تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

كلود بيري:

بين الشهرة الاعلامية كمنتج والهوية السينمائية المهزوزة كمخرج

باريس ـ من بوعلام رمضاني

كانت مراسيم دفن المخرج والمنتج السينمائي كلود بيري في مقبرة اليهود بضاحية بانيو الباريسية يوم الخميس صورة سميولوجية جديدة اكدت البون الشاسع بين اهمية فعله الابداعي في مجال الفن السابع وبين الهالة الاعلامية التي ميزت حضوره وسيطرته وقوته كمنتج استطاع ان يسوق افلاما حققت رواجا تجاريا فاق كل التوقعات . رحيل بيري المنتج لفيلم 'اهلا وسهلا بكم عند اهل الشمال' (حوالي 20 مليون مشاهد) العام الماضي حقيقة لا يمكن الا ان تنقش اسمه في تاريخ خانة امهر المنتجين وليس بالضرورة كأحد اكبر و أهم المخرجين السينمائيين الفرنسيين كما صورته بعض الجهات الاعلامية القريبة منه بعيدا عن المعيار الابداعي. والحضور الفني النوعي الهائل الذي رافقه الى مثواه الأخير وعلى رأسه رفيقته الكاتبة ناتلي ريمس ونجوم في حجم غيوم تبارديو وكاترين دوناف وكرستيان كلافييه وداني بون وباتريس شيرو وايزابيل عجاني الجزائرية الاصل واودري توتو وكوستا غافـــراس ودنـــيال اوتــــاي وعدد كبير من نجوم السيــــنما الفرنسـية عمق من جديد قوة صاحب اللوبيه السينمائي والتجاري الذي سيكرس من خلال ابنه توما باعتباره التلميذ الاول والاخير المستفيد من 'موهبة 'ابيه التسويقية .

كلود لونقمان (اسمه الحقيقي) الذي توفي في مستشفى سال بتريار الشهير يوم الاثنين عن عمر يناهز الرابعة والسبعين اثر نزيف دماغي قبل ان يكمل فيلمه الجديد 'كنز'... يعد ظاهرة سينمائية فرضت نفسها في الساحة الفرنسية 'بفضل' فشله الاول المبكر كممثل في مرحلة اولى والثاني كمخرج لم يوفق فنيا الا في حوالي اربعة افلام على حد تعبيره في احدى المقابلات التلفزيونية الامر الذي دفعه الى التحول للاستثمار في كواليس افلام شارك في اخراج بعضها، ولعل اجماع النقاد على توفيقه الفني الكامل في فيلمه 'الرجل الهرم والطفل' (سيرة ذاتية) تجعل من مساره السينمائي الطويل موضوع جدل ابدي بالنظر الى احتفالية كبواته التي غطى عليها اعلام كان يدور في فلك التأثير الشخصي والبزنسي للراحل. بيري الراحل بعد حوالي نصف قرن من الشهرة غير السينمائية الفنية بالضرورة وابن الشيوعي الهارب من النازية في نواحي مدينة ليون ... بدا مسرحيا متأثرا في الخمسينات بمثله الاعلى جان فيلار ولم يعمر طويلا في التمثيل المسرحي والسينمائي (انظر شهادته الشخصية) واعترافه بفشله المبكر هو الذي رمى به في احضان الاخراج عام 1962 من خلال تجربة فيلمه القصير 'فرخ الدجاجة' وبقدرة قادر استطاع ان يحصل على اوسكار في هوليوود.

وللاسف لم تكن هذه الانطلاقة التي ابهرت فرنسوا تريفو سيد الموجة الجديدة او سينما المؤلف المعروفة فرنسيا علامة مؤشر مخرج موهوب وواعد كما بينت ذلك ايامه اللاحقة الشاهدة على فشل المسار الفني الثاني على صعيد الاخراج .اللافت والعجيب في خصوصية كلود بيريه السينمائية عدم تردده في تجسيد توليفة فنية صعبة على صعيدي الاخراج والانتاج على الرغم من وضوح مقاربته الهادفة الى خلق نوع من التوازن بين نخبوية اخراجية واكاديمية وادبية وحتى تعليمية احيانا، وبين شعبية اجتماعية تتوجه للجمهور العام ومراهنته اكثر على الثانية كمنتج موهوب في التقاط السيناريو القادر على خوض حرب شباك التذاكر وتوظيف المخرج المسند ماليا واعلاميا واشهاريا كانت علامة فارقة في ترسيخ هويته الحقيقية المدعومة من اوساط تؤمن بالسينما كصناعة وتجارة وعلاقة شبكة تضامن وتآزر غير بريئة ولعل استفادته من الرعاية الاعلامية غير المسبوقة على الرغم من كبواته الاخراجية العديدة حقيقة اخرى تعكس قدرة الراحل على صنع النجاح الذي لا يستحقه في كثير من الاحيان.

من بين عشرات الافلام التي اخرجها وانتجها في ان واحد او تلك التي وقف في كواليسها كمنتج ...قليلة هي التي تبقى راسخة في تاريخ الاضاءات السينمائية الفرنسية رغم مقاربتها الادبية والانسانية التاريخية الرائعة (جان دو فلورات لبانيول 1986 وجرمينال لاميل زولا 1993 والملكة مارقو للمخرج باتريس شيرو 1994 والدب للمخرج جان جاك انو 1988 ومع بعض فقط للروائية الصاعدة والبارزة انا كافالدا 2007 واستريكس واوبلكس ضد قيصر لكلود زيدي 1999)، وغيرها من الافلام الاخرى التي اخرجها او انتجها وعلى الرغم من تنويعه الادبي والفني السينمائي وكثرة انتاجه (32 فيلما كمنتج و 16 كمخرج ) يمكن القول بأن الشهرة الاعلامية التي دفعت به الى الواجهة السينمائية الفرنسية لصيقة اولا وقبل كل شيء بالانتاج وليس بالاخراج والالة التلفزيونية التي كان يؤثر فيها وبروزه الدائم في المحافل السينمائية تبقى من علامات الاستفهام المعلقة في مساره المشوب بملابسات غير فنية على الصعيد السينمائي الابداعي ونجاحه غير المسبوق في انتاج فليمي داني بون 'اهلا وسهلا عند اهل الشمال' و'البذرة والبغل' للمخرج عبد اللطيف كشيش الحاصل على عدة جوائز اوسكار يعدان عنوانين ناطقين بهويته الحقيقية الاقرب الى مفهموم الراعي الذي يمسك بزمام وتوابل الصناعة السينمائية واذا قارنا بين التغطية الاعلامية التي نالتها الكوميديا الاجتماعية التي تألق فيها الممثل كاد مراد و داني بون الممثل والمخرج المنحدرين من اصول يهودية جزائرية وفيلم 'بين الجدران' لاريك كانتيه الحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان الاخير ينكشف بوجه ناصع الدور الذي يمكن ان تلعبه الدعاية الاعلامية وليس الاعلام بمفهومه الاخباري غير المحايد هو الآخر رغم كل ما يقال عن خطاب الموضوعية الوهمي وفيلم 'بين الجدران 'الذي يقلق قادة فرنسا بكافة اطيافهم الايديولوجية تجربة مثيرة ورائدة وغير مسبوقة لمخرج لا يملك قوة التأثير الذي انفرد به الراحل بيري .

فيلم 'بين الجدران' عرّى فرنسا التي فشلت في تجسيد ما تسميه بالاندماج الاجتماعي والانصهار المطلوب بين ابناء فرنسيين اختلفت ألوان بشراتهم وهم الابناء الذين مثلوا ادوارهم على النحو الذي خطف لب السينمائي الامريكي شين بين رئيس لجنة تحكيم مهرجان كان الاخير . عودة الى هذا الفيلم تفرض نفسها لان السيناريو خرج من رحم الروائي فرنسوا بيقودو استاذ اللغة الفرنسية الذي لعب دور الممثل الذي تاه وسط تلاميذ الجمهورية الضائعة رغم بريق شعارات الحرية والاخوة والمساواة. فيلم 'بين الجدران' اعاد الروح الى السينما الفرنسية وبفضله عادت فرنسا الى مهرجان كان بعد واحد وعشرين عاما من الغياب.

قال الراحل كلود بيري.

لو نجحت في التمثيل... لما اصبحت مخرجا. ولأنني كنت غير مشغول وشبه بطال اقنعت ابي وبعض الاصدقاء بتمويل مسرحية فرنسوا بييدو. من تجربة الممثل الفاشل برز ميلي للاخراج وكان علي ان آكل واعيش. بعد تجارب اخراج فاشلة في كثير من الاحيان قررت ان اتحول الى منتج.

القدس العربي في 22 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)