تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

تركيا في الضوء

قيس قاسم

خريطة عالمية جديدة في مهرجان غوتنبورغ

نريد رسم خريطة عالمية جديدة للسينما! بهذه الكلمات لخصت المديرة الفنية لمهرجان غوتنبورغ السينمائي الدولي وطموح دورته الثانية والثلاثين. وفي تصريحها الصحافي قالت أوسا بيرنلو: لقد جمعنا لدورتنا الحالية 450 فيلما من 70 دولة، ونتوقع ان يشاهدها أكثر من 160 ألف متفرج، وغايتنا من هذا الحشد الكبير إعطاء السينمائيين القادمين من دول ما زالت غير موجودة على الخريطة السينمائية، فرصة التعبير عن أنفسهم.

الدورة الحالية أفردت حيزا كبيرا للسينما التركية ضمن قسم «تركيا مقربة» وضمت ثلاثة عشر فيلما بينها وثائقي بعنوان «ما أحلى الديمقراطية» شارك في إخراجه ثلاث نساء ورجل. الفيلم يتناول واقع المرأة التركية والكردية على وجه الخصوص. بقية الأفلام، كلها روائية جديدة باستثناء أفلام المخرج المميز نوري بلجي جيلان، فقد اختير بعض قديمه الى جانب أحدث نتاجاته. وحسب المديرة الفنية فإن اختيار أكثر من فيلم له نابع من تميز أسلوبه السينمائي الشديد الحساسية والتعقيد ومعالجاته التي تمس القضايا الوجودية والواقعية. وفيلم «ثلاثة قرود» خير مثال على ذلك. هذا الفيلم حصل بفضله جيلان على جائزة أفضل مخرج في دورة مهرجان «كان» الأخير، وهو يحاكي واقع تركيا اليوم المعبر عنه بصورة القرود الثلاثة الشهيرة. ثلاثة قردة مصطفة: الأول لا يسمع والثاني يضع يده على عينيه أي لا يرى والثالث لا يتكلم واضعا يده على فمه. صورة عن واقع محافظ ينشد الطمأنينة بانحيازه الى السلبية. وهذا ما وقع للسائق «أيوب» حين قبل تلبس جريمة سيده السياسي والغني «ثروت بيه».

الحكاية تبدأ حين يدهس ثروت بيه أحد العابرين بسيارته فيقتله. وكي يتخلص من جرمه هو يطلب من سائقه إعلان مسؤوليته عن الجريمة مقابل مبلغ من المال. يقبل أيوب العرض ليستر سيده ويؤمن المال لعائلته. الحكاية تعكس المتغيرات التي يمر بها المجتمع التركي وترسم تفاصيل المشهد الحياتي الجديد، الى جانب رسوخ قيمه التقليدية الداعية الى التكتم على كل ما يجري، خشية من الفضيحة، أو لقبول الحياة كما هي. وسيعرض لجيلان «غيوم أيار» ورائعته «من بعيد» التي حصل بفضلها على جائزة التحكيم في مهرجان «كان» 2006، الى جانب فيلم الأسئلة الوجودية «مناخات» الذي أعتبر واحدا من الأفلام الغائرة في بحث العلاقة الوجودية بين المرأة والرجل.

وتعكس الأفلام المختارة من منطقة الشرق الأوسط، الصراع العربي- الإسرائيلي، بشكل كبير، لدرجة يخيل لزائر المهرجان انها اختيرت بتعمد لتتناسب مع الأحداث الدموية الخطرة التي تعيشها مدينة غزة والشعب الفلسطيني على العموم وبقية دول المنطقة كلبنان وغيره. هذا على مستوى الأشرطة التي تتناول قضايا سياسية مباشرة. أما مشكلات منطقتنا الاجتماعية والاقتصادية فهي حاضرة عبر أفلام معظمها منتج في المغرب العربي كفيلم «مسخرة» للجزائري لياس سالم والمغربي «الفرنسية» لسعاد بوحاتي.

من لبنان جاء فيلم «بدي شوف». يعرض الشريط التسجيلي ما تركه العدوان الإسرائيلي من آثار مدمرة على جنوب لبنان في العام 2006. المخرجان جوانا حجي توما وخليل جريج استعانا بالممثلة الفرنسية الشهيرة كاترين دونوف ليعرضا عبر مشاهداتها الحية للمنطقة ما تعرض له الشعب اللبناني في الحرب.
وفي معالجة تبدو بعيدة عن المألوف في عرض القضية الفلسطينية ذهبت نجوى نجار في فيلمها «المر والرمان» الى مكان أبعد من الصور المأخوذة بكاميرات القنوات التلفزيونية. نجار أرادت الدخول الى العمق الإنساني للفلسطيني. ركزت على الحياة السوية والحاجات الجسمانية والنفسية للناس. ذهبت لتجسد حاجة الشابة الفلسطينية «قمر» التي زجت اسرائيل بزوجها في السجن، لتبقى وحيدة. مثل كل البشر هي تبحث عن وسيلة تخرجها من حزنها فتجد في الرقص خلاصها. هنا تعبر نجار عن حاجة الفلسطيني الى الحرية عبر بحثه عن وسائل تبقيه على قيد الحياة، متشبثا بها وبمتعها، وتبعده قدر المستطاع، عن ثبات صورته كرمز دائم للقهر.

يقترب محمود مساد من موضوع خطير تعاني منه المنطقة، أي الإرهاب. وفي معالجة تسجيلية رائعة يحقق مساد شريطا ناجحا يدرس فيه التعقيد الشائك في تعريف مفهوم الإرهاب وكيفية التعامل مع المتورطين في جرائمه أو التائبين عنه. في «إعادة خلق» يرصد مساد يوميات إرهابي اعتزل نشاطه وركز على عيشه وعيش عائلته اليومي، ومعه يعرض الشريط المنطلقات المشجعة لظهوره وصعوبة اندماج المتورطين به في مجتمعاتهم. جهد سينمائي صبور ورؤية مختلفة لمفهوم الإرهاب يعرضها مساد في فيلمه المثير للجدل.

أما أفلام المغرب فأبرزها الجزائري «مسخرة». عنوان يتطابق مع الواقع العربي وما جرى مع المزارع «منير» الذي ظل موضع سخرية القرية بسبب مرض شقيقته، حتى اللحظة التي أطلقت فيها كذبتها وقالت إنها ستتزوج من شاب أجنبي غني. يتغير موقف سكان القرية منها ومنه كليا، ويهرعون الى مساعدتهما طمعا في كرم منهما قد يصيبهم بعد حين. انتهازية وقحة وأخلاق مزدوجة يجسدها لياس سالم في مسخرته الرائعة. ومن الجزائر، أيضا، يفاجئنا المخرج مالك بن إسماعيل بشريط وثائقي بعنوان «ولو في الصين»، يعيد فيه التاريخ النضالي للشعب الجزائري ضد المستعمر وصولاً الى الواقع الذي لم يتطور كثيرا في بلده الذي تركه قبل خمسين عاما وعاد إليه ليكتشف تخلفه القديم ذاته. عودة المهاجر وجد لها مهرجان غوتنبورغ عنوانا معبرا: المنفي.. ذهاباً وإياباً. أفلام هذه المجموعة عن المنفى ومصير المهاجرين وصعوبة تأقلمهم بين الوطن وبلد المهجر. وفيلم «فرنسية» يكثف المشكلة فالطفلة المغربية صوفيا ذات السنوات العشر، ورغم عودتها مع أهلها من فرنسا الى المغرب وعاشت فيه معهم، ظل الناس ينادونها بالفرنسية. وهي ظلت تعاني من تحديد هويتها. موضوع قديم بمعالجة مقنعة أهدته لنا المغربية سعاد بوحاتي.

سينما الشمال

وكما كل دورة تحظى أفلام دول الشمال بالقسط الأكبر. وتخصص لها أقسام كبيرة، الى جانب الندوات التي يشارك فيها سينمائيون شماليون. فالمهرجان يبقى اسكندينافيا في المقام الأول. ومسابقة الخنفساء الذهبية تتنافس فيها أفلام من تلك الدول وقسم «أفلام من السويد» تعرض فيه، تقريبا، كل النتاج الجديد مع عودة الى القديم منه ضمن عناوين خاصة مثل «عودة للوثائقي السويدي». كما يدخل بعضها في مسابقة جائزة انغمار بيرغمان العالمية. ومع ذلك، وهذا ما يحسب له، تجد العالم كله الى جانبه. الجنوب وكل القارات، من الهند حتى البرازيل. والأفلام العالمية الكبيرة لها مكانها في قسم «الاحتفال». وهناك ثيمات خاصة يبتكرها منظمو المهرجان مثل «عشرون سنة على سقوط جدار برلين» و«الرياضة والسينما» الى جانب القسم الواسع والمهم «القارات الخمس»، وسيعرض فيه الهندي «بيت في السماء» لبيبين ندكارني والأرجنتيني «مطر» لباولا هيرنانديز، قسم «صور في صور» سيقدم فيلما أميركا بعنوان «لقاء مع اندريه تاركوفيسكي». فيلم عن حياة المخرج الروسي الكبير. ويراقب الناس بدقة ترشيحات النقاد في إطار قسم «أسبوع النقاد» وفيه يرشح بعض النقاد أهم عروض المهرجان حسب رأيهم. والمفارقة ان الفيلم الكازاخستاني «تولبان» أدرج بين أفلام هذه المجموعة. والمفاجأة الكبيرة افتتاح المهرجان بفيلم وثائقي لمخرجة إيرانية مقيمة في السويد اسمها ناهيد بيرسون. شريطها له علاقة ببلدها وذكرياتها عن الملكة فرح ديبا. الفيلم حمل عنوان «أنا والملكة» جمع بين طياته الواقع والمتخيل، أضفى عليه هذا المزج طابعا متميزا أهّله لشرف الافتتاح.

الأسبوعية العراقية في 25 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)