تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فى الوعد.. وحيد حامد الحائر بين الفلسفة والدراما

محمود مسعود

دعونا نسأل بقدر من الجدية عن موضوعية هذه القضية بغض النظر عن مناسبة ريادتها.. حيث ان مصدر الإثارة هنا هو ذلك الإلحاح المستفز الذى ينتابك عقب مشاهدة فيلم «الوعد» طارحا أبعاد القضية بقوة الضرورة حاملا ذلك التساؤل هل يمكن للفلسفة ان تفسد السينما؟! أم ان السينما فشلت فى أن تحمل بعدا أو رؤية فلسفية..؟ 

والسبب فى إثارة هذا التساؤل وعند هذا التحديد يرجع إلى أن الفيلم نجح فى أن يثبت بالايجاب ان الفلسفة تفسد السينما وان السينما ليست مهمومة بحمل بعد أو رؤية فلسفية ونجاح الفيلم فى اثبات هذا الطرح انما يضع مفهوما فى كيفية العلاقة التى يجب ان تكون بين الفلسفة والدراما وحدد بمقياس الميزان مقدار المزج بينهما. 

ولا أدرى اذا كان وحيد حامد كان يعنى أبعاد هذا الطرح أم انه كان مستغرقا فى تحقيق جوانب العملية الابداعية التى كانت بالدرجة الأولى مقصده وعلى أى الحالات ومن واقع قراءة موضوعية لمنهج حامد فى الكتابة الذى يعتمد على «كشف المستور» للعناصر الدرامية التى يتعامل معها بما تتضمن من سر تركيبة الشخصيات سيكولوچيا واجتماعيا وأيضا منطقية سرد الأحداث فإن الافتراض الذى تؤكده هذه القراءة يشير إلى انه الآن يعن هذا المزج بين الفلسفة ـ والدراما. لكنه بالتأكيد لم يعنى عملية الافساد التى قد تنتج عنها.. حتى وإن بدا عن بعد تجانس العناصر الدرامية والفلسفية المستخدمة. 

والذى حدث فى عملية المزج عند وحيد حامد انه حاول المزج خلال هذا «العكس» إلى ان ينقل الموقف الدرامى إلى البعد الفلسفى فكانت النتيجة تلك المساحات الهائلة التى زرعت فيها علامات الاستفهام والتعجب أمام الأحداث والشخصيات ايضا.. والغريب ان وحيد تركها دون أن يتعامل معها على اى من المستويات وكأنه يقصد بهذا التجاهل ان تلعب هذه العلامات دورها التقليدى فى أدمغة المتلقين. 

والصور الاستفهامية التى أبرزت ملامح المزج بين الدراما والفلسفة كما عرضها السيناريو باتت على النحو التالي: 

عادل «آسر يس» وهو الشخصة التى تتحرك خلال اطار يمثل علامة استفهام كبيرة تعلن بوضوح على أن هناك سرا يكمن فى تركيبته الشخصية فالدوافع والأحداث تؤكد بصورة قاطعة انه ليس بالفتى الشرير الطامع أو حتى الطامح غير أن التناقض الذى يحمله فى أبعاد تركيبته والمترجم فى كونه أحد أفراد عصابة منظمة يظل مكمن السر الذى يحوى بعد الرؤية الفلسفية عكسها الموقف الدرامى داخل هذا الإطار من علامات الاستفهام. 

الشخصية الثانية: جرجس «أحمد عزمي» تركيبة انسانية من نوع المتواكل إلى ذلك الذى لا يحمل هموم المعانى فالأشياء جميعها قد تتساوى فى تابوت الموتى. لكن فى لحظة فارقة يعلم تماما سوف تسبب له الكثير من الكشف هموم المعانى التى كان يتجاهلها فى حياته وبالرغم من ذلك فهو يقدر عليها بحماس غريب ورضاء كامل. لتظل أيضا هذه اللحظة هى مكمن السر. 

السحراوى «غسان مسعود» يذكرنا.. بجلادى نجيب محفوظ الفارق بينهما هو عنصر الرؤية ـ والصورة فى كلتا الشخصيتين تطرح حولها العديد من علامات الاستفهام ونقاط الرؤى المتفلسفة التى فشلت الدراما فى تحقيقها..» 

أما يوسف توفيق سالم غبريال فهو النموذج الذى أراده حامد أن يحمل على ظهره تاريخ تركيبة هذه الأمة.. وها هى البداية فى اسمه الذى يصل بك إلى الجد الرابع حتى تكتشف انه قبطى.. «ولا كان باين عليه..!!». 

والرجل تكالبت عليه العديد من الأمراض النفسية بالإضافة إلى المرض الجسدى. القاتل وهو العضو السابق بالعصابة.. وحكايته تبدأ مع القتل عندما قتل زوجته الخائنة وعشيقها وكانت البداية لكى يصبح قاتلاً مأجورا. 

وبالرغم من هذا فهو يقف من حياته ـ موقفا فلسفيا لم تستطع الدراما أن تحقق أبعاده أو تجسد أحداثه على الشاشة. 

أما شخصية فرح «روبي» فهى الشخصية السوية الوحيدة التى جاءت مع بساطة تركيبتها وسلاسة سرد سلوكياتها ووضوح ملامحها. داخليا وخارجيا فى موقف التضاد مع باقى الشخصيات.. وهى أيضا الشخصية الوحيدة التى حقق فيها حامد العلاقة من الفلسفة إلى الدراما. وليس العكس كما تعامل مع باقى الشخصيا. 

وهكذا زرعت المساحة التى تمثل الكيان البنائى للسيناريو بحقل من الألغام الاستفهامية وكأن.. حامد يقصدها ويعى تأثيرها على المتلقى الذى قد تصل به فيها إلى درجة التوتر. وهى أقصى درجات التوحد مع العمل الابداعى. 

وفى «الوعد» حقق محمد يس من خلال رؤيته الاخراجية البعد الفلسفى «رغم اختيار حامد للجانب الأصعب من التعامل معه..» للأحداث بل انه أمعن فى تثبيت علامات الاستفهام التى قصد حامد زرعها على طول ـ المساحة السردية للأحدث وان يؤكد تأثيرها وتفاعلها مع المتلقى مستخدما فى ذلك بل ومجندا لذلك كافة المؤثرات السينمائية السمعية منها والبصرية فحقق يس ما قصده حامد وهو على قناعة تامة بذلك.. 

وقد كان التمثيل أحد العناصر التى استخدمها يس فى تحقيق أبعاد رؤيته الاخراجية إذ انه نجح فى جعل الممثل عنصراً من عناصر تشكيل وصياغة أبعاد هذه الرؤية وان ينف من داخله انه أداة. وهو الأمر الذى جعل الممثل يشعر بانه اللون الوحيد الذى تضاء به الكاميرا. والعكس هذا الشعور بإسقاطاته الضوئية على ألواناته التمثيلية التى قدمها الممثلون كل فى دوره. وتعتبر هذه الأدوار اضافة وبداية مرحلة فى مشوار كل منهم. بل ان هذه الأدوار هى بمثابة كشف جديد لهم على طريق النجومية خاصة للممثلين الشباب مثل روبى وآسر. وأحمد عزمى. 

أما القدير محمود يس فإنه استطاع خلال صياغته لأبعاد شخصية يوسف ان يجسد صوره للشخصية ليس خلال الأحداث. ولكن خلال القدره على التعبير والتجسيد وأن يحقق أبعاد ومعانى الحوار الذى أداره بواب العمارة عندما كان يحمل التابوت المسجى بداخله جسد يوسف حيث قال.. هو يوسف كان قبطى.. ما كاش باين عليه بهذا القدر من البساطه والسلاسة حقق محمود يس أبعاد الدور بأكمله. 

آسر يس.. هو بعد جديد شكلاً وموضوعاً للنجم الذى يحمل مصوغات التعامل مع مساحات القرن الحادى والعشرين. 

نرجو ألا تشغله وسائل «الموضة» عن تحقيق هذه الصورة.. مثل» اطلاق نبت شعر ذقنه ، التصوير بالملابس الداخلية..» 

فإن مثل هذه الأمور قد تشتت من تركيزه على أداء الدور المنوط به مستقبلا. 

أحمد عزمى دوره بمثابة كشف جديد لمواهبه نرجو ان يجعله مقياسا لأدواره القادمة باسم سمرة رغم قصر دوره لكن حضوره كان أبعد مساحة من ظهوره. 

أما روبى فإننى على يقين انه وبتلك الامكانية والقدرة إذا ما دخلت «المدرسة» فإننى سوف أتذكر معها. انه كان ياما كان فيه واحدة أسمها سعاد حسنى. 

العربي المصرية

03/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)