تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

أبو أسعد ومشهراوي وجاسر ونجّار وشحادة ومصلح وفليفل.. الكاميرا الفلسطينية من وراء الجدار

سـينما تحـوّل الألـم إلـى فـن أو تكتـفي برسـمه شـعاراً

نديم جرجورة

هناك حربٌ حقيقية في فلسطين، تشنّها همجية العدو الإسرائيلي على أبناء قطاع غزّة، بحجّة »القضاء« على »حماس«. هناك مسعى إسرائيلي جدّي إلى إبادة مزيد من الفلسطينيين، تحت عنوان »الصراع (الدموي) ضد عدوانية الأصولية الفلسطينية«، المتمثّلة بحركة »حماس« تحديداً.

لكن، في مقابل هذا الفصل الجديد من مسلسل الحروب الإسرائيلية العنيفة والدامية ضد الفلسطينيين، هناك »عمل سينمائي« مستلّ من واقع الحياة وأنماط العيش، ومن الرغبة الدائمة في مقارعة الموت الإسرائيلي بإعلان صادق وحيوي وجميل عن الانتماء إلى »ثقافة الحياة الفلسطينية«. في هذا الإطار، ترغب القراءة النقدية المتعلّقة بمجموعة من الأفلام الفلسطينية الجديدة، في معاينة المشهد الإبداعي، الذي يصنعه الفلسطينيون وسط النار والخراب والدم، وهي أمور باتت عصباً يومياً للحياة الفلسطينية.

لا تزال السينما في فلسطين مرتبكة أمام المشهد السياسي/ الإنساني في البلد المحتلّ. والارتباك سمة »قد« تكون إبداعية، إذا تُرجمت إلى مشهديات سينمائية تعكس شيئاً من الواقع، أو تعاين بعضاً من التفاصيل، أو ترسّخ المفاهيم الإبداعية الحقّة في صناعة الأفلام، وإن في ظلّ الاحتلال. هناك أسماء لامعة في هذا المجال، كميشال خليفي وإيليا سليمان مثلاً، اللذين أنجزا أفلاماً متفرّقة مزجت الواقع الإنساني الدرامي بلغة سينمائية جميلة تفوّقت على غالبية الأفلام الانفعالية والشعاراتية الأخرى؛ واللذين يعملان حالياً على إنهاء مشروعيهما الجديدين (انتهى خليفي من التصوير، ولا يزال سليمان يصوّر مشروعه، في ظلّ ضغط إنتاجي). هناك أسماء أخرى توغّلت في العمق الإنساني الفلسطيني، من دون أن تخرج منه بأفلام متمكّنة من شروطها الفنية والتقنية والجمالية، وإن حملت في مضامينها عشقاً للأرض والناس، ونيّة صادقة في مواكبة العيش اليومي على التخوم الضيّقة للموت والحرية. من هذه الأفلام الجديدة، هناك »عيد ميلاد ليلى« لرشيد مشهراوي (فاز بجائزة »أفضل سيناريو« في الدورة الثانية لـ»مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي«، التي أقيمت في أبو ظبي بين العاشر والتاسع عشر من تشرين الأول ٢٠٠٨)، و»ملح هذا البحر« لآن ماري جاسر (نال جائزة »أفضل سيناريو« أيضاً، في المسابقة الرسمية الخاصّة بالأفلام الروائية العربية الطويلة، في الدورة الخامسة لـ»مهرجان دبي السينمائي الدولي«، التي أقيمت بين الحادي عشر والثامن عشر من كانون الأول ٢٠٠٨)، و»ذاكرة الصبّار: حكاية ثلاث قرى فلسطينية« لحنا مصلح (فاز بـ»الجائزة الأولى« في مسابقة الأفلام الوثائقية العربية، في الدورة الخامسة أيضاً للمهرجان نفسه) و»إلى أبي« لعبد السلام شحادة، و»عرفات وأنا« لمهدي فليفل. هناك أيضاً الفيلم الروائي الطويل الأول لنجوى نجّار، »المرّ والرمان«، الذي افتتح برنامج »ليال عربية«، في مهرجان دبي، في حين أن الروائي القصير »صبي، جدار وحمار« لهاني أبو أسعد عُرض في الدورة الخامسة (١٧/ ٢٦ تشرين الأول ٢٠٠٨) لـ»أيام بيروت السينمائية«، والوثائقي الجديد لجاكي ريم سلّوم، »سلينغشوت هيب هوب«، عُرض في مسابقة الأفلام العربية في الدورة الثامنة (١/ ٨ تشرين الأول الفائت) لـ»مهرجان بيروت السينمائي الدولي«.

تنويعات متفرّقة

هذا تنويع لافت للانتباه، لأن بعضاً منه منجذب إلى معاينة الحالة الإنسانية في فلسطين، من خلال معابر درامية وجمالية متحرّرة، إلى أقصى حدّ ممكن، من الانفعال والخطابية. فالروائي القصير لأبو أسعد ملتصق بأحد أقسى التجارب العنصرية في فلسطين المحتلّة، متمثّلة بـ»الجدار الفاصل«، ومرتبط بالسعي الطفولي إلى ابتكار أشكال مختلفة للعيش في ظلّ العلاقات الملتبسة بين الحياة والخراب والحصار، من خلال حكاية ثلاثة أطفال يعشقون التصوير ولا يعثرون على مبتغاهم بسهولة. والوثائقي الجديد لسلّوم متوغّل في حالة موسيقية عثر عليها شبان فلسطينيون، جاعلين منها أداة مواجهة يومية للمآزق المتفرّقة التي يُعانون تداعياتها، سواء تلك الناتجة من الاحتلال الإسرائيلي نفسه، أم تلك النابعة من السلوك الفلسطيني الداخلي. وهذا الأخير شكّل مادة حيوية لفيلمي إيليا سليمان »سجل اختفاء« و»يد إلهية«، ولرائعة ميشال خليفي »عرس الجليل«. مع »سلينغشوت هيب هوب«، يتابع المُشَاهد وقائع فلسطينية يرويها شبان منجذبون إلى الموسيقى والأغنية، اللتين تعكسان تلك الحياة الصعبة في أرض النزاعات الإلهية الدائمة.

يُمكن القول إن »إلى أبي« منضو في السياق نفسه: الاستعانة بمادة إنسانية بسيطة وحقيقية، لسرد فصول متقلّبة من الحياة الفلسطينية. ذلك أن عبد السلام شحادة استخدم الصورة الفوتوغرافية (بتفاصيلها وعوالمها وحساسياتها وآلاتها، وعلاقات العاملين فيها بالناس الراغبين في لقطة تؤرّخ اللحظة)، كي يُقيم مقارنة شفّافة وهادئة (خصوصاً في الثلثين الأولين من الفيلم، تحديداً) بين ماض جميل اندثر وحاضر أليم يتمدّد من داخل العقل والسلوك الفرديين إلى بيئة ومجتمع وتطوّرات. رأى في نوعية الصور القديمة وكيفية التقاطها والحساسيات الإنسانية المرتبطة بها، ملاذاً لذاكرة مشبعة بالحنين والعشق والجمال، ومدخلاً بديعاً لفهم جانب من الحكاية الفلسطينية والتحوّلات الخطرة التي ألمّت بها، وصولاً إلى ربط التطوّر التقني الخاصّ بالصورة الفوتوغرافية و»ولادة« التصوير بتقنية الـ»فيديو« ومشتقاتها، بما آلت إليه أحوال فلسطين وناسها من آلام وبؤس ونضالات لا تنتهي. والنصّ الذي يسرده شحادة بصوته، ترفّع كثيراً عن لغة الخطاب المباشر والانفعال الساذج، لأن الكاتب اعتمد أسلوباً عفوياً وخفراً في قراءة أعوام طويلة من القصص والمرويات، والصور أيضاً. إنه، بهذا كلّه (على الرغم من بعض الخلل في صوغ الفقرات الأخيرة، ربما بسبب وطأة الصراع ودمويته، بدءاً من الانتفاضة الأولى في العام ١٩٨٧ تحديداً)، رسم مشهداً مؤثّراً عن ذاكرة بيئة إنسانية وتاريخ مجتمع وشعب، من خلال الصورة الفوتوغرافية وعوالمها.

يلتقي »إلى أبي« بـ»ذاكرة الصبّار« من جهة واحدة: اختيار الصبّار وسيلة لمعاينة الخراب الإسرائيلي المُنزل على الحجر والبشر معاً، بدلاً من الذهاب مباشرة إلى القرى المسحوقة في الغياب، أو المجبولة بالدم والموت والتعب. غير أن جمالية »إلى أبي« بدت أقوى من تلك الحاضرة في »ذاكرة الصبّار«، بينما لم يخلُ فيلم صالح من لحظات مؤثّرة ولقطات عادية.

أزمات درامية

في الجانب الآخر من المعادلة، أنجزت آن ماري جاسر ونجوى النجّار فيلميهما الروائيين الطويلين الأولين: »ملح هذا البحر« للأولى و»المرّ والرمان« للثانية. المشكلة الأولى للفيلمين: انغماس واضحٌ في البكائيّ والشعاراتي، بعيداً عن تحويل المادة إلى نصّ سينمائي. المشكلة الثانية: افتقار إلى أداء تمثيلي متحرّر من التصنّع والادّعاء القاتلين، وغياب لافت لإدارة فنية للممثلين، وبعضهم غير محترف. المشكلة الثالثة: استسهال في كتابة السيناريو (سيُقال إن سيناريو »ملح هذا البحر« فاز بجائزة، وإن سيناريو »المرّ والرمان« شارك في ورشة للكتابة في مهرجان »ساندانس«: هذا عائدٌ إلى قرار جماعي للجنة التحكيم، ومرتبطٌ بمناخ عام سائد في هذا المهرجان أو ذاك، ومنسجمٌ والنقاش الحاصل بين مجموعة من المعنيين بالهمّ السينمائي؛ في حين أن الرأي المكتوب أعلاه حكرٌ على صاحبه، وناتجٌ من مشاهدة شخصية) وبناء الشخصيات وصوغ بعض الحوارات. المشكلة الرابعة: قوة المادة الخام للفكرة ظلّت عبئاً على الفيلمين، لعجز واضح في إنجاز عمل بصري لا يرتهن لعفوية مدّعية، بل يتلاءم والمفردات المعروفة للصنيع الإبداعي. في مقابل هذا كلّه، امتلك »ملح هذا البحر« شيئاً من براعة التصوير، في لقطات عدّة. والتوليف، إذ حافظ على نسق شعاراتيّ في مقاربة العلاقة الإنسانية بفلسطين والواقع الأليم والمواجهة الدائمة مع الاحتلال وأداوته القاتلة، سعى إلى تخفيف هذا الثقل الفكريّ في لحظات متفرّقة، وإن لم يفلح في صنع عمل متكامل. وإذا بدا »ملح هذا البحر« قريباً من خصوصية مهاجرين/ منفيين وعلاقتهم بالذاكرة والأرض، وإن لم يعرفوا شيئاً مباشراً عنهما؛ إلاّ أن الترجمة البصرية لهذه الخصوصية فشلت في تحويل النصّ إلى فيلم جاذب ومقنع بلغته السينمائية. وإذا غاص »المرّ والرمان« في أزمة العلاقة الإنسانية بين البشر أولاً، وبين البشر والبيئة المقيمين فيها ثانياً؛ إلاّ أن تفكّك البنية الدرامية والتقنية، حالت دون إتمام عمل إبداعي قادر على جعل أداوته الفنية والثقافية مرآة للإبداع.

لعلّ اللقطة الصادمة والقاسية الوحيدة (ربما) في »عيد ميلاد ليلى«، الروائي الأخير لرشيد مشهراوي، كامنة في الثانية الأخيرة: بعد يوم حافل بالمشاكل والمتاعب والمتاهات والصدامات والانفجارات والمعارك المختلفة، لم يعثر الرجل على تعبير آخر غير »عادي«، ليردّ على زوجته التي سألته، عند عودته مساء إلى المنزل: »كيف كان نهارك؟«. ذلك أن كل ما قدّمه مشهراوي من مشاهد مستلّة من الواقع الفلسطيني اليومي المعتاد، أفضى إلى هذا الجواب؛ وإن كانت المشاهد كلّها معروفة وغير مشغولة سينمائياً بما يتوافق والعمل الإبداعي. حتى إن ممثلاً قديراً ومهمّاً كمحمد بكري بدا، في »عيد ميلاد ليلى«، أقلّ من المنتظر.

من جهته، أراد مهدي فليفل معاينة الشعور الناتج من اكتشاف صدفة »غريبة« ألهته عن الأساسيّ: ما الذي يحدث، عندما يكتشف المرء الفلسطيني أن حبيبته الإنكليزية مولودة في اليوم نفسه الذي شهد ولادة ياسر عرفات؟ الحب عاجزٌ عن توجيه الحبيب إلى الطريق الصحيحة، لأن الصدفة نفسها ارتفعت جداراً بينه وبين الحبّ الحقيقي. والهجرة/ المنفى الإنكليزي ليس بديلاً عن وطن مفقود، وإن شكّل الحبّ (أو هكذا يُفترض به أن يفعل) وطناً من نوع آخر. غير أن الصوغ السينمائي لهذا الروائي القصير (عرفات وأنا) فشل في صناعة مشهد متكامل من السياق الفني والسرد الدرامي، إذ ضاعت تقنية الأسود والأبيض في متاهة الثرثرة الكلامية والبصرية أحياناً.

السفير اللبنانية في 1 يناير 2009

 

»شارلي شابلن« لفاروق سعد  

بعد مرور ثلاثة وثلاثين عاماً على كتابته، من دون أن يجد طريقه إلى النشر بسبب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام ،١٩٧٥ أصدر فاروق سعد »شارلي شابلن، المضحك المبكي« عن »مكتبة الشرق« في باريس، مُقدّماً فيه رؤيته الشخصية المتعلّقة بهذا السينمائي المختلف، تمثيلاً وإخراجاً؛ ومحاولاً رسم صورة ذاتية عن علاقة ما ربطته بعبقريّ السينما الكوميدية، الذي استلّ من الألم والفقر أسمى الصور البصرية وأجملها. ففي بداية الحرب المشؤومة تلك، فقد سعد مخطوطة الكتاب إثر احتلال بيته لعشرة أعوام متتالية، قبل أن يعثر عليها »رثّة ممزّقة، تحت كومة من حطام أخشاب بقايا الأثاث والكتب في القبو تحت الدرج، بعد أن غادر بيتي من احتلّوه«، كما جاء في المقدمّة المعنونة بـ»القضايا الإنسانية في أفلام شارلي شابلن«.

توزّع الكتاب على بابين اثنين، حمل الأول عنوان »الإنسان فناناً، سيرته (شارلي الفقير وشابلن الغني) وأعماله في الميوزيك هول والمسرح والسينما«، وتناول الثاني »سرّ شارلو: الفنان إنساناً (فن شابلن نظرياً وعملياً)«. ويرى سعد أن ميزة أفلامه كامنةٌ في كونها سجلاً كاملاً »يؤرّخ، بالأدب والفن، للنمو الحضاري والقضايا الإنسانية في القرن العشرين«، معتبراً أنها »فلسفة كاملة، تتناول الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لعالم القرن العشرين، منذ بداية الحرب العالمية الأولى حتى اليوم«.

بلغة سلسة ومبسّطة، روى فاروق سعد سيرة الرجل ونتاجاته ومعاركه والتفاصيل الجمّة التي صنعها في أفلامه، التي تحوّلت غالبيتها الساحقة إلى مرايا الأزمنة التي عاصرها وعاش حيويتها وغليانها. وعلى الرغم من أن إعادة سرد السيرة الذاتية لشابلن لا تختلف عن المعروف والمتداول، بالنسبة إلى عارفيه، خصوصاً بعد صدور الترجمة العربية للسيرة التي كتبها بنفسه؛ إلاّ أن »شارلي شابلن« هذا مفتوحٌ على حكايات عصر جميل ومتقلّب، وعلى سياق حياتي وثقافي أعاد رسمه الكتاب بتلك اللغة الهادئة.

السفير اللبنانية في 1 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)