تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

هيمنة المثلية الجنسية

ستة أفلام عربية في مهرجان لايبزيغ في ألمانيا

فيصل عبد الحسن من الرباط

عُرضت 6 أفلام عربية،"القلوب المحترقة" لمخرجه أحمد المعنوني، و"ملائكة الشيطان" لأحمد بولان، والفلمان من المغرب، إضافة إلى أربعة أفلام عربية هي: "ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر والفيلم المصري "عمارة يعقوبيان" للمخرج مروان حامد وفيلم " كابتن أبو رائد" للمخرج الأردني أمين مطالقة، وفيلم "ديليس بالوما" للمخرج الفرنسي من أصل جزائري نذير مخناش ضمن الدورة الثالثة لأسبوع الفيلم العربي الذي أقيم في الفترة من 21 إلى 26 ماي، في مدينة لايبزيغ الألمانية، وقد نظمت من قبل مؤسسة "أورينت".

وقد حظيت الأفلام المعروضة في ألمانيا باهتمام رسمي من حيث حضور وفود من السفارات العربية المعنية، وحضور شعبي لافت للجاليات العربية، المقيمة في مدينة "لايبزيغ"، بل وحضرها جمهور عربي من مدن ألمانية كثيرة بعيدة عن "لا يبزيغ" وكذلك من المهتمين بالسينما العربية في فرنسا، وبريطانيا، وكان الأسبوع تحريكا حقيقيا للبرود اللافت في حركة السياحة، لهذه المدينة الألمانية خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وانعكاساتها الخطيرة على وضع السياحة عموما في أمريكا، ودول أوروبية كثيرة، وقد أشادوا بالأفلام المعروضة كفيلم "كابتن أبو رائد" وفيلم المغربي أحمد بولان "ملائكة الشيطان".

نوستالجيا المهاجرين

ولكن السؤال الأهم يبقى محصورا بالمختصين والمهتمين بعرض أفلامنا العربية في الدول الأووبية، وهو عن مدى نجاح هذه الأفلام بعكس واقع صناعة الفيلم العربي، وكذلك أمانة نقل هذه الأفلام، لواقع وحياة المواطن العربي، واهتماماته في واقع يغلي بالفقر، والتخلف، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي في معظم هذه البلدان؟!.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، علينا التأكيد على أن اهتمامات المتفرج الأوروبي، هي غير اهتمامات المواطن العربي! الذي يعيش على أرض الوطن، ولا حتى اهتمامات ذلك العربي، الذي هاجر من وطنه منذ عقود، وتحركه لرؤية هذه الأفلام نوستالجيا خاصة، وقد جاء لمشاهدة العرض ليعيد من خلال مشاهدته، لتلك الأفلام مراتع الصبا ومغامرات الطفولة، لتجديد حمولات ذاكرته، بما ينسيه واقعه الأوروبي في لحظات الصفو، ويعيد له توازنه النفسي، ويلهب مشاعره بعاطفة الانتماء إلى حضارة والى بلد آخر.

ومن هذا فسنتعرف على مدى الخطأ في عرض أفلام لا تمثل واقعا يعيشه المواطن العربي كل يوم، وهو في صراع حياة أو موت من أجل توفير رغيف الخبز لعائلته، وواقع زاخر بالفساد السياسي والتخلف الاجتماعي، والسؤال الذي يتبادر فورا بعد رؤية الأفلام، التي عرضت خلال أسبوع الفيلم العربي، والتي عرضت هنا في الدول العربية قبل أن تسافر إلى " لايبزيغ" ما أهمية أن نعرض لكل هؤلاء فيلما عن المثلية الجنسية كما عرضه فيلم" ديليس بالوما"؟! وماذا ستثير في كل هؤلاء مشاهد مقرفة عن المثليين نساء ورجالاً، والأزقة القذرة، وعلاقات الحشاشين والمخدرين والمخدرات؟!

الغوريلا هي الغوريلا!

 أو ماذا قاله فيلم"القلوب المحترقة" لمخرجه المغربي "أحمد المعنوني"؟! والفيلم يحكي سيرة مضطربة لمهاجر، يعاني من طفولة مهيضة، وتعاسات لا حد لها بسبب غياب الأب واستبداله بالخال القاسي؟! فقصة الفيلم تحكي عن: أمين، المهندس الشاب الذي يعيش في فرنسا، ويقرر العودة إلى المغرب بعد غياب أكثر من عشر سنوات، وبالذات العودة إلى مدينة عريقة هي مدينة "فاس"، لزيارة خاله الذي يوشك على الموت. وهي  الفرصة الأخيرة لأمين، لمساءلة خاله، الذي تبنّاه مباشرة بعد فقدانه والدته. وتنقل لنا لقطات الفيلم اللقاء المؤلم بالأهل، والوطن بسبب المعاملة السيئة التي عانى "أمين" من آثارها في طفولته من جراء قسوة خاله، حين كان يكلفه بأعمال تشبه أعمال السخرة. فيجد "أمين" نفسه من جديد مسترجعا ذكريات طفولة تعيسة. وعلى الرغم من الزيارات المتعددة لخاله، لعله يتمكن من التحدث إليه إلا أن أمله يخيب، بل يعمّق من جراحه. وهذا الفيلم هو عودة للمخرج "أحمد  المعنوني" إلى السينما بعد انقطاع إمتد إلى أعوام.

فالمخرج أحمد المعنوني بعد فيلمه الأول الكبير "الأيام.. الأيام" عام "1978"، الذي كان بمثابة بداية مهمة، للسينما المغربية الحديثة، ثم فيلم "الحال" عام "1981" وكان الفيلم، عن فرقة "ناس الغيوان" المغربية، الموسيقية الشعبية الشهيرة، وشاء المخرج المعنوني تجنب العمل في السينما بشكل أو بآخر، بل والابتعاد أيضا عن أجواء السينمائيين، واجتماعاتهم، في المغرب، واستقر في فرنسا، وانشغل بالعمل في أشياء أخرى بعيدة عن أجواء السينما وشجونها، ويبدو أن الاستنتاج بان فيلم " قلوب محترقة " هو لتلبية رغبة شخصية للمخرج في تسجيل سيرة ذاتية، دون اهتمام بأي شيء آخر، وإظهار جهل وتخلف المغربي "الخال" في الفيلم بشؤون التربية الحديثة، والإجابة ستكون بنعم، فهذا المغربي وغيره من العرب يجهلون ما يبحث عنه السيد المعنوني، وهذا معروف للقاصي والداني، وأنه نتيجة طبيعية لجو التخلف المخيم في أوطاننا العربية، وهو قبح معروف، ولكن ما هو البديل الفني الإيجابي، الذي طرحه الفيلم؟! أنه للأسف لم يطرح بديلا! أنه يقول للغوريلا أنك غوريلا والسلام! وهي ملاحظة نقولها لمنظمي المهرجان، ولمن اختاروا الأفلام المعروضة، في هذا الأسبوع، فهذه النوعية من الأفلام، ليست مطلوبة في ذلك البلد وربما سيكون ضروريا عرضها في دولنا العربية لتجد مأساة "أمين" بطل فيلم"قلوب محترقة" تعاطفا من قبل جمهور محبط بواقعه، المتخلف وبحثه الدؤوب عن نماذج ناجحة سافرت إلى أوروبا، وحققت نجاحا ما، ولكنه للأسف غير ناجح ولا يحقق عرضه شيئا في محيط غير عربي، يبحث عن الفن المدهش في ريفنا العربي، وبين ممرات حقولنا، وتحت قباب مزاراتنا، وأضرحة الأولياء والصوفيين، أفلام تعيد ترتيب الأولويات في حياة مجتمعاتنا العربية التي لا زالت تعيش في ظروف القرون الوسطى التي كانت تعيش مثلها أوروبا قبل قرون.

ملح هذه الأرض

يروي فيلم:"ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر قصة الشابة الفلسطينية ثريا "سهير حماد"، التي ولدت في حي "بروكلين" بنيويورك، وقررت العودة للإقامة في بلدها الأصلي فلسطين، ولكنها بمجرد وصولها إلى المطار الإسرائيلي، حاملة جوازا أمريكيا، تكتشف البطلة، معنى الحواجز الإسرائيلية، العنصرية التي تعني أسوأ أنواع التعسف والظلم، للمدنيين الفلسطينيين، وما تعبر عنه عمليات إغلاق المعابر من سجن حقيقي لكل حريات المواطن الفلسطيني مهما كانت ذرائع ذلك الإغلاق، وفهمت معنى أن تكون فلسطينيا يعيش في ظل دولة عنصرية، ثم تذهب" ثريا" إلى رام الله حيث تلتقي بالشاب عماد "صالح بكري" الذي يحلم بالحصول على تأشيرة للرحيل إلى كندا، فتتناقض المصائر بين عائدة تريد أن تحقق ذاتها، وبين يائس من تحقيق ذاته في وطنه، ويحلم بوطن بديل! أن أبرز ما أثاره هذا الفيلم هو قضية الهوية وتحديدا الهوية الفلسطينية، واستطاع أن يكون سفيرا لبلده في مهرجان "لايبزيغ" بكل جدارة.

عمارة يعقوبيان

تتحفنا السينما المصرية بعمارة يعقوبيان، عن رواية علاء الأسواني التي كتبت فيما بدا لمتتبعي عالم الرواية من المختصين بهيئة "سيناريو فيلم"! وهي أقرب من أن تكون إلى ذلك، ولا تحمل مميزات العمل "الروائي الأدبي" المتعارف عليه، من اللغة الأدبية العالية، وتقنيات العمل الروائي المتعارف عليها من سرد وحوار ووصف، وغيرها من تقنيات العمل الروائي في هذا اللون الأدبي.

الفيلم يبدأ بصور، لداخل عمارة، بوسط البلد حيث يسكن مهندس من الوسط الأرستقراطي المصري، "زكي الدسوقي" وقد ترك عمله كمهندس منذ سنوات كثيرة، ولم يتزوج، وقد تجاوز عمره الستين، وله علاقاته وغزواته النسائية الكثيرة، ومن خلال شخصية "زكي" تظهر تغيرات المجتمع المصري خلال أربعة عقود ماضية، وذلك من خلال عدة نماذج يطرحها الفيلم، رجالا ونساء وترتبط حياتهم بحياة زكي، ومن أولئك الرجال رجل الإعمال "محمد عزام" الذي كان يعمل ماسح أحذية عند مدخل العمارة ثم تحول مع مرور السنوات، إلى عضو مجلس الشعب! وتزوج من أرملة شابة، و"كريستين" صديقة "زكي" ومالكه أحد أشهر المطاعم، وأيضا يبرز دور جيل جديد من المصريين الشباب،الشاب الأصولي، الذي يلتحق بخلية أصولية، ويلقى مصيره وهو يحاول تنفيذ عملية مسلحة، ضد أحد رجال السلطة، والشخصية الحزبية "كمال الفولي" الذي يداري فساده بالعديد من الحيل والتزوير والفبركة، وأبن أستاذ القانون حاتم وهو صحفي يدعى حاتم رشيد يرتب لإقامة علاقة مثلية مع مجند أمن مركزي، وعندما يتوهم أن الحياة طابت له تنشب لدى المجند أزمة ضمير فيشتبك في صراع معه، وتتوالى الأحداث لتعبر عن واقع المجتمع المصري في العقود الأخيرة، وما أصاب الحياة من خلل في القيم والمعايير الأخلاقية لشريحة واسعة من المصريين.لقد إستطاع فيلم "عمارة يعقوبيان" أن يقدم لجمهور المهرجان قليلا من واقعية للمجتمع المصري وما جرى في مصر خلال فترة غيابهم عنه في المهاجر! 

"ديليس بالوما"

يعالج فيلم "ديليس بالوما" لنذير مخناش الدعارة والمثلية الجنسية في المجتمع الجزائري المعروف بكونه من المجتمعات المحافظة، وقد سبق للمخرج "مخناش" أن قدم للسينما الجزائرية أفلاما متميزة، "حريم مدام عصمان" عام 2000 و "فيفا لالدجيري" "تحيا الجزائر عام 2004"، وقامت الممثلة الجزائرية الهزلية المعروفة، "بيونة" بدور عاهرة في الفيلم وتدير شبكة دعارة، وتعتمد كثيرا على فتاة تدعى "بالوما اللذيذة" في الإيقاع بضحاياها، ولا يمتنع الفيلم عن تقديم مشاهد ساخنة تتناقض مع طبيعة المجتمع الجزائري المحافظ .                                       

وحين عرض هذا الفيلم في الجزائر ضج الشارع الجزائري، محتجا، فقد اطلع عبر الصحف على مضمون الفيلم واندهش للتحول المفاجئ، الذي طرأ على ممثلته المحبوبة "بيونة"، وكان "السبب وراء انقلاب بيونة على أدوارها المحترمة في مسلسل "ناس ملاح سيتي"، والقبول بدور "عاهرة" تطلق على نفسها اسم الجزائر، وتدير شبكة للدعارة" كان حسب ما أوردته هي وقتها للصحافة،  حين كانت في لبنان بقولها. إن "ما قامت به في فيلم "ديليس بالوما" هو انعكاس لواقع حقيقي في المجتمع الجزائري، حيث تجبر فتيات صغيرات على البغاء بفعل ضغوط المجتمع"، مضيفة أنه "حان الوقت لكسر التابوهات". ومن المعروف في الجزائر أن الممثلة "بيونة" قد حاولت محاولة انتحار فاشلة عام 1997، وبررت محاولتها وقتها بـ" الفقر والعوز نتيجة قلة مشاركتها في أعمال فنية"، وأعقب ذلك قيام عدد من المنتجين السينمائيين الجزائريين والعرب، الاتصال بها للمشاركة في عدة أعمال درامية وكوميدية، وظهرت "بيونة" بشكل لافت في مسلسل "دار سبيطار" للكاتب محمد ديب، و لمع اسمها بعد مشاركتها المميزة في مسلسل "ناس ملاح سيتي" الفكاهي، الذي عرضه التلفزيون الجزائري في شهر رمضان، لموسمين متتاليين.

سؤال بريء!

ولنا هنا أن نتساءل عن أهمية عرض فيلم كهذا في أسبوع الفيلم العربي في "لايبزيغ"، وهو لا ينتمي للجزائر فعلا بل ينتمي إلى شريحة محدودة من الجزائريين والجزائريات موجودة مثلها، في هامش أي بلد عربي آخر! ولا تمثل مناخا عاما لشعوب عربية محافظة، ونتساءل هنا لإرضاء من؟! تقديم فيلم كهذا لجمهور أوروبي! إنه مجرد سؤال بريء لا أكثر!

faissalhassan@hotmail.com

إيلاف في

01/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)