تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

أميل إلى ممثلين غير مسكونين بالنمطية

قاسم حول: حكاية المغنّي ممتعة وتدعو إلى الضحك، ولكنه ضحك كالبكاء

حاوره عدنان حسين أحمد من لندن

بعد ثلاثة عقود ونصف العقد من الإنتظار عاد المخرج العراقي الكبير قاسم حول الى العراق ليصور فيلمه الروائي الطويل "المغنّي" الذي يُعَّد إنطلاقة جديدة للسينما العراقية بعد رقادها الطويل بسبب الدكتاتورية تارة، وبسبب الإضطرابات الأمنية التي عصفت بالعراق  بعد سقوط النظام الشمولي السابق تارة أخرى. وعلى الرغم من شفافية عنوان الفيلم وإيحاءاته الرومانسية إلا أن أحداث ومضامين فيلم "المُغنّي" تدور حول دكتاتور يحتفل بعيد ميلاده في قصره الباذخ، وبسبب تأخر هذا المغني، ذو الحط العاثر، لظروف قاهرة وخارجة عن إرادته، يستشيط الطاغية غضباً فيعاقب هذا المغني بأن يغني ووجهه صوب الحائط، وظهره الى الجمهور الذين إنتقاهم الدكتاتور حينما كانت مخالب الوحش في داخله قوية، حادة، وقادرة على تمزيق أي مواطن عظيم الشأن في بلد العجائب. وعلى الرغم من قناعة المخرج العراقي المهم قاسم حول بأن السينما هي فن الواقع، إلا أنه إستعمل تقنية تمزج ما بين الواقعية من جهة، والفنتازية من جهة أخرى لكي يستجيب لشروط الواقع الغرائبي الذي إختلقه هذا الدكتاتور المستبد والمسكون بعدد لا يُحصى من الأمراض الخطيرة التي كانت تستدعي وجود طبيب نفساني يرافقه طوال حياته لحظة بلحظة. ومع ذلك فلم يُسمّي قاسم حول هذا الدكتاتور لأنه أراد لفيلمه أن يحمل بصمة إقليمية في أضعف الأحوال لكي ينبه الى المناطق التي تنتعش في الدكتاتوريات بكل أشكالها العسكرية والسياسية والدينية. وربما سيكشف الفيلم عن بصمة عالمية أيضاً لأن الإستبداد يتمدد، مع الأسف الشديد، في أكثر من ثلاث قارات على وجه التحديد. تجدر الإشارة الى أن المخرج قاسم حول دخل الى مدينة البصرة بتاريخ الخامس من آذار بصدد التحضير لفيلم "المغني" وقد إستغرق التحضير قرابة الشهر. وفي السابع من أبريل دارت الكاميرات الفرنسية، وبحسابات الإنتاج كان الفيلم يحتاج إلى تسعة وأربعين يوما للتصوير حسب معدلات التصوير القياسية اليومية، لكن المخرج ومدير إنتاج الفيلم الذي هو بطل فيلم "المغني" عامر علوان، وبدعم  من فناني البصرة والتسهيلات التي قُدمت للإنتاج من قبل المسؤولين العراقيين فقد تمكَّن مدير الإنتاج والمخرج قاسم حول من برمجة التصوير بنجاح فإستغرقت مدة التصوير سبعة وعشرين يوما فقط. ولمناسبة إنتهاء المخرج قاسم حول من تصوير فيلمه في القصور الرئاسية في مدينة البصرة سارعت "إيلاف" للقائه وأجرت معه هذا الحوار المطوّل والذي ستتبعه تغطيات أخرى لقصة الفيلم وأدوار الممثلين والرؤية الإخراجية وغيرها من الاسئلة التي تدور في أذهان القرّاء والمتابعين لتجربة قاسم حول الفنية.

لغة تعبير سينمائية

·         لماذا منحت فكرة الدكتاتور في الفيلم بُعداً عالمياً على الرغم من أن شرارة القصة إنطلقت من بُعدٍ محلي صرف؟

- دائما العالمية تنطلق من المحلية شريطة أن تكون المحلية منجزة وفقاً لمبادئ ونظم قياسية للعمل السينمائي ولإستخدام مفردات لغة السينما. وسينمائيا تعبير العالمية مجازي. هناك لغة تعبير سينمائية قياسية، بمعنى إستخدام مفردات تلك اللغة بطريقة سليمة وصحيحة. دعنا نتساءل أولا لماذا الفيلم العربي  محدود "محلي" بالمنطقة العربية لأن الفيلم قائم على أحداث وحكايات غير مألوفة وغير مفهومة من قبل المتلقي غير العربي وقد تبدو أحيانا مضحكة وخاصة فيما يتعلق بالحوار. فالحوار ليس مكتوبا بطريقة محسوبة ولا ترتبط بمضمون المشهد أو الموقف. هذا في جانب وفي جانب هناك التقنية أيضا غير النظامية وبشكل خاص الصوت فهو لا يصل المتلقي نظيفاً منسابا، فلا يوجد ما يطلق عليه في لغة التعبير تصميم الصوت. فالمشاهد يتلقى صوتا مُربِكا للحس فيما الفيلم القياسي "العالمي" كما يحلو للبعض التعبير عنه يتلقاه المشاهد السينمائي أنيقاً مؤثراً. أنا شخصيا وبعربيتي لا أفهم الكثير من الكلام العربي في السينما العربية وهو يدعو للملل سيما وفيه ثرثرة كثيرة وفائضة لا علاقة لها بالمضمون. هذا إضافة إلى عملية البناء التي فيها الكثير من الخلل بسبب ضعف عملية كتابة السيناريو هذه الحرفة الصعبة والأساسية في العمل السينمائي.

في فيلم "المغني" هناك أحداث تبدو أول وهلة محلية، وهذه ظاهرة موجود في كثير من الأفلام القياسية. فعلى سبيل المثال أن هناك حواراً عندما يبدأ حفل عيد ميلاد الدكتاتور يدور حول سمك الأهوار بين عالم بيئة وعامل مطبعة أصبح متعهداً لتزويد الحفلات بالسمك. الحديث بينهما يأخذ بُعداً إنسانياً كبيرا فهو بسبب الحروب أصبحت مياه الأهوار والأنهار ملوثة ويخاف العامل المثقف أن الظاهرة ستؤدي إلى زرع التلوث في أحشاء الصبايا العراقيات فيلدن جيلاً مشوها. هنا يأخذ الحديث بعداً إنسانياً ويطرح موضوعة وطن وسط أحداث إنسانية خطيرة يتعرض لها وطن وشعب وبهذه البنيوية للمشهد والمشهد التعبيري لحفل العشاء الذي قدمته على حمالة "سَدْية" في غرفة طعام تشبه القبور الفرعونية أخرجت الفكرة المحلية إلى بنيوية جمالية وتعبيرية. ربما تضع المشاهد أمام حالة من الإندهاش ساعدني في ذلك التقنية الفرنسية في الصورة وفي الصوت.

طبيعة غرائبية

·     لماذ إستعنتَ بالمنحى الفنتازي في معالجة القصة السينمائية. هل أن الدكتاتور كان يعيش في عالمٍ غرائبي صرف ولا علاقة له بالمنحى الواقعي مطلقاً؟

- حتى أصل إلى أبعاد غير محلية وحتى أساعد نفسي والمتلقي على إيصال مفهوم الدكتاتورية فإني ومنذ الكتابة الأولى للسيناريو الذي حصل الأولوية في الإختيار للدعم المالي من قبل الآرتي الفرنسية نحوت هذا المنحى الفانتازي الذي يخرجني من المعالجة الكاريكاتيرية السهلة والنمطية الشكلية التقليدية إلى المعالجة الجمالية والتعبيرية في تجسيد المضامين. سيما وأن طبيعة شخص الدكتاتور هي طبيعة غرائبية. فحادثة المغني الذي تأخر عن الحفل ما جعل إبن الدكتاتور "في الواقع" يطلب منه أن يغني ووجهه للجدار قادتني لأسقاط الفكرة على الدكتاتور نفسه. فالفيلم هو بالأساس عن المغني وإسمه "المغني" وبطل الفيلم هو المغني وهو ما يعانيه من غرائبية الدكتاتور الذي يتصرف من شكل مخيلة غير سوية وقائمة على المزاج تؤدي إلى مفارقات تثير الضحك وأيضا تثير ربما الفزع. لقد عمدت إلى تصوير مشاهد لا يألفها الواقع. فالمغني الذي يحيي حفلة ميلاد الدكتاتور أمام ضيوفه ووجهه للجدار من دون أن يعبأ لذلك هي حالة فانتازية وكيف علي أن أعالج هذه الحالة سينمائية على مدى أكثر من ساعة ونصف أن يغني مطرب محبوب ووجهه للجدار حيث يواجهه تمثال الدكتاتور. هناك مشاهد كثيرة ذات طابع فانتازي وكلها إنعكاس لمخيلة دكتاتور مصاب بلوثة سيما وأحداث القصة تدور والبلد غارق في دمار الحرب. هي حكاية ممتعة وتدعو إلى الضحك ولكنه ضحك كالبكاء.

عاش العراق

·     كيف تقيّم هذا الفيلم الروائي الطويل بعد الإنقطاع المؤلم الذي شهدته السينما العراقية منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي وحتى الآن؟ علماً بأن بعض المختصين بالشأن السينمائي إعتبر هذا الفيلم تجربة رائدة في هذا المضمار. ما وجه الريادة فيها؟ وما الذي تتوقعه للفيلم بوصفك مخرجاً وكاتباً للسيناريو؟

- من الصعب الحديث عن الريادة بعد إنقطاع النشاط السينمائي الثقافي العراقي. هو في الحقيقة منقطع منذ أكثر من ثلاثين عاما. فالسينما مشلولة طالما  حرية التعبير ناقصة أو معدومة. صحيح أُنتجت أفلام في حقبة الدكتاتورية وحتى منها فيلمي "بيوت في ذلك الزقاق" ولكنها أنتجت بحرية ناقصة أو بضغوط نفسية عانينا منها كثيراً وقادتنا في النهاية لعملية رفض كاملة قادتنا نحو الهجرة وما سببته تلك الهجرة من عملية توقف الإنجاز الإنساني وهذا ما كانت ترمي إليه الدكتاتورية أن تقطع  العلاقة بين الأجيال في عملية التواصل الإنسانية والطبيعية للحياة وما تعطله من القدرات في شتى المجالات. السينما العراقية مرت بظروف قاسية طوال فترة تاريخها منذ بداية الأربعينات وتعطلت كثيراً بسبب التحولات السياسية القسرية. فالعودة إلى ثقافة سينمائية ليست سهلة وأنا في تجربتي هذه ليست سوى واحدة من مبادرات يقوم بها سينمائيون شباب جديرون بالنهوض الكبير في ثقافة الوطن المرئية. لا أدري ربما بسبب طبيعة الفيلم وجرأته في التناول، أو بسبب حجم التقنية الفرنسية التي توفرت في الصورة والصوت. فأخترقت الواقع ومعي زملاء شرفاء وفنانون مبدعون من البصرة والحلة ومن خارج العراق، ذلك ما ساعدني على خوض التجربة وقد جاء من بغداد بعض طلبة أكاديمية الفنون وطلبة معهد الفنون في البصرة لكي يخوضوا التجربة كدرس عملي وساعدوني كثيرا وإكتشفت فيهم مواهب مدهشة وسيظهرون في الفيلم بجدارة واضحة. كان عليَّ فقط أن أخرجهم من النمطية السائدة في الأداء ومن الأداء التمثيلي المسرحي والأداء النمطي التلفزيوني السائد عراقياً وعربيا. فعملت دورة مكثفة على مدى شهر وقمنا بتمارين أكاديمية للتنفس والمشي والحركة حتى إذا ما وصل الفريق التقني الفرنسي كانوا مهيئين للأداء وهذا ما ساعدني على كسب الوقت. وإكتشفت بأن الممثلين الذين مكثوا تحت وطأة الدكتاتورية هم أكثر صبراً وعشقا للإبداع فصبر المكوث وحرمان الفرص قادهم لعمل إستثنائي، لقد أحببتهم وعشقتهم وحب المخرج لممثليه في أثناء تنفيذ الفيلم هو مسألة هامة تنعكس إيجابا على طبيعة الفيلم وعلى حجم حضور الممثل على الشاشة، والمصيبة تكمن عندما يكره المخرج ممثليه. هنا تحل الكارثة على الممثل نفسه وبالتالي على الفيلم. في هذا الفيلم "المغني" قدم فنانو البصرة وفنانو مدينة الحلة الذين يشكلون العمود الفقري للفيلم أنموذجاً لحب العمل والتلقائية في السلوك التي دائما أنظر إليها كمفردة أولى قبل الإبداع وهذا منهجي في إختيار فناني وفنيي فيلم "الإمام الحسين". السلوك والخلق قبل الإبداع. الله سبحانه عندما إصطفى رسوله (ص) قال "وإنك لعلى خلق عظيم" فبالمبدعين الشرفاء سوف تزدهر ثقافة العراق الجديدة. وهنا أود أن أدوِّن بأنه ليس فقط الفنانون هم الذين قدموا درسا في نبل المحبة وعشق الثقافة والوطن، بل أنني عندما خرجت مما نطلق عليه التصوير الداخلي وكان داخل أحد قصور الرئاسة الدكتاتورية وذهبت لتصوير المشاهد الخارجية في منطقة البصرة القديمة وفي شواراع وحارات أبي الخصيب كان الناس في منتهى الدماثة والخلق. كانوا يقفون بعيداً عن الكاميرات ويمتثلون لطلباتي في الصمت والسكوت وكانوا هم يقطعون الشوارع من الجانبين للتصوير وأخذت منهم كومبارس في بعض المشاهد كأن يكون صاحب دراجة بخارية يحمل معه المغني المتأخر عن الحفل على دراجته أو ناس يوقفون المغني للسلام عليه أو نساء يطلبون منه بعض الطلبات .. كلهم كانوا من حارات أبي الخصيب وعندما ينتهي المشهد إعتدت ألا أكتفي بكلمة "ستوب" بل كنت أقول وخاصة عندما ينتهي المشهد بنجاح "عاش العراق" وكانوا يصفقون ويدخلون بيوتهم لتأتينا صواني الشاي والماء البارد. هذا شعب يصنع المعجزات في أقسى الظروف. لقد عشقت العراق أكثر وأكثر في زيارتي الإستطلاعية هذه، ولا أقول الريادية لأن هناك رياديين قبلي من الشباب وأيضاً خاضوا تجاربهم بشجاعة، ولكن تجربتي هذه ربما لها خصوصية في طبيعة الموضوع وجرأته وأيضاً كانت بالنسبة جولة إستطلاعية لفيلمي القادم فيلم الإمام الحسين إن شاء الله. لقد خاطبت مجلس الوزراء وبرسالة فيها خطة عمل أولية لتحويل منطقة القصور الرئاسية الحكومية حالياً إلى مدينة للسينما العراقية ومنها تنطلق الحركة الثقافية ومنها تنطلق مؤسسة كاملة للثقافات وتصبح مدينة سينما وسياحة في نفس الوقت يأتيها الناس ليشاهدوا الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية ويشاهدوا مهرجانات المسرح والسينما ونطلق منها قناة فضائية توجه العراق والعراقيين بعيدا عن الأجندات الخارجية الخبيثة والملوثة.

مشاهد جريئة

·         كيف وقع إختيارك على الشخصيات الرئيسة والثانوية في الفيلم، خصوصاً وأن هناك بعض العناصر شابة ولم تمثل من قبل؟

 - أنا دائما أميل إلى ممثلين غير مسكونين بالنمطية والشخصيات الجاهزة والمكررة، لأن الممثل العربي بعكس الممثل النموذجي في العالم الذي في كل دور يعطي شخصية جديدة ومقنعة. الممثل العربي دائما هو كما هو نفسه، وليس والشخصية المرسومة. هو شخص واحد لا يميزه في أدواره سوى الحوار  المختلف. وهذه إحدى سلبيات الفيلم العربي ومحليته. فأنا أميل وفق هذا الواقع إلى ممثلين غير مسكونين بالنمطية. ولذلك لجأت الى الإعتماد على ممثلين جدد ولأسباب إنتاجية إقتصادية كان أغلبهم من البصرة التي وجدت فيها طاقات مدهشة من الممثلين مجيد عبد الواحد وعباس حمدان ومؤيد عبد السلام والدكتور طارق العذاري والدكتور عبد الله عبد علي  وخلود جبار وحيدر دشر وعصام جعفر وكاظم حسين وعلي عادل وبلال منصور وأياد عبد السيد ورشا الكناني وأحمد جواد وأمين علي نكيل ويوسف صلاح الدين ومصطفى حسين محمد ورجاء جواد وراشد حسين وكثيرين لا يسع المجال لذكرهم . ومن مدينة الحلة إضافة إلى بطل الفيلم عامر علوان هناك ظافر نادر وحميد شاكر وهناك شخصيات قليلة من العراقيين الذي يقيمون خارج العراق وخاصة العناصر النسائية حيث مشاهد جريئة من الصعب على واقع الممثلات العراقيات داخل العراق وفي البصرة القيام بمثيل هذه الأدوار. لقد أدت أثمار خضر وكاترين الخطيب وطارق هاشم وإنعام الجصاص إضافة إلى بطل الفيلم الممثل والمخرج المبدع عامر علوان .. كلهم أبدعوا في أدائهم. وبقي أن أرى نفسي في عملية الكتابة الأخيرة على طاولة المونتاج. وأود أن أعلن من خلال "إيلاف" بأن أغاني فيلم "المغني" وهي أغانٍ تراثية تم أداؤها من قبل الموسيقار والمطرب بشار العزاوي، المقيم في ألمانيا، وتم توزيع الموسيقى من قبله. كما ألفت الإنتباه الى أن الجمهور الكريم سيفاجأ بموهبة موسيقية وغنائية وتوزيع على مستوىً عالٍ يتجاوز فيه الصيغ العربية السائدة.

من عشّاق الفلامنكو

·     أشركتَ في الفيلم راقصة الفلامنكو العالمية كارلا كيرمن. ما دورها وأهميتها الفنية في الفيلم؟ وهل أضفت شيئاً أم أن وجودها كان تزويقياً وطارئا؟ً وهل عانيت من متاعب في الوصول والأداء؟

- راقصة الفلامنكو ليست تزويقاً، بل هي من صلب القصة المكتوبة أصلا. وأنا كتبت القصة عندما  كنت أعمل في أسبانيا وأنا من عشاق الفلامنكو عشقا غير عادي، وكنت في سهرة لحفل فلامنكو فأوحت لي الراقصة بمشهد في القصة التي كنت أكتبها. وهي من صلب قصة الفيلم حيث يهدي السفير الأسباني  رقصة فلامنكو لمناسبة عيد ميلاد الدكتاتور فيما الدكتاتور قد أعد مشهداً تمثيلياً لنبوخذ نصر يدخل القصر على الجمل في أثناء الرقصة فيرتبك الوضع وهو جزء من فانتازيا الفيلم التي أشرت إليها أنت في سؤالك السابق. وقد جلبت راقصة شهيرة وجميلة تعيش في فرنسا وهي كارلا كيرمان وأضفت على الفيلم جمالية حلوة. ولم تكن مشكلتي مع الراقصة في كونها من صلب القصة، بل كانت مشكلتي مع الجمل أن أدخل جملا للقصر وسط الكاميرات وبروجكتورات الإضاءة حيث الجمال ترتعب وتتحول إلى حيوانات عدوانية شرسة وقاسية عندما تجد نفسها في مكان غير صحراوي  وأمام معدات غريبة وأجهزة إنارة. مرة كاد جملاً أن يفقدني حياتي وأنا أصور في الصحراء الليبية عندما شاهد عاكسات الضوء فأصيب بالهيجان والصراخ وهجم علينا وجعلنا والكاميرات شذر مذر. فإحتطت هذه المرة بعد أن جلبت جملاً من منطقة الزبير وأخذت له موافقات كي يمر عبر نقاط السيطرة في ظروف العراق الملتبسة وأدخلته منطقة القصور الرئاسية وجعلت له حراسة لليلة واحدة من قبل طلبة معهد الفنون وهو يركض بإتجاه البحيرات في القصور الرئاسية وجلبت في أول الصباح سيارة إسعاف وطبيب وعدد من الممرضين تحسباً لأي طارئ حيث من الصعب أن أدخل الجمل في قصر منار بالإضاءة والبروجكتورات والكاميرات ولاقطات الصوت سيما وعلي سينمائيا أن أعيد تصوير المشهد لأسباب فنية أكثر من مرة ومرات أخرى بسبب أخطاء حيث مرة نسي البدوي صاحب الجمل أن يغلق هاتفه المحمول وفي قمة المشهد والأداء والمشهد صعب جدا رنَّ هاتف البدوي في جيبه فجعلني أصرخ لأعيد ترتيب المشهد وحركة الكاميرا من جديد. ومرة أخرى وفي قمة المشهد كان على الجمل في اللحظة الحساسة من الأداء أن يقضي حاجته داخل القصر وفي ذروة المشهد فنظفنا المكان وأعدنا ترتيب وتصوير المشهد، وفي المرة الثالثة لم يكن الممثل قد إعتاد ركوب الجمل وبسبب كثرة الإعادات التي بلغت ثلاث عشر مرة من الدخول للقصر والدوران داخل القصر ومن زوايا مختلفة أصيب الممثل بالدوار وحالة غثيان إضطررنا للإستراحة ومعالجته كي يعود للأداء ثانية. وأراد صاحب الجمل في النهاية أن يغادر وهو لم يفهم لماذا الإعادات الكثيرة للمشهد. كان يعتقد أنه سوف يجلب الجمل ونصوره في بضعة دقائق ويعود! سيما وإن مجيئه وعودته محفوفتان بالمتاعب إن لم نقل المخاطر وكنت حصلت له على ترخيص لكي يمر من نقاط التفتيش حيث وضعه قد يجلب الإنتباه خشية أن يكون قد دخل المدينة بسبب عملية إنتحارية!

أما راقصة الفلامنكو فلم يوافق سفير العراق على منحها سمة الدخول وأخبرها والمنتج أن عليهم الإنتظار ثلاثة شهور للحصول على موافقة بغداد. لم يفهم أن عليه أن يتجاوز بعض البيروقراطيات من أجل ثقافة العراق وأهمية الفيلم الفرنسي للعراق. فما كان علي سوى مخاطبة هاتفية لوزارة الداخلية كي تعطي أوامرها لمطار البصرة بدخول راقصة الفلامنكو مع المنتج الفرنسي وبمساعدة وموقف مدير مطار البصرة والأجهزة العسكرية والأمنية التي تفهمت موقفي فساعدوني مشكورين بإدخالهما بدون تأشيرة سفر. وكانت مدة بقاء راقصة الفلامنكو يومين ويوم ثالث للسفر كل ذلك مرتبط ومتزامن مع مشاهد الجمل. ففي اليوم الأول أن تصل وتتدرب على المشهد واليوم الثاني هو التصوير واليوم الثالث هو العودة فجراً وكان عليَّ مرافقتها لتسهيل مغادرتها عن طريق المطار كونها دخلت من دون سمة دخول. كانت فنانة كبيرة حقا جاءت وأدت رقصتها ودورها التمثيلي وغادرت كما الحلم الجميل. حكايتها ليست تزويقية، بل هي من صلب الحكاية الفانتازية ولها ردود فعل درامية في مجرى القصة. المهم جاءت وأدت رقصتها بنجاح وغادرت بعد أن غادرنا الجمل وصاحبه بموافقات العودة حيث أعطيناه هو الآخر تأشيرة خروج مصدقة من القوات الأمنية، رسالة عدم تعرض خلال عودته للصحراء!

مخلوقات آلية

·     كيف تختصر رؤيتك الإخراجية لهذا الفيلم المثير للجدل؟ وهل ينصّب إهتمامك على الشكل والمضمون بالتساوي. أم أنك ترجح كفة الخطاب الرؤيوي على الخطاب السردي والذي يضم بين دفتيه هو الآخر بعداً فنتازياً ممتزجاً بالبعد الواقعي الذي لا يخلو من مفارقات لافتة للانتباه؟

- لا أدري مدى مطابقة الحلم الرؤيوي بالواقع السينمائي. فالسينما هي فن الواقع وهذا ما أؤكده دائما. وحتى المشاهد ذات البعد الغرائبي والتعبيري فهي بالضرورة مشاهد واقعية. فمشهد السمك على سبيل المثال فقط الذي يقدم في حفل العشاء هو مشهد تعبيري حيث الحرب قائمة في البلد وقصة الفيلم تدور في قصر دكتاتور وفي عيد ميلاده والمغني غائب ويبحثون عنه والقصر في حالة توتر وأحداث مثيرة تجري داخله. كل هذه الإشكالات وفي ظروف إنتاجية غير سهلة على الإطلاق علي أن أترك المشاهد وهو يرى كل شيء بوضوح مثل ما عليَّ أن أفسر كل مشهد وأقدمه بوضوح، فالسينما والمتلقي لا يحتاجان إلى إرهاق ذهني. هي متعة مشاهدة سحرية لفن السينما.

نعم البعد الفانتازي والقيمة التعبيرية ممتزجتان بالواقع وبالحقيقة الموضوعية. هذه الفانتازية سمحت لي الخروج من المألوف والقسري فموكب الدكتاتور الذي ليس له إسما في الفيلم  قدمته بدون علم يرفرف على سيارة الدكتاتور التي هي فارغة والدكتاتور يشخر في قصره والناس يقتلون عند مرور الموكب والموكب بدون دكتاتور. وطائرات تحمل الدكتاتور نحو القصر ويتضح أنها بدائل للدكتاتور وهو لا يزال يشخر في غرفة نومه. نعم هذا البعد الفانتازي سمحت لنفسي من خلاله كي أسقط الفكرة على أي زمان ومكان. إبن الدكتاتور ليس طويل القامة كما هو في الواقع، بل هو قصير يحميه مرافقون مخيفون في أشكالهم وهو يحركهم كما تتحرك المخلوقات الآلية. هي تجربة ليست سهلة وكما أسلفت أني سوف أقرر مداها الفكري والجمالي وبنيتها عندما أبدأ الكتابة الأخيرة التي أصممها الآن على الورق قبل الدخول في غرفة المونتاج.

الثقافة هي الباقية

·     إنتظرت سقوط الدكتاتور طويلاً ثم إنطلقت بمشروعك السينمائي الذي نعول عليه كثيراً. صوب أي مهرجان يتطلع إليه المخرج المبدع قاسم حول؟

- أنا لم أنتظر طويلا، بل أجبرت على الإنتظار طويلا، وهذا لا شك عطل قدراتي الإنسانية على أن تكون في مكانها وزمانها الطبيعي. هذه مناسبة لكي أرد على سؤالك هذا وأشكرك على هذا السؤال.

نحن ظُلمنا، ليس فقط الفنانون وأصحاب المواهب، بل أيضا المبدعون في مجالات الهندسة والطب والأدب والفن والحياة الإنسانية بكل تفاصيلها. نحن عانينا من الحيف، كل أشكال الحيف ولا نزال نعاني ونحن نعيش مخاضاً صعباً لا يزال محفوفا بالمخاطر. أن نكون أو لا نكون. أن نعيد بناء وطننا  على أسس حديثة وإنسانية أو نتركه يتساقط مثل أوراق الخريف قطعة قطعة من قلب حنون وجميل. من المؤسف والمدمر أن نرى بلدانا جاءت بالأمس من الصحارى تعيش حياتها الإنسانية بكل أبعادها مستفيدة من ثرواتها ويعيش شعب عريق في حضارته التي تمتد إلى أعماق الحياة الكونية والتاريخية مثل شعبنا العراقي، أن يعيش أطفاله يتامى مشرودون بدون معرفة وأن تمتد أيادي النسوة المحجبات حتى يخفين خجل التسول ينتشرن عند تقاطع الطرقات تمتد أيديهن نحو شبابيك السيارات "الله يطول عمرك .. عندي أيتام" من المؤسف والمدمر والدامي للقلب الحنون أن تخرج الصبايا ويدخلن في حاويات المزابل فجرا ويرمين المزابل في الشارع بحثا عن قناني بلاستيكية فارغة يجمعنها في أكياس سوداء ويبعنها لأصحاب معامل إعادة التصنيع البلاستيكية. من المؤلم والدامي للقلب الحنون أن تكون مدارسنا بدون معلمين ومستشفياتنا بدون أطباء ولا ممرضين. هنا لا بد وأن تلعب الثقافة دورها في مسار الحياة وهي عملية تحتاج إلى تخطيط ولا يجوز أن تبقى في إطار المبادرة الشخصية أو التجريب. علينا أن نبرمج حياتنا الثقافية والإعلامية على أسس سليمة وعلمية وهذا ما عملته أني رسمت كتابة مشاريع الثقافة والإعلام وأعطيتها للمعنيين ساعدني وجودي في العراق على دراسة الواقع ومشاهدته عن كثب. أحاول بإمكاناتي المتواضعة وبيد أضعها في يد زملائي المثقفين أن نعيد بناء الثقافة العراقية حيث دائما أقول "عندما تسقط السياسة يسقط النظام، وعندما تسقط الثقافة يسقط الوطن" علينا العمل على ألا يسقط الوطن، أما الأنظمة فهي زائلة ومتغيرة ولكن الثقافة هي الباقية.

بادرت بتجربتي هذه وإستطعت أن أعمل حركة في مدينة البصرة لم تشمل الإعلاميين والسينمائيين فحسب، بل سرت نحو الكتاب والصحفيين. وكانت تجربة فيها الكثير من المودة العراقية الأصيلة.

الفيلم سوف ينجز هذا العام وسوف يعرض لا أدري في مهرجان أو مباشرة في صالات السينما .. ذلك رهين بنوع ومستوى الفيلم. ورهين بقناعات المنتج الفرنسي (huitelplus) والجهة الداعمة لإنتاج الفيلم مؤسسة (Art France Cinema). كان تواجدي في العراق فرصة لكي أطل بإنتباه شديد على وطني وشعرت أنه بخير والأمل موجود في أن ينهض .. الأمل موجود بقوة. قوى الشر والتخلف تتداعى وقوى الخير والسلام تنهض وإن ببطء ووجل وخوف ولكن مزيد من التجارب الثقافية الشجاعة قد تعيد الوطن للمضي في طريق سوي نحو الإزدهار الذي يستحقه. لقد سجلت تجربتي في فيلم يحمل عنوان "نهاية فيلم" وثقت التجربة بمادة مصورة جيدة طولها ثلاثة وعشرين ساعة لإستخرج منها فيلماً طويلا يبقى لأبنائنا في معاهد السينما وأكاديمياتها عسى أن يكون أحد الدروس نحو عراق لا يمر ثانية بحقبة رديئة ومدمرة في حياته.

صوّرت ما أريد

·     ما حقيقية مشاعرك وأنت تصور " المغني" داخل الوطن الذي ظل مخطوفاً من قبل الدكتاتور وبطانته على مدى ثلاثة عقود ونصف العقد. ما نوع الحرية شعرت بها وأنت تصور فيلمك بلا رقباء وعيون سرية تحصي عليك أنفاسك؟

- والله ياما ذرفت دموعاً حتى كادت المآقي أن تجف. في كل مشهد في كل حارة في البصرة القديمة في أبي الخصيب والناس يدخلون منازلهم وتعود محملة بالشاي العراقي الداكن والماء البارد. ناس جلبوا لنا مهفات تساعدنا على تحمل الحرارة وناس قطفوا من مزارعهم النعنع والريحان والرشاد وأهدونا منها باقات .. هذا شعب لن يتلاشى ولن يموت. أدركت بأن الحرية لا يمكن العمل بدونها. لم أقدم سيناريو الفيلم إلى أية جهة رقابية. صورت ما أريد. صورت حتى الحياة الجنسية لدكتاتور سخيف. صورت جمال المغني والأغنية والناس الشعبيين. كنت أريد أن أصور أكثر، أن أبقى أنتج الأفلام وأدفع بها نحو صالات السينما لتتحدث عن بلادي والحلم المشروع، ولكن ثمة واقع ينبغي تجاوزه من أجل ثقافة عراقية جديدة وجديرة في العراق. كان على سبيل المثال ينقصني مساعدو الإخراج. فهم غير متوفرين في العراق، فمساعد المخرج ليس كما يفهمه البعض بأنه مساعد اليوم ومخرج غدا أو أن المساعد هو مشروع لمخرج قادم. مساعد المخرج هو حرفة تسمى مساعد مخرج مثله مثل المصور ومثل مهندس الصوت. هذه الحرفة صعبة وغير متوفرة في العراق وميزانيتي لا تسمح بجلب مساعدين كثيرين من خارج العراق فكان مساعدو الإخراج متدربين هواة أكثر من كونهم مساعدين وبذلوا جهودا طيبة ما إستطاعوا ولكن تنقصهم خبرة هذه الحرفة الهامة في مجال السينما. كنت حراً في التعبير، ولكني لم أكن حراً في الإختيارات .. عملت وفق ظروف العراق وحاولت ما أستطعت أن أخرج بنتيجة ترضي ضميري والباقي متروك للمشاهد.

حُب الناس

·     كُرم المخرج الكبير قاسم حول بالعديد من الجوائز العربية والعالمية، غير أن التكريم العراقي له طعم خاص. ما وقع جائزة "تاج العنقاء الذهبية" التي كُرمت بها مؤخراً في العراق؟

- نعم للتكريم العراقي طعم خاص فكرمت بجائزة العنقاء في مدينة العمارة وألقيت محاضرة عن السينما هناك مثلما ألقيت محاضرة في جامعة البصرة.

وكرمت بدرع قيادة قوات الجنوب من قبل قائد عمليات الجنوب اللواء محمد جواد هويدي كما كرمت بدرع الثقافة العراقية وكرمت بدرع الجيش العراقي قدمه لي قائد اللواء 14 عزيز الظالمي.

وأكبر تكريم لي هو حب الناس ليس لي شخصيا، بل للمبادرة التي ساهم معي فيها كل من شارك في الفيلم وهم مثقفون شجعان ويستحقون كل خير وكل هذا التكريم لهم وليس لي وحدي.

زيارة ضريح الإمام

·     ما الجهات الداعمة للفيلم؟ وهل فكرتْ الحكومة العراقية بدعم مشاريعك السينمائية القادمة مثل فيلم "الحسين" الذي إنتظرناه طويلاً؟

- الجهة الداعمة لفيلم المغني فرنسية وأعطت رئاسة الوزراء الضوء الأخصر لدعم إنتاج الفيلم وحمايته وحماية العاملين فيه وحصلت على مساعدات عينية من شرطة المرور ومن فوج القصور الرئاسية ومن شرطة المرور ومن القناة العراقية ومن مؤسسة السينما ومن قيادة القوة الجوية والقيادة البحرية بالحصول طائرة وزورق عسكري وعلى دراجات بخارية وأسلحة وخبراء أسلحة وفوق هذا وذاك الحب والحنان والصدق في دعم تجربتنا عسى أن تكون بداية لتجارب قادمة لسينمائيين آخرين نعمل جميعا يداً بيد لإعادة بناء ثقافتنا ووضع العراق في الطريق الذي يستحقه.

وبعد هذا أقول كانت تجربتي في فيلم "المغني" محاولة إستطلاع الموقع لفيلم الإمام الحسين عليه السلام في وقت قريب جداً إن شاء الله. لن يطول الإنتظار هذه المرة أظن إن نهاية شهر رمضان المبارك هي بداية إنتاج فيلم "الإمام الحسين" عليه السلام وبه تكون خاتمة حياتي السينمائية.

لم أحصل على دعم لإنتاج فيلم "الإمام الحسين"، بل أن هناك جهة منتجة سوف تعلن إن شاء الله عن هذه المبادرة التاريخية الحضارية وأنا متأكد أن شعبنا العراقي والطيبين في العالم سوف يقفون موقفا داعما لهذه.

بعد أن أنهيت تصوير فيلم "المغني" وسافر الممثلون والتقنيون. بادرت لإستطلاع مواقع تصوير فيلم "الحسين" والمكان الذي سوف أبني فيه مدينة الكوفة كما كانت أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورتبت شؤون الإنتاج وكتبت خطة العمل الإنتاجية والإعلامية والسيناريو جاهز كتبته على مدى سبع سنوات. وقريباً إن شاء الله بعد أن أنجز مونتاج فيلم "المغني" سوف أعود لوطني وأبدأ أول مشهد لي في الفيلم يتمثل في زيارة ضريح الإمام الحسين عليه السلام أضع رأسي عند شباك ضريحه الطاهر وأبكيه وأبكي عنده وأعده بالوفاء قبل تصوير اللقطة الأولى من الفيلم.

إيلاف في

31/05/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)