا بالنسبة اليك اسلوب سلس لعرض المآسي؟

- نعم، لأن الكوميديا هدامة، لأنها تلمّح وتوحي بأمور من دون أن تفضحها. خذ فيلم "البعض يحبونها ساخنة" مثلاً. هذا الفيلم استطاع ان يضحك الملايين على رغم ان وقائعه دارت في قرية نائية في ألاباما، من خلال قصة طوني كرتيس وجاك ليمون اللذين يتنكران في زي امرأتين. فجأة يفجر بيللي وايلدر المجتمع الأميركي بأسلوب فكاهي. ما تتميز به الكوميديا هو اننا نستطيع لمس الجروح من دون فتح جروح جديدة (...). في اعمالي سعيت دوماً للانطلاق من الشخصيات ومعالجة المواضيع، في حين ان المشاهدين يتوقون الى المواقف الهزلية التي كثيراً ما تأتي على حساب القصة. إنجاز فيلم يعني قبل كل شيء آخر ان نرمي وجهة نظر على الموضوع الذي نصوره، وان يشبه صاحبه الى اكبر حد. هناك نوع من الكسل اليوم في السينما الفرنسية التي تقلّد هوليوود في انتاجاتها الاستهلاكية.

         كونك ممثلاً، هل هذا الأمر ساعدك في ادارة الممثلين؟

ـــ طبعاً، لأن الممثلين يعلمون انني اتفهم هواجسهم ومخاوفهم. فأعمل معهم بحذر كوني مررت بكل المراحل التي يمرون بها.

         هل كنت تطمح الى الاخراج منذ البدء؟

ـــ في البداية كنت أرغب في التمثيل. لاحقاً، أدركت ان التمثيل يطلب من صاحبه ان يخضع لنزوات الآخرين. كنت افضل ان أكون سيد نفسي.

         عملت مع المغدورة ماري ترانتينيان على 3 أفلام. هل كانت لك مشاريع معها؟

ـــ قبل وفاتها كنت عرضت عليها دور زوجة أوتوي. لكنها كانت مشغولة في عمل آخر.

         كيف كان التعاون مع ماري ترانتينيان؟

ـــ (يقولها متأثراً). كان تعاوناً رائعاً. عملت معها في فيلمي الأول. حينذاك لم يكن احد يعرفني بعد. وعندما وافق جان روشفور على المشاركة في الفيلم، اعلنت ماري استعدادها للإنضمام الى الكاستينغ. من شدة اعجابي بها، خلقت لها دوراً في فيلمي الثاني. كانت لدينا مشاريع كثيرة معاً، وكانت شخصاً مقرّباً جداً مني.

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

خمس سنوات على رحيل مارلون براندو

نسخة معاصرة للأميركي الحر

استمر نموذجاً للفكر المتمرد طوال نصف قرن، منذ دوره في "عربة تدعى الرغبة" (1951)، تحت ادارة ايليا كازان، الى تجسيده شخصية الكولونيل الثائر كورتس في "القيامة الآن" لكوبولا الذي يعود اليه الفضل في اعادة براندو الى الحياة السينمائية مع كاراكتير العرّاب الذي شكّل مفصلاً محورياً في حياة الممثل الكبير، المعلم، الذي يعتبره الكثيرون، أهم ممثل عرفته السينما، والذي كتبت عنه الناقدة الاميركية الراحلة بولين كايل، أنه "نسخة معاصرة للاميركي الحر".

لم يكن مارلون براندو الذي ولد في نيبراسكا، في كنف عائلة متواضعة، من أب بائع متجول وأم ممثلة، على هامش الحياة السياسية، بل كانت له مواقف من الكثير من القضايا في أنحاء عدة من العالم. للمثال، ففي عام 1973، رفض براندو جائزة أفضل ممثل عن فيلم "العرّاب" وأرسل الى الحفل امرأة هندية لتعلن للحضور أن "براندو يرفض الجائزة احتجاجا على الطريقة التي تعامل بها هوليوود الهنود الحمر". وقد اتضح لاحقا أن المرأة الهندية هي مجرد ممثلة استأجرها براندو لهذا الدور.
مزاجيته في العمل منتجاً وممثلاً افضت به الى طرد ستانلي كوبريك الذي كان تولى اخراج فيلم "وسترن" عنوانه "وان ايد جاك"، فأنهى براندو بنفسه عملية التقاط المشاهد، وجاءت النتيجة ضخمة على المستويات كلها الا ان التجربة الاخراجية لبراندو ظلت يتيمة، على رغم انه نوّع في اختياره للسينمائيين الذين تعامل واياهم، وغامر في انتقائه أكثر الادوار جرأة، ومثّل دور الرجل الخمسيني في رائعة برتولوتشي "التانغو الاخير في باريس"، وفيه لم يتردد في اظهار مؤخرته، والمشاركة في مشاهد جنسية ساخنة مع ماريا شنايدر.

كان براندو مزاجياً ومتمرداً ومن دون قضية، شأنه شأن سائر ابناء جيله والاجيال التالية، من جيمس دين الى شون بن، اللذين صدّقا الحلم الاميركي، ووقعا في فخه. فتأثيره في رفاق دربه والمشاهدين كان على أكثر من صعيد، والتقنيات التمثيلية التي تجلّت على مستوى ادائه في "عربة تدعى الرغبة" كانت بمنزلة مدرسة للجيل الذي انطلق في مطلع السبعينات، من آل باتشينو الى روبرت دو نيرو مروراً بجاك نيكلسون، ومع كازان طوّر براندو الذي تتلمذ على يد ستيلا ادلير منهجية الـ"أكتورز ستوديو"، وابتكر أسلوباً تمثيلياً طبيعياً يرتكز على الصفات الذكورية، وساعدته في ذلك طبيعته الصلبة في ما يختص المضمون، وانفه المكسور (تعرض لحادثة اثناء التدرب على إحدى المسرحيات)، ونظرته الحادة في ما يتعلق بالشكل. الكثيرون من الذين رافقوا بداياته، وفي طليعتهم ستيلا ادلير، يؤكدون انه لم "يتعلم فعلاً التمثيل بل كان يعرف كيف يمثل، فمنذ البداية كان ممثلاً عالمياً، ولا شيء في الطبيعة الانسانية كان غريباً عنه".

على غرار فيلموغرافياته، لم تكن حياة هذا الرجل حافلة بلحظات الفرح والسعادة المطلقة، وقلما رأيناه ضاحكاً او مشاركاً في سهرات هوليوود وليالي الـ"جيت سيت" الفاحشة والصاخبة.  "العرّاب" الذي رافق كبار الشاشة الهوليوودية تحوّل في ايامه الاخيرة رجلا ينام على سر حياة ربما اعطته ما يستحقه من تقدير على الصعيد المهني، لكن تجربته الانسانية والعائلية والفردية ظلت ناقصة ونالت نصيبها من الفشل، فضلاً عن مشكلاته الصحية التي حولته من رمز للجمال الذكوري، ومعبود اسطوري للفتيات والدراجات النارية ناسكاً بدين الجسد وقليل الحركة.

مطلع التسعينات من القرن المنصرم، كانت المآسي قد ضربت حياة براندو، وشلّت التراجيديا ترابط عائلته، بعد انتحار ابنته شايين نتيجة جريمة كان ضحيتها عشيق هذه الاخيرة، والفاعل لم يكن الا كريستيان، ابن براندو من زواجه الاول، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنين، ونفقات المحاكمة جعلت الرجل على شفير الافلاس، فسجل عودته في افلام اقل شأناً (مثل "دون خوان دي ماركو" و"جزيرة الدكتور مورو" و"ذي سكور")، ويتردد انه كان يقبض راتبه على "الدقيقة"، بحسب بعض العارفين بأسرار الآلهة، و"افتضح امره" مع "سوبرمان" الذي نال فيه مبلغ 14 مليون دولار لبضع دقائق على الشاشة. لم يخف يوماً انه كان يعمل لأجل المال وللمال فقط، وصرّح في اكثر من مناسبة ان التمثيل مهنة فارغة وغير نافعة، وانه يسعى دوماً الى تحجيم دوره في الافلام كي لا يعمل كثيراً.

في كتاب لبراندو عن سيرته، يروي المؤلف كيف ان صاحب الاوسكارين يتوسل لجنة المحكمة كي تنظر الى قضية ابنه "نظرة أب". بيد ان صورة براندو وهو يركب دراجته النارية في "ذي وايلد وان" (1953)، او يقّبل ماثيو برودريك في فمه في "ذي فريشمان"، او يقود الحركة الثورية في "ان ذي وترفرونت" (1954) او "فيفا زاباتا!" (1952)، لا تزال راسخة في الذاكرة السينيفيلية، على رغم ان العديد من الافلام التي انجزت لاسباب مادية صرف سعت من دون قصد الى زعزعة تلك الصورة، مؤكدة ان الزمن حتى لو استطاع تدمير الانسان، فهو يزيده ألقاً من خلال صورته التي تنعكس على الشاشة. اما السينما فبقدرتها على تخليد اللحظة وجعل عمر الكائن اطول مما هو عليه، تعيد الشباب الى امثال براندو وتجعلهم حاضرين في اذهان الوجدان السينيفيلي.

هـ. ح.  

 

آن بانكروفت، الممثلة التي يتغير جلدها بعشر ثوان

عُرفت على نحو خاص بدور السيدة روبنسون، المرأة التي تغوي صديق ابنتها في "المتخرج" لمايك نيكولز، والذي اعطاها مكاناً فريداً في مخيلة جيل كامل من المشاهدين.

دخلت آنا لويزا ايتاليانو، وهو الاسم الاصلي لآن بانكروفت (1931 ــ 2005)، عالم الفن في وقت مبكر، عندما بدأت تتلقى دروساً في التمثيل والرقص في الـ4 من العمر. تذكرت لاحقاً: "ما جدوى اللعب عندما تستطيع ان تغنّي في الشارع؟". مع ذلك، كانت ستصبح تقنية في مختبر لدى مغادرتها المدرسة، لولا اصرار امّها على دخولها اكاديمية نيويورك للفنون المسرحية. عندما اتجهت الى هوليوود في مستهل الخمسينات من القرن الفائت للانضمام الى الممثلين الشباب الآملين في الحصول على دور في أي فيلم كان، كانت قد ظهرت في سلسلة من الافلام التلفزيونية والمسلسلات والمسرحيات. انطلاقتها في السينما كانت في فيلم "لا تتردد في ازعاجي"، عام 1952، ثم مثّلت الى جانب الممثل الاميركي الكبير هنري فوندا في مسرحية "اثنان على الارجوحة"، دور محامية عرضة للاكتئاب وتواجه مشكلات زوجية، فتذهب الى نيويورك وتلتقي فتاة غجرية جذابة. بفضل هذا الدور حازت جائزة "طوني". عام 1964، أطلّت في فيلم "آكل اليقطين" لبيتر فينش، وهو اقتباس من رواية بينيلوبي مورتيمر، يدور على امرأة تتعرض لانهيار عصبي بسبب تصرفات زوجها.

اما أداؤها في "العامل الاعجوبة"، فجعلها تكسب جائزة "أوسكار"، غير ان ابرز ادوارها كان شخصية السيدة روبنسون الفاتنة في "المتخرج"، الذي رشّحها للجائزة الشهيرة مرة أخرى. ولقي هذا الفيلم الترحيب واعتبر هجاءً اجتماعياً ناجحاً. وقد وصفه بوسلي كروثر في صحيفة "نيويورك تايمس" بـ"المدمّر والصاخب"، وحيّا أداء بانكروفت "المزدري والنهم". ما ان تذكر اسم السيدة روبنسون حتى تظهر في مخيلتك صورتها في ملابسها المطبوعة برسوم النمر، وكأس المارتيني، ومغازلتها لداستن هوفمان وموسيقى سايمون وغارفانكل في الخلفية. أبدى اخيراً مخرج الفيلم مايك نيكولز رأيه فيها: "ان مزيج العقل والفكاهة والصدق والمشاعر غير موجود لدى أي فنانة اخرى. وكان جمالها يتغيّر باستمرار مع كل دور، ولأنها ممثلة بارعة، فقد كانت تتبدّل جذرياً في كل دور". اما هي، فأقرّت بأنها لم تحب دورها هذا في البدء. ولكن مع مرور الوقت، بدأت تستمتع به. وذكرت ان الرجال الذين كانت تلتقيهم لم يتمكنوا من التخلص من شخصيتها، فقد أثّرت فيهم كثيراً. لم ينصحها احد بهذا الدور في البداية، لأنه "كان عن الجنس مع رجل اصغر سناً". اما هي، فكانت تعتبر السيدة روبنسون شخصية لم تحقق احلامها واضطرت الى عيش حياة تقليدية مع زوج تقليدي. وقال النقاد انها عبّرت من خلال هذا الدور عن الخوف الذي نشعر به جميعنا.  

عام 1980، بادرت الى الاخراج وكتابة السيناريو في "فاتسو"، مع الكوميدي دوم دولويز في دور البطولة، وهي قصة عن رجل بدين، يقع في الحب ويفقد وزنه، ثم يكتشف انه شخص محبوب سواء أكان بديناً ام نحيفاً. زعمت بانكروفت انها صوّرته لمساعدة شقيقتها التي كانت تعاني مشكلة وزنها الزائد. لكن الفيلم لم يحصد النجاح المتوقع. ظهرت في افلام عدة مع ممثلين معروفين ابرزهم ماريلين مونرو وريتشارد ويدمارك وكورنل وايلد وسوزان هاوارد وفيكتور ماتور. حتى في الافلام المتواضعة فنياً، كانت بانكروفت تتميّز بأداء حسن، وقد ترشحت 5 مرات لجائزة افضل ممثلة. ناجحة كانت في مختلف الافلام التي ظهرت فيها، سواء الكوميدية او الدرامية، مضفيةً روح الفكاهة وقوة الشخصية على ادوار متنوعة، فكان دور الأم يُسنَد اليها غالباً. واتسمت بقدرة لافتة سمحت لها بالحصول على ادوار مختلفة جداً تشمل دور الأم المسؤولة في دير وراقصة باليه ورئيسة وزراء. بصوتها الدافئ ووجهها المعبّر، كانت بانكروفت تظهر تارةً قويّة وطوراً مرهفة، مبدية جهداً متواصلاً في تحسين أدائها ونضج ادوارها على مر العقود. يقول آرثر بن الذي ادارها في فيلمين: "ان الحوادث التي تقرأها في وجهها خلال 10 ثوانٍ، قد تستغرق 10 سنين لتراها في وجوه اكثرية النساء الاخريات".

عملت بانكروفت جاهدةً للعب ادوارها لعباً مقنعاً. فعندما كانت تتمرن على دور المعلّمة في "العامل الاعجوبة"، وضعت عازلاً على عينيها لتفهم جيداً ما معنى ان يكون الشخص اعمى، وتعلّمت لغة الاشارات وامضت بعض الوقت في مركز متخصص لفاقدي البصر. واستعداداً لتأدية دور رئيسة الوزراء الاسرائيلية سابقاً غولدا مائير، سافرت الى اسرائيل للتعرف الى تلك الشخصية عن كثب. فكانت تهتم بالأداء اكثر من النظريات، على رغم انتسابها الى "استوديو الممثلين" (أكتورز استوديو). ولكن قلما عادت الى المسرح، مع انها جذبت الانظار اليها لدى ادائها دور ريجينا جيدنز في الاقتباس المسرحي لرواية "ليتل فوكسز" لليليان هيلمن.

كلما تقدّمت في السن، اقتنعت بأن الايام تعاكسها. ففي مقابلة مع الـ"تايمس"، اقرّت بأنها كانت تقبل الادوار التي تُعرض عليها "حتى لو كانت صغيرة جداً، لأن السيناريوهات الجيدة قليلة، حتى بالنسبة الى جوليا روبرتس". فضلت الادوار الثانوية الجيدة على الادوار الرئيسية السيئة. على سبيل المثال، دورها في فيلم "ماليس"، عام 1993، لم يستغرق الا يوماً او يومي تصوير. "هناك دائماً ادوار جيدة. لعلّك لا تحصل على المال الكافي ولكن مضمون الدور بذاته يشعرك بأن ما فعلته يساوي مئة دور (...). عندما يؤلف احدهم سيناريواً عن الحياة، يسند دور البطولة غالباً الى رجل، لأن معظم النساء يبقين في المنزل للاهتمام بالاولاد. وهذا في رأيي اهم عمل على الارض". وكثيراً ما كانت ترفض العروض من اجل عائلتها. فقد قالت في احد الايام: "اتقاعد بعد كل مشروع، ثم يأتي دائماً احدهم ليقتلعني من تقاعدي".  

في كل ما فعلته بانكروفت، في الأدوار التي اختارتها، والتي لم تقبلها، وفي الصورة التي حافظت عليها والتي رفضتها، في اوقات العمل، وفي الساعات التي كانت تمضيها وهي تصطاد مع زوجها، تميّزت بشخصيتها الفريدة. وقد صرّحت سابقاً ان المنتجين كانوا مهتمين باعطائها صورة مطابقة لصورة مونرو، في حين كانت تريد ان تطور تقنياتها التمثيلية وتسترعي انظار الناس بأدائها وليس بجسمها.

أبدت بانكروفت رأياً واضحاً في ما يتعلق بالنساء اللواتي يحاربن، رافضة تلك الفكرة، مضيفةً: "لا اظن حتى ان المعارك مناسبة للرجال، فكيف تكون كذلك للنساء. ولكن اذا كان من المتعذر تجنب الحرب واذا لم يكن هنالك من حلّ آخر، واذا كان لا مفر من الحرب بالاسلحة... فإني أفضّل الا أتكلّم عن الموضوع". وفي حين اعتبر بعض النقاد والمعجبين ان الشخصيات التي ادّتها جريئة، لم توافقهم بانكروفت الرأي، بل كانت تظن انهم اشخاص يائسون او غاضبون فحسب.  

لم يقتصر نجاحها في الحياة على تواصلها في العمل والتمثيل، بل ايضاً على مثابرتها على صون عائلتها وحياتها الزوجية. وبعد مرور بضع سنوات على زواجها من المخرج ميل بروكس، الذي عملت معه مرات عدة، كانت لا تزال تقول: "لا اقفز من الفرح، ولكني اشعر بسعادة كبيرة لدى رؤيته". بالنسبة اليها، مفتاح السعادة في الزواج كان الجهد والمثابرة.

النهار اللبنانية في

04/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)