تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مقعد بين الشاشتين

تاريخ حياتك .. بالعكس

بقلم : ماجدة موريس

للفن حيلة لا ينافسها أحد لقدرتها علي تجسيد أزمنة وأوقات وحالات مختلفة لنراها أمامنا علي الشاشة حية نابضة.. هذا ما نخرج به من فيلم "الحالة المثيرة لبنجامين بوتون" وهو فيلم أمريكي جديد كان في مقدمة ترشيحات الأفضل لجائزة الجولدن جلوب. وربما يكون في مقدمة ترشيحات الجائزة الكبري "الأوسكار".. إنه عمل فني بديع عن مفهوم الزمن لدي الإنسان. وهل من الممكن إيقافه أو معاندته والسير عكسه.. مهما كان الغرض نبيلاً؟

لقد صنع "جانو" الضرير ساعة ضخمة تسير إلي الخلف. وعندما اندهش المدعوون للاحتفال. بوضع الساعة في الميدان. قال صاحبها إنه أراد أن يعود بالزمن إلي الوراء حتي يتفادي الحرب ومن ضاع فيها من أبناء وآباء.. كان الزمن هو 1918 بعد الحرب العالمية الأولي مباشرة.. وقد تجسدت فكرة الرجل من خلال "مولود" ولد في تلك اللحظات وماتت أمه. ولم يستطع الأب الاحتمال فوضعه علي باب بنسيون لتجده الخادمة السوداء وتسميه بنجامين وتحبه كابنها الذي لم تنجبه.. حتي مع إدراكها أنه طفل غير عادي. ففي السابعة من عمره كان أصلع ذا وجه مجعد. وقوام ذابل لا يستطيع المشي. فأحضروا له مقعدًا متحركًا.. وفي العاشرة أخذته أمه للكنيسة لتحدث معجزة ويترك الكرسي ويمشي بعكازين وسط تهليل المصلين.. وفي الثانية عشرة انفرد ظهره وأصبح بحاراً علي مركب يقوده قبطان شاب سكير. وفي هذا العمر أيضاً قابل الفتاة ديزي التي ارتبط بها حتي النهاية. نهايته كطفل ونهايتها كعجوز. والقصة كلها تحكيها هي وهي تحتضر في ساعاتها الأخيرة بأحد المستشفيات في يوم عاصف وتحكي لابنتها الشابة كارولين عن قصة لابد أن تعرفها. وتطالبها بفتح نوتة قديمة مدونة بيد وأسلوب بنجامين. الأب الذي لم تعرفه الابنة أبداً. ولم تره إلا مرة واحدة.. وعلي مدي ساعتين ونصف الساعة هما زمن الفيلم يقدم لنا المخرج دافيد فنشر عملاً لا ينسي. كتب له السيناريو إريك روث الذي تشارك مع روبين سويكورد في كتابة القصة للسينما عن قصة للكاتب الشهير "سكوت فيتزجيرالد".. ولا أريد أن أستبق الوقت. ولكن عناصر الإجادة في الفيلم كثيرة بداية من التصوير والإضاءة. وحيث دارت أكثر من نصف أحداثه في أجواء ليلية أو معتمة تجسد قدرة الضوء والظلال في إضافة الكثير من مساحات التخيل للدراما برغم ما بها من خطط قوية. وهو ما يحسب لمدير التصوير كلوديو ميراند. كذلك بدت أهمية المونتاج الذي قام به كيرك باكستر وأنجوس وال. واضحة في عمل يعتمد علي الانتقالات الزمنية والعمرية وتغير الملامح وأيضاً أضافت مصممة الملابس جاكلين ويست نوعاً من الهارمونية من البداية للنهاية. أما موسيقي الكسندر ديسبلات فهي أحد العناصر الهامة في تلك اللوحة التي يستحق أربعة من أبطالها جوائز عن أدائهم وأولهم الممثلة كيث بلانشيت في مختلف المراحل التي قامت بها. العجوز التي تحكي القصة. والشابة راقصة الباليه. والمرأة المحبة ثم المطلقة المهمومة بزوج سابق أحبته. وحاولت مواساته وهو ينقرض. نعم ينقرض باعتباره المولود عكس الزمن. وعكس البشر. شيخاً ثم عجوزاً ثم شابا وأخيراً تحول إلي طفل قبل أن يموت بين يديها!.. وغير بلنشيت البطل بنجامين أو براد بيت الذي لجأ صناع الفيلم إلي حيلة قيام آخرين بدوره مع وضع ماسك قريب منه في البداية. وفي كل لحظة نشعر بأن "الروح" واحدة في الأداء ولا يوجد انفصال مع هذا الاختلاف. ثم الممثلة السوداء تراجي هيبرن في دور كويني التي أنقذت الطفل في البداية وأصبحت أمه الوفية الحنون دائماً وأيضاً الممثل جيسون فلمنج في دور أبيه توماس بوتون الذي تخلص منه في البداية. ثم عاد ليسترده وينفس إليه بأحزانه التي لم يقلها لأحد قبله. وأخيراً الممثلة القديرة تيلدا سوينتون في دور المرأة الأولي التي أحبته وقبلته وهو مازال صغيراً في ملامح رجل ناضج ولكنه يدون تجربة العمر الذي يعبر عنه ذلك المظهر الخادع. وبرغم أن السيناريو كان يعود بنا كل فترة إلي العجوز التي تحكي لابنتها إلا أن سلاسة السيناريو وقدرة المخرج علي إحداث التواصل في الحكاية أضافت الكثير من الجمال للفيلم وإن تسببت في إطالته.. وحيث كانت فينشر حريصاً علي أن يبدو بطله براد بيت في صورته التي نعرفها ووسامته الفائقة بعد أن تخفي لمدة تزيد علي الساعة وراء أقنعة الشيخوخة وهو طفل... ودرامياً فقد انتهت حياته. كشيخ في ثوب طفل. بعد عام واحد من "تغيير النظام" أو علي الأصح إعادة النظام. حيث رفعوا الساعة القديمة ووضعوا ساعة جديدة.. تسير مع الزمن وليس خارجه. وهنا يدفعنا الفيلم للتفكير فيه في لحظات متكررة يذكر فيها القدر علي أنه مرادف لما يحدث للبطل في حياته. وما حدث لكثير من البشر. بدون تدبير أو رغبة منهم. ويؤكد الفيلم من جديد علي أن الحرب هي من هذا النوع من الأقدار التي قضت علي الرجال الذين أرادوا العودة إلي حياتهم وأحلامهم وأمنياتهم.. ولكنهم فقدوا كل شيء.. وفقدت الحياة نفسها الكثير.. حتي رفرفة الطيور بأجنحتها في واحد من أجمل مشاهد الفيلم.. لكن ما لم يطرحه الفيلم هو أسباب الحرب نفسها.. وتلك الصراعات والمطامع السياسية التي صنعت هذا "القدر" والتي قتلت 1300 رجل في ليلة واحدة كما يذكر البطل في أحد المشاهد.. وبهذه النهاية لموت البطل طفلاً "في اللغة" بين يدي المرأة العجوز التي كانت حبيبته وزوجته. وموت البطلة بعد أن أفصحت لابنتها عن سر أبيها. تبقي الفكرة نفسها لا تموت حول الحروب ودورها في إصابة أكبر عدد من البشر بالموت والتعاسة و"أمامنا حرب غزة شاهد علي هذا" ولكن فانتازيا السينما لا يمكن تكرارها في الحياة. سواء بولادة الإنسان شيخاً وموته طفلاً. أو بإعادة عقارب الساعة إلي الوراء حتي نتجنب الحروب.. لأن الحروب في حد ذاتها هي آخر ما يصلنا من أمور كثيرة قبلها مثل الطمع والرغبة في الاستيلاء علي أراضي الغير وجنون العظمة وقهر الآخرين. وقد فضل الفيلم أن يكون اجتماعياً رومانسياً علي أن يكون سياسياً.. وأن يكون ممتعاً فنياً بالدرجة الأولي. وأن يضعنا في اختبار صعب ما بين تجنب الحرب بالسير عكس نظام الكون. أو الإدراك بأن علينا أن نقبل كل شيء كما هو. خاصة الحروب. وفقاً لأقدارنا. فلقد قدم بطلاً ينمو عكس ناموس الحياة.. ولكنه برغم هذا لم يفلت من الحرب الثانية ولا من دهشة البشر الذين وجدوا فيه كائناً غريباً. ولا من إحساسه الدائم بأنه مختلف والذي من الممكن تفسيرها علي أنها دعوة إلي الامتثال.

magdamaurice1@yahoo.com

الجمهورية المصرية في 22 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)