تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

في «المشهد»: لا حبَّ من نافذة قنّاصة

بشار إبراهيم

عندما هبَّ الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات واقفاً، مصفقاً، مزقزقاً، لم أكن أبعُد عنه سوى مسافة كرسيين، في القاعة الكبرى في قصر الإمارات، بأبو ظبي.. ساعتها رأيته يمحو أربعين سنة من عمره، ويعود بغبطة عالية فتى شاباً، يمكن له أن يقفز بين كراسي صالة سينما، ويرقص، وينشر فرحته في مدى الصالة، دونما أي تردِّد، أو تحفُّظ، يمكن للبعض أن يراهما يليقان بالستين سنة، التي يقف مدانات على رأسها..

تنطفئ الدهشة لرؤية عدنان مدانات على هذا النحو، إذ تتضح الصورة، فقد فاز فيلم «المشهد» للمخرجين حازم البيطار ورفقي عساف، بجائزة أفضل فيلم روائي قصير، في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، المنعقدة دورته الثانية في أبو ظبي، 2008.. وهو منجز ليس بالقليل، وتحد غير سهل أبداً..

قبل يومين اثنين من حفل الختام كان المخرج حازم البيطار قد غادر المهرجان متوجهاً في سفر، إلى بولونيا ربما، تاركاً للفنان ربيع زريقات، بطل الفيلم، مبادرة إيصال نسخة من الفيلم لي، بحضور الفنانة الرقيقة ناديا عودة. العلاقة مع حازم البيطار تمتد إلى سنوات خلت منذ أن بدأ مشروعه في «تعاونية عمان للأفلام» تجتاز الحدود بأفلامها القصيرة، روائية ووثائقية، ومراقبة لصيقة من قبلي لهذا المشروع الذي يكاد يكون فريداً من نوعه، ممزوجاً بحماسة حازم البيطار، الذي بدا في وقت ما كصوت سينمائي صارخ في فلاة..

سنوات قصيرة سوف تجعل لـ «تعاونية عمان للأفلام» قائمة منجزاتها وإنتاجاتها، وتطول قائمة المخرجين الشباب، الذين تتالوا على إخراج هذه الأفلام، برفقة حازم البيطار، حيناً، ومن دونه أحياناً أخرى. أفلام تتراوح بين التجارب الأولى بكل ما فيها وما عليها من ملاحظات، قبل أن نصل إلى هذا الفيلم «المشهد»، الذي يمكنني اعتباره إحدى أهم الذرى الاحترافية من بين ما قدمته التعاونية حتى الآن. بل لعلي لا أبالغ في القول إنه أحد النماذج الرائعة لمفهوم الفيلم الروائي القصير، في العالم العربي عموماً.

المتابع المدقق في منجز الفيلم الروائي العربي القصير، يمكنه ملاحظة أن غالبية هذه الأفلام تفلت من بين يديها أهم الشروط اللازمة للفيلم القصير، فمنها ما يبدو ظلَّ فيلم روائي طويل تمَّ ضغطه في وقت قصير، تماماً كما تبدو بعض الأفلام الروائية العربية الطويلة، وكأنما هي أفلام قصيرة تمَّ مطها، بالثرثرة والزيادات والترهل، لتصل إلى حافة السبعين دقيقة، التي باتت حافة التقييم الزمني الذي يفصل بين الفيلم القصير والمتوسط من جهة، والفيلم الطويل من جهة أخرى، في عالم السينما العربية المعاصرة.

ينجو فيلم «المشهد»، الروائي القصير (مدته 16 دقيقة)، من هذا المأزق، إذ يتقدم ببنيته الكاملة من خلال مشهد واحد، وفي موقع واحد، دون أي حاجة لأي قطع، أو انتقال. إنه لحظة مقتطعة من الزمن تلخص قضية كاملة، وعمراً كاملاً، وتكشف عن حقيقة وجوهر الصراع العربي الإسرائيلي، بذكاء متميز، عبّر عنه سيناريو متمكن، وأداء وحرفية ومهنية، في الصورة والصوت والمؤثرات البصرية والسمعية.

لا غرابة في ذلك، فخلف هذا الفيلم تجتمع وتتمازج ثلاثة من أبرز الجهود السينمائية الأردنية، في الوقت الراهن: المخرج والمنتج حازم البيطار، والمخرج والشاعر رفقي عساف، بتعاون وإشرف فني للناقد عدنان مدانات، أحد القامات العالية في النقد السينمائي، على مستوى الوطن العربي.

في فلسطين المحتلة، نطلّ على شرفة (بلكونة) في بيت عادي، وفي الأسماع إيقاعات طبول، على هيئة مارش عسكري، قبل أن تنكشف هذه المؤثرات الصوتية، عن تلاوة قرآنية بصوت متميز لفتى في مقتبل العمر، ذي صوت رخيم حقاً.. تستطيع المؤثرات الصوتية إدخال المشاهد مباشرة في قلب البيئة التي يقتحمها الفيلم، بيئة فلسطينية، في حيّ ما، عامرة بالبيوت المنغلقة على أسرارها، وحكاياتها، وناسها، ذات صبيحة تتكرر، ربما منذ الفتح الإسلامي للمكان قبل قرابة 1500 سنة.

العنصر الغريب الذي يقتحم المكان، وانسجامه، ويبدو نافراً عنه، هو ذاك الصوت الشارخ لجهاز محادثة لاسلكية عسكري، ينكشف عن حوار بين جنديين إسرائيليين: «نمر» الذي سنعرف أنه رابض في المكان منذ ست ساعات، و»نجم الشمال» الذي سنعرف أنه يتابع من مركز القيادة.. والحوار بينهما يدور باللغة العبرية، واللثغة المعروفة عن متحدثيها (يؤدي الحوار بالعبرية: بهاء مصري، عبدو حجاج)..

لا يكتفي الفيلم بأن يضع مشاهديه أمام نافذة القناصة، ويجعلهم يرون المشهد من خلالها، بل إنه يضع السماعات الثقيلة على آذانهم، ويجعلهم شركاء في الاستماع إلى تلك المحادثة، التي ستقول كل شيء، وتنكشف عن تاريخ كامل..

قلنا ونردد، إن الفيلم القصير، هو ذاك الفيلم الذي يبدو وكأنه ذو مقدمة طويلة محذوفة، سرعان ما يمكن للمشاهد إدراكها، ومعرفة خباياها، وملابساتها، وخلفياتها، وأثرها على شخصيات الفيلم، دون أن يراها على الشاشة. وهذا ما نحج فيه فيلم «المشهد» ببراعة لا ينقصها الكثير.

الفيلم القصير الناجح، هو ذاك الفيلم القادر على إدخال المشاهد في أحداثه، والتعرف على شخصياته، مباشرة، بتكثيف وإيجاز.. والذي يمكِّن المشاهد من معرفة تاريخ الحدث، والشخصية، ويترقّب تحولاتها الراهنة، متكئاً على ما مرت به الشخصية من أحداث، دون أن نراها الآن، ولكننا ندركها، كما لو أننا نشاهدها.

يلعب السيناريو في هذا المجال الدور الأبرز، إذ ينبغي أن يكون دالاً معبراً، بكثافة وإيجاز، واستناد إلى ما مضى. وفي فيلم «المشهد» سيبدو أن السيناريو هو ما نال الجهد الأكبر والعناية الأقصى، حتى جاء على هذا القدر من الرشاقة، وعلى هذه القدرة من التعبير، وتقديم المعلومة تلو الأخرى، التي تتمكن في النهاية من رسم القضية بتفاصيلها، وتقديمها ببلاغة وذكاء.

عندما يضعنا فيلم «المشهد» أمام نافذة القناصة، فهو يجعلنا نرى الطرف الآخر، في هذه الحالة، وهو الهدف الفلسطيني الذي يترصده الجندي الإسرائيلي، بالقتل. وعندما يتدفق السيناريو في آذاننا، عبر سماعة اللاسلكي، وما هو إلا ذاك الحوار بين الجنديين الإسرائيليين، فإن الفيلم يضعنا مباشرة أمام تلك المعادلة التي هي من أهم مآسي القضية الفلسطينية: إن المُشاهد (والعالم) يرى الفلسطيني، ولا يسمع صوته. ويسمع صوت الإسرائيلي، ولا يرى ما تفعل يداه!..

هل من مبالغة في القول إن هذه هي مأساة الفلسطيني الحقيقية؟.. المأساة التي تتمثل في أن العالم يرى الفلسطيني، ويرى مقتلته اليومية، وأشلاءه المتناثرة.. دون أن يسمع صوته!.. ربما لأن الفلسطيني لا يُحسن الصوت، أو لا يملكه، أو ربما (مزيداً في المأساة) لأنه يملك أكثر من صوت، يمحو أحدهما الآخر، فلا يغدو للفلسطيني صوت، أو لا يصل إلى أسماع العالم.

وهل من مبالغة، من جهة أخرى، في القول إن هذا احد انتصارات الاسرائيليين، المتمثل بأن لهم صوتاً ملء أسماع العالم، إلى درجة أن هذا العالم لم يعد يرى ما تفعله أيدي الإسرائيليين بالفلسطينيين، ويكتفي بسماع الصوت الإسرائيلي؟!..

في «المشهد»، ومع كونه لقطة واحدة تمتد على مدى الفيلم، لا تكاد تتغير الصورة أساساً، وإن تغيرت تفاصيلها. صورة واحدة هي تلك التي يراها الجندي الإسرائيلي عبر القناصة، التي تمسح أسطح البيوت، وجدرانها، ونوافذها، بحثاً عن الفلسطيني المرصود.

يتأفف الجندي، وقد أمضى ست ساعات بالانتظار.. «قد أشيب قبل أن يأتي الهدف»، يقول، ويعلن أنه لم يكن يعرف أنه سيموت من الزهق، قبل أن يقتله فلسطيني!.. والجندي الآخر يهدئ من روعه، قائلاً: «أنا وغيري سبق أن قمنا بمثل هذه المهام».. لنعرف كم هي ممارسات مستمرة، ومهام متواصلة، حتى بات من الاعتيادي لدى هؤلاء الجنود الذهاب في مهمات قتل فلسطينيين، إثر سهرة، أو قبلها، على السواء.. دون أي شعور بالإثم.

السهرة تحضر في ثنايا الحوار، فالجندي يشكر زميله على سهرة الأسبوع الماضي، حيث قام مسطولاً من كثرة شرب الفودكا.. لنعرف أنه روسي، شرب الفودكا كالجمل. لا غرابة في أن يكون الجندي روسياً، فإسرائيل هي، دون أدنى مبالغة، مجموعة من أولئك المهاجرين الذي قدموا من شتى أنحاء العالم، بتواريخهم، وخبراتهم، وثقافاتهم، ليبنوا هذا التجمع الاستيطاني، بالقوة. هاهنا ثمة روسي يأتي بالفودكا، من بلاده الأصلية/ روسيا، ومشروبها القومي.. يكفّ الروسي عن شرب الفودكا هناك كـ «دبّ»، ليشربها هنا كـ «جمل»!.. هل ثمة من يقول لهذا الجندي: إن الدبّ هو من يشرب الفودكا، لا الجمل؟..

تنفتح النافذة، وتطل منها فتاة فلسطينية حسناء (تؤديها الممثلة: كيان حتّر)، تبدو في العشرينات من العمر.. والحوار بين الجنديين يتراسل عنها، وحولها، في جمل مقتضبة، متناثرة: يبدو أنه لا يوجد مطلوبين إلا هذه الحسناء.. إنها تتزين لغرض ما.. هذه المشاهد المغرية من فوائد المهنة القليلة جداً.. هل من الممكن أن تحب فلسطينية؟.. هل أنت شارب؟.. هل تؤمن بالحب من أول نظرة؟.. نعم.. ولكن ليس من منظار بندقية قنص.

كان الشاعر محمود درويش قد قال ذات مرة: «بين ريتا وعيوني بندقية».. والآن ها نحن نرى تلصُّص جندي إسرائيلي على فتاة فلسطينية، من فوهة قناصته.. الجندي يصرح أنه اعتقد أنها نظرت إليه، فانتابه شيء ما.. الجندي طارئ في المكان، غريب عنه.. يخشى أن يراه أحد، حتى لو كانت فتاة.. فأن يراه أحد هو أمر يفسد مهمته.. يريد الإسرائيلي أن تكون مهماته غير مرئية، وممارساته غير مرصودة.. يُوجع الإسرائيلي أن تُرى صورته، وأن تُوثق منجزاته!..

يدخل شاب فدائي مسلح (يؤديه الممثل ربيع زريقات) يضع على كتفيه كوفية.. تستقبله الفتاة التي بدت كأنما تنتظره.. يتعانقان.. يجلسان.. يغسل يديه.. يأكلان شطائر.. ولا بد لنا من القول: يخطئ الفيلم تماماً هنا، وتخونه الفطنة.. «المشهد» لم يكن يحتاج لهذه التفاصيل.. لماذا يحمل الشاب الفلسطيني بندقية، وهو يدخل غرفة حبيبته؟.. لماذا يضع الكوفية على كتفيه؟.. هل هو بحاجات لهذه الإشارات؟.. كان على صانعي الفيلم أن يتوقفوا قليلاً، وينتبهوا إلى هذه التفاصيل!..

يتحول الحوار بين الجنديين من الحديث عن الفتاة، إلى الحديث عن الشاب القادم.. هل هو المطلوب؟.. هل هو حبيبها؟.. هل يقوم الجندي بقتله؟.. ويتساءل ما هو موقف الفتاة إذا عرفت أن الجندي سيقتل رجلها؟..

يثير الفيلم نقطة غاية في الأهمية.. قد يلتقي هذا الجندي الإسرائيلي. بالفتاة الفلسطينية.. لا غرابة في ذلك.. فالجندي يملك جواز سفر هولندي، وقد عرفنا أنه روسي الأصل.. وهو يعلن أنه بعد الانتهاء من مهمته يعتزم السفر إلى بعض البلدان العربية.. قد تلتقيه الفتاة باعتباره سائحاً هولندياً!.. ويترك الفيلم لنا حق التساؤل: ألهذه الدرجة أصبحت عواصمنا العربية منخورة، ومخترقة بالجنود الإسرائيليين الذي باتوا يأتوننا على هيئة سيّاح، يحملون جنسيات متعددة؟.. كما ينبغي لهم أن يتساءلوا عن حقيقة هذا الكيان الإسرائيلي (التجمع الاستيطاني) الذي يأتي جنوده من بلاد وأصول متعددة، ويحملون جنسيات مختلفة؟

في النهاية يأتي الخبر عبر جهاز المحادثة اللاسلكي لينبئ الجندي الرابض في مكمنه بأنهم، وفي مكان آخر، عثروا على المطلوب.. وربما قتلوه.. الأمر الذي يجعل من المهمة هنا نافلة، وبالتالي يُفترض أن ما على الجندي إلا ترك المكان، والعودة إلى مقر القيادة، لتلقي الأوامر لمهمّة أخرى.

ولكن الفيلم يختار، ربما تصعيداً لحدثه الدرامي، أو استكمالاً لمقولته، أن ينتبه الشاب الفلسطيني، في هذه اللحظة القاتلة، إلى أن هناك من يراقبه.. فيطغى تعتيم على الشاشة، ونسمع صوت طلقتين.. يعود الصوت من جهاز المحادثة اللاسلكي، متسائلاً: «نمر.. هل أطلقت النار؟..»، فيجيب الجندي الرابض في المكان: «كلا».. وكل ما في الفيلم ينبئ بأنه يكذب.

فيلم «المشهد» على هذا النحو، الذي رأيناه، يبدو ممتلئاً بالدلالات والإشارات التي تقدم رؤية عميقة للقضية الفلسطينية.. فالفلسطيني مرصود بالقتل، في كل مكان هو فيه. إنه مطارد حتى في أكثر لحظاته خصوصية.. والجندي الإسرائيلي متأهّب خلف فوهة سلاحه، يصوّبها، يمارس القتل باعتباره مهمة يومية اعتيادية، لا ترفّ له جفناً، ولا ترعش إصبعه المتحفزة للزناد.

أما فلسطين، فتبدو مكاناً للحياة العادية، زاد المؤثر الصوتي لتلاوة القرآن من أصالتها، ومن بساطة ناسها، الذين لم نرهم عن قرب، ولم نسمعهم أبداً.. ولكن أحسسنا بقوة وجودهم.. بينما تنكشف إسرائيل باعتبارها وعاء لجنود قادمين من شتى أصقاع الدنيا، لا يجمعهم إلا مشروعها الاستيطاني، باعتبارها ثكنة لهولاء الجنود الغرباء.. غرباء إلى درجة أن يقتلوا، وينكروا!..

المستقبل اللبنانية

01/02/2009

 

استعادة ستانلي كيوبريك في غيابه 

قلّة من الناس، على الأرجح، سمعوا بـ يوهانّا تير ستيغ، على الرغم من أن المخرج الأميركي الكبير ستانلي كيوبريك كان قد اعتبرها أفضل ممثّلة عرفها. ستيغ ولدت في عام 1961 وحققت نجاحات معقولة في أفلام عديدة مثل فيلم «ذا فانيشينغ» لجورج سلويزر (1988)، و»سويت إيمّا، ديير بوبي» لإستفان سزابو (1992)، و»بارادايس روود» لبروس بيريسفورد (1997)، لكنّ اسمها ظلّ مغموراً حتّى في بلدها الأصلي، هولندا.

والممثّلة الهولنديّة الشقراء تذكر وتستعيد اليوم لقاءها بكيوبريك للمرّة الأولى في مطلع التسعينات، حين توجّهت إلى سانت ألبانز لتلك الغاية. فقد أراد المخرج الكبير آنذاك اسناد الدور الرئيسي لها في الفيلم الذي كان يحقّقه عن الهولوكوست، «ذا آريان بايبرز»، وذلك بالاستناد الى رواية لويس بيغلي «وور تايم لايز»، الرواية السيرة. إنّه الفيلم الذي كان من شأنه أن يكرّسها واحدة من أكبر نجوم السينما في العالم.

«كان كيوبريك مقتنعاً تماماً بأنّه وجد الممثّلة الجديرة في أن تحتلّ موقع الصدارة بين النجوم وبأنّها سوف تضفي على فيلمه، القاتم والجدّي، بريقاً ضروريّاً»، يقول صهر كيوبريك، المنتج يان هارلان، عن تير ستيغ. والواقع أن عدم تحقّق فيلم كيوبريك ذاك انعكس بشكل «كارثي» على الممثّلة.

لم يتسنّ لكيوبريك تحقيق حلمه في «آريان بايببرز»، لكنّ محبّي المخرج الكبير سوف يحظون بفرصة عزيزة لمشاهدة طيف ذلك الحلم، «طيف آريان بايبرز»، لكن من دون يوهانا تير ستيغ، وذلك من خلال عمل جديد للفنانتين الشقيقتين جاين ولويس ويلسون، وهو العمل الذي سوف يعرض في برنامج عن ستانلي كيوبريك في «بي أف آي ساوث بانك» (المسرح الوطني للأفلام) في لندن الشهر القادم. إذ قامت الشقيقتان بالاستناد على أرشيف كيوبريك الحافل بالصور والمعلومات عن الفيلم، كما أضافتا بحثهما عن فترة الحرب العالميّة الثانية.

وكما يروي صهر كيوبريك، المنتج يان هارلان لصحيفة الانديبندنت (27 كانون الثاني 2009)، فقد كان المخرج الأميركي يحاول على مدى عشرين عاماً تحقيق فيلم «ذا آريان بايبرز» الذي تدور أحداثه حول الهولوكوست. كان ذلك بالنسبة لكيوبريك بمثابة هاجس يسكنه، كما مثّل بالنسبة له تحدّياً في أن يقوم بتكثيف إحدى أكبر فظائع القرن العشرين بساعتين سينمائيّتين. لم يرد كيوبريك تحقيق فيلم وثائقيّ. بل كان يطمح لتحقيق عمل دراميّ. وقد حاول في البداية أن يتناول موضوع الدعاية النازيّة التي تصدّر أنشتطها جوزف غوبلز، غير أنّه لم يستطع الحصول على قصّة ونصّ يرضيانه.

هارلان حاول في الثمانينات مساعدة ستانلي كيوبريك. فقد اتّصل بالروائي باشيفيس سينغر، وطلب منه، نيابة عن كيوبريك، كتابة نصّ السيناريو لفيلم عن الهولوكوست. سينغر لم يستطع الشروع في الكتابة، إذ كان يقول بأنّه يفتقد إلى المطلع الجوهري الذي قد يقوده لمعالجة باقي النصّ. لكن انطلاقاً من ملاحظة سينغر تلك، انطلق كيوبريك في تحقيق بحثه حول الفيلم، حيث كان يواجه تحدّياً حقيقياً في ضيق هامش التأويل المفيد والموحي، بهكذا قصّة حسّاسة. وقد استطاع المخرج تحقيق بحث شيّق وكبير قاده إلى رواية لويس بيغلي المنشورة عام 1991، حيث وجد فيها الحساسيّة والدقّة المطلوبتين.

«إنّه لتحدٍّ كبير ومجازفة حقيقيّة أن يتمّ اليوم تناول مشروع كيوبريك الذي لم يتسنّ له تنفيذه»، يقول هارلان حول عمل الشقيقتين جاين ولويس ويلسون المرتقب. «إنّها ليست قصّة دراماتيكيّة مليئة بالأحداث والحركة، إنّه فيلم يتلبّسه الكثير من الصمت. الذروة فيه هي تلك النقطة السحيقة والرهيبة التي بلغتها الإنسانيّة مع النازيين»، يقول هارلان، صهر ستانلي كيوبريك.

المستقبل اللبنانية

01/02/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)