تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

"ميكانو".. بحث في سر التضحية والحب

سعيد أبو معلا

سيضع المشاهد المتابع لحضور ومشاركة الفنانين السوريين في الأعمال الفنية المصرية يده على قلبه غداة دخوله قاعة السينما لمشاهدة فيلم "ميكانو" (والاسم مأخوذ من اسم قطع البلاستيك المربعة في لعب الأطفال التقليدية) الذي يشارك في بطولته الممثل السوري "تيم حسن".

أسباب ذلك التوجس والترقب كثيرة، منها ما له علاقة بمسألة الرهان على نجاح نجم لفت أنظار الجمهور المصري في مسلسل "الملك فاروق"، ومنها ما له علاقة بحضور النجوم السوريين إلى الساحة الفنية المصرية، فهو في جزء مهم منه حضور غير مؤثر ولا يشكل علامات فارقة في هذه الدراما، كما أنهم يشاركون في أدوار تمثيلية بصفتهم مصريين وليسوا سوريين، إضافة إلى أننا دوما ما نشم الربحية في هذا الاستقطاب الذي يزداد ويتضاعف، ومع ذلك لسنا من المهللين لذلك ولسنا من المعارضين أيضا، فالمحك العمل الفني ذاته، وكل عمل يحاكم على أنه وحدة واحدة، والحكم النهائي يكون على جودته ووصوله للمشاهد وتحقيق مقاصده.

تفرد وتميز

لكن "تيم حسن" الممثل الذي خبرناه في أعمال تلفزيونية فقط يؤكد على أنه سيكون علامة فارقة بعد تجربته السينمائية الأولى في "ميكانو"، حيث قدم شخصية صعبة احتاجت منه لمجهود كبير، سواء في إتقان اللهجة المصرية أو في قدرته على عكس الحالة النفسية التي تمر بها الشخصية في تطورها والتغيرات التي تعيشها.

يشارك بطولة "ميكانو" إلى جانب تيم الممثلة اللبنانية "نور" والفنان المصري "خالد الصاوي" الذي أدى شخصيته في الفيلم بشكل مميز، والفيلم من إخراج "محمود كامل" ومن تأليف "وائل حمدي" في أول تجربة لهما في الإخراج والكتابة.

الفيلم أمام كل ذلك يحاول أن يسخر حضور تيم وتميزه، وهو يفعل ذلك، فيستثمر ذلك الحس الرومانسي المتدفق من شخصيته ووسامته الطاغية أيضا، والتي تجلت ملامحها في أعمال مثل "نزار قباني" مع وجود ممثلة جميلة مثل "نور"، وكانت هي الحلقة الأضعف أداء بين النجوم الثلاثة، استثمر ذلك وقدم خلطة رومانسية اجتماعية لحب مستحيل.

هذه الخلطة سيدركها المشاهد، وسينتابه ذلك الشعور الغامر الذي كان قد دخله بعد مشاهدة فيلم "في شقة مصر الجديدة" للمخرج "محمد خان"، مع فروق كثيرة طبعا، لكنه ذات الإحساس بالدفء والراحة النفسية وروعة مشاعر الحب الصادق.

حب محكوم بالفشل!!

الفيلم يصعب تصنيفه، فهو مزيج بين الرومانسية المغلفة في إطار اجتماعي ضيق بقليل من الكوميديا الخفيفة غير المباشرة والعفوية، وهو في ذلك يطرح حكاية المهندسين خالد الشهاوي (أدى الدور تيم حسن) وأخيه وليد (أدى الدور خالد الصاوي) اللذين يخبئان سرهما المتمثل في إصابة "خالد" بمرض فقدان قصير ومتكرر للذاكرة على إثر عملية جراحية أجريت له وهو طفل، وبمقتضى المرض يتذكر "خالد" كل شيء قبل العملية، لكنه ينسى ما بعدها بشكل متكرر ومتتابع، حيث تضيع ذاكرته كل فترة ليعود وكأنه طفل صغير ضائع يبحث عن إجابات عن نفسه ومن حوله ليكون على وليد أخيه مساعدته ومنحه إجابات محددة عن نفسه وعالمه عبر نظام حياة صارم.

نظام الحياة الصارم والمبرمج والمخصص لإعادة تذكير "خالد" كلما فقد ذاكرته تخترقه الممثلة "نور" في دور "أميرة" العاملة في مجال التسويق العقاري وتحديدا في الشركة التي قدم لها خالد تصميمه الجديد عبر "وليد" الذي يعد وسيطا مميزا في ظل الحالة المرضية التي يعيشها "خالد".. "أميرة" التي تلتقي خالد في حفلة الإعلان عن ذات المشروع العقاري يشدها هدوؤه وبساطته ليكون ذلك الباب الواسع الذي يدخلان من خلاله في علاقة حب يفترض أن تكون محكومة بالفشل، مادام سيصحو خالد من نومه ذات يوم فاقدا للذاكرة من جديد، وتصبح أميرة وكل تفاصيلها وحبها بلا أي قيمة، ربما لا تكون هذه النتيجة في النهاية، أقول ربما.

صانع الذاكرة

دراما الفيلم لا تتوقف عند حدود تلك العلاقة المرتبكة والجديدة التي تهز وجدان خالد كما أميرة التي تتفاجأ بعد عام كامل من لقائها وخالد أنه لا يذكرها، وهو ما يحرك في ذهنها مجموعة من التساؤلات التي يحاول "وليد" كبحها وإيقافها، وهو ما يحرك دراما أخرى أكثر عمقا وإنسانية واختلافا وتفردا تنشأ عن اختلاف المواقف بين الإخوة، وسلوك وليد وتصرفاته ليبعد "خالد" عن "أميرة".

فالعلاقة بين خالد ووليد ليست نمطية، بل تعتبر علاقة معقدة، تنمو وتتكشف في ذهن المشاهد مع تتابع المشاهد، فتبدو للمشاهد في البداية أنها علاقة استغلال تحكمها المادة والحاجة، لكن مع تطور الأحداث تتكشف خيوط أخرى فنظن مخطئين أنها قائمة على المصلحة والاستغلال والتحكم، لكن مع انكشاف حقيقة "خالد" وطرد "وليد" من الشركة التي يعمل فيها تتكشف تفاصيل مؤلمة وحزينة مفرداتها التضحية والحب، وهما رسالة الفيلم العميقة.

فوليد لا يبدو أخا تقليديا يحب أخاه أو يستثمره، إنه شخص جدلي ومثير حتى في رسم شخصيته التي جاءت في تفوقها بالمرتبة الثانية بعد شخصية خالد، فنجده عاش حياته في سبيل أخيه، فلم يتزوج رغم أنه تجاوز الأربعين، ولم ينم يوما طوال حياته خارج البيت مخافة أن يصحو أخوه فاقدا الذاكرة ضائعا غير مدرك من هو، وكذلك تخلى عن حلم دراسة الطيران ودرس الهندسة ليكون عونا لـ"خالد" في دراسته ذات التخصص في حالات فقدانه للذاكرة المتكررة.

إنه ببساطة صانع الذاكرة الحقيقية لخالد ومصدرها وصاحب الصورة التي يحملها خالد عن الحياة، وبدونه سيتحول لضائع حقيقي، وهو الشخص الذي يحاول جاهدا أن يبعد أميرة عن طريق "خالد" حتى لا تفيق في يوم وتجده لا يعرفها.

ولن يطول ذلك اليوم حيث الصدمة الكبرى لأميرة وخالد، وهي صدمة مقرونة بانكشاف سر مرض "خالد" أمام صاحب الشركة ليطرد وليد، فتحدث المصارحة بين الأخوين في لحظات تعد من أقوى مشاهد الفيلم، والسبب يعود لأميرة وغيرة طليقها السابق.

فبعد أن يخرج وليد هائما على روحه باحثا عن راحة ليوم واحدة من عبء أخيه خالد يقوم الأخير بتدمير البيت ويخرج هائما من بيته ليفقد الذاكرة.

بين الفقدان والاستعادة

الفيلم يوغل في رصد مفارقات نابعة من حياتنا واختلافاتنا وتجاربنا الذاتية، فعلاقة خالد وأميرة مع الماضي متناقضة، فالأول يريد أن يعرف الماضي الذي يجد نفسه وفي كل مرة منقطع تماما عنه، ليعود كما بعد كل مرة طارحا أسئلة تقليدية عن ذاته وأهله وماضيه، كي يحقق سعادته بعيدا عن الجهل والخوف والقلق، لتكون رحلته دوما في البحث عن الماضي مصدر سعادته وفرحه.

فيما "أميرة" ترى في مصدر سعادتها النسيان، أي إلغاء آخر عشر سنوات من حياتها، بفعل تجاربها وخيباتها وفشلها السابق في زواجها من رجل مادي وسكير، وعلاقة غير صحية مع أسرتها وإخوتها.

كما أن علاقة وليد مع ذات الماضي الذي يتماس بشكل مباشر مع "خالد" ويعيده ويكرره بشكل دوري تعتبر علاقة مغايرة أيضا، فهي مصدر تعب وإرهاق وقدر يحرمه من أن يعيش حياة تخصه وتتعلق به.

تنويعات إخراجية

ورغم محدودية الأماكن التي تدور فيها الأحداث وكذلك الشخصيات الرئيسية في الفيلم فإن المشاهد لن يناله الملل، وهو أمر يحسب للمؤلف الذي اشتغل بوضوح على شخصية "خالد" تحديدا، فيما المخرج قدم تنويعات إخراجية تناسب تماما الحالة النفسية التي يعيشها الأبطال وفق تطور أحداث الفيلم والحالة النفسية التي يمر بها هؤلاء الأبطال، كما أن مهندس الديكور "عادل المغربي" قدم ديكورا مميزا لبيت خالد ووليد.

ورغم بعض الهفوات التي وقع بها المخرج مثل لا منطقية بعض الأحداث، حيث نكتشف فجأة أن خبيرة التسويق تتحول إلى مصممة ديكور تقوم بأعمال التشطيبات للغرفة على سطح العمارة التي تذكر خالد بطفولته، وكذلك لحظة خروج خالد من بيته هائما على وجهه بفعل الخلاف والمصارحة الحادة التي نشبت بينهما بعد أن انكشف سرهما، حيث تجده "أميرة" تحت المطر يجلس بالقرب من بيتها، كما أن بعض المشاهد زج بها في الفيلم دون أن تقدم له إضافة نوعية مثل مشهد "وليد" على هضبة مطلة على القاهرة برفقته فتاة ليل، فإن ذلك لا يقلل من التناول العام للفيلم ولا يؤثر على الرسالة التي رغب في التأكيد عليها.

"قفلة" مفتوحة

في نهاية مفتوحة يحاول الفيلم أن ينتصر للحب كقيمة وهي قيمة باعثة على التضحية والعطاء والتحمل، فإصرار أميرة على رؤية خالد بعد أن فقد ذاكرته يدفعها للذهاب إلى مقهى يجمعها به، وبينما تجلس في حسرة مراقبة تصرفاته وسلوكه وأي إمكانية لتذكرها وقبل أن تدخل حالة يأس تكتشف أن خالد يقوم بصنع الدمية من عيدان شرب العصير، وهي طريقة كانت قد علمته إياها، وهو ما يدفعها للذهاب إلى الطاولة التي يجلس عليها لتقوم بذات الدور الذي كان يقوم به "وليد" الذي ينصرف على دراجته الهوائية في طريق مفتوح صوب مستقبله الخاص والجديد.

قلت في البداية إنه ربما لا تكون نهاية هذا الحب محكومة بالفشل، وهي فعلا كذلك، وهذا لا يعني أنها علاقة حب ناجحة، بمعنى أن المخرج تركنا معلقين في حالة من جمالية خالصة تجمع شابا فاقد الذاكرة وفتاة تحبه، وهي هنا تتكئ على حركة بسيطة، فعل رمزي منبعث دون وعي كامل من المحبوب، وهل كانت هذه إلا القشة التي يتعلق بها كل المحبين؟

المرض مرة أخرى

أي متابع لحال السينما المصرية سيجد ظاهرة جديدة تتمثل في اتكاء مجموعة من الأفلام على المرض العضوي أو النفسي للبطل كمحرك لدراما هذه الأعمال (نماذج ذلك كثيرة مثل "آسف على الإزعاج"، و"زي النهاردة"، و"التوربيني") وبغض النظر عن أن جزءا من هذه الأعمال مأخوذ عن أعمال غربية، فذلك بحد ذاته ليس عيبا، لكن العيب يكون عندما تعمد هذه الأفلام إلى الابتعاد عن القضايا اليومية التي تمس الناس، وهي الغنية والمليئة بالبواعث الدرامية القادرة على تشغيل وإطلاق حبكات درامية أكثر واقعية وتماسا مع حياة الناس، فالواقع أكثر غنى وأكثر قوة في الدراما التي يقدمها حتى لو كان الموضوع قصة حب ودرس في العطاء والتضحية.

وحتى في فيلم "ميكانو" كان يمكن أن يكتسي الفيلم طابعا محليا خاصا عبر طرح قضية مؤرقة وتحتل مساحات كبيرة من اهتمام الرأي العام والنخب المثقفة مثل الشركات العقارية وواقعها الحالي، فحضور هذا الشركات ولو بطريقة شفيفة كان سيكسب الفيلم مصداقية أكثر ويجعله على تماس ولو بسيط مع هم عام ومعاش ويومي، لكن فيما يبدو أن صناع الفيلم آثروا السلامة ودرب الأمان، فما أقل المشاغبين.

ناقد فني

إسلام أنلاين

11/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)