حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جوليان مور لـ"النهار":

يبدو أن حياة واحدة لا تكفيني!

هوفيك حبشيان 

في سجلّها خمسون فيلماً. انها من المتجددات في هوليوود. كالنبيذ المعتق، تراها تزداد جودة كلما تقدمت في العمر. أطلقها روبرت ألتمان وأوصلها ب. ت. أندرسون الى قلوب المشاهدين. هذه ممثلة وأمّ تحارب في أكثر من خندق: الفنّ والعائلة والقيم الحقيقية للقارة الجديدة.

جوليان مور أكثر ممثلات جيلها تألقاً واتقاناً للتمثيل. لا يجد المرء في عملية البحث عمّا يصفها أقلّ من كلمة "مختلفة". تعبير ساذج لكنه يليق بها وبمسارها التصاعدي الذي انطلق فعلياً في مطلع التسعينات، ليبلغ الذروة في أواسطها. خلال هذه الأعوام كلها، تقمصت أدواراً ذات شأن في ادارة أفضل السينمائيين وأروعهم، في هوليوود وخارجها. شيئاً شيئاً، تبيّن لديها هذا السعي الدائم الى "قتل" فيلم بآخر، ومحو شخصية بأخرى. على مدار عقد من الزمن، أي من 1993 الى 2003، تناقلتها الأيادي البارعة: روبرت ألتمان، تود هاينز، جيمس أيفوري، ستيفن سبيلبرغ، الأخوان كووين، لوي مال، غاس فان سانت، ريدلي سكوت. وطبعاً، الأهم: بول توماس اندرسون الذي عرف كيف يبني على هذه المرأة الصغيرة المنمنمة دوراً بحجم ليندا في "ماغنوليا" (1999)، والتي تحمّس لها، عن حقّ، النقاد والسينيفيليون على السواء، حاملين اياها على الراحات مذ دخلت فيها ليندا الصيدلية لطلب دواء. لحظة شهدت على ولادة ممثلة!

من دور فآخر، هذه الابنة لضابط في الجيش صارت متمكنة. أميرة شاشة والدور تاجها. سقطت عنها أوراق الافتعال. راحت تتمرد كطير يريد التحليق بأجنحته، واستطاعت أن تُنسي "سقطات" بدايتها كـحال "جسد" (1993) لأولي ايدل مع مادونا، وايضاً كحال الأدوار الصغيرة التي أُسندت اليها في مسلسلات عبرت من دون أن تضيف الى سجلها شيئاً يُذكر. عطشها الى افتعال التنوع ومعايشة الأضداد تحت سقف واحد، جعلها تنكبّ على اختيارات تسير في منطق "من كل وادٍ عصا". فحيناً كنّا نراها في "جوراسيك بارك" لسبيلبرغ، وحيناً آخر نعيد التعرف اليها في نسخة ملونة لـ"بسايكو" هيتشكوك بتوقيع غاس فان سانت. طوال تلك الفترة، بدا كأن ماريان وايمان (دورها الذي لا يُنسى في "شورت كاتس" لروبرت ألتمان) يسكنها بطريقة أو بأخرى، اذ صار المرء يجد شذرات منها في هذه الشخصية أو تلك، من هذا الشريط أو ذاك. وهذا كله شرّع طريقها الى نجومية قبضت عليها بـ"الجرم المشهود"، فيما كانت تجاوزت الاربعين من العمر!

حسنا فعلت مور، عندما تغلغلت في شخصية مود ليبوفسكي في الفيلم الشهير الذي اخرجه الأخوان كووين عام 1997، مؤكدة، مرة أخرى، أنها قادرة على احتلال أي دور ونقيضه. مع شخصية هذه المرأة اللعوب تبدّى وجه آخر من وجوه مور: محاكاة الذات. هذا كشف ايضاً مدى قدرتها على الانقلاب على ما صنعها وصاغ ملامحها. عصاميتها كانت لافتة حدّ أن تود هاينز، الذي كان منحها البطولة المطلقة الاولى لها في "سايف" (كانت في الخامسة والثلاثين انذاك)، عاد واسند لها دورين حلّقت من خلالهما، احدهما في "بعيداً من الجنة" (2002) والآخر في "لستُ هناك" (2007). في كل هذه التجارب، نالت تأييد الصحافة المتخصصة، وحتى عندما كانت الأفلام ساقطة، فتمثيلها كان يخطف الأنفاس. لكن في مقابل هذا الاستحسان، فاتت عليها اربع فرص للفوز بـ"الأوسكار"، فاكتفت بالترشيحات، ونالت جائزة "فولبي" المهيبة في مهرجان البندقية عن دورها في "بعيداً من الجنة".

في مناسبة العرض المحلي لـ"مجنون، أحمق، حبّ" ("غراند ــ أ ب ث، كونكورد") لجون ريكا وغلين فيكارا حيث تلعب دور ايميلي، ننشر هذه المقابلة مع جوليان مور، التي أجريت في أبو ظبي، يوم حضرت للمشاركة في مهرجان العاصمة الاماراتية.    

·         في هذه المرحلة من حياتك المهنية، فيما بتّ سيدة في الخمسين من العمر، ما أكثر شيء يشجعك للمشاركة في فيلم، هل هو اسم المخرج أم النص أم ماذا...؟

- دائماً دائماً، أميل الى اعطاء القصة والسيناريو الحصة الكبرى من اهتمامي. هذا نوع من هاجس عندي. لكن، في هذه السنوات كلها التي عملتُ خلالها في السينما، لاحظتُ كلما جذبت قصة ما اهتمامي، أني لم أتأخر في الاكتشاف أنها من تأليف المخرج نفسه وليس لكاتب سيناريو. ابحث دوماً عن رؤية خاصة من تلك التي نجدها عند بعض السينمائيين. وأبحث عن وجهة النظر وعن القصة التي تلائم نظرتي للحياة. استطيع القول إنني لستُ فقط مهتمة بالشخصية، بل بالقصة في المقام الأول. بعض السينمائيين، من أمثال بول توماس اندرسون والراحل روبرت ألتمان، لا حاجة لي أن أسألهم لماذا اختاروني، لأنني أشعر بأنني انتمي الى عائلتهم.

·         عرفتِ دائماً كيف توفقين بين الانتاجات الجماهيرية التي لا تزالين تشاركين فيها حتى الآن والأفلام ذات الموازنة الضئيلة التي سطع نجمك من خلالها وطرحتك واحدة من أكثر ممثلات جيلك موهبة. كيف توفقين بين هذين الجانبين؟

- لي فيلم من انتاج ستوديو سيخرج قريباً الى الصالات ["مجنون، أحمق، حبّ"]، وسأقول لك بصراحة: أحببتُ السكريبت وأحببتُ طاقم الممثلين وأحببتُ المخرج ووجدت انه مثير للاهتمام. لذلك، انطلاقاً من حالة مماثلة لا تعود موازنة الفيلم هي الموضوع الأساسي، بل ما يحمله من مضمون. في الواقع، هناك ما يجهله النقادّ والصحافيون في هذا الشأن، وهو انّ نظرتنا، نحن الممثلين، الى النصّ المكتوب، تختلف عن النظرة التي يرمونها على المنتج النهائي. فنحن، حين نقرأ النصّ لا نعرف إلام سيؤول اليه، واي شكل سيتخذه العمل، لذا المسألة برمتها مجازفة.  أشعر نفسي سعيدة ومكتفية، مع القليل من الإحساس بأن الحظّ كان حليفي الدائم، لأنني استطعت، كما أسلفت، التوفيق بين التجاري والفنيّ، وكل مشروع أُعطيته اعتقد انني عانقته وذهبت به الى الآخر، من دون تمييز. ربما هنا يكمن السرّ.

·         لديّ سؤال ربما ضجرتِ منه لكثرة ما طُرح عليك، لكنني سأفعله على "نفقتي" الخاصة: نعلم انك رُشِّحتِ لجائزة الـ"أوسكار" مراراً من دون أن يُتاح لكِ اقتناصها. ماذا يعني لكِ هذا الاستبعاد غير المقصود ربما، علماً ان كثيرات اقلّ منك موهبة سبق لهنّ أن نلن الجائزة الشهيرة؟

- طبعاً، لا أنكر ان هناك شيئاً غريزياً يظهر لدى الانسان ما إن يشارك في مسابقة، مما يجعله يريد الفوز. لكن، في نهاية المطاف، ما يهمني أكثر من نيل جائزة هو العمل نفسه. ما يخيّب أملي حتماً ليس الاّ افوز بجائزة بل الاّ يكون لي عمل. أو ايضاً الاّ أُمنَح الأدوار التي أريدها. طبعاً، كنتُ سررت لو فزت بالـ"أوسكار"، واعتقد ان كلاًّ من هيتشكوك وكوبريك كان سُرّ بدوره لو نال "أوسكار" افضل مخرج، لكن، هناك أشياء تخرج عن قدرتنا على التحكم.

·         مثّلتِ ايضاً في اقتباسات لكلاسيكيات المسرح الأوروبي، من بيكيت الى تشيخوف فإلى وايلد، لكن، في مقابل ذلك، لم تعملي قط في السينما الأوروبية...

- المسألة أنني أمّ لطفلين، أحدهما في الثانية عشرة والآخر في الثامنة. عندما كان طفلي الأول صغيراً، كان السفر ممكناً، أما مع دخوله المدرسة، فصار الأمر شبه مستحيل. وبما أنني مصرّة على متابعة تربيتهما عن كثب، فقد ترتب عليّ اذاً بعض التضحيات. منذ فترة عُرض عليَّ ان أمثل في فيلم ألماني، وكان عليَّ قضاء اربعة اشهر في المانيا، وهي الفترة التي يستغرقها التصوير. وجدتُ ان الفترة هذه طويلة، لذا رفضت. لم يكن ممكناً الابتعاد عن ولديَّ طوال تلك الفترة.

·         هذا يعني انك تضعين حياتك الشخصية فوق حياتك المهنية...

- الخيار لا يعود لي. ما دام عندي عائلة، فعليّ الاهتمام بأفرادها. ثم هناك ما يسمّى التوازن. وأنا أحاول دوماً التوفيق بين عملي وحياتي، والحمد لله، الى الآن، كل شيء على ما يرام في هذا الشأن.

·         ماذا يعني لكِ ان تكوني أميركية، والعالم ينظر الى بلادك نظرة غير رحومة أحياناً، ما يجعل كل مواطن يعيش على أرض هذه الدولة متهماً حتى اثبات العكس...

- الأمر أبعد من ذلك، وحصر الجنسية الأميركية في اطار التجاذبات السياسة خطأ جسيم. أن تكون أميركياً يعني أن تكون من كل مكان. هذا هو الأساس في الموضوع، والباقي تفاصيل. هذا شيء ننساه احياناً. هذا شيء تنساه دولتنا في سياستها الخارجية الظالمة في كثير من الأحيان. لا اريد ان أدخل السجال السياسي العقيم، لكن يجب أن يعلم الجميع أننا كأميركيين ضقنا ذرعاً من النحو الذي يُنظَر فيه الينا، بسبب حماقات يرتكبها البعض باسمنا. هذه بلاد تحمل رسالة سامية. نحن بلد حديث، وعلى كلّ مواطن أميركي أن يتذكر صباحاً وظهراً ومساء ان أصوله من مكان آخر. هذا الخليط من الحضارات والديانات والثقافات رسالة بذاتها. والشيء العظيم المتعلق بأميركا، انها تتيح لك ممارسة معتقداتك بحرية مطلقة، وهناك مكان للجميع، ولا تجبر المهاجرين الجدد على التكيف. في المقابل، لا بدّ من القول، ان الزمن الذي نعيشه اليوم عسير، اقله اقتصادياً. سقى الله زمناً كانت اميركا فيه أرض الأحلام وكان فيه للجميع القدرة على النجاح وبناء حياة راقية. سابقاً، كان الشعار أنه يجب ان تكون حياتنا افضل مما كانت عليه حياة أهلنا وأجدادنا. مفاهيم النجاح تغيرت عبر الزمن. مع هذا كله، يبقى لمن يحمل الجنسية الأميركية سمة وهي انه يؤمن بالممكن دائماً.

·         أنتِ ناشطة في مجال القضايا الاجتماعية والسياسية: الى جانب مناصرتك لقضايا المثليين جنسياً، كنتِ ايضاً من أشد المناهضين لجورج بوش...

- أؤمن بالتغيير من خلال الانتخابات. كوني ديموقراطية وانتخبتُ أوباما، فهذا يعني أنني "حاربت" بوش بطريقة أو بأخرى. ولكن في الوقت نفسه، لا اطلب من الرئيس المنتخب حديثاً ان يحقق المعجزات، خصوصاً انه جاء في زمن صعب.  

·         لعبتِ في ادارة تود هاينز اثنين من أفضل أدوارك: "بعيداً من الجنة" و"لستُ هناك". كيف تقوّمين تجربتك معه؟

- انه لمخرج رائع فعلاً. صاحب اسلوب، والاسلوب هو الرجل كما يُقال! لديه طريقة خاصة في سرد الحكاية وهي طريقة حرّة وملموسة في آن واحد. أفلامه تتضمن الكثير من الانفعال وفيضاً من المشاعر، ما يجعلني ارغب في تكرار التجربة معه. هناك الكثير من السينمائيين الكبار، على غرار هاينز، اريد التمثيل في ادارتهم، لكن أقول دائماً ان الحياة لا تمنحنا الا القليل من الوقت، يبدو ان حياة واحدة لا تكفيني...

·         تمثيلكِ يغرف من ينبوع المشاعر، ومَن يجلس الى جانبك لا بدّ أن يلمس هذه الشخصية الحساسة. ومَن لم ينفعل وهو يراكِ في مشهد دخولك الى الصيدلية في "ماغنوليا"، الأرجح أنه صمّ آذنيه عن العالم...

- (ضحك). يسعدني ان أسمع منك هذا الشيء. يسعدني كثيراً. وهذا ما  ينقله الفيلم في كل حال: المشاعر. علماً ان دوري هو دور امرأة تجهل مشاعرها. بول توماس نابغة. فهو اعطاني فرصة لن تتكرر لأثبت قدراتي التمثيلية، وأنا شاكرة له. أنا مستعدة لفعل الكثير من أجله. في المشهد الذي تتحدث عنه، حيث تراني منهارة، كان عليَّ ان اتحلى بصرامة تمثيلية شديدة، وإلاّ كان من السهل جداً ان أبدو مضحكة. كنت أثق ببول توماس وهو كان بالنسبة إليَّ حزام أمان.

·         يأخذ عليكِ البعض امتلاكك طموحات يقولون إنها فضفاضة، كتأليف الكتب والتمثيل في أفلام تجارية. لكن، بالنسبة اليكِ، لا تناقض بينهما، أليس كذلك؟

- قد يكون ثمة تناقض بين المنجزين. لكن الحياة ليست كلها منظمة كما يعتقد البعض. التناقض سمة الحياة، ووحده حبّ التجربة والذهاب الى اراض مجهولة يجعلانني أغامر. دائماً أقول لولديَّ وأصدقائي: اذا كان هناك شيء تريدون اختباره، فليس عليكم الاّ ان تختبروه! على الانسان الاّ يحصر نفسه في مجال واحد. الحياة أغنى من ذلك. لا اعتقد انه علينا أن نباشر أي عمل فقط بهدف أن ننجح وأن نصل الى مرتبة معينة من التفوق. هناك أشياء نفعلها وحسب، ويكون العمل في ذاته الهدف والغاية. لا بأس اذا كان الهدف من بعض افعالنا مجرد الفعل. ينسحب هذا الشيء على الشخصيات في الأفلام، اذ تراها تمتلك فكرة واضحة وجاهزة عما ستفعل، في حين أن هذه النزعة تكاد تكون معدومة في الحياة.   

·         كيف تتحضرين للدور؟

- معظم ما لديّ من ادوات استعين بها من النص نفسه. اعمل على الطريقة القديمة: اذا كانت الشخصية في الفيلم تمتطي حصاناً، فأسارع الى تعلم كيفية ركوبه. انحاز الى العمل التطبيقي ولستُ غريزية تماماً كما الحال مع زميلاتنا الأوروبيات. هذا آتٍ ربما من تحصيلي في جامعة بوسطن حيث تخرجتُ بشهادة في التمثيل.

·         من المعروف عنكِ أنكِ لا تضعين العقبات بينك وبين الدور. لنأخذ مثلاً المَشاهد الجنسية الحامية أو تبادل القبل. هل هذا سهلٌ بالنسبة إليك؟

- عندما يكون شريكك في التمثيل في الرابعة والعشرين، كما كانت الحال في "كلويه" لأتوم ايغويان، ويكون عندك مشهد مضاجعة معه، تدرك ان المسألة أصعب قليلاً (ضحك). للجميع مشكلة في اظهار اجسادهم وحميمياتهم. لم اظهر في فيلم الا قبّلتُ فيه احدهم. قبّلتُ ممثلين وممثلات. ومن حسن حظنا ان أهل هذه المهنة بارعون في التقبيل (ضحك). لكن، هناك بعض النفاق في التعامل مع الجنس في السينما الأميركية. بعض المَشاهد الجنسية تُمنَع لمن هم تحت سنّ معينة، أما العنف فلا مشكلة اذا شاهده ايٌّ كان. وأنا أقول لهؤلاء: الجميع يمارس الجنس، لكن ليس الجميع يرمي القنابل اليدوية!  

·         ما رأيكِ بالصناعة السينمائية في أميركا؟ من تراجع مستوى السيناريوات الى أزمة الوحي التي تشلّ القطاعات الابداعية...

- حسناً، الأمر بهذه البساطة: نحن ننسى أحياناً ان صناعة السينما هي بزنس في المقام الأول. والقائمون على هذا البزنس ليسوا في الضرورة مهمتين بما هو خارج طموحهم. وببساطة أقول، طموحهم هو تقديم منتج سينمائي يراه كل انسان اينما كان في هذا العالم ويروق له ما يشاهده. هذا ما يركّزون عليه. لكن الأعمال الجيدة موجودة، وما حصل في السنوات الأخيرة ان منابر العرض تنوعت وصار في امكاننا مشاهدة الأفلام عبر التلفزيون والانترنت والى ما هنالك من وسائط. ولا أزال مقتنعة بأن الأفلام لا تصنع الثقافة بقدر ما تعكسها.

 ( hauvick.habechian@annahar.com.lb)  

قضية

"في غياهب الانتظار" يعود من باب التلفزيون بعد منعه سينمائياً

بعد منعه سينمائياً، يسلك "في غياهب الانتظار" درب التلفزيون، ليضع أمام الرأي العام معاناة أهالي المفقودين مع السلطة التي تنبذ قضيتهم. الموعد: غدا، العاشرة مساء على شاشة "العربية".

عن أهالي المحتجزين في السجون السورية ومعاناتهم للمصالحة مع الغائب – الحاضر، أنجز الصحافي والكاتب والمخرج اللبناني جوني كارليتش فيلماً قبل ثلاثة أعوام سمّاه "في غياهب الانتظار". لكن في حمأة انتقال لبنان من الوصاية الى "السيادة"، ووسط الخوف الجماعي من اعادة فتح ملفات غير لذيذة، كان مصير الفيلم أن يبقى على الرفّ، ليتأكله الغبار، الى أن اقترحت محطة "العربية" شراءه وعرضه على شاشتها لأسباب لم تعد من أسرار الآلهة.  

صوّر كارليتش في هذا الشريط (46 د.) أناساً ضائعين، محكومين بالقلق والتعب، يعيش بعضهم منذ عقدين أو ثلاثة حالة انتظار غير انسانية لعودة المفقودين من احبّتهم. أي هؤلاء الذين تم خطفهم بين 1975 و1990 بقوة سلاح الميليشيات، قبل اعتقالهم وجرّهم الى السجون السورية. مذاك، لا يملك من يسأل عنهم الاّ الانتظار ولا شيء سوى الانتظار، كذلك بضعة أسئلة قليلة، يبدو أن لا أحد يملك الرد عليها.

هناك ثلاث مراحل: مرحلة تصوير الفيلم واتمامه. مرحلة محاولة عرضه فمنعه. والمرحلة الحالية، أي ما يجري في سوريا الآن، والتي دفعت بالملف الى الواجهة. بين هذه المراحل المترابطة زمنياً ومعنوياً ومكانياً، اشياء كثيرة حدثت. سقط التابو الذي يلفّ الموضوع قبل أن يعود مجدداً تحت ذرائع مختلفة ومع تبدل المصالح السياسية والرهانات. شيء آخر حصل ايضاً: اثنان من الذين صوّرهم كارليتش فارقا الحياة من دون أن يعرفا الحقيقة. امرأتان، والدتان، مواطنتان، واحدة ماتت قهراً، والأخرى صدمتها سيارة وهي ذاهبة الى موقع الاعتصام في وسط بيروت، المكان الذي كانت دأبت على الذهاب اليه.

يضمر الفيلم هذا العجز الذي لطالما عبّرت السلطات اللبنانية عنها برعونة شديدة. لكنه عجز رقيق يتفادى رفع القبضة نحو السماء، ولا ينصاع خلف الاستنتاجات الخفيفة.  كلّ ما في الأمر انه يسمح لمخرجه بأن يعترض سلمياً وبأن يقول، في اطار ردّه السياسي، إن معظم الأفلام الوثائقية التي تتطرق الى الملف الشائك لا تفعل الاّ التحدث عن المعتقلين السياسيين في السجون الاسرائيلية. يقول كارليتش: "تحت غطاء محاربة الصهيونية والغطرسة الاسرائيلية والانتهاكات الحاصلة لحقوق الفلسطينيين، لماذا يجب علينا أن نحرم أشخاصاً يتعذبون، في أماكن أخرى، من حق الصورة؟ وليس لأن هؤلاء اللبنانيين أو الفلسطينيين أو المصريين أو غيرهم محتجزون تعسفاً في سوريا منذ نحو 30 عاماً للبعض، ينبغي لي أن أسكت، تضامناً مع القضية العربية! كنت لأفعل الأمر نفسه لو كانوا محتجزين في سويسرا أو غوانتانامو".

منذ الانتهاء النسبي للحرب الاهلية، وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، قلة هم الذين تطرقوا الى قضية المعتقلين في السجون السورية من خلال المنتج البصري. البعض فعلها مواربةً كخليل وجوانا جريج في "يومٌ آخر"، لكن من دون مسميات. ازاء دموع سيدات فقدن أغلى ما عندهن، لم يكن لكارليتش الاّ ان يستمع الى روايات كلٍّ من أوديت وفاطمة وميرندا وصونيا وسامية ومحمود، وهم أهالي الغائبين الذين يعيشون في انتظار ممزِّق وفي الغضب والآمال الكاذبة والانكار والنبذ.

هـ. ح.

النهار اللبنانية في

18/08/2011

 

 

المخرج علي رجب: خلافات ريكلام مجرّد شائعات

كتب: القاهرة - فايزة هنداوي  

بعد توقّف دام سنوات عدة، عاد المخرج علي رجب إلى السينما من خلال فيلم «ريكلام» بطولة كلّ من غادة عبد الرازق ورانيا يوسف، إلا أن الفيلم توقّف مراراً بسبب خلافات كثيرة بين أبطاله كما أشيع.
عن صحّة هذه الخلافات والأسباب الحقيقية وراء توقُّف الفيلم كان اللقاء التالي مع رجب.

·         لماذا ابتعدت هذه السنوات كلّها عن الإخراج السينمائي؟

لأسباب عدة أهمّها مواقفي السابقة من وزير الإعلام السابق أنس الفقي الذي كنت أهاجمه في كل مناسبة، باعتباره إحدى كوارث النظام السابق، لذلك مُنعت فترة طويلة من العمل في أي شيء تابع للدولة، كذلك مُنعت من الظهور كضيف في البرامج التلفزيونية، يضاف الى ذلك الظروف الإنتاجية الصعبة التي تمر بها السينما في مصر، إذ قلّ عدد الأفلام المنتجة سنوياً بنسبة كبيرة، وعدم حماستي لبعض الأفلام التي عُرضت لأنها غير ملائمة لي.

·         ما الذي جعلك تختار فيلم «ريكلام» للعودة من خلاله الى السينما؟

قصّته مختلفة ومتميّزة، ولم تقدَّم في السينما المصرية سابقاً، كذلك يعطي مساحة للمخرج كي يبرز إمكاناته.

·         لكن الفيلم توقّف مراراً، فما هي الأسباب؟

الظروف السياسية والأمنية التي تمرّ بها البلاد، إذ ثمة مشاهد خارجية يجب أن تصوَّر في الشارع ولم نتمكّن من تصويرها حتى الآن بسبب الانفلات الأمني الذي كان منتشراً في الشوارع المصرية، وإن كنا قد قاربنا على الانتهاء من التصوير ولم يتبقَّ لنا إلا أسبوع واحد سننجزه بعد عيد الفطر.

·         لكن تردّد أن السبب الحقيقي هو الخلافات الشديدة بين غادة عبدالرازق ورانيا يوسف أثناء تصوير الفيلم؟

هذا الكلام لا أساس له من الصحة، فأجواء التصوير تميّزت بالتفاهم والودّ بين جميع العاملين أمام الكاميرا أو خلفها، كذلك كانت رانيا وغادة متعاونتين جداً وهما تتمتّعان بروح جميلة في العمل.

·         وماذا عن الملابس المثيرة التي تردّد أنهما يتنافسان عليها ما ساهم في إشعال الخلاف بينهما؟

لا توجد ملابس مثيرة في الفيلم، وهذه كلّها محاولات من بعض الصحافيين لإحداث فرقعات إعلامية، خصوصاً ألا صحافي واحداً حضر تصوير «ريكلام» ليرى هذه الملابس، ولم تُنشر أي صور سواء من الفيلم أو من كواليس تصويره، وكل ما نشر كان من حفلة الافتتاح، فمن أين جاؤوا بهذه المعلومات؟ إضافة إلى أنني في جميع أفلامي لم أقدّم أي إثارة أو ابتذال أو حتى قبلة.

·         هل يعني ذلك أنك مع ما يسمَّى بالـ«السينما النظيفة» وضد وجود القبلات في الأفلام؟

لا ليس كذلك، فأنا أرفض تصنيف السينما نظيفة أو غير نظيفة، ولا أرى أي مانع في وجود القبلات إذا كانت لها ضرورة درامية، لكني لست مع وجودها لمجرد الإثارة كما يفعل البعض.

·         ألم تقلق من العمل مع غادة عبد الرازق بعد إدراج اسمها في القوائم السوداء؟

كلا. غادة فنانة كبيرة ولها جمهورها الذي لن يتخلّى عنها، وهذا واضح من خلال الإقبال الجماهيري على مسلسل «سمارة» الذي يُعرض راهناً، ثم إنني أرى أن فكرة المقاطعة فكرة متخلّفة، لأننا قمنا بثورة من أجل الحرية وليس من أجل القمع، فكيف نحاسب أي شخص سواء كان فناناً أو غير فنان على أرائه؟

·         وما تعليقك على ما حدث مع طلعت زكريا؟

الأمر يختلف هنا لأن طلعت زكريا أساء الى الثوار ووجّه إليهم عدداً من الاتهامات من دون أن يتأكّد منها، في حين أن غادة عبد الرازق جاهرت برأيها وقالت إنها تحب الرئيس السابق حسني مبارك من دون الإساءة الى أي شخص. أعتقد بأن حرية الرأي مكفولة في ظلّ الثورة التي تسعى الى التحرّر من الطغيان.

·         ذكرت سابقاً أنك ضد النظام ولكنك تحبّ الرئيس حسني مبارك، أما زلت على رأيك؟

بالتأكيد، لأن هذا الرجل على رغم كلّ سيئاته، يملك كثيراً من الحسنات التي لا يمكن أن ينساها منصف.

·         وهل توافق على محاكمته؟

بالتأكيد، يجب أن يأخذ القانون مجراه ويقول القضاء كلمته، فإن كان مبارك مخطئاً فليحاسب، على أن تكون المحاكمة عادلة بلا تشفّي أو انتقام.

·         ما رأيك في ما حدث أخيراً في نقابة السينمائيين، وفوز مسعد فودة بمقعد النقيب في الانتخابات الأخيرة؟

مشكلة نقابة السينمائيين الحقيقية هي وجود تعارض حقيقي بين مصالحها وتوجّهات اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لأن النقابة لو مارست دورها في تحصيل الرسوم التي أقرّها القانون وهي «%2» عن أجور الأعضاء المقيدين فيها، لكان لزاماً على اتحاد الإذاعة والتلفزيون أن يدفع ما يتراوح بين 70 و80 مليون جنيه سنوياً، لذلك نرى دائماً في الانتخابات ظاهرة الأوتوبيسات المحمّلة من التلفزيون بمئات الموظفين المقيدين في جداول النقابة من دون وجه حق على رغم أنهم لم يمارسوا المهنة سواء في السينما أو التلفزيون، فهم  مجرد أصوات انتخابية، لذلك نجح مسعد فودة في المرتين ضد علي بدرخان مع أن الأخير هو الأجدر بمقعد النقيب، وقد فرغت النقابة في السنوات الأخيرة من دورها، وأصبح السينمائيون يدفعون نسبة من أجورهم من دون أي استفادة من النقابة.

·         هل توافق الرأي مَن ينادي باستقالة أعضاء مجلس النقابة التابعين لجبهة علي بدرخان؟

لا، لأن هذه الجبهة أصبحت تشكّل الغالبية داخل المجلس، فهم سبعة من أصل 12 عضواً، أي أن القرارات جميعها ستكون بموافقتهم ولن يستطيع مسعد فودة إرغامهم على شيء.

·         إذن لماذا تنادي بإنشاء رابطة للسينمائيين؟

أرى أنه من الضروري إنشاء هذه الرابطة، كي تنقّي الجداول، وتعمل على تحقيق مصالح السينمائيين داخل النقابة.

الجريدة الكويتية في

18/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)