تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فوزية.. والخلطة السحرية

ماجدة موريس

هل من الممكن أن يصنع الإنسان البسيط قدراً مخالفاً لقدره الذي وضعته فيه ظروفه الاجتماعية وطبقته؟ وهل لدي هؤلاء الفقراء والذين يعيشون حياة عشوائية في مناطقهم ما يقدمونه لغيرهم؟ حول هذه «المساحة الإنسانية» جاء فيلم (خلطة فوزية) للكاتبة هناء عطية والمخرج مجدي أحمد علي والممثلة إلهام شاهين، وهو فيلم يبدو في سطحه الأول دعوة لتمكين المرأة من التعبير عن نفسها من خلال فرض أسلوب مختلف للحياة عن ذلك السائد في علاقة المرأة بالرجل في المجتمع المصري..

ولكن «الخلطة» تتجاوز هذا الطرح المبدئي إلي تقديم ما هو أكثر عمقا من قضية المرأة ممثلة في بطلته فوزية حين يصل بناسه، أي فوزية ورجالها (أزواجها السابقون) وحتي جارتها المعتزلة والعانس إلي نوع من التعايش والتآلف القادر علي هضم واستيعاب كل المتناقضات والسخافات «الواقعية» وإذابتها بطرق سحرية تفتقدها الكثير من المجتمعات الأكثر ثراء.. وقدرة.

ندوة ساخنة

(خلطة فوزية).. هو الفيلم الذي عرض في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي الثاني في نوفمبر من العام الماضي وحصلت بطلته إلهام شاهين علي جائزة أفضل ممثلة، ثم حصل الفيلم نفسه علي تنويه من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، وحين عرض للمرة الثالثة في مهرجان القاهرة الذي تلي أبوظبي ودمشق في ترتيب العرض، حظي باهتمام كبير من جمهور متسابق وملأ القاعة وجلس بعضه علي الأرض.. وفي الندوة كان الحوار ساخنا ومتدفقا، فقد أثار الفيلم الكثير من النقاط التي تثير شهية الناس للاتفاق أو الاختلاف معه.. خاصة حين تصبح المرأة هي الشخصية المحورية في الفيلم، وتصبح دراميا معادلاً للقدرة علي التجدد والاحتفاء بالحياة والامساك بما تستطيعه من مقومات المشاعر والعلاقات الإنسانية مع من حولها، سواء كانت جارتها الجميلة المحرومة من الزواج لظروف الفقر (غادة عبدالرازق) أو تلك التي كانت راقصة معروفة في زمن غابر وغادرها العز وذهبه (نجوي فؤاد)، أو مع أزواجها السابقين، الذين أنجبت من كل واحد فيهم ابنا أو ابنة، وحين استحالت الحياة إلي شقاق، انفصلت فوزية عن كل واحد فيهم بمحبة وأريحية مقدرة له لحظات السعادة الأولي، ومقدرة أنه الرفيق الذي سوف تستعين به في تربية الابن أو الابنة والحفاظ علي الأولاد من غدر الزمن.. وحتي يبقي الود متصلاً، تسعي إلي جمع شمل هؤلاء الأزواج السابقين في «عزومة» غداء شهرية تتفنن فيها في تقديم كل الأطعمة التي اشتهرت بها، وهكذا تجتمع الأسرة بكل أطيافها في مناسبة تسودها البهجة إذ إن هؤلاء الرجال وسواء ظلوا بلا زواج أو تزوجوا يسعدون لفكرة العزومة ولقاء «نظرائهم» وأولادهم وتلك الروح المشعة بالبهجة التي تنجح فوزية في خلقها دائماً، وحين تقلب الدنيا وجهها الآخر لها، تتحول السيدة إلي كائن يصارع بكل كيانه لينجو من الانهيار، سواء الانهيار المادي أو النفسي كما حدث حين فقدت ابنها الأثير المعوق، وجلست هي وأبوه يبكيانه بحرقة.. والذي قام بدوره (لطفي لبيب) وحين أراد الانسحاب من اللمة، اقتربت منه ليفهم أن وجوده الإنساني مازال غالياً لديها، كالأخ تماما.. ينجح مجدي أحمد علي كمخرج في تقديم عمل مختلف بداية من اختيار مكان التصوير في منطقة تفرض وجودها علي الدراما في إحدي القري الفقيرة بمصر، ثم في اختيار أبطاله وإدارتهم علي نحو يؤكد تفوقه السابق في أفلام مثل (يا دنيا يا غرامي) و(أسرار البنات) فحتي لو انه لم يختر إلهام شاهين، منتجة الفيلم، فإنه يديرها لتبدو في واحد من أفضل أدوارها وأكثرها مصداقية وإنسانية ومعها فريق موهوب وكفء مثل لطفي لبيب وحجاج عبدالعظيم وعزت أبوعوف وفتحي عبدالوهاب الذي قام بدور آخر أزواجها، والذي كان منتظراً أن يكون (المتمرد) وقد حاول، لكنه وجد لدي (فوزية) بتاريخها وإنسانيتها ما استوعبه ليدخل في إطار محبتها مع وجود إغراء قوي له هو رغبة الجارة في اقتسامه معها وبوحها لها بهذا طالما أنه كرجل يستطيع الزواج أكثر من واحدة.

كبت جنسي

ولقد أدت غادة عبدالرازق دورها برهافة ومقدرة علي استيعاب قضية «الحرمان والكبت الجنسي» للشابات والتي تهملها السينما عادة ضمن إهمالها للكثير من القضايا التي تتعرض لها النساء في المجتمع.. إن أفضل ما يقدمه الفيلم من خلال أبطاله ليس أداءهم فقط ولكن تلك الروح المشعة التي ينقلونها إلي المشاهد والتي تنقل رؤية مختلفة للناس عن المناطق الفقيرة التي تفتقد الكثير من الخدمات فالفقر في الخارج وليس داخل النفوس، وإذا كانت العشوائيات تفرز نفوساً وشخصيات عشوائية في بعض الأوقات، فإنها في نفس الوقت تفرز نفوسا جميلة وشخصيات قوية قادرة علي العطاء ونثر عطرها علي من حولها وهذا ما فعلته «فوزية» التي تناقض تماما بطلة فيلم آخر، لها نفس الاسم وهو (فوزية البورجوازية) الذي أنتجته أفلام التليفزيون منذ ربع قرن وكان يسخر من رغبات بطلته ورغبته في عيش حياتها كما تحب.. لكن (خلطة فوزية) يقدم امرأة أخري، مشاكلها عشرة أضعاف الأولي، لكنها استطاعت أن تعيش الحياة كما تحب.. وأن تؤثر فيها وأن تحظي بلحظات سعادة برغم كل شيء.. وربما تصبح هذه هي فضيلة الكاتبة التي رأت الإنسانة في بطلتها برغم كل البؤس الطبقي، بينما يري كتاب غيرها البؤس أولاً كمحرك لكل شيء.

الأهالي المصرية في 14 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)