حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جلال عبدالسميع يتحدث للوثائقية عن اصوات السماء

حوار: حسن المرزوقي

المنتج جلال عبدالسميع تبث له الجزيرة الوثائقية  في رمضان الحالي سلسلة اصوات من السماء التي تجول في عالم قراء القرآن الكريم ومدارسهم ومسار حياتهم وابعادها الإنسانية..الوثائقية التقته في الحوار التالي.

·         يمتلئ العالم الإسلامي بالقراء فما هي مقاييس اختياركم للقراء?.

حرصنا على اختيار القراء الأكثر تأثيرا في عالمنا العربي والإسلامي، والذين كانوا يمثلون مدارس متنوعة في تلاوة القرآن الكريم، وقد أثروا المكتبة القرآنية بتسجيلات يتعلم منها ويستمتع بها عموم المسلمين في مختلف الدول وعلى مر الأجيال.

·         لماذا غاب عبد الباسط عبد الصمد وهو أشهر القراء في القرن العشرين ومن ناحية أخرى غاب القراء الشبان وخاصة الخليجيون.?.

بالنسبة للشيخ عبد الباسط .. لا أخفيكم سرا يعتبر هو الذي ألهمنا في تنفيذ هذه السلسلة.

·         كيف؟

سبق وأن أعددنا فيلما تسجيليا عن الشيخ عبد الباسط بعنوان "شيخ القراء" مدته نصف ساعة ، تم عرضه على شاشة الجزيرة والوثائقية ، وأثناء عملنا بهذا الفيلم اكتشفنا أن عالم القراء ملئ بالتفاصيل التي تحتاج إلى أن نعد لها سلسلة كاملة، فأثناء العمل في فيلم الشيخ عبد الباسط كنا نجد ملمحا معينا عند الشيخ، بينما هناك ملمح آخر مغاير عند قارئ آخر، وأن الشيخ عبد الباسط أسس لمدرسة خاصة به في التلاوة، وفلان أسس مدرسة أخرى، وهكذا.. فتح أمامنا فيلم "شيخ القراء" بابا واسعا على عالم التلاوة ليس في مصر فقط بل في عالمنا العربي والإسلامي، ومن هنا جاءت فكرة سلسلة "أصوات من السماء"

·         وماذا عن القراء الشبان خاصة الخليجيون؟

القراء الشبان لهم وجود مؤثر على الساحة العربية، ولهم الكثير من المستمعين، وتبث لهم تلاوات متنوعة على العديد من الفضائيات والإذاعات، لكنا في سلسلة "أصوات من السماء" وضعنا مجموعة من المحددات في اختيار القراء الذين تتناولهم السلسلة كان من أبرز هذه المحددات أن يمثل القارئ مدرسة في التلاوة ، وأن يكون له إسهامات أثرت مكتبة القرآن الكريم السمعية في عالمنا العربي والإسلامي.

وإذا ما عدنا لإخواننا القراء الشبان نجد أن معظمهم ما يزالون في مرحلة التكوين، وبعضهم لم يشكل مدرسة مستقلة في التلاوة، وفي النهاية أنت ملزم بتقديم ثلاثين حلقة فقط، ولعلنا في المستقبل نفكر في إنتاج سلسلة عن هؤلاء القراء الشبان ولكن بمضمون مختلف عن "أصوات من السماء".

·         كيف استطعتم في حوالي ربع ساعة أن تحيطوا بكل ملامح الشخصية مما يعني أنكم تختارون معلومات وتفاصيل دون أخرى على أساس يتم اختياركم كي لا نصنف ما قمتم به ضمن فئة الروبرتاج؟.

قبل أن نبدأ العمل قمنا بإعداد ورش عمل شارك فيها فريق الإعداد والباحثون، وحددنا خلال هذه الورش المحاور العامة التي سوف تغطيها السلسلة عن كل قارئ، وقمنا بعدها بتوزيع القراء على المعدين والباحثين في مصر وفي بقية الدول، وبناء على هذه المحاور بدأ فريق البحث والإعداد عمله ، مع إضافة بعض التفاصيل التي تخص أو تميز كل قارئ عن غيره، ورغم ما بذلناه من جهد كبير أثناء البحث والإعداد إلا أننا في خلال التصوير ، كنا نكتشف تفاصيل جديدة عن حياة القراء، وعن مسيرتهم مع القرآن، كانت تدفعنا لتعديل السيناريو الخاص بكل قارئ، بالحذف مرة أو إضافة تفاصيل مرة أخرى ، حتى نخرج بصورة متكاملة خلال خمسة عشر دقيقة عن تلاوة القرآن من خلال هذا القارئ الإنسان.. بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني.

·         هل السلسلة تأريخ للقراء وتفاصيل حياتهم أم للقراءات والمقامات ؟

"أصوات من السماء" تأريخ للقراءات والمقامات من خلال هؤلاء القراء، الصوت هو الفكرة والبطولة هي للتلاوة ، وتفاصيل الشخصية والحكاية ، هي لكي نوثق الصوت والتلاوة بكل لحظاتها  ونجاحاتها وإخفاقاتها ، وحتى نفهم كيف نمت وتطورت وأسرار كل مرحلة ، وخصائص كل فترة فتجد أن قراءة حفص عن عاصم مثلا بالترتيل بمقام الرست مثلا لها مذاق خاص عند الشيخ مصطفى إسماعيل ونفس القراءة بنفس المقام تجد لها مذاق مختلف تماما عند قارئ آخر مثل الشيخ على جابرمن السعودية  أو الشيخ عبد عبد الحميد أحساين من المغرب، إذن نحن نؤرخ للقراءة وللمقام من خلال هذه الصوت، مع إلقاء الضوء بشكل غير مباشر على الظرف الاجتماعي أو الثقافي الذي نشأ فيه هذا الصوت وترعرع حتى وصل إلى آذان المستمعين.

مع إلقاء الضوء على بعض الجوانب الإنسانية التي تكشف حياة وتكوين هذه الصوت القرآني.. كيف نشأ والعوامل التي ساعدت في بروزه ومن ثم وصوله لعموم المستمعين في عالمنا العربي والإسلامي.

·         السلسلة أنجزها مخرجون متعددون فما هي مواطن الاختلاف والاتفاق بينهم في مستوى الرؤية والمقاربة الفنية أم هل أنكم فرضتم على الجميع طريقة واحدة في التناول؟.

في بداية العمل وضعنا محددات فنية عامة يلتزم بها كل مخرج، لكى نحصل في النهاية على صورة فنية تتناسب مع طبيعة وروح السلسلة التي نقوم بإنتاجها، وحتى لا يكون هناك تنافر فني كبير اختارنا المخرج عبد الرحمن عادل ليكون مديرا فنيا للسلسلة ، وفي ذات الوقت تركنا لكل مخرج كامل الحرية في الإبداع في عمله لكي تظهر "نكهة" القراءة العراقية عند الحافظ إسماعيل مثلا أو طريقة القراءة الشامية عند قارئ الأقصى، وهكذا مع مراعاة المحددات أو الخطوط العريضة التي اتفقنا عليها مسبقا.

وفي هذه الجزئية كنا ندرك جيدا أن التباين بين البيئات المختلفة لابد أن ينعكس على الصورة التي يراها المشاهد،  فكان كل مخرج حريص على إبراز صورة الحياة المصرية أو السعودية أو التركية .. إلخ.

وكم كان شرف كبير لفريق العمل أن يعمل علي تنفيذ سلسلة لقراء كتاب الله فكل من عمل في هذه السلسة حاز علي وسام وشرف كبير .

·         السلسلة مرتبطة بتراث مهم وغزير له علاقة بالهوية العربية الإسلامية فما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الوثائقي في ترسيخ مفاهيم الهوية؟

في البداية أود أن أشير إلى أن الإنتاج الوثائقي ظل مهملا في عالمنا العربي فترة طويلة، وكانت مشاهدته قاصرة على النخب والمثقفين،.. لكن في السنوات الأخيرة بدأ الإنتاج الوثائقي يزداد ويلقى اهتمام المشاهد في عالمنا العربي، وذلك لأسباب عدة من بينها انتشار الفضائيات التي تهتم بهذه النوعية من الإنتاج مثل الجزيرة الوثائقية ، مع كثرة شركات الإنتاج التي تهتم بهذا النوع من الإنتاج، وأصبح هناك مواد وأفلام وثائقية تخاطب عموم المشاهدين بعد أن كان الوثائقي قاصرا على النخبة والمثقفين.

ومع انتشار الإنتاج الوثائقي وجذبه للكثير من المشاهدين، أعتقد أنه يمكن أن يلعب دورا مهما ومؤثرا في الحفاظ على الهوية بعد أن تحول العالم كله إلى قرية صغيرة في ظل ثورة تكنولوجيا الاتصالات.

·         ماهي اهم ما يميز سلسلة اصوات من السماء؟

سلسلة اصوات من السماء اضخم توثيق تم لقراء القران الكريم.

وهي سلسلة وإن كانت ذات موضوع ديني إلا أنها تقدم جرعات ثقافية كبيرة هامة حيث سنكتشف وراء تنوع القراءات تنوعا في المقامات موسيقية التي لها علاقة  بتنوع طرق ترتيل القرآن. وان لكل بلد طريقتها في القراءة فالقراءة الحجازية في مكة المكرمة لها طابع خاص والقراء الحدرية لقراء الحرمين والقراءة المغربية بما فيها من المسيرة القرآنية والملامح المتميزة في التلاوة والقراءة العراقية والشجن الذي تسمعه فيها والقراءة المصرية الأشهر في العالم العربي والإسلامي  . كما ستمدنا السلسلة بمعلومات مستفيضة حول فنون التجويد وعلوم القرآن. وستكتشف ان لكل قاري إبداعات أخري في مجال الابتهال والإنشاد وفي عالم الآذان او الخطابة والفقه وغيره.

أعود فأقول إن الميزة الأكبر لهذه السلسلة  هي في  القيمة الثقافية التي تجعل من السلسلة غير مرتبطة فقط برمضان فيمكن إعادة مشاهدتها خارج الشهر الكريم لما تحتويه من بعد تثقيفي ممتع يظل مفيدا في رمضان وخارج رمضان

·         هل من توجيه شكر لاحد في انتاج هذه السلسلة؟

نعم.. لإدارة الجزيرة الوثائقية متمثله في مديرها العام الأستاذ احمد محفوظ وفريق الإنتاج في القناة لولا رغبتهم وجهدهم ما خرجت هذه السلسلة للنور.

وكذلك للمستشارين والذين تعاونوا معنا في إنتاجها اذكر منهم الدكتور عاطف عبدالحميد عميد معهد الموسيقي العربية بمصر وكذلك الأستاذ منير الوسيمي نقيب الموسيقيين والشيخ محمد الهلباوي والفنان العراقي نصير شمه والدكتور عبده يماني وزير الإعلام السعودي الأسبق والدكتور عبدالله بصفر الأمين العام لهئية العالمية للقران الكريم بالمملكة العربية السعودية ولكل فريق التنفيذ بشركة نيو ميديا.

الجزيرة الوثائقية في

18/08/2011

 

"فلاهرتي".. الإنسان الأرضي بمذاق العصر

فجر يعقوب 

كمقدمة نافلة يمكن التأكيد على أن السينما الانجليزية لم تستطع خلال سنوات الثلاثينات من القرن المنصرم أن تخلق مدرسة مشابهة للمدرسة الواقعية الشعرية الفرنسية وحسب، بل وظهرت في الأمكنة الأولى في العالم من خلال المنحى التوثيقي الذي خطت عليه ورسمت من خلاله طريقها التعبيري كتيمات منهجية في البحث، وكواقعية في الإنعكاس والإلهام سيغذي لعقود السينمات الوطنية والأجنبية.
أولى الخطوات الناجحة للمدرسة التوثيقية في انجلترا تعود للعام 1929، عندما قررت الإدارة الإمبراطورية للتجارة أن تستخدم السينما بوصفها دعاية لنشاطاتها، وتم استحداث قسم خاص برئاسة "والتر غرايتر" و"جون غريرسون"، وكان مطروحا على هذا القسم أن يظهر نشاطات الإدارة الإمبراطورية بالوسائط السينمائية.
"
غرايتر" صوّر فيلم (عائلة واحدة)، والذي لم ينل حظه من النجاح على ما يبدو، بعكس فيلم (قوارب الصيد) – 1929 لـ/ غريرسون الذي ظهر وكأنه خطوة إنتاجية متقدمة في تاريخ السينما البريطانية.

الفيلم ظهر في دور العرض مترافقا مع أولى الأفلام الروائية الناطقة بالرغم من كونه صامتا، وحظي بنجاح كبير.

هذه هي قصة  صيادي بحر الشمال، ويومياتهم وصراعاتهم مع الأمواج والعواصف البحرية، وطرق التعامل مع الأسماك  والاتجار بها.

ولأول مرة تظهر الشاشات هذه الأعمال، ليس بوصفها أفكارا وتصورات، بل صورا وثائقية حيّة .
التأثير المجتمعي للفيلم لفت انتباه الدوائر الحكومية التي بدأت تقدم الدعم لوحدات التصوير الوثائقي.

وقام "غريرسون" بإحاطة نفسه بمجموعة من الشبان المصورين والمخرجين الموهوبين، والذين ستظل أسماؤهم مرتبطة بتاريخ السينما على الدوام؛ هؤلاء هم "بازيل رايت"، "بول روتا"، "هاري أوم"، "ستيورد ليغ"، "دونالد تايلر"، "إدغار انستي".. وآخرين.

خرجت هذه المجموعة ببيان أوضحت فيه رؤيتها للسينما والمبادئ التي سينتهجها أعضاؤها في إبداعاتهم الجديدة:" الفيلم الوثائقي بوسعه أن يقدم تصورا واضحا للحياة ، وأن يصل إلى تلك الحلول التي لم تكن مؤثرة فيها ".

يمكن الاعتبار عند هذه النقطة بالذات أن مؤرخي السينما الأوائل كانوا على حق حين رأوا علاقة مباشرة بين طروحات السينمائيين الوثائقيين الانجليز، وإبداعات المخرج الأميركي "روبرت فلاهرتي".

كما ويمكن إضافة أشياء أكثر من ذلك بهذا الخصوص إلى هذه العلاقة المستترة، ففي ثلاثينات القرن الماضي عمل "فلاهرتي" مع زملائه الانجليز على فيلم (بريطانيا الصناعية) – 1933 – حتى أنه أصبح منذ ذلك الوقت ظاهرة لافتة في السينما العالمية.

"روبرت جوزيف فلاهرتي" مهندس وباحث في الشمال الكندي، وهو قد ربط حياته بالسينما عندما حقق فيلما من أفلام الهواة عن الإسكيمو؛ لكن الشريط احترق وضاع كما ضاعت معه أشياء كثيرة كانت في بال المخرج العبقري.

ويمكن القول إنه منذ عام 1920 ، وفي استمرارية لأكثر من عامين صور بمعدات شركة الأخوين "ريغن" لدباغة الجلود عائلة اسكيمو؛ وقد ظهر هذا الفيلم الكلاسيكي بعنوان ( نانوك رجل الشمال) بوصفه نتاجا عميقا وشافّا للمصاعب المناخية والحياتية التي تهدد حياة الإسكيمو. وقد وصل "فلاهرتي" في هذا الفيلم حدّ الكمال الإبداعي من خلال التكوينات الفوتوغرافية البصرية والأوضاع الدرامية الشاعرية التي صبغت فيلمه وهي تتوالى في اللحظات السعيدة الفرحة التي كانت تظهر في نهارات "نانوك" وعائلته.

وللمرة الأولى يحقق فيلم من هذا النوع سجالا لا يهدأ مستعينا بقوة الخلق الفني للواقع من خلال منهج (المراقبة المستمرة) ويقدم قراءة جديدة لعالم مجهول يخترق الحجب التي يمكن أن تفرضها الحياة بلؤمها المعتاد على أبطالها الواقعيين، وهم يُقبلون على أداء أدوارهم راضين وسعداء.

بعد عدة سنوات، وبنفس الطريقة سيحقق "فلاهرتي" فيلما عن سكان بولينيزيا، وفيلمين آخرين : (موانا) -1926 – ( الظلال البيضاء للبحار الجنوبية ) – 1929 - ، وهما فيلمان شاعريان لا يكتفيان بالصمت عن الإنسان والطبيعة والطقوس التي تنتج عن عمله، وقد صورا دون أن يكون هناك أثر للفضول السياحي فيهما، وهو نوع فرض نفسه على أفلام روائية كثيرة كانت تصور في تلك الفترة.

في هذين الفيلمين سيكون هناك قاسم بينهما هو مراقبة البطل فيهما بالعين الدقيقة للكاميرا دون تعديلات أو رتوش، وبهذا يكون "فلاهرتي" قد وضع بطله في المنظومة المتكاملة للمادة المصورة، وأخذ مكان الممثل في السينما الروائية.

هنا تقدمت شركة "بارامونت" السينمائية العملاقة بعدة مشروعات كي تدفع بـ"فلاهرتي" لأن يقبل أن يصور في أفلامه نجوما هوليوديين في محاولة لإختراق مشروع "فلاهرتي"، ولكنه رفض أن يشارك أبطاله الوثائقيين هذه ( المهزلة الروائية )، وغادر البلاد التي لم يعد بوسعه أن يحقق فيها أفكاره.

وفي مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي قدمت المدرسة الوثائقية الانجليزية كل الإمكانات ليستمر "فلاهرتي" في بحوثه المهمة في مجال سينما التوثيقيّة؛ وهكذا أخذ الجميع من حوله بإبداعاته، وأصبح هو بمثابة ( مغني الإنسان الأرضي) المتوج.

ومن جهته أخذ "جون غريرسون" هو وجماعته على عاتقهم من بعد مبادرات "فلاهرتي" الخلاّقة تطوير المبادئ التي اكتشفها في هذه السينما، واستخدموا المحاولات السابقة للأفانغارد النمساوي والفرنسي في المجالات الحيوية للتكوينات الفنية ، والإيقاع المونتاجي الخاص بهما؛ وقاموا بتحليل الأفلام الكلاسيكية الصامتة من الحقبة السوفياتية، وبالطبع لجأوا في اختياراتهم إلى إبداعات "أيزنشتاين"، و"بودوفكين"، و"فيرتوف"؛ وقد أعادوا مشاهدة هذه القطع الفنية  كادرا كادرا بغية ولوج الأعماق الدفينة لها، والتوّصل إلى أسرار المونتاج الجديد الذي جاء به "أيزنشتاين" على وجه الخصوص .

وهكذا انطلقت جماعة "غريرسون" في تقصّ رحب وقصصي نحو شاعرية "فلاهرتي"، ومرت من خلال الإمكانات الفنية على كل المعدات والعدسات السينمائية الخاصة بـ ( الأفانغاردين ) ، ووطأت بقوة وجسارة لا تحد أسرار المونتاج الروسي كما لم يطأه أو يستلهمه ويستشعره أحد من قبل.

يمكن القول إن السينمائيين الوثائقيين الانجليز حملوا عبر نتاجاتهم سعفة شيوخ التجريب السينماتوغرافي الأوائل، وهذا مهم الإشارة إليه، فقد أتاح هذا لهم دراسة كل ما من شأنه زيادة اللغة والتكثيف المهمين في صناعة الأفلام المستقلة.

وهكذا تكشفت في أفلامهم صورا غير عادية، وكادرات تكوينية على غاية من الإبهار والتعقيد، وحلول مونتاجية مباغتة، وحركات كاميرات دينامية لم تعرفها السينما من قبل.

وتوحدت إبداعاتهم مع التكوينات التعبيرية الخصبة لـ "فلاهرتي"، وإيقاعية "روتمان" والإيماءات العاطفية الحادة لـ "دزيغا فيرتوف".

كما إن أفلامهم لم تنج من الاستعارات الحارّة لـ "بودفكين" في مجال التركيب الفيلمي، والانقلاب المفاهيمي الذي مثله "أيزنشتاين" بقودمه العاصف في أفلامه الثورية.

ولكن لا يمكن تجاهل أن أفلام الوثائقيين الانجليز كانت مختلفة لجهة النوع والشكل، كما إنها كانت تكشف من خلال متابعة تشريحية دقيقة لها إنها كانت مطعمة بنتاجات وعناصر السينما العلمية، والمراقبة الدقيقة الحية لهموم الإنسان المعاصر، وأقوى ما قدمته هذه المدرسة هو شروعها في التفكير الفني الخلاق بخصوص العالم الحديث ومشاكله.

وحتى العام 1933 صوّر "غريرسون" وجماعته حوالي مئة فيلم، ولكن في نفس العام جرى تصفية الإدارة الإمبراطورية للتجارة، وأُحيلت جماعة "غريرسون" إلى وزارة البريد؛ هذه الأوضاع حددت الآفاق الجديدة للسينما الوثائقية الانجليزية في استمرارية فعلية لمدة ست سنوات حققت خلالها أفلاما تظهر نشاطات مختلفة للوزارة؛ وتمكن "غريرسون" عام 1934 من الحصول على استوديو خاص به وآلة لتسجيل الصوت، ما جعله يحدث انقلابا جديدا في السينما الوثائقية في بريطانيا.

هذا الانقلاب تمثّل بظهور أول فيلم وثائقي ناطق لـ "بازيل رايت" الموسوم بـ ( أغنية سيلون ) – 1943 – وهو قد رسم آفاقا واسعة أمام السينما الوثائقية الجديدة، حتى أن بعض المشاهد صورت بهذه الكاميرا المعدة لتسجيل الصوت، وجرى إدخال مؤثرات وأصوات طبيعية، وخلفيات صوتية للجزيرة التي تم التصوير فيها؛ ولم يكن هذا الفيلم  سوى رؤية بصرية جديدة يوّحدها نص أدبي من خلف الكادر يقدم وصفا فنيا لسيلون كتبه "روبرت نوكس" عام 1680 . هذا النص المستغرق في شاعرية مدهشة كان ينفجر في أحلك اللحظات الدرامية، ويقدم توضيحات نثرية ذات طابع اقتصادي يقرأها مذيعين : رجل وامرأة.

هذا الفيلم الذي لا يوجد فيه موضوع أو بطل رئيسي بني في قالب انطباعي يعطي لأول وهلة شعورا مغذى بفضول سياحي بصري في الحياة اليومية لسكان هذه الجزيرة، وقد يُعدّ هذا من مآخذ السينمائيين الوثائقيين الانجليز عليه.

"بازيل رايت" تمكن من أن "يهندس" هذه المادة البصرية بإيقاعات هارمونية محفزة على الخيال.

هكذا جاء من بعده فيلم ( البريد الليلي ) – 1935 ، وقد حققه بالتعاون مع "هاري أوم"؛ هنا نقع على فيلم ذي بنية عاطفية مدعمة بقصائد من خلف الكادر، أعطته شعورا بالشبع والامتلاء، وكانت غير معهودة في فيلم من هذا النوع يحكي عن عمال البريد في القطارات الليلية.

ينتهي الفيلم  بلقطات عامة للقطار المقترب بغموض من جوف الليل؛ البريد يتم توزيعه بعد أن يهدأ صخب العجلات الحديدية.. الأصوات الشاعرية للناس تشكل ثروة مهمة في العمل، فعبر التوظيف الدرامي المتقن نجدهم لا يشكون أبدا إن ثمة أخبارا ستنهال عليهم من الأقارب والأحباء والفيلم كان يتابع هذا الشغف الإنساني بمذاق العصر الذي يعيشون فيه.

وبحسب "فلاهرتي"، فإن الوثائقيين الانجليز بحثوا عن تأويلات للمعنى الوثائقي في أفلام من هذا النوع دون أن يغضوا الطرف عن أهمية التغطية المادية لأفلامهم، حتى أن الكثير من الجهات الخيرية قامت بتمويل بعض أفضل أعمال هذه المرحلة مثل : (مشكلة سكنية) و (غذاء كاف) لمجموعة مخرجين تولى "بول روتا" قيادتهم فنيا بين عامي 1935- 1936، وهكذا ظهرت على الشاشة مشاكل اللندنيين وهمومهم التي لا تعد ولاتحصى، وظهر واضحا أن المخرج لم يقد نحو كشف وتعليق جذور الظاهرة فحسب، وهو ما دفع السينمائيين الانجليز مرارا إلى إعادة قراءاتهم للمشاكل الاجتماعية المستعصية، وقد أصبحت هذه القراءة سمة إيجابية في تطور السينما الوثائقية نفسها.

في نهاية الثلاثينيات كانت الأفلام الوثائقية الانجليزية تصور من دون سيناريوهات ولكن من خلال مخطط معدّ سلفا يحدد توجهات واهتمامات مخرجيها، وهو يعتمد في بنيته الأساسية على مراقبة الحياة والوقائع اليومية بتصوير مادة وثائقية ضخمة يجري تقطيعها وإعادة تركيبها على طاولة المونتاج.

وقد أخذ إنتاج الأفلام الوثائقية ينمو بشكل مضطرد خلال عام 1937 من خلال فرقة خاصة قادها "غريرسون" بنفسه؛ وأصبح تحقيق الأفلام الوثائقية يقوم على سيناريوهات مكتوبة عن أناس يلعبون أدوارهم في أوضاع تقترح عليهم، أو ينهون أفعالهم الطقوسية أمام الكاميرا ما دفع إلى توسيع دائرة الممثلين الذين يرتبطون بالأبطال الوثائقيين.

ومن خلال هذه الرؤيا قام "هاري أوم" بتحقيق فيلم (بحر الشمال)، وهو الذي عبّد الطريق أمام السينمائيين الوثائقيين الجدد ليقدموا أفلامهم بهذه الطريقة.

وجاء فيلم (قوارب الصيد) لـ/ غريرسون ليقدم الصيادين ليس فقط من خلال تأدية أعمالهم، بل وفي التغلغل في الأوساط العائلية التي يعيشون فيها؛ في الفيلم ثمة موضوع لا يمكن له أن يتحقق فقط من خلال السينما الوثائقية، وهذا دفع بظهور سينما جديدة هي الدراما الوثائقية، والتي أخذت تحتل مكانا رئيسا في المدرسة السينماتوغرافية الانجليزية خلال سنوات الحرب. وجاءت مشاهدة هذه الأفلام لتغطي واحدة من أكبر وأهم الحركات السينمائية في أوروبا بعد الحرب : الواقعية الإيطالية الجديدة.

ويمكن الباحث المختص في أسرار هذا الغطاء أن يلحظ إن العلاقة بين السينما الإيطالية بعد الحرب الثانية، والسينما الوثائقية الإنجليزية لم تكن مباشرة، ولكن سرعة البحث والإستقصاء في أعمال الوثائقيين الإنجليز تمكّن العبور نحو صدى عميق وساكن في أفلام هذه الواقعية الجديدة، وهو ما جهّز القاعدة الفنية والنظرية ليخطو عليها سينمائيو أوروبا الجدد بعد أقل من ثلاثة عقود مضت على ظهور أفلام "غريرسون"، و"روتا ورايت"، و"هاري أوم" و"آرثر ألتون"، و"جون تاكير" مذكرة إن عالم الفن الجديد لا يخلو من تأثيرات السينما الوثائقية في يومنا هذا، وهو يرتبط بالأجيال السابقة على أبطال هذه السينما الذين حملوا على أكتافهم صلبان التوثيق وشاعرية الأزمنة التي يعيشون فيها بمذاق العصر وهو أهم ما يتوفر لمخرج وثائقي في حياته المهنية، ومضوا غير مبالين بالأوجاع والآلام والعواصف التي تعترض طريقهم.

الجزيرة الوثائقية في

18/08/2011

 

رائحة الكافور ..موت المثقف في السينما الإيرانية

د.فاطمة الصمادي 

كما في المجتمع كان المثقف في السينما الإيرانية يعاني غربة ، فهو المصاب بداء التغريب الذي يسعى لزعزعة هدوء المجتمع ، ولعل هذه النظرة قد وجدت انعكاسها في الأفلام من خلال تصوير سلبي لشخصية المثقف. وهو على الأغلب تلك الشخصية التي تمتلك صفات متشابهة و هوية خاصة ، فهو في الغالب أناني ،منفعل و عاطل عن العمل، وعند تقديم تعريف لشخصية المثقف نجد كما يقول الناقد أحمد طالبي نجاد نوعا من الكناية التي تحمل الإهانة و تعكس العدائية .

ويلاحظ وجود خلاف منذ القدم حول ماهية الإستنارة وفيما يتعلق بعلاقتها أصحابها بالسياسية و يطلق البعض على معارضي النظام صفة و لقب المثقف والبعض الآخر يرى عكس ذلك تماما فأهل الفكر والثقافة لاتعنيهم السياسية و لاتستوقفهم وهناك فريق ثالث لاتهمه السياسة و يدعي الفكر وهو مايلقب ب"شبه المثقف".وفي التاريخ الإجتماعي لإيران ومنذ مايقرب من 150 نجد هذه الفئات الثلاث وفي مقاله الشهير " في خدمة و خيانة المثقفين" يحمل المفكر جلال آل أحمد المثقفين مسؤولية كل المصائب التي تواجهها الأمة . وبشكل عام فهذا الفريق المنبوذ وجد هوية مخدوشة في السينما الإيرانية سواء تلك التي كانت قبل الثورة أو تلك التي جاءت عقبها.

انحياز ضد المثقف

 و ارتبط هذا العداء في الغالب بالإحساس المعادي للأجنبي و الغريب، وفي وقت مبكر من تاريخ السينما الإيرانية إنحاز المخرجون إلى شخصية "السوقي"  البسيط والجاهل مقابل المثقف الذي نال حظا كبيرا من العلم و الأدب في أغلب الأوقات.

يعد فيلم "حاجي آقا آكتور سينما" ( الحاج ممثل سينما )  1309من الأفلام النادرة التي قدمت صورة مضيئة للمثقف، لكنه أيضا دافع عن المثقف المستغرب، ويميل باحثون في شؤون السينما إلى الربط بين هذا الفيلم والرواية التي نشرها المستشرق جيمس مورير، وحملت عنوان"مغامرات حاج بابا في اصفهان" وهي الرواية التي تم حظرها في إيران بعد الثورة لما فيه من نقد ساخر للمجتمع الإيراني.

وجاء أبطال أفلام السينما الإيرانية في الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين لتصوير شخصيات من الطبقات الدنيا ، يقفون بثبات ضد أي محاولات للتحديث و التمدن، بحجة أن مجتمعاتهم لاعلاقة لها بذلك. كان المخرج ابراهيم جلستان من بين عدد قليل من المخرجين ذوي الميول التنويرية في تلك الفترة ، في فيلمه "خشت و آينه" (الطوبة و المرآة) يقدم جلستان مشهدا لعدد من المثقفين يتحلقون حول طاولة و يغرقون في بحث فكري دون طائل و لاينتهي ،في فيلمه هذا يجعل جلستان مشاهده يحس بأنه أقرب إلى سائق التكسي .وفي العام 1349 يقدم كيمائي فيلمه "رضا موتوري" (رضا صاحب الدراجة) وفيه نشاهد شابين يتشابهان في الشكل و يتقمصان تبادل الأدوار ،أحدهما "قبضاي" و الاخر كاتب، وينحاز المخرج بلا تردد للأول.

في فيلم "رگبار" (المطر الشديد) لبهرام بيضايي کان المشاهد على موعد للمرة الأولى على المثقف الذي لايضعه المخرج في معرض السخرية،في هذا الفيلم نشاهد السيد حكمتي معلم المدرسة الذي يدخل في تنافس مع قصاب الحي للفوز بقلب إمرأة، يضعهما المخرج في مواجهة تتعاظم عندما يقرر المعلم أن ينفض الغبار عن صالة العرض المهملة في المدرسة ، في الفيلم يتعرض المعلم المستنير للضرب على يد القصاب و العزل و المقاطعة من قبل المدرسين الآخرين، ورغم أنه ينجح في إعادة الحياة لصالة العرض ويحظى بإعجاب الطلبة و الأهالي في المسرحية الأخيرة،لكن "المعلم المصلح" يجد نفسه مجبرا على مغادرة الحي. والإنزواء أيضا يكون مصير معلم الخط في فيلم "خواستگاري" (الخطبة).

شکلت شخصية المعلم رمزا للتنوير في السينما الإيرانية و استمر ذلك في سينما مابعد الثورة الإسلامية ، ففي فيلمه المعروف حرب اطهر"جنگ اطهر" (حرب أطهر)عام 1980 يقدم محمد علي نجفي المعلم أطهر المحبوب من قبل طلابه ، والذي يحاول أن يقدم الواقع الإجتماعي و السياسي للمجتمع من خلال مسرح يؤدي الشخصيات فيه طلابه ويقدم حياته من أجل هذا الهدف. ونجد الشخصية النقية المخلصة للمعلم في العديد من الأفلام الإيرانية و منها "جاده هاي سرد" (الطرق الباردة)لمسعود جوزاني عام 1990 و الرابطة لبوران درخشنده عام 1991،و السباحة في الشتاء "شنا در زمستان" للمخرج محمد كاسبي عام 1993.

ويمارس المخرج المعروف داريوش مهرجويي نوعا من السخرية و الإستهزاء من الشخصيات المثقفة والكتاب وأهل الفن ، و ذلك مانجده في فيلميه "هامون "عام 1993 و المستأجرون"اجاره نشين ها"، فحميد هامون كما يقدمه مهرجويي هو ممثل للمثقف الإيراني بعد الثورة : بلا وظيفة واضحة، مضطرب، ومنسي، هو رجل غارق بين الحلم و الواقع ويسعى لحل اللغز الفلسفي الكامن وراء قرار إبراهيم عليه السلام بالإمتثال للرؤية التي رآها و تقديم اسماعيل قربانا، ويرى حميد رضا صدر أن النسل المهزوم في سوق العمل، المليء بإحساس عدم الأمن، والفاقد للثقة بالنفس و بالأفكار السياسية كله نجده مجتمعا في شخصية هامون، في فترة وصفت الإستنارة بأنها ليبرالية، و وصف الليبرالي بأنه من باع نفسه للغرب، ولذلك فحميد هامون لايدري من هو بالضبط و لا في أي إتجاه يمضي.

ونرى تعارف الرجل الجاهل بالرجل الكاتب في فيلم اللص و الكاتب "دزد و نويسنده" للمخرج كاظم معصومي، في الفيلم يقوم اللص بسرقة حقيبة الكاتب، وفي الوقت الذي تمثل الكتابات أهمية قصوى لصاحبها تكون هذه الأوراق بلا قيمة بالنسبة للص. وهذا التجاهل نشاهده أيضا في فيلم ايران قصري أنا"ايرن سراي من است" لبرويز كيمياوي عام 2001 حيث يفشل كاتب شاب في الحصول على إذن بنشر كتابه حول شعراء الشعر الكلاسيكي في إيران.

المرأة المستنيرة

مع نهاية عقد التسعينيات وبداية العام 2000 كانت المرأة المثقفة تدخل كشخصية أساسية في السينما الإيرانية،لكن دون أن تأتي خالية من المشاكل و الإحباطات، ففي فيلمها سيدة أيار"بانوي ارديبهشت" تقدم المخرجة رخشان بني إعتماد قصتها الشخصية من خلال فيلم يزاوج بين الوثائقي والروائي. في الفيلم تقوم مينو فرشجي بتقديم شخصية المخرجة التي تجد نفسها أمام الرغبة في الزواج مجددا على الرغم من أن لديها ابنا على أعتاب مرحلة الشباب لايقبل مجرد التفكير في أن أمه ستقدم على هذه الخطوة، تقدم بني اعتماد هذه الشخصية أو شخصيتها من خلال اضاءة جوانب عديدة من حياتها الخاصة و المهنية ، وأثناء عملها لعمل فيلم عن الأم النموذجية تقابل العديد من النساء الفاعلات على ساحة العمل السياسي و الإجتماعي في إيران .

وفي فيلمها شمعة في مهب الريح"شمعي در باد" تقدم المخرجة بوران درخشنده إمرأة كاتبة تطرح أسئلة نسوية لاتجد لها إجابات، وتعيش ازمة في علاقتها مع الرجل الزوج و الرجل الإبن . و المرأة الكاتبة تقدم في موقع هو الأكثر ايلاما في كلب للقتل"سگ کشي" للمخرج بهرام بيضايي ، أزمة تقود إلى الجنون في مجتمع يلقي العنف و الطمع ظلا ثقيلا عليه. ولا يعيش الكاتب الرجل في أفلام مهرجويي حالا أفضل فالغربة هي مصيره، کما في فيلمه شجرة الأجاص "درخت گلابي" عام 1997.

رائحة الموت

وإن كان بعض المخرجين قد تناولوا غربة المثقف في المجتمع فقد إختار البعض الأخر موته كما نشاهد في فيلم عباس كيارستمي طعم الكرز "طعم گيلاس" » فمثقف کيارستمي و دون آن يخبرنا عن السبب يقرر قتل نفسه و يبدأ في البحث عن شخص يقبل أن يهيل على جسده التراب . أما المخرج بهمن فرمان آرا  و من خلال فيلمه رائحة الكافور عطر الياسمين "بوي كافور عطر ياس" يقدم شخصية مخرج بعد سنوات من العيش خارج إيران يعود عام 1999 ليصنع فيلما وثائقيا حول مراسم الدفن في إيران ، وبينما هو يحضر فيلمه يقوم بشراء قبر له ، و الفيلم هو مواجهة صارخة بين الحياة "عطر الياسمين" والموت "رائحة الكافور" ، يحاول فرمان أرا تضخيمها من خلال عدد من المشاهد السياسية، وتنتقل الكاميرا من تصوير لوجه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي و هو يتحدث حول الحرية إلى وجه المخرج آرا صامتا متعبا. يطرح هذا الفيلم سؤال الحرية و الموت الذي يواجهه المثقف و الكاتب في إيران مع ربط واضح لما جرى في عهد خاتمي من حوادث القتل المتسلسل التي طالت عددا من المثقفين الإيرانيين. وهي الحوادث التي قدم عدد من المخرجين أفلاما وثائقية حولها .

وفي فيلم "يك بوس كوچولو"( قبلة صغيرة)، للمخرج آراء تبقى رائحة الموت وان كان أحد ابطال الفيلم يعرفه بأنه قبلة صغيرة ، نلمح في  قبلة صغيرة اشارة لحياة واحد من أهم المثقفين الإيرانيين وهو ابراهيم جلستان، والمثقف في هذا الفيلم يقدم عائلته قربانا للوصول إلى أهدافه .وفي بحثه عن الزمان المفقود تنتشر رائحة الموت، وكما هو الزمن ضائع كذلك الذاكرة تتلاشى شيئا فشيئا بفعل مرض الزهايمر.

الجزيرة الوثائقية في

18/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)