تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

اتجاه جديد فى السرد السينمائي

«واحد صفر» انـتصار لفريق من المبدعات

صفاء الليثي

تتبلور فى مصر منذ فترة سينما جديدة تتميز بالجمع بين المستوى التقنى المرتفع وبين الأفكار المهمة بعد أن كانت متحققة على مستوى الشكل فقط. القضايا التى يطرحها فيلم "واحد صفر" فرضت نفسها وجذبت الانتباه لكاتبته مريم نعوم وأصبحت نجمة الأحاديث الصحفية وخاصة لقضية طلاق المسيحية التى جسدتها النجمة إلهام شاهين بكل جوارحها وبشكل محترم. وأجد أن تميز فيلم كاملة أبو ذكرى الهام هو فى طريقة السرد التى نسجتها الكاتبة ببراعة مشهودة حيث تبدأ بفرد خطوط عديدة لشخصيات الفيلم كل بمفرده، ثم تجمع الخيوط فى صراع يومى بين البلانة وابنها الكوافير، وبين السيدة المسيحية التى ترفض الكنيسة منحها الطلاق وبين حبيبها المذيع اللامع، بين المحجبة التى تكسب من ضرب الحقن للمرضى فى البيوت وبين أختها نجمة الفيديو كليب- رمز الفن الرخيص- لم يفلت خيط واحد من الكاتبة وهى تقدم شخصيات فيلمها وتجمعها فى مشاهد مصيرية لشخصياتها. ولم تكن كاملة أبو ذكرى بأقل براعة بل بلغت حدا فائقا من الامتياز فى اختيار ممثليها وفى توجيههم، هل شاهد أحد منا ـ قبل هذا الفيلم ـ لطفى لبيب دون طاقم الأسنان مؤديا لدور عجوز ناقم يربى حفيده ويتاجران معا فى المخدرات جانب مهنتيهما الدنيا، سايس سيارات، وصبى ميكروباص، فى جانب من القاهرة- غالبا قريب من وسط المدينة- مكان يجمع شخصيات تمثل شرائح مختلفة من المجتمع، يلتقون فى مشاهد ليس بها أى قدر من التعسف، على إيقاع مشدود تبرز فيه موهبة المونتيرة منى ربيع فى ربط المشاهد بسلسلة محكمة الحلقات. هذا البناء الذى بدأ مع الكتابة وتدعم فى الإخراج وخدمه تصوير نانسى عبد الفتاح بأسلوب يتعمد الوصول بالصورة لمستوى الفيلم التسجيلى الذى يكشف ملمس البشرة، ونكاد نتحسس عرق الوجوه، مع حركة كاميرا مهتزة-بلا افتعال ولا مبالغة-. أكاد أتصور أن كاتبة السيناريو توقفت أمام حدث مباراة مصر مع الكاميرون وتوحد المصريون على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم فى الالتفاف حول الحدث، فناقشت وحللت ماذا حدث للمصريين ولماذا كل هذا الاهتمام بالانتصار فى اللعبة الشعبية؟!. شخصيات مهزومة تبحث عن انتصار يعوضها خيبتها الشخصية، قد تبدو مقولة ليس بها أى جديد، ولكن الجديد حقا نجاح فريق عمل الفيلم فى طرح الفكرة خلال رسم للشخصيات يبعد تماما عن التنميط وعن الزيف. فكل شخصية بها جوانب مضيئة وأخرى مظلمة، لم يعد أحد منا يصدق الشخصيات الأحادية، الملائكة والشياطين. فى "واحد صفر" الكل بشر خطاوين، يصيبون ويخطئون، أحمد الفيشاوى فى دور الكوافير الشاب الذى يطمح فى الاستقلال بمحل يخصه ويكون فيه سيد نفسه، أمه انتصار ونصباتها الصغيرة، وهى فى جولاتها على منازل القادرات، تعمل فقط لتحقيق حياة أفضل لابنها، يتشاجران فى مشهد فائق ينتهى بهما يطفحان- عفوا يأكلان معا- تمنحه مدخراتها ليحقق استقلاله، حبه المهزوم لنينا زينة فتاة الفيديو كليب، وهزيمتها مع المخرج حسين الإمام يلبس شخصيته تماما، مهزوم أيضا على طريقته.  

فى فيلمها "ملك وكتابة" حيت كاملة أبو ذكرى جيل الثمانينيات خيرى ومحمد خان، وهى هنا فى " واحد صفر" تكمل مسيرتهم فى تقديم سينما خاصة وجميلة شكلا مربوطة بقضايا ناسها، سينما مصرية جديدة تجاوزت أفلام الثمانينيات بسردها المتميز وبناء السيناريو بأفكاره المهمة. هذه السينما الجديدة نجومها كاتبات وكتاب، لفتوا الأنظار وشاركوا المخرجين نجوميتهم مع النقاد وشاركوا النجوم اهتمام الصحافة فى التحاور معهم. سينما جديدة عمادها الأول الكتابة يدعهما الإخراج والمونتاج والتصوير، تجبر المشاهدين على الصمت المحترم، حتى مع الكلمات الصادمة للأغلبية المسلمة من المشاهدين (مش عايزة أسلم، أنا مش عايزة أغير دينى علشان عايزة أتجوز) صادمة للقلة المسيحية التى ترفض التسليم بأن المسيحى والمسيحية يحبون وتنتابهم رغبات مثل كل البشر مؤمنين أو لا دينيين. شجاعة الكاتبة فى التعبير الواقعى المقترن بدراسة للمجتمع، شجاعة المخرجة فى التمسك بحقها فى الحصول على تمثيل حقيقى وليس فى تجميل نجوم ونجمات، شجاعة المصورة فى صورة مضاءة بطبيعية أقرب إلى فيلم تسجيلى فقير الإمكانيات. شجاعة المونتيرة فى التعامل مع خشونة الصورة والأداء. أحيى كتيبة المبدعات من النساء مريم نعوم، نانسى عبد الفتاح، منى ربيع، والمخرجة التى تبدع بامتياز عندما تجد ورقا مختلفا ومنتجا لا يهدف إلى الربح فيربح قطعة فنية جميلة وسلعة محترمة تجذب اهتمام المشاهدين. "واحد صفر" انتصار لكتيبة من المبدعات كل فى مجالها تدشن موجة ثالثة من الواقعية المصرية الجديدة، تضاف للموجة الثانية التى لفت الانتباه إليها الناقد الكبير سمير فريد فى كتابه المهم عن مخرجى الثمانينيات محققا مصطلحا نقديا سار عليه الكثيرون من بعده. 

العربي المصرية في

17/03/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)