تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الاجتياح» تجاهلته التليفزيونات العربية وفاز بأكبر جائزة للأعمال التليفزيونية في العالم

هذا حديث خجول للغاية.. عن مسلسل تليفزيوني يجب أن نتحدث عنه بأعلي صوت.. وجه الخجل أنه عومل من المحطات العربية الكبري والصغري بتجاهل غريب.. رغم قيمته كموضوع ونوعية.. ويتضاعف الخجل عندما يتم فوزه بواحدة من كبريات جوائز الدراما في العالم وهي جائزة إيمي الأمريكية متفوقًا علي أكثر من 500 مسلسل من جميع أنحاء العالم.التجاهل لم يتوقف فقط عند حدود المحطات التي تبحث عن الأنس والفرفشة وربما السذاجة واللهو.. باعتبارها البضاعة العربية الأكثر رواجًا.. بل امتد التجاهل إلي الصحافة الفنية المشغولة دائمًا وأبدًا بأخبار الزواج والطلاق والشائعات تطلقها الفنانات ثم يكن أول من ينفيها.. والصحافة بين هذه وتلك كأنها كرة تنس طاولة.. تجيء وتروح بين صد ورد.. ولا حول لها ولا قوة وأذكر أنني راهنت أحد الفنانين الكبار ذات مرة.. كيف يمكنني أن أحول مشكلة تافهة إلي قضية رأي عام تهرول خلفها الصحافة.. وبرامج الأخبار الفنية.. وكتبت خبرًا عن اعتذار هذا الفنان عن عمل فني وهمي.. وبعد يومين كان هناك من يتصل به.. ليعرف سر اعتذاره وكلمه.. ثم اتسعت الدائرة وبدأت الأخبار تنشر أتوماتيكيًا بدون رأيه.. كل يكتب علي هواه.. بل إن بعضهم قال في خبر ما.. بأنه أوقف التصوير لأنه لم يحصل علي أجره.. وبالفعل تحول الخبر المفبرك إلي حكاية في معظم الجرائد.. وهناك من قال إن هذا الفنان تم استبداله بآخر.. مع أن العمل نفسه مجرد وهم.. جنين 00في مثل هذه الظروف كنت أتابع هذا العمل الذي نحن بصدد الكلام عنه وهو «الاجتياح» الذي كتبه رياض سيف وأخرجه «شوقي الماجري» ويدور حول اجتياح الصهاينة لمخيم جنين عام 00.. وقد تم عرضه علي استحياء في بعض المحطات، فلماذا فاز مؤخرًا بجائزة إيمي 008.. قلت الحمدلله سيأخذ هذا العمل حقه عربيًا علي حساب تفوقه الدولي.. ولكن حدث العكس ورأيت المخرج شوقي الماجري في لقاء تليفزيوني يكاد يبكي لإهمال العمل وتجاهله شبه المتعمد من المحطات.. يجئ هذا في وقت برز فيه اسم «الماجري» كمخرج كبير.. بل في طليعة مخرجي الدراما التليفزيونية في العالم العربي بعد رائعته «أسمهان» التي واكب عرضها مسلسله المهم «أبو جعفر المنصور» أي أنني أمام مخرج استثنائي بكل المقاييس.. إنها مسألة تعكس سطحية المحطات في اختيار الأعمال التي تعرضها بصرف النظر عن قيمة الموضوع وأهميته.. واسم مخرجه.. بل ولم يشفع له.. وصوله إلي جائزة عالمية لم يبلغها من قبل أي مسلسل تليفزيوني عربي.. في منافسة لم تكن أبدًا سهلة وسط أكثر من 500 عمل من جميع أنحاء العالم ورغم أن الجائزة أمريكية.. ونحن نعرف درجة حساسية أمريكا تجاه أي عمل يدين الإسرائيليين.. بأي شكل.. حتي قال البعض إن قصة الحب التي جمعت بين شاب من رجال المقاومة وفتاة يهودية كان جواز المرور إلي الأعمال.وهنا نسأل: هل المطلوب من مثل هذه الأعمال التي ترصد بطولات المقاومة الفلسطينية أن يتحول إلي منشور سياسي.. بعيدًا عن إنسانيات رجل المقاومة.. بل وبعض اللمسات الإنسانية التي نراها في صفوف العدو.. وقد رأينا كيف اندلعت المظاهرات من بعض اليهود ضد ما يحدث في غزة ومن هؤلاء حاخام بملابسه الدينية شاهدته يحرق جواز سفره الإسرائيلي في مشهد واقعي لا يمكن تجاهله.أظن أن دور الدراما أن تقدم الملامح الإنسانية وسط الصراع وتلك هي سمة الأعمال الجيدة.. لأن المسلسل ليس جريدة تقدم الأخبار كما هي بدون التوغل في إنسانياتها وحتي هذا النوع من الصحافة في وجود الفضائيات التي لا تتكرر صغيرة ولا كبيرة.. تقريبًا صلاحيتها انتهت.عورةمؤخرًا بدأت محطة تذيع المسلسل كأنها تداري عورة.. بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها عند الدعاية لأعمال أخري ومنها «المعاد» أو القديم مثل هذا العمل.. ولكنه الاختيار الجيد المتزامن مع أحداث فلسطين.. خاصة أن المسلسل يرصد ما جري في مخيم «جنين» عندما تمت عملية اقتحامه من جانب الجيش الإسرائيلي وهو يرصد ما بعد أحداث 11 سبتمبر 001، وحتي موت الرئيس عرفات 004.. والأهم ما فيه أنه يرصد إرهاب دولة الصهاينة التي تدعي بأن المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن أرضها وشرعية وجودها هي الإرهابية حتي بدأ البعض يصدق هذه الأكذوبة ويتعامل مع المقاومة علي أنها قوة مارقة.. رغم أن كل محاولات وقرارات ومبادرات السلام ثبت فشلها وقد حولتها دولة إسرائيل إلي أوراق تواليت كما قال الكاتب الكبير أحمد رجب..في مثل هذه المعاناة لعمل استثنائي بحجم «الاجتياح».. حتما سيفكر الكاتب الجاد ألف مرة قبل أن يخوض في هذا الميدان.. لأن مسلسلاً لو كتب له التنفيذ فإنه سيكتب عليه الإعدام رميًا بالتجاهل والإهمال.. بينما قصص تجار المخدرات واللصوص والراقصات وحكايات الحب الفارغة المعادة المكررة ومغامرات التصابي الرجالي.. تجد طريقها إلي الأضواء بكل اهتمام..ورغم اهتمام العرب بالقضية الفلسطينية.. ووجود القضية في روايات وقصص وأشعار عشرات الكتاب.. بل ومع وجود الأدب الفلسطيني الخالص الذي يحمل أسماء كبار كتابه مثل مريد البرغوثي وغسان كنفاني.. وهاشم رشيد وغالب هلسا وإميل جيبي وسحر خليفة وغيرهم.. لكن الدراما التليفزيونية ظلت بعيدة عن هذه الأعمال.. حتي أنك.. بسهولة تستطيع أن ترصد «عائد إلي حيفا»، «التغريبة الفلسطينية».. والمسلسل الأخير عرضته قناة الدراما وأنا أتمني علي أسامة الشيخ رئيس القنوات المتخصصة.. وهو رجل فاهم وجريء أن يأخذ خطوة مهمة ويعرض «الاجتياح».. في ظل أوضاع غزة الملتهبة الأخيرة.. وأيضًا لأن من حق أعداء التفاهة والسطحية أن يجدوا مسلسلاً جادًا.. يحترم عقولهم وإن زلزل الأرض من تحت أقدامهم وقلب عليهم كل المواجع. وقد فاض الكيل وبلغت الحلقوم.

جريدة القاهرة في 20 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)