حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الملك الأسطورة (9)..

فريد شوقي… ثورة يوليو تنقذ الأسطى حسن من البوليس السياسي

كتب: القاهرة - ماهر زهدي

ما فعله أنور وجدي مع فريد شوقي، من محاولة «شبه احتكار» بتوقيعه على خمسة عقود دفعة واحدة، لم يكن رجماً بالغيب، بل إنه قرأ مستقبل هذا الفنان الذي يشقّ طريقه بسرعة الصاروخ نحو النجومية، وقد أراد وجدي أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فقد حصل على توقيع فريد على خمسة عقود دفعة واحدة وبأجر زهيد جداً، يقلّ كثيراً عن أجره الحقيقي، وفي الوقت نفسه اشترطت العقود أن يؤدي فريد في كل هذه الأفلام الدور الثاني، وبهذا يضمن وجدي، أن هذا النجم الصاعد لن يغالي في أجره معه، أو يتجرأ ويطلب دور البطولة في فيلم يشارك فيه أمامه مهما علا اسمه وشأنه، على الأقل خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة.

صدق حدس أنور وجدي بالفعل، فما إن عرض فيلم «أمير الانتقام» الذي شاركه فيه فريد شوقي البطولة في عام 1950، حتى انهالت الأفلام على الأخير، لدرجة أنه للمرة الأولى بدأ يرفض عدداً من الأفلام لضيق وقته، غير أنه لم يكن يستطيع رفض فيلم صديقه المخرج حسن الإمام، الذي بدأ معه مشواره السينمائي.
عرض عليه حسن الإمام دوراً مهماً في فيلم «حكم القوي»، وما إن انتهى الماكيير من وضع لمساته على وجه فريد وخرج ليقف أمام الكاميرا استعداداً للتصوير حتى وجدها أمامه… إنها هي، تلك الفتاة التي شاهدها أول مرّة في استوديو نحاس عندما كان يشارك مع صديقه كمال الشناوي في فيلم «ست الحسن»… لم تفارق خياله منذ شاهدها، ولم تكن الظروف تسمح بالكلام معها، خصوصاً أنه لم تجمعه بها مشاهد في «ست الحسن». تمنى فريد في نفسه أن تكون مشاركة معه في «حكم القوي»، والأمنية الأهم أن تجسّد في الفيلم شخصية «كوثر» التي تجمعه بها مشاهد عدة. لم يضع فريد وقته، واتجه فوراً إلى مخرج الفيلم حسن الإمام:

* أبو علي يا فنان.

- أهلا فريد اقعد.

* قوللي… الصاروخ اللي هناك ده معانا في الفيلم.

- مين… هدى… آه دي هدى سلطان هتعمل دور كوثر.

* أبوسك يا أبو علي يا فنان.

- لا… لا… عندك… أوعى عقلك يوزك كده ولا كده.. دي بنت مؤدبه بلديات شيخ العرب.

* مين شيخ العرب ده؟

- السيد البدوي… شيء لله يا سيد… من كفر صغير جنب طنطا.

* مدد… مدد يا شيخ العرب.. وإيه كمان يا عم حسن.

- بس… انت عاوز تعرف إيه تاني؟

* يعني بنت مين أهلها إيه عايشين فين؟

- لا يا سيدي… لحد كده ومش مسموح لي أقول حاجة تاني.

* علشان خاطر أخوك فريد…

- بس الكلام ده بينا ميخرجش لحد تاني.

* وشرف أمي ما هجيب سيرة لحد.

- دي يا سيدي على خلاف مع أسرتها وبتغني وتمثل غصب عنهم… حتى أخوها مقاطعها…

* أخوها!! أخوها مين؟

- الفنان محمد فوزي.

* حلو… طب فيه طلب صغير لأخوك فريد… وأوعدك إني هكون ملتزم جدا.

- طلب إيه؟

* هتضيف بس على السيناريو مشهد صغير… يعني مشهد كده مفلفل فيه شوية غراميات وكام كلمة حب… عاوز فرصة بس أفتح معاها سكة.

- متورطنيش يا فريد مش عاوز مشاكل والفيلم يخلص على خير.

* عيب… وشرف أمي أنا قصدي شريف.

غرام أمام الكاميرا

على رغم جمالها اللافت وخفّة دمها وحضورها القوي أمام الكاميرا وخلفها، إلا أن هدى سلطان لم تكن تتحدّث مع أحد في الاستوديو، تجلس في حجرتها حتى موعد دوران الكاميرا، تأكل بمفردها ولا تشارك فريق العمل الأكل ولا الجلسات، ليس غروراً أو تكبراً، إنما حرص زائد عن الحد، فهي لا تريد الدخول في صداقات أو علاقات، خوفاً من شقيقها الفنان محمد فوزي… تريد فحسب أن تنجح لتثبت له أنها على حق… وهذا ما زاد فريد تعلّقا بها.

بعد ثلاثة أيام من بدء التصوير وقف حسن الإمام وسط الاستوديو وأعطى كلاً من فريد وهدى ورقة كُتب فيها مشهد جديد أكد لهما أنه ضروري ومهم جداً لأحداث الفيلم، قرأ كلّ منهما المشهد الذي لم يكن طويلاً، لكنه ملتهب بالمشاعر الغرامية وينتهي بجملة يقول فيها فريد:

«بحبك… بحبك يا كوثر… بحبك ومستعد أبيع الدنيا كلها وأضحي بكل شيء علشان حبك… قوليها يا كوثر… قولي بحبك عاوز أسمعها منك».

لم تعلّق هدى… نظرت الى حسن الإمام وقالت:

* لما تجهز يا أستاذ أنا في أوضتي.

دارت الكاميرا، اقترب فريد من هدى، عيناه في عينيها للمرة الأولى، أمسك بيدها، اقترب منها، وبدأ يقول جملته، لكنه نسيها، فهو أمام هدى سلطان وليس أمام «كوثر» بطلة الفيلم:

* بحبك… بحبك ومستعد أضحي بالدنيا كلها علشان حبك… بحبك يا هدى… هدى أنا مقدرش أعيش من غيرك… بحبك…

دُهشت هدى سلطان مما يقوله فريد، فهو يناديها باسمها وليس باسم الشخصية. راح مدير التصوير ينظر إليهما بدهشة بعيداً عن عدسة الكاميرا، ونظر عمال الاستوديو الى بعضهم البعض، لكن الوحيد الذي كان يفهم وترك المشهد لنهايته وفق الاتفاق هو المخرج حسن الإمام الذي اضطر الى إيقاف التصوير بعدما شعر أن الجميع ينظرون إليه فصاح وهو يبتسم:

- ستوب ستوب إيه الكلام ده جبته منين يا أستاذ؟ هتودونا في داهية الله يخرب بيوتكم.

فهمت هدى ما يدور حولها، نظرت إلى فريد شوقي من أسفل لأعلى، ثم نظرت إلى حسن الإمام وانصرفت إلى غرفتها.

لم يقنع فريد بما حدث، فكتب لهدى ورقة صغيرة يطلب فيها مقابلتها خارج الاستوديو، مرفقة برقم هاتفه في انتظار الرد، وأرسلها مع عامل الاستوديو.

لم ينم فريد تلك الليلة على أمل أن تتّصل هدى، لكن لم يحدث ذلك، غير أنها ما إن لمحته في اليوم التالي في الاستوديو حتى صاحت:

* إنت يا أستاذ إنت… حضرتك بتعمل إيه هنا؟

- بمثل.

* يعني بتشتغل… وكلنا هنا جايين نشتغل مش لأي حاجة تاني…

- أيوه بس أنا كنت عاوز أتكلم معاك شوية علشان كده بعتلك الجواب.

* قطعته من غير ما أقرا اللي فيه… ثم إزاي تبعتلي جواب مع العامل… افرض قراه وراح قال لزمايله على اللي فيه… أنا لا بتاعة جوابات ولا مقابلات… أنا مش عاوزة أي حاجة تمس سمعتي.

- ماعاش اللي يمس سمعتك يا اختي… بس وشرف أمي أنا غرضي شريف.

بعد إلحاح وافقت هدى أن تجلس مع فريد نصف ساعة فقط في أحد الكازينوهات المطلّة على النيل.

زواج العاشقين

امتدت النصف ساعة الى ست ساعات، فتح فيها كلّ من فريد وهدى قلبه للآخر، حكت كل شيء بصراحة، ولم تخجل من أدق المواقف، فقد ورثت صوتها الجميل هي وشقيقها محمد عن والدهما الشيخ المعمم قارئ القرآن الكريم في «كفر أبو جندي»، إحدى القرى الصغيرة بجوار مدينة طنطا، غير أنه رفض أن تكون لهما علاقة من قريب أو بعيد بالفن. لكن لأن محمد رجلٌ استطاع أن يستقل بنفسه ويهرب إلى القاهرة، وينمّي موهبته ويصل إلى ما هو عليه. وقد شاءت الأقدار أن تسوق الموسيقار محمد عبد الوهاب وبصحبته المخرج محمد كريم لحضور حفلة نهاية السنة في المدرسة حيث كانت تدرس هدى، فسمعها عبد الوهاب وشاهد أداءها كريم، وطلبا منها النزول إلى القاهرة لرعاية موهبتها الرائعة… رفضت الأسرة رفضاً قاطعاً، خوفاً من أن تلقى مصير شقيقها محمد نفسه، ولم تجد أسرتها حلاً أمام كبت موهبتها سوى الارتباط، فزوّجوها برجل من القرية اسمه محمد نجيب، أنجبت منه طفلتها الوحيدة نبيلة. وعندما توفي والدها جاءت إلى القاهرة لتعيش مع شقيقها محمد فوزي، وشعرت أنها لم تطق أن تبتعد عن الفن الذي يجري في عروقها، فحصلت على الطلاق من زوجها، وكانت بداية القطيعة بينها وبين شقيقها. أُعجب بها المخرج فؤاد الجزايرلي وتزوّجها، واضطرت أن تضع ابنتها في القسم الداخلي بالمدرسة الفرنسية، غير أن فؤاد كان يريدها زوجة فحسب، فأبت وأصبحت مطلّقة للمرة الثانية. تعرّفت إلى الفنان فريد الأطرش الذي أعطاها الكثير من الألحان الرائعة وعن طريقه تعرّفت إلى شقيقه فؤاد وتزوّجا. وبسبب الغيرة بدأت الخلافات الزوجية بالظهور، حاول فريد الأطرش التوفيق بينهما إلا أنهما اتفقا على الطلاق. أكدت هدى لفريد أنها لا تريد أن تحمل هذا اللقب مرة رابعة.

انتهى تصوير «حكم القوي» ولكن لم تنتهِ لقاءات فريد وهدى، فلم يكن يمر يوم من دون أن يلتقيا. تطوّر الحديث بينهما من الكلام حول المشاكل والظروف، إلى الكلام حول المستقبل والزواج وعش الزوجية، وعلى أنغام أغنية «سهران لوحدي» للسيدة أم كلثوم، في 1 فبراير 1951، احتفل فريد وهدى بزفافهما.

انتشار سينمائي

راح فريد يعمل بروح جديدة وبتفكير مختلف، فلم يعد يرضى القيام بأي دور يعيده إلى تلك النوعية التي تقيّده في «رفع الحاجب… وجحوظ العينين» لكي يكون شريراً، فقدراته التمثيلية أكبر من ذلك بكثير، باستثناء مخرج واحد كان على استعداد لقبول أي دور يعرضه عليه، حتى لو قال له «دورك أن تمر فقط من أمام الكاميرا»، وهو الفنان أنور وجدي، ليس حباً في العمل معه، وإن كان يتمنى ذلك، لكن كي ينهي الخمسة أفلام التي وقّعها معه وبأجر يعتبر بالنسبة الى ما وصل إليه، رمزياً.

بمجرد أن عرض عليه أنور وجدي العمل في فيلم «شباك حبيبي» وافق فريد فوراً فرحاً بأن عدد الأفلام سيقلّ إلى أربعة، لكن المفاجأة كانت أن الفيلم لم يكن من إنتاج وجدي ولا من إخراجه بل من إخراج عباس كامل.

زاد الطلب بشكل كبير جداً على فريد شوقي، فقد أصبح له اسم كبير في السينما، ومع ذلك حرص على ألا يفرض زوجته هدى سلطان على أي من المخرجين الذين يطلبونه، ولم يطلب لها عملاّ، غير أنه كان يشجّعها على العمل في أي دور يُسند إليها، وعلى أن تظهر قدراتها، ليس كممثلة فحسب، بل كمطربة أيضاً، فقد احتلت المرتبة الثانية في عقله كمطربة بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم، متباهياَ بألا صوت ثالثاً بعدهما يمكن أن يمتعه كمستمع جيّد للغناء.

عُرض على فريد شوقي خلال عام 1951 أكثر من 23 فيلماً، اختار من بينها ثمانية أفلام فقط، وكانت زميلة الدراسة فاتن حمامة هي القاسم المشترك الأعظم في هذه الأفلام، فقد كان يثق في ذوقها، وبمجرد أن يعلم أنها سبقته بالتوقيع على عقد هذا الفيلم حتى يوافق عليه مباشرة من دون أن يقرأ السيناريو، فقدّما معاً: «أنا الماضي» شاركهما فيه زكي رستم وعماد حمدي، وأخرجه عز الدين ذوالفقار، «وداعا يا غرامي» وشاركهما أيضاً عماد حمدي وأخرجه عمر الجميعي، «أشكي لمين» مع عماد حمدي، محسن سرحان، وإخراج إبراهيم عمارة، ثم «أسرار الناس» مع محسن سرحان وحسين رياض، وإخراج حسن الإمام، و{ابن الحلال» مع محسن سرحان وتحية كاريوكا ومحمود المليجي، وإخراج سيف الدين شوكت.

على رغم اسمه الذي سبق غالبية زملاء دفعته، إلا أن فريد حرص على أن يشارك بدور صغير عاد فيه الى نوعية «رفع الحاجب وجحوظ العينين» ليساند زميل دراسته بالمعهد ودفعته نفسها الفنان سعيد أبو بكر، الذي دفع به المخرج أحمد خورشيد ليقدّم البطولة المطلقة للمرة الأولى في فيلم «السبع أفندي»، وشاركته فيها المطربة الشابة شادية، فظهر فريد في الفيلم بدور الغريم الشرير الذي يحاول أن يخطف حبيبة البطل.

كذلك حرص فريد أن يشارك في الأفلام ذات الطابع الكوميدي أو الغنائي، إلى جانب الأفلام الاجتماعية وأفلام الحركة والبوليسية، فشارك مع المطرب والموسيقار فريد الأطرش بطولة فيلم «تعالى سلم» أمام الراقصة سامية جمال وإسماعيل يس، إخراج حلمي رفله، ثم منحه المخرج محمد عبد الجواد، ابن صديق والده عبد الجواد محمد، بطولة فيلم «الخارج على القانون»، الى جانب مونا فؤاد، لولا عبده وحسن البارودي، ليبدأ مع مطلع عام 1952 بتقاسم البطولة أمام صديقه وأستاذه محمود المليجي في فيلم «الإدمان»، ومعهما الوجه الجديد ماجدة، وإخراج أحمد بدرخان.

المصالحة

أتى الفيلم الذي انتظره فريد شوقي طويلاً، حين أرسل المخرج نيازي مصطفى في طلبه ليشارك في بطولة «من أين لك هذا»، ليس لقيمة الدور بعينه، فمهما كان حجمه سيقبله حتى ولو كان بلا أجر، بل لأنه سيكون فيه مع المطرب محمد فوزي، شقيق زوجته هدى سلطان.

وجد فريد أن العمل في هذا الفيلم فرصة طيّبة ليؤدي دور حمامة السلام بين محمد وهدى وينهي القطيعة بينهما التي دامت سنوات طويلة منذ جاءت هدى إلى القاهرة من كفر أبو جندي.

التقى فريد محمد فوزي الذي قابله بفتور كأنه كومبارس مشارك في الفيلم، ليس لأنه يجهل قيمته بل لأنه زوج شقيقته التي لا يريد أن يعرف عنها شيئاً أو يسمع باسمها.

لم يشأ فريد أن يضغط عليه، غير أنه حاول التقرّب منه خلال تصوير الفيلم، حاول أن يظهر أمامه بمعدنه الحقيقي وأنه فنان أصيل، وقبل ذلك إنسان حر يعرف التقاليد والأصول، ويخشى الله، فاستطاع إرغام محمد فوزي على حبّه واحترامه، وهنا فحسب فاتحه فريد في أمر مقاطعته لهدى:

* فريد خلينا أصحاب… وبلاش نتكلم في الموضوع ده علشان ما نخسرش بعض.

- يا محمد إنت فنان أصيل وتقدر مشاعر الفنان اللي بيحب فنه ويعمل المستحيل علشان يوصل للناس.

* مش على حساب سمعة العيلة.

- لا لا… لحد هنا ومسمحلكش يا أستاذ… سمعة إيه… اللي بتتكلم عليها دي مراتي.

* وأختي قبل ما تبقى مراتك.

- أيوة يا أستاذ… بس الست دي لو سُمعتها مش زي البرلنت مش هوافق أربط اسمها باسمي… إنت بتتكلم إزاي… دي مسألة أعراض وسمعة!!

كان يعرف فريد أن محمد لم يكن يقصد الإساءة، غير أنه اصطنع الغضب وهاج وماج وظلّ يصرخ بكلام كبير حول السمعة والشرف، لدرجة أن محمد هو الذي راح يهدئ من غضبه، فلم يهدأ إلا بعد أن وعده بالموافقة على مقابلة هدى وإنهاء الخصام.

فريد منتجاً

لم تنتهِ مفاجآت فريد شوقي لهدى سلطان بالصلح بينها وبين شقيقها محمد، بل قدّم لها مفاجأة أخرى فنية، إذ قرّر أن ينتج لها فيلماً بعنوان «الأسطى حسن»، يؤديان فيه دورَي البطولة معاً، كتب قصته فريد للمرة الأول وأسند إخراجه إلى صلاح أبو سيف، واستعان فيه بفريق متميز من الممثلين: زوزو ماضي، حسين رياض، مارى منيب، السيد بدير، والوجه الجديد رشدي أباظة، ووضع ألحان أغنيات الفيلم محمد فوزي، وللمرة الأولى، لشقيقته هدى سلطان.

انتهى تصوير الفيلم وحرص فريد أن يحضر ليلة الافتتاح في سينما رويال بالقاهرة، مع هدى وبصحبتهما محمد فوزي وزوجته الفنانة مديحة يسرى، وبقية فريق العمل. وكان في دار العرض المقابلة فيلم جديد باسم «مسمار جحا» بطولة كمال الشناوي وشهرزاد، إخراج إبراهيم عمارة، والأهم أنه من إنتاج أنور وجدي.

لم تمر ثلاثة أيام على وجود الفيلمين في سوق العرض، حتى أدرك وجدي أن فيلم فريد شوقي يجذب العدد الأكبر من المشاهدين، وسيقضي تماماً على فيلمه وسيتسبّب له في خسارة فادحة، فسارع وجدي إلى تقديم شكوى أمام جهاز «البوليس السياسي»، يتّهم فيها فريد بأنه يروّج في «الأسطى حسن» للشيوعية ويحرّض الشعب على التمرّد!

ثورة الجيش

خرج قرارٌ من قسم البوليس السياسي في 22 يونيو بإيقاف عرض «الأسطى حسن»، فشعر فريد بأن حياته دُمّرت، فهذه أول تجربة يقوم فيها بالإنتاج، ومؤكد سيخسر كل قرش، بل وستتراكم عليه الديون، فضلاً عن التهمة التي وجهها وجدي إليه والتي قد تتسبّب في سجنه.

ذهب فريد إلى وجدي يستعطفه، فقد يرقّ لحاله:

* يرضيك يعني تنـزل إنت تاكل السوق وأنا أخسر؟

- وهو علشان متخسرش توديني في داهية يا أستاذ؟

* ياعم لا داهية ولا حاجة… كل الحكاية إن فيلمك هيتأخر شوية على بال أنا ما أكون لمّيت القرشين وجبت ثمن الفيلم.

- وتهمة التحريض على الشيوعية؟

* تهمة إيه ياراجل… إنت بتصدق… وبعدين هو البوليس السياسي فاضي يدور على الأفلام واللي بيحصل في الأفلام… متخافش يا فريد أول ما فيلمي يترفع من السينما إنزل إنت ياعم بفيلمك… ولك عليا أكون أول واحد قاعد في السينما… معزوم طبعا مش قاطع تذكرة.

لم يستمر رفع «الأسطى حسن» من السينما طويلاً، ليس لأن وجدي تراجع عن بلاغه، ولا لأن البوليس السياسي لم يلتفت إليه، بل لأن الحال في مصر كلّها تغيّرت، فقد قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو عام 1952، وسيطر الجيش على مقدرات البلد، وغادر الملك مصر على مركبه من الإسكندرية مساء 26 يوليو إلى غير رجعة.

خرج فريد شوقي إلى الشارع كالمجنون يهلّل ويكبّر من الفرح مع جموع الشعب المصري الذي ملأ الشوارع مؤيداً الثورة والضباط الأحرار:

* الله أكبر… تحيا الثورة… الجيش للشعب والشعب للجيش… الجيش والشعب إيد واحدة.

لم يصدّق فريد نفسه، قامت الثورة المصرية وسيطر الجيش، لا يهمه الآن إذا كان سيخسر أمواله التي أنتج بها «الأسطى حسن»، فيكفيه شرفاً أن فيلمه تنبأ بالثورة، مهّد لها، طالب بالثورة على الأوضاع الخاطئة، بالثورة على القهر، بالثورة على الظلم، بالثورة على الذل والعبودية… فقد انتهى ذلك كلّه بمجيء الجيش المصري الحر والضباط الأحرار.

البقية في الحلقة المقبلة

الجريدة الكويتية في

08/08/2011

 

الملك الأسطورة (10)..

فريد شوقي… ملك الترسو يقدّم بورسعيد لأجل عبد الناصر

كتب: القاهرة - ماهر زهدي 

اضطر فريد شوقي لقبول العمل في أي أفلام تُعرض عليه، حتى لو كانت أدواراً صغيرة لا تتناسب مع النجومية التي وصل إليها، لتعويض خسارته في «الأسطى حسن» إلى حين عرض الفيلم وتحقيق إيرادات، فقبل دوراً ثانياً في «أنا بنت مين»، إخراج حسن الإمام مع: محسن سرحان، ليلى فوزي، أحمد علام، حسين رياض، حسن البارودي، سناء جميل. ثم اختاره المخرج محمد كريم للمشاركة في دور ثانٍ في «زينب» مع يحيى شاهين والممثلة اليهودية راقية إبراهيم، وقد عُرض الفيلم في دورة «مهرجان برلين السينمائي الدولي» (1952) وأشاد النقاد والصحافيون بأداء فريد شوقي ويحيى شاهين وبالمخرج محمد كريم، وهذا ما تكرّر في العام التالي (1953)، عندما عُرض فيلم «ريا وسكينة» للمخرج صلاح أبوسيف في المهرجان نفسه، ليبدأ فريد مرحلة فنية جديدة مع «الأسطى حسن»، ويؤكدها مع هذين الفيلمين ويودّع مرحلة الشرّ المطلق والشرّ من أجل الشر.

جاءت الثورة وجاء معها عهد جديد في حياة المصريين عموماً وفي حياة فريد شوقي وهدى سلطان خصوصاً، وراحا يبحثان عن أي أمر يمكن من خلاله مساندتها، شاركا في «قطار الرحمة» مع كمّ من الفنانين كانوا يجوبون محافظات مصر ويعرّفون الشعب بالثورة وأهميتها، كذلك شاركت هدى سلطان، كغيرها من الفنانين، في حفلات «حديقة الأندلس» مجاناً لدعم الثورة، وسرعان ما بدأت العروض تنهال عليها وعلى فريد شوقي، إذ استغلّ المنتجون زواجهما، كنوع من الدعاية للأفلام التي يشاركان فيها، فقدما معاً أفلاماً منذ بداية 1953، من بينها: «تاجر الفضائح»، إخراج حسن الإمام، شاركهما في بطولته: يحيى شاهين، نادية الشناوي، وحسين رياض، «مكتوب على الجبين»، إخراج إبراهيم عمارة مع عماد حمدي، حسين رياض، ومحمود المليجي، «بيت الطاعة» إخراج يوسف وهبي وبطولته، «المحتال» إخراج حلمي رفلة، مع ماري منيب وعبد السلام النابلسي.

عاد فريد شوقي ثانية يتقاسم مع فاتن حمامة وعماد حمدي بطولة الأفلام فقدّم معهما: «بعد الوداع» إخراج أحمد ضياء الدين، «عبيد المال» إخراج فطين عبد الوهاب، «حب في الظلام» إخراج حسن الإمام، ثم شارك للمرة الأولى مع شقيق زوجته الفنان محمد فوزي بطولة فيلم «ابن للإيجار» إخراج حلمي رفلة، ومعهما ليلى فوزي وتحية كاريوكا.

أراد فريد شوقي أن يكون له دور مؤثر وفاعل يساند به الثورة، ومع سن قوانين جديدة بدأت تجرّم المخدرات كتب قصة «حميدو»، تتمحور حول أحد أشقياء الإسكندرية الذي اشتهر في ثلاثينيات القرن العشرين وعُرف بجبروته وتجارته للمخدرات وتحدّيه للقانون والشرطة والمجتمع، وعهد بكتابة السيناريو والحوار إلى السيد بدير، وتحمّس للفيلم المنتج رمسيس نجيب وأخرجه نيازي مصطفى وشارك في البطولة: هدى سلطان، تحية كاريوكا، محمود المليجي وماري منيب، فحقق نجاحاً مبهراً لدرجة أنه ساهم في تشديد العقوبات على تجارة المخدرات.

ملك الترسو

استمرّ عرض «حميدو» في دور العرض أسابيع بنجاح منقطع النظير، وحققت أفلام فريد شوقي التالية نجاحاً مماثلاً من بينها: «ابن الحارة» مع ليلى فوزي والمخرج عز الدين ذو الفقار، «صراع في الوادي» أمام فاتن حمامة والوجه الجديد عمر الشريف، إخراج يوسف شاهين، وزاد على نجاح الفيلم الأخير عرضه في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، غير أنه أخذ نصيبه من العرض أيضاً، كبقية أفلام فريد شوقي، في دور عرض الدرجة الثالثة، فنجح فريد مع جمهور الدرجة الثالثة بشكل لم يسبقه إليه أحد، لدرجة أنه ما إن كان يظهر على شاشة السينما حتى يصفّق له جمهور «الترسو» أو جمهور الدرجة الثالثة طويلاً، حتى لو قدّم الشر على الشاشة، وهذا أمر لم يحدث مع نجوم كبار، حتى من جيل العمالقة الذين سبقوه، فأطلق عليه النقاد لقب «ملك الترسو».

جعل هذا النجاح الفنان أنور وجدي يتذكّر بقية العقود التي يحتفظ بها في خزانته، ففي وقت قفز فيه أجر فريد شوقي إلى خمسة آلاف جنيه في الفيلم الواحد، قدّم له وجدي سيناريو فيلم «خطف مراتي» بعقد قيمته مائتي جنيه، فاضطر فريد إلى تنفيذ العقد بهذا المبلغ الهزيل، مع أنه تقاسم البطولة مع النجم أنور وجدي والمطربة صباح والنجمة ليلى فوزي. أخرج الفيلم حسن الصيفي.

بعد انتهاء التصوير ذكّر وجدي فريد بأن ثمة عقدين لم ينفّذهما بعد، وأنه سيسافر للعلاج في باريس، على أن يتم تنفيذهما فور عودته.

سافر وجدي للعلاج وعاد، غير أنه لم يعد على قدميه بل محمولاً على الأعناق، فقد رحل ليترك فراغاً فنياً وإنسانياً كبيراً، فاجتهد فريد لسدّه، وبالفعل نجح في ذلك إلى حدّ كبير.

شعر فريد بأن أشكال الحياة تتغير من حوله، خصوصاً بعد تحوّل مصر من الملكية وإعلانها جمهورية عربية، وحدوث تحولات في المفاهيم والأفكار، وإن كان بعضها ما زال جامداً لم يساير ما يحدث في المجتمع من تحوّل، ولمس هذا بشكل واضح عندما ذهب لتهنئة شقيقه الأصغر أحمد شوقي، الذي نال ترقيته إلى ملازم ثانٍ كضابط شرطة، وعيّن في مؤسسة «رعاية الأحداث»، ولفتت فريد حال هؤلاء الأطفال الذين يمضون فترة رعاية في ظاهرها، غير أنها في باطنها فترة عقوبة، ويعجزون عن مواجهة المجتمع بعد انقضاء فترة الرعاية أو فترة العقوبة على وجه الدقة.

تكررت زيارات فريد لشقيقه الضابط أحمد شوقي، ما أثار شكوك الأخير، حتى صارحه فريد بأنه يريد أن يقدّم عملا فنياً عن هؤلاء الأطفال وكيف ستكون شكل العلاقة بينهم وبين المجتمع بعد خروجهم من الدار، وزاد تعميق هذا الإحساس لدى فريد أنه أصبح أباً للمرة الثالثة، إضافة إلى ابنته منى من زوجته الأولى زينب عبد الهادي، أنجبت له هدى سلطان ابنته الثانية مها، بعدما أنجبت ابنتهما الأولى ناهد، لتصبح لديه ثلاث فتيات.

وفّر أحمد شوقي اللقاءات التي يريدها فريد لجمع المعلومات اللازمة، وخرج من دار الأحداث ومعه قصة فيلم «جعلوني مجرماً».

عهد فريد إلى عاطف سالم، مخرج شاب قدّمه إلى السينما للمرة الأولى بعد سنوات من عمله كمساعد مخرج، بمهمة الإخراج، وشاركته البطولة زوجته هدى سلطان، وبصفته مؤلف الفيلم ومنتجه، وفّر فريد الإمكانات اللازمة لنجاحه، وعهد إلى الموسيقار رياض السنباطي بتلحين الأغنية الرئيسة «إن كنت ناسي… أفكرك» التي أدّتها هدى سلطان.

أحسن ممثل

في ليلة افتتاح الفيلم، وليحقّق فريد الهدف الذي قدّم الفيلم من أجله، وجّه الدعوة إلى حسين الشافعي، عضو مجلس قيادة الثورة، بصفته وزير الشؤون الاجتماعية، لحضور العرض، فلبى الدعوة وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق، كرس المفهوم الجديد الذي أصبح يتعامل به الجمهور مع فريد شوقي، ليس باعتباره «ملك الترسو» المسيطر على إيرادات دور عرض الدرجة الثالثة، كما الأولى فحسب، بل بانتخاب متّفق عليه بين الجمهور بأن يكون فريد شوقي «فتوة الناس الغلابة».

لم يكن هذا النجاح الوحيد الذي جناه فريد من فيلم «جعلوني مجرماً»، بل نجح على المستوى النقدي، وفاز للمرة الأولى بجائزتي أحسن ممثل وأحسن إنتاج، كذلك فازت هدى سلطان بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في الفيلم، وعاطف سالم جائزة أفضل مخرج عن أول عمل له كمخرج.

شعر فريد شوقي بسعادة غامرة، لم يذق مثلها سابقاً، لتكريمه على عمل فني جاد له أهداف اجتماعية غاية في الأهمية، غير أن التكريم الحقيقي والإحساس بقيمة ما قدمه، حدث عندما دفع الفيلم الدولة الى إصدار قانون يقضي بالتجاوز عن السابقة الأولى في حياة المذنب، ليخرج بعد قضاء العقوبة ويستطيع مواجهة المجتمع والعيش فيه.

أصبحت لفريد شوقي مكانة خاصة عند جمهوره، فقد نصّبه «شجيع السيما» واختاره ليكون «فتوّة» يدافع عن حقوقه أمام الأقوياء، وبذكاء الفنان حاول فريد الابتعاد، قدر الإمكان عن دور الشرير، والاكتفاء بدور «الفتوة» أو «الشجيع»، على أن يسند دور «الشرير» لنجم آخر، ليس قادراً على أن يقنع الجمهور بما يقدّمه من شر على الشاشة فحسب، بل يقنعه هو شخصياً بذلك، ووجد ضالته في أستاذه الفنان الكبير محمود المليجي، فقد تعلم «الشرّ» من خلال أدواره منذ خلفه في «فرقة رمسيس» وقدّم الأدوار نفسها التي كان يقدّمها المليجي مع الفرقة، هكذا أصبح فريد «وحش الشاشة» ومحمود المليجي «شرير الشاشة»، على رغم طيبته المفرطة، ولا بد من أن يقهره «الشجيع»، ليكون المليجي الشريك الأول في أفلام فريد شوقي، سواء التي ينتجها لنفسه أو حتى تلك التي يسندها إليه المنتجون، حتى أنهما قدّما بين 1953 و1956، ما يزيد على العشرين فيلماً شاركتهما في الغالبية العظمى منها هدى سلطان، أهمها: «غلطة أب» إخراج بركات، «عبيد المال» إخراج فطين عبد الوهاب، «مكتوب على الجبين» إخراج إبراهيم عمارة، «أبو الدهب» إخراج حلمي رفلة، «فتوات الحسينية» إخراج نيازي مصطفى، «رصيف نمرة 5» إخراج نيازي مصطفى، «النمرود» إخراج عاطف سالم.

ليلة لقاء الزعيم

قبل أن ينتهي عام 1956، لم تشأ الدول الاستعمارية أن ترى مصر تحاول تقرير مصيرها وتحقيق تنميتها، فشنت عدواناً ثلاثياً شاركت فيه إنكلترا وفرنسا وإسرائيل، فنجحت مصر في صدّ العدوان الغاشم، في المقدمة مدينة بور سعيد الباسلة، وفشل العدوان وتراجع، غير أن نواياه الاستعمارية ظلّت موجودة، فخرج الفنانون في ربوع مصر يجمعون أموالاً للمجهود الحربي، ويقومون بدور بارز، الأمر الذي نبه الزعيم جمال عبد الناصر إلى أهمية دور الفنانين والمثقفين في قيادة المجتمع، بما لهم من تأثير قوي على الفئات كافة.

كانت الحرب تدور رحاها على ساحل مصر الشرقي، وتصل أصداؤها إلى العاصمة القاهرة، ما أصاب الحياة بشبه توقّف إلا من الجهاد للوطن والعمليات الفدائية ضد المستعمرين.

بعد أن انتصف ليل ذلك اليوم، فوجئ فريد شوقي وزوجته وابنتاهما ناهد ومها، ومعهما نبيلة ابنة هدى، بطرق عنيف على باب منزلهم، وعندما فتح وجد أمامه رجال البوليس الحربي:

* أستاذ فريد شوقي.

- أيوه يا فندم أنا أي خدمة؟

* حضرتك مطلوب حالا في مجلس قيادة الثورة… اتفضل معانا.

- ليه؟ خير فيه إيه؟ ومين اللي عايزني في المجلس؟

* منعرفش يا فندم… الأوامر اللي عندنا إن حضرتك تتفضل معانا وهنسلمك هناك.

- تسلموني!! هو أنا عملت حاجة؟

* يا فندم أنا قلت لحضرتك الأوامر اللي معانا… حضرتك اتفضل البس هدومك وإحنا في انتظارك بره في العربية.

خرج فريد شوقي مصحوباً ببكاء زوجته وبناته، فلا هو يعرف إلى أين سيذهب وما مصيره، ولا هن يعرفن ماذا يفعلن؟

ركب فريد شوقي السيارة العسكرية، وهو لا يعرف إلى أين يذهبون به، ومن الذي يريده؟ وماذا يريد منه؟ وهل فعل شيئاً أساء فيه إلى البلد؟

لم يجد إجابة عن أي من هذه الأسئلة أو غيرها من تلك التي طرأت على خاطره، حتى وصل إلى مكان شبه مظلم لم تتبيّن له أية ملامح، وسُلّم إلى أحد الضباط، الذي سلّمه إلى رتبة أعلى منه، أدخله من باب أدّى إلى حجرة، ثم من ثانٍ أدى إلى حجرة ثانية، وثالث إلى حجرة ثالثة ليجد مكتباً يجلس عليه رجل لم يتبيّن ملامحه حتى اقترب ورفع من يجلس على المكتب رأسه… لم يصدّق فريد شوقي نفسه من هول المفاجأة… عينان مثل الصقر، لم يستطع الاستمرار في النظر إليهما… إنه الزعيم جمال عبد الناصر… وعن يمينه عبد الحكيم عامر:

* مش معقول… سيادة الريس بنفسه… أنا حاسس إني بحلم… أنا بحبك جدا يا سيادة الريس… ربنا معاك… ربنا ينصرك…

- أهلا يا أستاذ فريد… اتفضل أقعد.

* ميصحش يا سيادة الريس… ميصحش اقعد قدام حضرتك.

- اقعد يا راجل… إنت واحشني جداً… بقالي كتير مشفتش أفلام جديدة لك… معلش إنت شايف.. الأعداء مش مديينا فرصة… مش عاوزين يسيبونا في حالنا…

* إن شاء الله ربنا هينصرك عليهم يا ريس… ربنا هينصر مصر.

- مش هقدر لوحدي يا فريد… لازم كلنا تبقى إيدينا في إيدين بعض.

* من بكرة الصبح يا فندم… هسلم نفسي للمقاومة الشعبية على خط القنال.

- لا يا فريد… إنت دورك مش هناك… إنت دورك هنا… كل واحد فينا له دور… وإنت فنان دورك إنك تقدّم فن لجمهورك اللي بيحبك ويثق فيك.

* دي شهادة كبيرة يا ريس ربنا يخليك لينا وللأمة العربية كلها.

- دي حقيقة يا فريد إنت فنان كبير ومؤثر… ولك شعبية كبيرة والناس بتحبك… علشان كده أنا بعتلك النهارده.

* تحت أمرك يا ريس… اللي هتؤمر بيه هنفذه.

- طبعا إنت شايف العدوان الغاشم على مصر… وكمان شايف ولادنا البواسل على خط القنال وفي بورسعيد… علشان كده أنا عاوزك تعمل فيلم بسرعة عن بورسعيد وولادها البواسل… والفدائية اللي عليها أهل القناة… أنا عاوز أعرض الفيلم ده على العالم كله.. عاوز أفضح الدول الاستعمارية وأطماعها… واللي عملوه في المدنيين العزل من السلاح… ومع ذلك قدروا يوقفوهم عند حدهم لحد دلوقت… لكن مش عارفين بكرة ممكن يحصل إيه؟

* خير إن شاء الله… اعتبر الفيلم خلص يا ريس.

- أنا واثق إنك هتعمل حاجة مشرفة… شوف إنت محتاج إيه وكل الجيش تحت أمرك… من سلاح وجنود وكل اللي تحتاجه.

نظر الزعيم جمال عبد الناصر إلى عبد الحكيم عامر:

- إدي أوامرك يا حكيم إن أي حاجة يطلبها فريد تكون تحت أمره… أنا في انتظار أشوف الفيلم قريب… بالسلامة يا فريد.

خرج فريد شوقي وينتابه إحساس بأن جبل «المقطم» قد وُضع على كتفيه، ماذا يفعل؟ إلى أين يذهب؟ هل يذهب ليطمئن زوجته وبناته؟ ليس مهماً الآن، لكن إلى أين يذهب، لا بد من وضع خطة عمل عاجلة… لا بد من أن يبدأ العمل في الصباح… لا… بل من الآن… لا بل من الأمس.

بورسعيد

كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحاً، وفريد شوقي يسير في شوارع القاهرة على غير هدى، لا يعرف ماذا يفعل، وإلى أين يذهب؟ وأين السيناريو الذي سيعمل عليه؟

مع أول ضوء للنهار كان فريد قد اهتدى إلى فكرة مبدئية تصلح لأن تكون نواة لفيلم سينمائي كبير.

وضع فريد فكرة فيلم «بورسعيد» وشارك في كتابة السيناريو والحوار مع علي الزرقاني، وأخرجه عز الدين ذو الفقار، وشارك في بطولته مع فريد شوقي نجوم مصر وفنانوها في غالبيتهم: هدى سلطان، ليلى فوزي، شكري سرحان، زهرة العلا، أمينة رزق، رشدي أباظة، حسين رياض، سراج منير، أحمد مظهر، توفيق الدقن، زينب صدقي، محمد رضا، فاخر فاخر، حسن حامد، وكمال حسين، وقد صُوِّرت فضائح العدوان عن طريق الدخول في ملابس صيادين عبر بحيرة «المنزلة».

حقق الفيلم نجاحاً غير مسبوق، وعُرض في عواصم عربية وأوروبية، وبلغ الهدف الذي أراده الزعيم جمال عبد الناصر، فشكر فريد شوقي على هذا الإنجاز الباهر، وفي وقت قياسي، واستحقّ أن يرفع سماعة هاتف منزله، ليجد المتحدّث جمال عبد الناصر:

مبروك يا فريد… نجاح كبير… إنت رفعت اسم مصر في السما.

تأكد فريد شوقي من أن للفنان دوراً مهماً نحو مجتمعه، خصوصاً إذا كان الأخير يمرّ في ظروف استثنائية على غرار تلك التي تمرّ بها مصر، وبعدما قدّم أهمية دور الطبقة العاملة في «الأسطى حسن»، وتأثير المخدرات على المجتمع في «حميدو»، وأهمية دور الشرطة وخفر السواحل في حماية السواحل المصرية من المهربين وتجار المخدرات في «رصيف نمرة 5»، والمقاومة الشعبية ودور الشعب في حماية الوطن في «بورسعيد»، أراد أن يستكمل المشوار ويدافع عن استغلال كبار التجار للمزارعين والمستهلكين معاً، من خلال كبار المحتكرين للخضار والفاكهة، فقدّم مع المخرج صلاح أبو سيف فيلم «الفتوة» مع: تحية كاريوكا، زكي رستم، توفيق الدقن، ميمي شكيب، فاخر فاخر، محمود السباعي، حسن البارودي، محمد رضا، عبد العليم خطاب، وظهر فيه كلّ من هدى سلطان ومحمود المليجي، كضيفي شرف.

لم يمرّ أسبوع واحد على عرض «الفتوة» في السينما، حتى فوجئ فريد بحكم محكمة يقضي بإيقاف العرض وإقفال دار السينما!!

البقية في الحلقة المقبلة

الجريدة الكويتية في

09/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)