تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«هل تتذكر عادل؟» الشريط الجديد لمحمد زين الدين...

رحلة الدار البيضاء بولونيا: حياة مع وقف التنفيذ

الدار البيضاء - مبارك حسني

يحكي الشريط الجديد للمخرج المغربي محمد زين الدين «هل تتذكر عادل؟» قصة واحد من الشباب العربي اليوم، الحالم بالهجرة إلى أوروبا، إيطاليا هنا. وفي انتظار تحقيق هذا يدبر العيش كيفما اتفق من دون ركائز حياتية حقيقية تعتمد على ضمان المستقبل في البلد، طالما أن الفكرة تمكنت منه. عادل هو الشاب وهو المعادل لشاب آخر هو صديقه الحميم، الذي لا يحلم سوى بانقضاء اليومي من دون كثير تفكير أو مشاكل. ومن خلال هذين الصديقين يجزئ الشريط حكايته إلى فقرتين كبيرتين تبدوان غير متجانستين ومختلفتين درامياً وجغرافياً وحتى من جهة المعالجة الفنية. ليس في الأمر ضعف ما أو عدم تمكن من الأدوات السينمائية، بقدر ما يُلاحظ خلل تركيبي غير مفهوم، ولكنه في الوقت نفسه يمنحنا القدرة على طرح الأسئلة السينمائية الراهنة.

يطرد عادل من سفينة أوروبية كان ركبها متخفياً، فيعود إلى الحي طالباً من صديقه إيواءه كما في كل مرة. انطلاقاً من هنا يجوب الشريط رفقة الصديقين حياً شعبياً قديماً في الدار البيضاء عامراً وضاجاً، يلخص الحياة اليوم بالبلد. أناس يهيمون في سبيل الرزق ما بين لحظات الرخاء الموقت وآونات الشدة، مع ما يرافق ذلك من حيل وتواطؤات وهروب نحو ما قد يُعتقد أنه يمنح البال هدوءاً أو سكينة. من قبيل المال السهل عبر التهريب، الهروب إلى التدين ومظاهر الأكثر تطرفاً، عدم المبالاة، البحث عن الحب والجنس. نرى كل ذلك عبر الشخوص الرئيسيين أو الثانويين. عادل يدبر المال عبر العمل مياوماً بالميناء أو عبر صديقه أو عبر بيع جسده المعنيين، ففي إحدى المشاهد المتقنة نراه يصاحب رسامة لبنانية جميلة، ترسمه عارياً وتصادقه في ذات الوقت. يبيع بطاقات هواتف نقالة، وإحداها سيقتنيها أخ صديقه الأصولي، ستكون مفتاح عملية تفجير في إيطاليا. وما بين يوم وآخر يلاحق أخاً له أكبر كي يرحله سراً إلى إيطاليا حيث يقيم، أخ سنكتشف في لقطة عابرة أنه من شواذ ليل الجنسيين. أما صديقه فيكتفي بتعنيفه أو مرافقته أو عشق أخت له غير عابئة، من مراهقات الزمن الأخير، عشقها بصمت وغضب في الوقت الذي يسمح له بذلك الفراغ من عمله في بيع الأشرطة المقرصنة.

وهكذا تنثال وقائع فيلم محمد زين الدين من شخصية إلى أخرى، ومن حالة إلى وضعية، وجلها تمنح صورة لواقع متشعب معقد لا أحد يستطيع القول أنه سعيد فيه. حياة لأناس من كل الأشكال والأوصاف، في مدينة عصية على القبض. الواقعية اللصيقة بالتفاصيل هي ما ترتكز عليها الفقرة البيضاوية هاته، مع تخير الكاميرا القريبة المحمولة على الكتف لخلق التواصل الكثيف والذي لا فكاك منه. كاميرا تصور واقعاً يظل بسيطاً وقريباً ومألوفاً بتفاصيله التراجيدية المقبولة. عكس ما سنراه في الجزء الثاني من الشريط.

الحياة عنف

في هذه الفقرة، ثمة نقلة نوعية، ونلح على الكلمة، لأنه يصعب تأكيد مرور طبيعي من الفقرة السابقة كما قد ينبئ عن ذلك مونتاج عاد ومألوف وسلس. بحيث يُفاجأ المشاهد بانتقال الشريط إلى مدينة بولونيا بإيطاليا، انتقالاً جذرياً. فلا علاقة تماماً بالأجواء المذكورة آنفاً. وبالتالي نلاحظ أن التغيير الجغرافي استتبع تغيراً للعوالم الحكائية والأمزجة بظهور شخوص جديدة. ويحار المرء في التيقن هل الأمر إرادي للمخرج، أم نزوة إخراجية، أم عدم تمكن؟ في جل الأحوال، الثقة موجودة في محمد زين الدين كمخرج غير مصنف وخارج «الجوقة» المعروفة، المتوفر على ذاكرة سينمائية حقيقية ما يطمئننا على كون أمر الانتقال الفجائي هذا له بواعث إخراجية. على أي ما الذي حصل؟

نرى عادل وقد حقق حلمه، وهاجر سراً رفقة أخيه إلى إيطاليا. هذا الأخير نلتقيه وقد صار مقعداً بكرسي وقد أصابه مرض الإيدز وتحول إلى عالة لا تبقي ولا تذر. يرعاه ويتكفل به عادل في أوقات الحضور بالمنزل. في أوقات الخروج والغياب، يجوب أزقة وشوارع وحانات مدينة بولونيا في سيارة للتوزيع السلعي. إنسان تائه، قلق، خائف، مخفي، تثقل عليه حياة التكتم، يجاهد للحصول إلى أوراق إقامة مزيفة من محام يظهر أنه نصاب وله علاقة مع مافيات روسية وإيطالية. وفي ذات الوقت وعبر الأخ، يلتقي أشخاصاً مغاربة وأجانب من دعاة التطرف الديني بملابسهم ولحاهم المعروفة. تزدوج الأمور لديه وتتضاعف وتتكاثف بالتناقضات غير المفهومة. فلا يجد خلاصاً، ويتبدى الحلم مجرد كوابيس متتالية. تلك فكرة الفيلم التي يريد محمد زين الدين إيصالها لنا عبر قصة الشاب عادل. فالعيش في الغرب هو صراع تختلط فيه الأوراق بالنسبة لشاب مغربي لا يعي بتاتاً أن الحلم والطموح غير المستندين على أسس نظرة واقعية وحقيقية للواقع تؤديان إلى متاهات الخطر أما إجراماً أو جنوناً أو إحباطاً أو موتاً.

وذلك ما سيحصل للشاب عادل، بحيث في لقطات شبه متصلة، سريعة الإيقاع، ومحملة بالعديد من الأحداث، نراه يسرق كل مال أخيه، ثم يُوقفه البوليس للتفتيش والتحقق من الهوية، فيعثرون بحوزته على أوراق لمواعيد الصلاة ظنها أحدهم وثائق لـ «إرهابيين»، ويتعارك مع المحامي النصاب، وأخيراً يتعرض للتفجير داخل سيارته من طرف أفراد عصابة مخدرات ويموت.

مباشرة بعد ذلك، يعود الفيلم فجأة إلى الدار البيضاء لتتم مداهمة منزل صديقه، ويتم قتل الأخ الأكبر بعد ملاحقة متقنة الإخراج. أما الصديق الذي ظل في البلد فتقف عنده الكاميرا مطولاً في آخر مشهد بالفيلم وتصوره وقد اقتعد جداراً أمام المحيط الأطلسي، يتأمل الأفق، من دون منح أي إشارة عن خوالج نفسه، هل كان حزيناً لموت صديقه وأخيه، أم كان يحلم بشيء ما، كالهجرة مثلاً؟ أو فقط هو في استراحة بعد وقائع كارثية؟

نذكر كل هذه الوقائع بهذا الشكل لأنها تُمنح للمشاهد كلية كما لو تُلْقى على أم رأسه، فالحق أن هذا الشريط غني بالوقائع لكنها تعرضت لمونتاج لا ندري كثيراً كيف نموضعه، وفي أية خانة سينمائية نسميه. اجتهاد لمحمد زين الدين في الغالب.

فهذا المخرج فاجأنا مرة ثانية بعد مفاجأة فيلمه الأول «يقظة» الذي أنتجه وأخرجه بوسائله الخاصة، وبتقنية الأبيض والأسود وبممثلين هواة. وكان تناول فيه الهجرة إلى إيطاليا عبر حكاية كاتب روائي يحكي قصته الذاتية.

عاش ويعيش المخرج بمدينة وادي زم بالداخل المغربي وببولونيا الإيطالية، وفيلماه يتجليان كانعكاس لتجربة سينمائية فردية وتجربة حياة صاحبها أو من منظوره الخاص ما بين هاتين المدينتين. وهو بذلك يشكل تميزاً خاصاً. ليس على المستوى الفني والسينمائي، ولكن كمخرج له تصور قد لا يتفق معه الكثيرون لكنه له موقع في السينماتوغرافيا المغربية وله بصمة ذاتية.

الحياة اللندنية في

20/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)