حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مملكة الضحك (8):

ماري منيب… فتى الأحلام يغزو القلب المثقل بالهموم

كتب: القاهرة - ماهر زهدي

شعرت ماري بأن أمراً غريباً تسرّب إلى داخلها، وأن سهماً خرج من عين ذلك الشاب الأسمر فوزي منيب ليصيب قلبها مباشرة، خرجت من المسرح بجسمها مع أليس وبشارة واكيم، غير أن روحها تركتها هناك.

طلب بشارة أن يقطعوا المسافة من المسرح إلى اللوكاندة التي ينزلون فيها مشياً على الأقدام لتكون ثمة فرصة أكبر يتحدث فيها مع ماري، المدهش أنها وافقت ليس تحقيقاً لرغبة بشارة، لكن لتسرح بخيالها مع هذا الأسمر.

بدأ بشارة يتحدّث عن نفسه كفنان صاحب رؤية وفكر ومؤسس فرقة، في حين اكتفت ماري بهز رأسها من دون أن تنطق بكلمة واحدة، بل كانت أليس تردّ عليه وتجاريه في الكلام، يتحدث بينما تسترجع ماري حركات فوزي منيب وسكناته وقفشاته، لدرجة أنها كانت تضحك أحياناً من كلام بشارة في موضع لا يستأهل الضحك، وتصمت عندما يستدعي الموقف الضحك، ما لفت انتباه الأخير، فاستدار ووقف في مواجهتها قائلا:

* أنا حاسس إنك مش معانا خالص… عمال أتكلم من بدري وإنت شوية تضحكي وشوية تكشري… هو كلامي مش عاجبك ولا إيه.

= إيه… هه… آه… لا أبداً إزاي.

* لا… ده انت مش هنا خالص… رحتي فين؟

= بس تعرف يا بشارة… أمين عطا الله عرف يجيب فرقة كويسة من مصر… وخصوصا الولد الأسمر ده… إنت قولت اسمه إيه؟

* اسمه يا ستي فوزي منيب… جدع غلبان على قدّه… بس برضو ميقدرش ينافس أبو البشاير.

= مين أبو البشاير.

* محسوبك… هو مش نجيب الريحاني اسمه أبو الكشاكش.. أنا بقى إسمي أبو البشاير.

= طبعاً طبعاً… بس إنت باين عليك تعرفه كويس.

* أيوه… ماهو إحنا اشتغلنا سوا في فرقة عبد الرحمن رشدي من سنه تقريباً في عماد الدين.

= يااه… معقولة.

* طبعا وكنت أنا بطل الفرقة… أصل صاحبك عامل فيها إبن ناس وبينكسف من خياله… هو فيه ممثل ينكسف كده؟

= تقصد مين؟

* أقصد الجدع ده اللي اسمه فوزي منيب… فاهم أنو علشان واخد البكالوريا ياما هنا ياما هناك… طب ما أنا أهوه واخد دبلوم مدرسة الحقانية… ولو كنت عاوز كان زماني «أبوكاتو» قد الدنيا… غيرش بس حبي للتمثيل…

= صحيح هو معاه البكالوريا؟

* أقولك دبلوم الحقانية تقوليلي بكالوريا.

= إيه… لا طبعاً… وهو يروح فين في أبو البشاير.

* أبو البشاير… يا دهوتي يا دهوتي… طالعة من بقك زي الغريبة.

لاحظت أليس اهتمام بشارة واكيم الزائد بماري ولم تعلّق، غير أنها نقلت هذا الإحساس إلى والدتها، التي رأت فيه رجلا مناسباً يصلح لأن يكون زوجاً لابنتها الصغرى ماري، غير أنها تمنت لو أنه يترك موضوع «التشخيص» هذا ويعمل بشهادته في المحاماة ليكون «أبوكاتو» كما قال.

لم تنم ماري، بل راحت تستدعي صورة فوزي منيب أمام عينيها وتفكر في كل ما قاله بشارة واكيم عنه، وفي المواصفات التي ربما حلمت بها في فارس أحلامها، حتى ضبطت نفسها ودموعها تسيل على خديها، فتساءلت:

لماذا البكاء؟ هل هي دموع الفرح للعثور على فتى الأحلام؟ أم دموع الخوف من ألا يكون لها نصيب فيه؟ أم دموع الحيرة لأنها لا تعرف كيف يمكنها أن تنقل إليه هذه المشاعر والأحاسيس؟ أو ربما هو كل ذلك؟

الوقوع في الحب

مع انتشار التظاهرات التي تندد بجلاء المحتلّ البريطاني عن مصر في طول البلاد وعرضها، كان لا بد من فرض الأحكام العرفية، التي فرضت الإغلاق الليلي للمسارح ودور الملاهي، ما جعل فرقة بشارة واكيم تقيم عرضها «ماتينه» بحيث ينتهي في الثامنة والنصف مساء، وهو نفس توقيت انتهاء عرض «فرقة أمين عطا الله» التي يعمل فيها فوزي منيب، غير أن نجاح «فرقة أمين عطا الله» دفعها إلى أن تقيم حفلة نهارية للفرقة، وطبقت الأمر نفسه الفرق والملاهي آنذاك سواء في القاهرة أو الإسكندرية، فسعدت ماري ووجدت فيها فرصة مناسبة لتحضر يومياً الحفلة النهارية لـ «فرقة أمين عطا الله» وترى فارس الأحلام فوزي منيب.

كانت ماري تشاهد فوزي نهاراً وتسهر تفكر فيه ليلا، حتى لاحظت أليس سهرها ودموعها كل ليلة:

* إيه ده… إنت لسه صاحيه يا ماري… وإيه الدموع اللي في عنيكي دي؟

= أبداً… أنا بس بتقلب… يمكن عنيا أتطرفت وأنا بتقلب.

قالت ذلك وراحت عيناها تفيضان بالدمع:

* لا… مش ممكن الحكاية مش أن عينيك أتطرفت… أكيد فيه حاجة.

= هيكون فيه إيه بس يا أليس… صدقيني مفيش حاجة.

* إخص عليك… هتخبي على أختك… هو احنا لينا غير بعض أنا وانت وماما؟

= لا بلاش ماما.

* أيوه كده… يبقى أنا ظني في محله… ليه بقى يا مرمر بلاش ماما… أوعي تكوني لا سمح الله تعبانه ولا حاجة ومخبيه عليا ومش عاوزه ماما تعرف؟

= أبدا أنا كويسه وزي الحصان أهه.

* طيب فيك إيه ما تتكلمي بقى تعبتيني وياكي.

صمتت ماري قليلا ثم انفجرت بالبكاء والكلام:

= باحبه يا أليس باحبه.

* بتحبيه… هو مين ده اللي بتحبيه؟

= فوزي… فوزي منيب.

* مين فوزي منيب ده… آه افتكرت… تقصدي الشاب الأسمر ده اللي بيقول «تم تم» في «جوقة أمين عطا الله».

= هو بعينه يا أليس… هو… باحبه من يوم ما شفته دخل قلبي مخرجش.

* الله الله… بتحبي يا ماري.

= أيوه باحبه… باحبه.

* طيب طيب… بس وطي صوتك بعدين ماما تسمع تبقى مصيبة.

= مصيبة ليه… هو أنا عملت جريمة أنا بحب.

* ويا ترى هو كمان بيحبك؟

= مش عارفه.

* يعني إيه مش عارفه… هو انتو متكلمتوش.

= اتكلمنا كلمتين كده ع الماشي… هنيته على مونولوجاته ونجاحه وهو شكرني… و… بس.. لأنه كان خجلان طول الوقت وحاطط وشه في الأرض.

* يبقى خلاص.

= خلاص إيه؟

* هو كمان واقع لشوشته في حبك.

= يعني انت شايفه إني أعمل إيه.

* شايفه إنك تنسيه طبعاً.

= أنساه… إزاي؟!

* زي الناس… لازم تعرفي إن أنا وانت وماما زي العساكر.. حياتنا شغل وكفاح وبس.. معندناش وقت للحب والكلام الفارغ ده.

= كلام فارغ!! مقدرش يا أليس مقدرش.

* أنا عارفه حبيتي فيه إيه ده.

= وده ماله يا أليس… شاب متعلم ومعاه البكالوريا… ومن عيله… وكمان أبوه بيه رسمي… موظف قد الدنيا في الحكومة.

* بيه ولا باشا… على العموم أنا نصحتك وخلاص… وانت حرة.

كان فوزي منيب يلاحظ نظرات ماري وحضورها اليومي العرض المسرحي والتصفيق له بحرارة مبالغ فيها، سواء في الدخول أو تحية الجمهور، وكان يبادلها النظرات بخجل، حتى قرر مفاتحة أمين عطا الله في انضمام ماري سليم إلى فرقته، فوجد منه ترحيباً وطلب منه مفاتحتها في الأمر باعتبار أنها رغبته هو وليست رغبة أمين عطا الله، وشعر فوزي بأهمية خاصة يوليها أمين عطا الله لماري كونها ممثلة جيدة، ووجدها فرصة ليردّ الصفعة لبشارة واكيم الذي خطفها منه.

فوجئت ماري بفوزي منيب يقف خلفها في «البنوار» المخصص الذي تجلس فيه يومياً، لم تصدق نفسها، فقد حضر فوزي بنفسه إليها، وخصّها بالحديث وحدها:

* آنسة ماري…

بمشاعر مختلطة بين الفرح والارتباك والتردد:

= مين.. أنا.. إيه.. آه.. أنا ماري.. أهلا أستاذ فوزي.

* أهلا بك… منورة جوقة أمين عطا الله.

= الجوقة منورة باللي فيها.

* متهيألي إن فنانة زيك مكانها مش هنا بين المتفرجين إنت مكانك هناك على خشبة المسرح.

= أيوه… بس أنا… أنا هنا ضيفة بتفرج.

* متقوليش كده… المسرح والجوقة واللي بيشتغلوا فيها كلهم تحت أمرك… اتفضلي معايا.

لم يمرّ ذلك اليوم حتى كانت ماري اتفقت بالفعل مع أمين عطا الله على العودة إلى الفرقة، وبضعف الأجر الذي كانت تتقاضاه في فرقة «بشارة ومحمد بيومي»، غير أن ذلك لم يكن يهمها، بل كانت مستعدة لتقاضي نصف أجر أو حتى من دون أجر، والعمل مرة أخرى في «فرقة أمين عطا الله»، ليس حباً به، أو كرهاً في فرقة «بشارة ومحمد بيومي»، بل لتكون إلى جوار فارس الأحلام.

صدمة بشارة

كانت صدمة قاسية على بشارة واكيم عندما علم بما تنوي ماري فعله، لم يدر في رأسه أنها تفعل ذلك لأنها تريد أن تكون في «فرقة أمين عطا الله» إلى جوار فارس الأحلام، ولكن أول ما خطر بباله هو تأخر راتبها، مثل بقية أعضاء الفرقة بسبب ضعف الإيراد اليومي لعدم الإقبال الجماهيري على فرقته، وهو ما كان يلاحظه شريكه في الفرقة محمد بيومي أيضاً، بعد تعرض الفرق لخسائر، لذا كان قرار ماري «القشة التي قصمت ظهر البعير»، فكان محمد بيومي يفكر جدياً في فضّ الفرقة والسفر إلى ألمانيا لدراسة «السينما توغراف»، ذلك الفن الذي لم يغادر ذهنه منذ شاهد عام 1907 تصوير فيلم تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى المرسي أبو العباس في الإسكندرية، ثم تجدد الأمل في داخله عندما شاهد في أوائل 1918، فيلمين تسجيليين صامتين في «السينما توغراف» أنتجتهما الشركة التي أسسها محمد كريم، ابن مدينته الإسكندرية، لصناعة الأفلام وعرضها، هما: «الأزهار الميتة» و{شرف البدوي» وعرضا في الإسكندرية، فقرر بعدها محمد بيومي السفر إلى ألمانيا لدراسة هذا الفن الجديد المختلف عن المسرح، لذا فضّ الشركة مع بشارة واكيم وحلّ الفرقة وسرّح أعضاءها، واضطر بشارة إلى موافقته خصوصاً بعد مغادرة ماري، بطلة الفرقة، إلى «فرقة أمين عطا الله».

لم يستمرّ بشارة واكيم في الإسكندرية وعاد على الفور إلى القاهرة، وجاء إليه من يطلبه للعمل في «فرقة جورج أبيض»، وكان ذلك بالنسبة إليه فتحاً مبيناً، بل فرصة أتت في وقتها، لتكون عوناً له عندما يتقدم لخطبة حبيبة القلب ماري سليم عند عودتها إلى القاهرة.

كان انضمام ماري إلى «فرقة أمين عطا الله» نجاحاً فوق نجاح، وشكلت «دويتو» متميزاً مع فوزي منيب، لدرجة أن المسرح كان يضع كل ليلة لافتة «كامل العدد» وهو مالم تشهده مسارح الإسكندرية منذ سنوات، بخاصة في ذلك الموسم الذي يخشاه أصحاب الفرقة ويضطرون للإغلاق خلاله، وهو موسم شهر رمضان الكريم.

قضت ماري شهر رمضان بالكامل وأيام عيد الفطر في الإسكندرية في نجاح مستمرّ، وزاد من مذاق هذا النجاح، علاقة الحبّ الجميلة التي بدأت تنمو في «الكواليس» بين ماري سليم وفوزي منيب، حتى اتفقا أن يكللا هذا الحب بإعلان خطبتهما بمجرد عودتهما إلى القاهرة فور انتهاء موسم الفرقة في الإسكندرية.

عادت ماري إلى القاهرة برفقة والدتها وشقيقتها أليس، فهن لم يكنَّ يفترقن أبداً، وتمنت ماري لو لم تنته عروض الفرقة وتعود إلى القاهرة، لأنها لم تعد ترى حبيب القلب فوزي إلا يوماً أو يومين كل أسبوع، بعدما كانا يلتقيان كل يوم وليلة.

بمجرد أن علم بشارة واكيم بعودة ماري وأسرتها إلى القاهرة حتى قصد والدتها لمفاتحتها في أمر الزواج منها، فقد أصبح ممثلا أساسياً في أكبر فرقة في القاهرة، «فرقة جورج أبيض»، واصطحب معه صديقه في الفرقة الممثل حسين رياض، استقبلتهما قاسمة وماري وأليس، ثم طلب بشارة أن يتحدث وصديقه حسين رياض مع قاسمة بمفردها، فاستأذنت أليس وماري لتحضير القهوة، غير أن ماري شعرت بالقلق من طلب بشارة الانفراد بوالدتها بينما طمأنتها أليس بأنه ربما أتى لها بعمل جديد في «فرقة جورج أبيض»، ويبدو صديقه هذا الذي يوقره مدير الفرقة أو ما شابه، وما أن انصرفت ماري وأليس حتى فاتح بشارة قاسمة في أمر الزواج من ماري:

* قولتي إيه ياست قاسمة… أنا زي ما بيقولوا كتاب مفتوح قدامك مخلتش حاجة عني إلا وقلتها.

= الله بيوفقك… كلام منيح ومرتّب… بس في شي بدي أسألك إياه.

* اسألي ما بدك… (ضاحكا) قصدي زي ما انت عاوزة.

= إذا انت متل ما بتحكي معك دبلوم في الحقانية… ليش ما بتشغل أبوكاتو.. بيكو….

هنا تدخّل صديقه حسين رياض مقاطعاً:

- وماله بس الممثل يا ست قاسمة… انت هتعملي زي بقيت الناس اللي بيعيبوا على الممثل والتمثيل… الممثل ده إنسان محترم وبيؤدي دوره في المجتمع… زيه زي الأبوكاتو.

= ما بقصد… لكن الأبوكاتو بيكون له أجر ثابت وحياة مستقرة.

- وبشارة عنده أجر ثابت من أكبر فرقة في مصر… وإن شاء الله يكون مستقراً فيها.

= الله بيهيئ خير.

وهنا قفز بشارة من فوق الكرسي:

* يعني اعتبر دي موافقة.

= بيصير خير إن شاء الله.

كانت أليس تسترقّ السمع قبل أن تدخل إليهم بالقهوة، قدمتها وعادت مسرعة لتبشر ماري، التي كادت أن يغشى عليها من الخبر الصادم… فماذا تفعل في قلبها وحبها لفوزي؟ وطالبت برجاء واستعطاف من شقيقتها أن تتدخل وتفعل شيئاً.

إلى بيروت

على رغم مباركة أليس خطوبة ماري لبشارة لتبتعد عن ذلك الفتى الأسمر فوزي منيب، إلا أنها رقّت لتوسلاتها، واستأذنت الضيفين في الانفراد بأمها وأخبرتها بأمر حبّ ماري لفوزي منيب، فأخرست الصدمة لسانها، وعادت في ارتباك واضطراب لتطلب من بشارة مهلة لمشاورة ماري وترتيب الأمر، وإن كانت لا تمانع. على رغم خوف بشارة وقلقه إلا أنه كانت تكفيه، في ذلك الوقت، الموافقة المبدئية.

إذا كانت ماري اكتفت بيوم أو اثنين تشاهد فيهما فوزي منيب كل أسبوع، إلا أنها أمام مواجهة أمها وتعنيفها لها على هذا الحب «المحرم» من وجهة نظرها، ارتضت ألا ترى فوزي على الإطلاق والابتعاد نهائياً عن هذا الفتى الأسمر.

كتمت ماري لوعة الحبّ في صدرها خوفاً من والدتها، غير أن هذه الآلام لم تستمرّ طويلا، إذ حضر إليها أمين عطا الله ومعه طوق النجاة:

* طبعا بتعرفي ياست قاسمة النجاح اللي حققته «جوقة أمين عطا الله» بإسكندرية.

= الله بيزيدك إنت بتستحقّ أكتر من هيك.

* هادا من ذوقك وآدميتك.. بس بدي تعرفي إني رجعت بالأمس من بيروت.

= ع السلامة… ع السلامة… وكيف الأهل والأحباب.

* والله بخير نحمد الله… لكن المهم أني اتفقت في بيروت ع حفلات لمدة تلات أشهر

= الله بيزيد ويبارك.

* إن شاء الله… ومن شان هيك أنا بريد الآنسة ماري تكون مع الفرقة.

= ببيروت؟! لا الله يخللي إياك بلاه ها الموضوع.

* يا ستي بعطيها متل ما كانت تاخد في الإسكندرية وأكتر تلات مرات… هادا غير الإقامة والأكل والشرب و…

= ولو أستاذ أمين… ولو.

* وليش لأ… هادي فرصة إلها… وإلنا جميعاً.

هنا تدخلت ماري وأليس وألحتا على أمهما بالموافقة كونها فرصة لمشاهدة الأهل والأقارب الذين انقطعن عنهم منذ ما يزيد على اثنتي عشرة سنة، عندما كانت ماري في الرابعة وأليس في السادسة.

وأمام إلحاح ماري وأليس وإصرار أمين عطا الله، فكرت قاسمة في أنها فرصة لتبتعد ماري عن الفتى فوزي منيب، وأن غياب ماري في بيروت أكثر من ثلاثة أشهر يمكن أن ينسيها إياه، فوافقت قاسمة على السفر، غير أنها موافقة مشروطة وضعت أمين عطا الله في مأزق:

= ما عندي مانع… لكن بشرط.

* يا ستي اشرطي متل ما بدك… وإذا من ناحية الأجر هنيك بيدبرها الله وممكن…

= لا… شرطي أنه ما يسافر مع الفرقة ها الولد الأسمر اللي شو اسمه فوزي منيب.

وأسقط في يد أمين عطا الله، فهو بطل الفرقة، وكان مدبراً أن يكون «الدويتو» نفسه بينه وبين ماري، واتفق مع المتعهد في بيروت بالفعل على أسماء الفرقة ومن سيحضرهم من القاهرة. حاول أمين أن يقنع قاسمة بذلك إلا أنها رفضت رفضاً قاطعاً إلا بتنفيذ هذا الشرط.

لم يوافق أمين على طلب قاسمة، غير أنه لم يغلق الباب، فطلب منها منحه فرصة لتدبير أمره، وإذا ما كان بإمكانه العثور على ممثل آخر يحل محله أم لا؟ على أن يرد عليها خلال يومين على الأكثر.

البقية في الحلقة المقبلة

الجريدة الكويتية في

21/08/2011

 

مملكة الضحك (8):

ماري منيب… لقاءات الغرسون النوبي في الطريق إلى بيروت… تنتهي بزواج سريّ

كتب: القاهرة - ماهر زهدي  

كان على ماري أن تبحث عن وسيلة، أو على الأصح عن حيلة تنقذ الموقف والرحلة، فرصتها الوحيدة ربما في الحياة، أنقذتها الأقدار بأن التقت في «ترام» شبرا الشاب جمال وكان يعمل ريجيسيراً في فرقة أمين عطا الله، فطلبت منه أن يخبر أمين عطاالله بضرورة الموافقة على شرط والدتها بعدم سفر فوزي منيب مع الفرقة، على أن يختفي الأخير في الباخرة ولا يظهر إلا في بيروت ليضعها أمام الأمر الواقع هناك.

نقل جمال فكرة ماري إلى أمين عطا الله، فأعجب بها وقصد في اليوم التالي منزل ماري ليخبر قاسمة أنه وافق على شرطها، وأن فوزي لن يسافر مع الفرقة وعليهم الانتقال في اليوم التالي إلى الإسكندرية، لأن الباخرة ستقلع إلى بيروت بعد غد.

أقلعت الباخرة من ميناء الإسكندرية متجهة إلى بيروت وعلى متنها «فرقة أمين عطا الله» ولم يكن بين أعضائها فوزي منيب الذي سبقهم إلى الباخرة متخفياً حتى لا تراه قاسمة التي صعدت مع ابنتيها، وما طمأنها أنها شاهدت عناصر جديدة في الفرقة، فظنت أن أمين عطا الله وفى بوعده، وما زاد من اطمئنانها وجود الصديق القديم جبران ناعوم، كذلك سيدة اقتربت منها فشعرت كأنها شقيقة لها، هي دولت أبيض زوجة الفنان والمخرج جورج أبيض، فرضيت أن تفكّ قيد ابنتيها اللتين لازمتاها لحظة بلحظة.

لم يطق الحبيبان صبراً على ألا يلتقيا على متن الباخرة، وفكّر فوزي منيب في حيلة تجعله يتحرّك بحرية على ظهر المركب من دون أن تلاحظ قاسمة أو تسبب مشكلة لماري.

باعتباره ممثلا بارعاً، تنكّر بلباس أبيض ليبدو كأنه «غرسون نوبي» من بين كثر يعملون لخدمة المسافرين، ساعده في ذلك أنه الدور نفسه الذي سيؤديه في الرواية مع الفرقة في بيروت، واتفق مع رئيس المستخدمين في الباخرة على ذلك ليتحرك بحرية من دون مطاردته، لدرجة أنه اقترب من قاسمة وقدّم لها العصير ولم تتعرف إليه، بل ماري نفسها لم تتعرف إليه في بداية الأمر، بسبب الدهان الأسود الذي زاد من سمار بشرته، والشارب المستعار الذي وضعه في وجهه:

* اتفضل عصير يا ستو هانم.

= مرسي… مش عاوزة.

* ده عصير حلو خالص يا ستو هانم هيعجبك.

= يا أخي قولتك مش عاوزة… هو بالعافيه؟

* بس أنا مصرّ ياستو هانم أنك تشرب العصير الحلو ده.

هبت ماري واقفة وهي تنهر الغرسون وتبتعد قليلا عن والدتها:

= لا… ده انت زودتها قوي… قولت مش عاوز يعني…

* أيوه كده يا ستو هانم تعالي بعيد شويه علشان نعرف نتكلم.

= مين؟! فوزي… مش ممكن… إيه اللي انت عامله في نفسك ده؟

* أعمل إيه حكم القوي… وبصراحة أمك قوية قوي… أنا عارف هتبقى حماتي إزاي… أكيد هتطلع عنيّا.

= فوزي… إنت بتقول إيه… حماتك…

* أيوه حماتي… هو إحنا لما نتجوز مش أمك هتبقى حماتي برضه؟

= نتجوز… أنا مش مصدقة وداني.

* طبعا يا حبيبتي نتجوز أنا مبقتش قادر أستحمل اللي بيحصل ده ولازم نتجوز بقى، هنفضل لحد امتى خايفين وبنتقابل في السرّ زي الحرامية والخدامين؟

= بس بس… أمي بتبص ناحيتنا… اعمل نفسك بتشاور على أي حاجة في المركب ولا في البحر… كأنك بتفهمني الأماكن اللي هنا.

* أماكن إيه اللي أفهمهالك.. انت فاكره إننا قدام الأهرامات وأنا ترجمان… إحنا في وسط البحر.

= بس بس إمشي دلوقت أمي جايه علينا.

- شو بيريد منك ها الغرسون الأزعر.

= أبدا يا أمي… ده كان بيشاور لي على حوت معدّي في البحر وبيطمني لأني خفت منه.

- وينه الحوت… حوت يبلعه ها الأزعر.

تكررت لقاءات فوزي وماري على ظهر المركب ليلا ونهاراً بهذه الطريقة، وكان أعضاء الفرقة يعرفون هذه الحقيقة، باستثناء قاسمة وأليس، حتى اكتشفت قاسمة حقيقة فوزي وهم يغادرون المركب في ميناء بيروت، فثارت وأصرت على العودة مع ابنتيها على المركب نفسه إلى الإسكندرية، فتدخّل أعضاء الفرقة يرجونها ويستعطفونها ألا تقطع عيشهم وتفسد التعاقد مع المتعهد اللبناني بعودتها وماري إلى مصر، وتدخلت دولت أبيض واقنعتها بألا تترك ابنتها من يدها إلا للصعود على خشبة المسرح، كذلك جبران ناعوم الذي كان يحظى بثقة قاسمة، وأكد لها أمين عطا الله أنه لن يسمح لماري وفوزي بمجرد الحديث بعيداً عن خشبة المسرح، حتى وافقت قاسمة على هذه التعهدات… مع فرض حصار قوي على ماري.

الحنين إلى الماضي

كان أول ما فعلته قاسمة وماري وأليس بعدما وضعن حقائبهن في الفندق، أن اتجهن لزيارة ما تبقى من عائلتهن في بيروت والاطمئنان عليهم، فقد رحل والداها وخالها نبيه بك بعد عودته من القاهرة بأعوام، ولم يبق لها من الأسرة سوى خال واحد، كذلك رحل والدا سليم حزناً عليه في عام واحد، بعد وفاته بثلاث سنوات.

اصطحبت قاسمة ابنتيها لزيارة قبر والدهما، فتجددت الأحزان، وبكت ماري وأليس للمرة الأولى رحيله، إذ اكتشفتا في تلك اللحظة أن والدهما رحل منذ وصولهما إلى القاهرة، وأن قاسمة أخفت عنهما ذلك خوفاً عليهما من الأحزان.

بدأت فرقة أمين عطا الله تقديم الرواية على المسرح، وكانت ماري تؤدي فيها دور فتاة جميلة ابنة الباشا التي تفقد والدها وثروتها، ما يشجع خادمها «النوبي» على مصارحتها بحبّه، ويجسد فوزي منيب شخصية الخادم، وفي مشهد يجمع بينهما يصارحها الخادم بحبّه وهي تسخر منه وتوبخه، غير أنها لم تستطع أن تصمد أمام ذلك، وعلى رغم أنه مجرد تمثيل، كانا يقولان كلام الرواية بصوت مرتفع يصل إلى الجمهور، ثم يقولان ما يرضيهما همساً لا يسمعه سواهما:

* انت بتقول إيه… أنا أحبك إنت يا خدام.

(همساً) أنا بعبدك يا حبيبي.

= الخدام ده هو اللي أنقذ سمعة العيلة الكريمة من الفلس.

(همساً) وأنا بعبدك وبدوب فيك.

* إنت فاكر علشان بقى معاك فلوس… ممكن تعمل راسك براسي… مهما حصل هتفضل في نظري خدام.

(همسا) إنت حبيبي وتاج راسي.

= أنا مستعدّ أفضل خدامك طول عمري… بس توافقي وتتجوزيني.

(همسا) قولتي إيه موافقة نتجوز.

* يظهر عليك إنت بتحلم… بص على قدك… شوف أنا فين وانت فين.

(همسا) نفسي أغمض عيني وافتحها ألاقي الحلم ده متحقق.

= معلش… أنا واثق أن الجوع لما يقرصك هتيجي تركعي تحت رجليا وتطلبي إني أوافق أتجوزك.

(همسا) أنا مستعد اركع تحت رجل أمك علشان توافق على جوازنا.

* أنا أموت من الجوع ولا أقبلش على نفسي أتجوز واحد زيك.

(همسا) لازم يا حبيبي… لازم نلاقي حلّ.

بالفعل اهتدى فوزي منيب إلى حلّ، إذ هدد أمين عطا الله بترك الفرقة والعودة إلى مصر، إن لم يساعده، لأنه لم يعد يحتمل بُعد ماري عنه، وباعتباره بطل الفرقة، ستسبب مغادرته بيروت في غلق أبواب المسرح.

وافق أمين عطا الله على ما اهتدى إليه فوزي منيب وماري سليم، وساعدهما في ذلك أعضاء الفرقة، فقررا الزواج ووضع قاسمة أمام الأمر الواقع، بالفعل حضر المأذون إلى غرفة أمين عطاالله، وفي الوقت المناسب استأذنت ماري والدتها لتذهب إلى الحمام، الذي لم يكن في الغرفة نفسها، وقصدت المأذون وأخبرته أنها وكلت عنها جمال عبد الصبور الريجيسير وبشهادة جبران ناعوم والمدير المالي للفرقة سيد أفندي عبد الفتاح، ووقّعت العقد، ثم عادت إلى غرفتها مسرعة كأن شيئاً لم يحدث.

الزواج سراً… باطل

مرّت دقائق وماري مضطربة، لا تعرف كيف ستكون ردة فعل الأم على ما قامت به، إلى أن حضر جبران ناعوم ومعه أكواب الشربات وبعض الشوكولا، وقدمها لقاسمة وهو يخبرها بما حدث. فطار عقلها وتزاحمت الأسئلة: كيف ومتى وأين ومن وافق؟ هذا الزواج باطل ولا يجوز، لأن ماري قاصر.

حاول جبران ودولت أبيض وأمين عطا الله أن يهدؤوا من روعها:

= يا ست قاسمة ده حلال ربنا… مش شيء غلط.

* هيك بيكون حلال ربنا… بعيد عن الأهل وبدون رضاهن؟

= مفيش شيء بدون رضاك… وعلشان كده إحنا هنا وبنقولك وبنعرفك.

* وشو بسوي بمعرفتي الحين… بعد ما صار الفاس بالراس متل ما بيقولوا.

= بس اهدي واسمعيني… الولاد بيحبوا بعض واتجوزوا معملوش حاجة غلط… يعني كده أحسن ولا سمح الله يعملوا حاجة غلط.

* الله سمح… واللي صار صار.

عزمت قاسمة أن تجد حيلة تنهي بها هذا الزواج، واتفقت مع أليس على تنفيذ مخطط، فأوعزت إلى ماري أنها قبلت بالأمر الواقع ولا داعي للخصام بينها وبين زوج ابنتها فوزي منيب، وطلبت منها أن تدعوه إلى الغداء في مطعم الفندق.

طار فوزي من الفرح بهذه المصالحة وبدعوة «حماته» قاسمة له، غير أنه لم يكن يدري ما الذي تدبره له، ففي وقت كان يهنأ بتناول طعام الغداء مع ماري وأمها، كانت أليس في حجرة فوزي في الفندق، تقلبها رأساً على عقب إلى ان عثرت على ورقة الزواج، وما إن سلمتها إلى أمها حتى طردت فوزي من على المائدة وسط ذهوله وبكاء ماري:

* اتفضل أستاذ فوزي… ماعنا بنات للزواج.

= أزاي الكلام ده… دى مراتي بشرع الله.

* انت ما بتعرف شرع الله… ها العقد باطل.

= إزاي!! ده صحيح وبشهادة الشهود.

* من شان هيك باطل… كيف بيشهد ع العقد رجل نصراني؟ جبران ناعوم نصراني ما بيصح يشهد ع العقد.

أحكمت قاسمة قبضتها على ماري وحالت بينها وبين لقائها بفوزي بعيداً عن خشبة المسرح، حتى انتهى عقد الفرقة في بيروت، وقررت السفر فوراً إلى القاهرة، لدرجة أنها لم تنتظر موعد إقلاع المركب من بيروت وأرادت السفر براً عن طريق فلسطين، وحتى لا يترك فوزي ماري تسافر بمفردها بعيداً عنه وعن الفرقة، أقنع أمين عطا الله أن تسافر الفرقة بأكملها براً، على رغم ما في ذلك من مشقة للجميع.
كان الطريق طويلا ولم تكفّ ماري خلاله عن البكاء، ومع إلحاح الجميع على قاسمة لان قلبها ووافقت على الزواج، شرط أن يتم بعقد جديد وشروط جديدة، فقد اشترطت أن يُكتب في العقد أن يدفع فوزي منيب مبلغاً قدره ألف جنيه مصري في حال طلّق ماري أو تزوّج عليها.

عقد مشروط

وافق فوزي على الشرط على رغم المبالغة الكبيرة فيه، ولم يطق صبراً حتى يصلوا إلى القاهرة لكتابة عقد جديد، وانتهز فرصة استراحة الفرقة في حيفا في فلسطين وأحضر المأذون، غير أن قاسمة اشترطت أن يحضر أولا كاتب عدل من المحكمة الشرعية يتبع الحكومة ويكتب عقداً بالشروط التي تريدها ويُختم العقد بختم المحكمة الرسمي.

وبالفعل أحضر فوزي الكاتب من المحكمة وكتب عقداً بالشروط التي وضعتها قاسمة، وبعدها أحضر المأذون وتم عقد القران بشاهدين مسلمين من الفرقة، لتستقبل القاهرة فوزي منيب وماري سليم عروسين.

نزل فوزي وماري ضيفين على والدتها إلى حين تأسيس فوزي بيت الزوجية، ولم يستغرق ذلك طويلا، إذ اختار لها بيتاً في شارع قريب من شارع «بركات» في شبرا، ولم يمرّ شهر حتى التحق فوزي، بمفرده من دون ماري، بالعمل في مسرح مدام مارسيل في «كازينو دي باري» في شارع عماد الدين، الذي كان على بعد خطوات من مسرح نجيب الريحاني، وحقق فوزي نجاحاً لفت نظر نجيب الريحاني نفسه الذي لم يطق أن يرى نجاحاً بعيداً عنه، فطلب من فوزي منيب العمل معه، غير أن الأخير تردّد، على رغم سعادته، خوفاً من نجيب الريحاني ونجاحه الذي يغطي على كل من حوله.

لكن ماري اقنعته بهذه الفرصة، فانضم إلى فرقة نجيب الريحانى في بداية العام 1919 ومثل أول أدواره في مسرحية «قولوله» أمام الريحاني، إلا أن حدس فوزي كان صادقاً، فلم يكن له حضور يذكر إلى جوار الريحاني.

وبعد أيام ترك فرقة الريحاني وعاد وماري للعمل في «فرقة سليم عطا الله»، وبرع في تمثيل دور «البربري» كعادته، غير أنه كان يقدمه بشكل مختلف عن «بربري مصر الوحيد… عثمان عبد الباسط» الذي كان يؤديه علي الكسار في رواياته وبالإسم نفسه مع اختلاف المواضيع.

ماري منيب

ظل فوزي وماري يعملان لدى فرقة أمين عطا الله، حتى فاجأهما يوماً جبران ناعوم بفكرة لم تكن تخطر ببالهما ولم يجرؤ فوزي على مجرد التفكير فيها، على الأقل في هذه المرحلة:

= بتقول إيه يا أستاذ جبران… أنا وانت… إزاي؟!

* زي الناس يا أخي… احنا هنخسر إيه… قرشين… طظ… مش هنصرف كتير… انت البطل وماري البطلة، وأنا معاكم وكام واحد صاحبنا من فرقة أمين عطا الله على اتنين من فرقة الكسار ونشتغل… ويبقى عندنا فرقة بتاعتنا

= أيوه بس.

فتدخلت ماري:

- بس إيه يا فوزي؟! أستاذ جبران عنده حق… إنت مش أقل من اللي عندهم فرق… وتستحق يكون عندك فرقة باسمك… وفرقة كبيرة كمان.

= وفين الروايات بس اللي هنقدمها في الفرقة… ومين هيكتب لنا؟

* شوف يا سيدي… أنا عندي فكرة… إنت عارف إن الريحاني والكسار داخلين منافسه مع بعض… ده يعمل مسرحية التاني يردّ عليه بواحدة جديدة… فأنا فكرت أننا ناخد فكرة مسرحية الريحاني مع فكرة مسرحية الكسار ونعمل منهم خلط كده يعني ونقدمها بأسلوبنا… إيه رأيك؟

- والله فكرة حلوة يا فوزي… وافق بقى.

= أنا منكرش إنها فكرة حلوة… طب هنسمي الفرقة إيه؟

* طالما اننا هناخد من ده شويه ومن ده شويه نسميها «جوق كشكش بك البربري»

- بس لازم نفرّق بينك وبين بربري الكسار، وباعتبارك متعلّم ومعاك البكالوريا… تبقى «بربري مصر العصري».

= فكرة هايلة يا ماري.

* أنا لسه هنا ما مشيتش… بقت فكرة ماري هي اللي هايلة، وبالمناسبة بقى لازم نعمل حاجة جديدة برضه لماري… لازم تبدأ بشكل جديد واسم جديد يتناسب مع الفرقة.

- (ضاحكة) وهتسميني إيه أنا كمان… بربرية مصر العصرية.. ولا «كشكوشة هانم»؟

* إنت مش مرات فوزي منيب؟

- طبعا وإلى الأبد…

* طالما مراته وشايله اسمه… ما يبقى اسمك من اسمه… يعني بدل ماري سليم… تبقي ماري منيب.

راق الإسم لماري، خصوصاً أنها تعشق زوجها واسمه، وفي مطلع 1920 كوّن فوزي منيب بالمشاركة مع جبران ناعوم وماري سليم، التي أصبحت منذ ذلك اليوم ماري منيب، فرقة «جوق كشكش بك البربري».

لاقت الفرقة نجاحاً لم يتوقعه أحد، بمن فيهم جبران وفوزي وماري أنفسهم، فقد حققت مكاسب جعلت ماري تساهم في تأسيس بيت الزوجية لشقيقتها أليس، بعدما تقدم فهمي عبد السلام، أحد أصدقاء فوزي منيب، لخطبتها وكان يعمل محامياً كما تمنت قاسمة لماري عندما تقدم إليها بشارة واكيم، ما جعل الأم توافق عليه فوراً، ورحبت أليس به، وأصرت ماري على أن تصحبهما في «شهر عسل» معها إلى سورية حيث تسافر الفرقة لتقديم عروضها هناك.

في 28 أكتوبر 1920 كان أول عرض لفرقة «جوق كشكش بك البربري» على مسرح «الهمبرة» في سورية في منطقة «باب توما»، في مسرحية «اسم الله عليه» التي كتبها أمين صدقي خصيصاً للفرقة، فحققت نجاحاً رفع اسم فوزي وماري منيب في السماء.

مع مطلع العام الجديد 1921، عادت الفرقة إلى القاهرة، وكان لا بد من أن تبحث عن مسرح يليق بها وبعروضها المميزة، بل وباسم فوزي وماري منيب، فاتخذا «زيزينيا» في مدينة الإسكندرية مسرحاً خاصاً لهما.

البقية في الحلقة المقبلة

الجريدة الكويتية في

22/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)