تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

وينسلت ودي كابريو في فيلم جديد يبدأ عرضه محلياً اليوم  

«طريق ثوري» يفضي إلى الأعماق 

زياد عبدالله – دبي

ثمة حلم إنساني مشروع في داخل كل شخص، يتمثل في تغيير حياته جذرياً، كأن يستيقظ صباحاً ويقرر ألا يعمل بعد اليوم، وسيقتل بلا رجعة روتين أيامه المتشابهة والمتدافعة بلا جدوى، أو أنه سيسافر إلى أبعد نقطة عن المكان الذي يعيش فيه، ويبدأ حياته من الصفر، على شيء من التلاشي، أو التحول إلى كائن غير مرئي.

يمكن الحديث أيضاً عن الأثر الذي قد تحدثه أية تغيرات طفيفة في حياة أحد ما، وجرعات الأمل التي تهبط فجأة بمجرد شرب فنجاة قهوة الصباح في مقهى، بدلاً عن السيارة، وأنت عالق في زحمة سير خانقة.

يمكن ربما الاسترسال في ما تقدم إلى ما لا نهاية، والابتعاد عن فيلم سام مندس الجديد Revolutiony Road «طريق ثوري» ولنكتشف ونحن نشاهد هذا الفيلم الذي يبدأ عرضه اليوم في الصالات المحلية، أننا لا نبتعد عنه أبداً إلا بمقدار ما تمليه قراءة الفيلم الذي يتخذ مما أسلفنا بؤرة درامية مذهلة.

سيحضر في الحال فيلم «جمال أميركي» لدى الحديث عن مندس وجديده، أكثر من «غارهيد» فيلمه السابق لـ «طريق ثوري»، ولن يكون الرهان على هذا الأخير إلا رابحاً، ومعززاً بكل ما يجعل من هذا الفيلم إضافة جديدة لمسيرة هذا المخرج المميّز.

«طريق ثوري» مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب ريتشارد يتس (1926 - 1992) ، ولعل الفيلم يتخذ من القيمة الأدبية العالية لهذا العمل الروائي معبراً لأن يقدم قيمة سينمائية خاصة، مبنية على مجاورة للواقع، مع الحرص على تقديم فن يشبه الحياة، بحيث يكون إيقاعه على تناغم معها، والدراما التي يبنى عليها آتية من الرغبة في تغيير واقع تختزل المعاناة فيه بالرتابة، وانفصاله عن كل أحلام الطفولة والمراهقة. ما من جديد، فرانك (ليوناردو دي كابريو) مواظب على عمله الذي لا يحبه، الرتابة نفسها، أداؤه فيه آمن لا أكثر ولا أقل، وبما يضمن تسلم راتبه آخر الشهر، يخون زوجته مع موظفة مستجدة، يعود إلى البيت ليجد زوجته آبريل (كيت وينسلت) مع ابنتيه قد أعددن احتفالا بعيد ميلاده، وهدية زوجته له تكون بقرارها أن يسافرا أو يهاجرا من أميركا إلى فرنسا، ويستقرا والأولاد هناك، هي تعمل وهو يتفرغ للتأمل والقراءة والكتابة، على شيء من إيمانها بأن الوقت قد حان ليقوما بشيء يشبههما، حياة تخلو من المطامح المالية والأسرية فقط لا غير، بيت وسيارة وعمل وما من جديد.

هذا الأمل يكون كفيلاً بإشعال جذوة الحب المنطفئة بينهما، وقلب حياتهما رأساً على عقب. تتحول حياتهما إلى جنة، تمضي بسلاسة لا بل إن فرانك يحقق نجاحات في عمله، ولا تتخيلوا إلى أين ستمضي بهما الأحداث من جراء هذه الرغبة، وكم سيضاء من خلالها حقيقة شخصية كل واحد منهما، وكل ذلك عبر نبش الأعماق، وأحداث طارئة ليس لها أن تكون كذلك ما لم يكونا على جاهزية للوصول بكل شيء إلى أقصاه، واكتشاف آبريل بأن فرانك ليس بالصورة التي وطنت نفسها عليها، إنه شخص عادي يتبجّج بالأحلام والتي سرعان ما يتخلى عنها عند التفكير في تحقيقها، إنه ضرورة الوهم لأن تستمر الحياة، والذي يكون صلباً وحاضراً كشكوى توازي الحياة، ولكنه سرعان ما يبدو هشاً متى أتيح له أن يتحقق ويتحول إلى حقيقة.

يجب تأكيد أن الأدوات التي يبرز فيها ذلك تتمثل بتصاعد درامي بين فرانك وآبريل، ومن ثم اكتشاف آبريل أنها حامل، ولتبدي استعدادها لأنه تجهض مقابل العيش في باريس، الأمر الذي يرفضه فرانك، وليبدأ بالتخلي عن كل الفكرة، وخصوصاً بعد ترقيته في عمله، وليقرر أن يعودا إلى حياتهما السابقة.

هذه العودة لن تتحقق لآبريل، ستجد وعورة هائلة في تحقيق ذلك، سيخرج كل ما في داخلها من تراكمات، ستبدو حياتها دون هذا الحلم مستحيلة، وخصوصا أن الفيلم يبدأ من اكتشافها أنها ممثلة مسرحية فاشلة، ولكم في النهاية ما لا تتوقعونه.

فيلم «طريق ثوري» اسم على مسمى رغم أنه اسم الطريق الذي يقع فيه بيت آبريل وفرانك، لكن هذا الطريق سيكون مجازاً لثورة صغيرة، ومطمح إلى التغيير يصطدم بالجبن المتأصل في الإنسان، برغبته في الاستقرار والاستكانة إلى كل ما هو معد وجاهز سلفاً، وحياة لا تحيد يميناً أو يساراً، وبالتأكيد إلى الطمأنينة التي هي في النهاية «دناءة روحية» كما يصفها تولستوي. يأتي فيلم «طريق ثوري» من مكان سحيق في أعماق الإنسان، يصرخ هامساً وعلى شيء من الهدوء الذي سيبدو في النهاية سابقاً للعاصفة، إنه بحق فيلم محكم ويبني من اللاشيء في البداية كل شيء، ثم تذكروا إنها كيت وينسلت بكل روعتها.

الإمارات اليوم في 22 يناير 2009

 

فيروس القتل الإسرائيلي 

شاشة بـ 821 شهيداً أو بوصة 

زياد عبدالله –دبي 

فيروس فتّاك سيهبط من حيث لا ندري، الخيال العلمي سيجد المبررات.. سيتحول أحدهم إلى مصاص دماء في ثانية، ويصاب آخر بسعار مجنون يدفعه لنهش البشر، وليستشري هذا الفيروس ويصيب جميع من في الفيلم، إلا حفنة قليلة من الناجين، يمضون الفيلم وهم يلوذون بحياتهم الطبيعية، لا يريدون الموت وفي الوقت نفسه لا يريدون أن يتحولوا إلى كائنات متوحشة تنهش البشر.

يمكن العودة إلى ذلك افتراضياً في فيلم «بعد 28 أسبوعاً»، إذ تكفي 99 دقيقة لمتابعة هول ما يحمله هذا الفيلم، مع إتاحة الفرصة للتثاؤب أو أكل «الفوشار»، وإن شئت فقد يرتفع معدل الادرينالين، الأمر متروك لك، كمشاهد «حر»، ولك أيضاً أن تدع كل ذلك جانباً وتبحلق بالتلفزيون، وبالضرورة على قناة «الجزيرة» لتشاهد بثاً مباشراً لفيروس القتل الإسرائيلي الممنهج من دون أي خيال علمي يأخذنا مثلاً لـ١٠٠٠ سنة للأمام أو للوراء، ولا حاجة للاستعانة بكائنات فضائية مادام الجنود الإسرائيليون فضائيين بامتياز، وبالتأكيد من دون مركبات أسطورية ما دامت طائرات الـ«إف ١٦» قادرة على رصد مصاصات الأطفال، وتحليل أحلامهم الغامضة على شاشات الرادار، وقتلهم بكبسة زرّ، بغمضة عين ليس لها أن تغمض على نوم، بل الموت ولا شيء إلا الموت ماداموا على هذا القدر من البراءة، ولا يعرفون أنهم يعيشون في غزة، غزة «الغيتو»، المدينة الخيالية التي وجدت لأن تكون «المدينة الفاضلة» للقتل الإسرائيلي، دريئة الأسلحة الفتاكة، حقل الموت القادم من البحر والبر والجو.

سيتفوق الفيروس الإسرائيلي على أعتى فيروس تفشى في فيلم رعب، لا حاجة للعدوى هنا، إنه متأصل في خلايا الاسرائيليين ويمتد لأكثر من 60 سنة، ولاستكمال فيلم الهلع سيتطلب الأمر حشوداً هائلة من الكومبارس، وحملة صراخ عارمة سيشعر من يقتل بأنها قادمة لا محالة من المريخ، مادام الجميع عاجزين عن فتح الباب الموصد، ولا حتى مواربته لدخول ضمادة جرح أو علبة حليب.

رواة الفيلم الكثر سيحللون بعربية لا تشوبها شائبة الحدث الجلل، وستتكرر مشاهد القتل إلى ما لا نهاية، ولن تتاح أية فرصة لمعرفة ولا حتى أسماء الضحايا، سيمرون كجثث، سيتكاثرون كأرقام لا تصدق في عداد القتل الأسرائيلي.

ولئلا نشعر كمشاهدين بالملل فإن التنويع سيكون واجباً على حملة الفيروس الإسرائيلي، فتارة يقصفون مدرسة وأخرى سيارات الإسعاف، والأمر متواصل بمباركة شاسعة من مجلس كامل من المخرجين والمهرجين ومديري التصوير ورؤساء الكومبارس وكتبة السيناريو ومصممي الأزياء وخبراء التجميل.. ووو، ولعلهم جميعاً يعملون ليل نهار لأن يكون الفيلم ناجحاً وحقيقياً ومكلفاً من خلال طريق واحد هو «قتل كل من في غزة».

أنت كمشاهد يمكنك أيضاً أن تسهم وتواصل أكل «الفوشار»، أو التثاؤب، وإن شئت فقد يرتفع معدل الادرينالين، كما في أفلام الرعب وتواصل مشاهدة الأطفال يقتلون، فأنت «مشاهد حر»، و«مستهلك حر» أيضاً مادام بمقدورك شراء شاشة تلفزيون جديدة بـ821 شهيداً أو بوصة.. لا فرق!

الإمارات اليوم في 11 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)