تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ضوء

مفردات السينما الفلسطينية

عدنان مدانات

في العام 1982 أنجز المخرج العراقي قاسم حول فيلمه الفلسطيني الروائي الطويل “عائد إلى حيفا” والذي صوره في لبنان، والفيلم مقتبس عن رواية غسان كنفاني. يتضمن هذا الفيلم مقولة رئيسية وهي أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالكفاح المسلح، كما يتضمن فيلم المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي “عرس الجليل”(1987)، والمصور داخل فلسطين المحتلة، مقولة سياسية مهمة تتعلق بجوهر الصراع العربي  “الإسرائيلي” تشير إلى استحالة الوصول إلى سلام مع المحتل.

هذان الفيلمان كانا باكورة الأفلام الروائية الفلسطينية الطويلة، وبعدهما تتالت الأفلام الفلسطينية الروائية الطويلة، الممولة وفق قاعدة الإنتاج المشترك أو مجرد التمويل الأجنبي، وانفتحت أمامها أبواب المهرجانات السينمائية الدولية وصولا إلى حصول بعضها على جوائز رئيسية. تحمل هذه الأفلام تواقيع المخرجين، إضافة إلى ميشيل خليفي في أفلامه اللاحقة، رشيد مشهراوي، إيليا سليمان، هاني أبو أسعد، والمخرجتين آن ماري جاسر ونجوى النجار.

على الرغم من تنوع الأفلام الفلسطينية اللاحقة في المواضيع والقصص المسرودة، وعلى الرغم من اختلاف الأسلوب، تتشابه الأفلام في اعتمادها على مفردات متكررة، يراد منها أن تعكس الحال الفلسطيني تحت الاحتلال وأشكال القمع وأشكال المقاومة: الحواجز العسكرية، المجابهات بين جنود الاحتلال والمتظاهرين المدنيين، خاصة الأطفال، في شوارع مدن الضفة الغربية، المستوطنون الصهاينة ومصادرة الأراضي، يضاف إلى ذلك الإصرار على العيش رغم كل شيء. يبدو الفلسطينيون في هذه الأفلام أناسا طيبين بسطاء وضحايا. تنحو هذه الأفلام باتجاه معالجة تفاصيل الحياة اليومية، ويظهر مخرجوها قدراً من محاولة الظهور بمظهر الفنانين الذين يعالجون القضايا بموضوعية والذين لا يرون الأمور من زاوية واحدة، فلا يكتفون بتقديم صورة إيجابية عن المواطنين الفلسطينيين، بل لا يجدون ضيراً في أن يعرضوا السلبيات وأن يتعرضوا بالنقد لبعض أوجه التخلف الاجتماعي والتقاليد المتوارثة التي لم تعد مقبولة في الزمن الحاضر. لا نتعرف في غالبية هذه الأفلام الى الطرف الآخر، المتمثل بالعدو “الإسرائيلي”، إلا من بعيد، لا نرى منه إلا الجنود عند الحواجز أو أثناء المصادمات مع المتظاهرين، هذا إضافة إلى بعض المستوطنين، فلا تقدم هذه الأفلام العدو بكامل قسوته ولا تفضحه من حيث جوهره باعتباره عدواً مصيرياً، والصورة التي تقدمها هذه الأفلام عن أفعال العدو الإجرامية، هي أقل كثيراً من حيث تفاصيلها ومن ناحية تأثيرها الحسي في المشاهدين، من تلك الصور القاسية التي تبثها النشرات الإخبارية التلفزيونية يومياً والتي تعرض ما يتعرض له الفلسطينيون من تنكيل وقمع دموي.

بسبب من اتجاه الأفلام الفلسطينية الروائية (ونحن نعتبرها فلسطينية فقط بسبب مضامينها ومواضيعها وبالأخص هوية مخرجيها، رغم مصادر تمويل معظمها، على الأقل، غير الفلسطينية) نحو الاكتفاء بمعالجة الحياة اليومية، فهي تنأى بنفسها عن معالجة القضية المصيرية الكبرى في جوهرها باعتبارها قضية صراع على الوجود، أي تنأى بنفسها عن الخوض بالمواضيع ضمن إطارها وجوهرها السياسي المباشر، الأمر الذي أشرنا إلى وجوده في الفيلمين الأولين “عائد إلى حيفا” و “عرس الجليل”.

في “عائد إلى حيفا” يزور أبوان حيفا بعدما صار ذلك ممكناً لهما بعد حرب حزيران ليبحثا عن ابن لهما فقداه رضيعا خلال هروبهما من حيفا أثناء الاجتياح الصهيوني. عندما يلتقيان بالابن أخيراً يعرفان، بعد نقاش طويل صريح، أنه صار جندياً “إسرائيلياً” صهيونياً، فيقرر الأب بعد عودتهما إلى الأردن، السماح لابنه الآخر بالانضمام لحركة المقاومة المسلحة الناشئة، وهو ما كان يعترض عليه سابقاً.

في  “عرس الجليل” يصر القائد العسكري “الإسرائيلي”، كي يسمح لمختار قرية بإقامة عرس لابنه في وقت منع التجول، أن يحضر العرس كضيف. يضطر المختار لقبول العرض على الرغم من اعتراض الآخرين. في النهاية، يصور المخرج حفل العرس الذي حاول المدعوون “الإسرائيليون” فيه التصرف كضيوف مرحب بهم، ولكن على العكس من تظاهر “الإسرائيليين”، لا يخفي الفلسطينيون رفضهم لهذا الوجود، مما يجعلهم في النهاية يطردون “الإسرائيليين” من الحفل والقرية في هبة واحدة هي أشبه ما يكون بالانتفاضة. لا نعثر على مثل هذين الموقفين في الأفلام اللاحقة. أين يكمن الخلل؟

الفيلمان الأولان صنعا في زمن ما قبل اتفاقيات السلام، والفيلم الأول كان إنتاجا فلسطينيا مستقلا بتمويل عربي ليبي، أما الفيلم الثاني فكان إنتاجا مستقلا. الأفلام اللاحقة جاءت بعيد اتفاقيات السلام ومعظمها نتيجة تمويل أجنبي يعرف ما لا يريد رؤيته في الأفلام عن فلسطين، خاصة فيما يتعلق بفضح “إسرائيل” والصهيونية. لا نقول هذا للانتقاص من قيمة تلك الأفلام الفلسطينية الروائية الطويلة، إذ هي بطبيعة الحال انعكاس لمرحلة، على الأفلام اللاحقة أن تتخطاها لتعكس مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد غزة.

الخليج الإماراتية في 24 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)