حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صناع السينما نجوم الزمن الجميل (6-26)

شادية .. دلوعة الشاشة

القاهرة - أحمد الجندي

إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى بالشعبية.

ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.

مهما مر الزمن وتوالت السنوات سيظل هناك نجوماً حفروا بإبداعهم أماكنهم في ذاكرة تاريخ الفن المصري والعربي وفي ذاكرة ووجدان الجماهير على مر الأجيال.. ومن هؤلاء النجمة الفنانة الكبيرة والقديرة شادية التي تأتني في مقدمة نجمات السينما المصرية اللواتي أضئن وملئن شاشتها بالفن والجمال والبراءة والشقاوة والتلقائية والصدق والرومانسية من خلال العديد من الأدوار والشخصيات والأفلام التي لا تنسى.. فعلى مدار40 عاماً قدمت شادية ما يزيد عن «100» فيلم ستظل هذه الأفلام شاهدة على براعتها وموهبتها ونجوميتها وتألقها وحضورها كما أنها قدمت ما يزيد عن400 أغنية منها 300 أغنية سينمائية ملئت وجداننا بالشجن من خلال صوتها العزب الصافي..وهي أشهر ممثلة في تاريخ السينما المصرية تقدم «الثنائيات» فأفلامها مع كمال الشناوي وعماد حمدي وشكري سرحان وإسماعيل ياسين وصلاح ذو الفقار لا تمحى من الوجدان.

رغم اعتزالها المفاجئ منذ ما يقرب من 25 عاماً وإصرارها المطلق على الابتعاد التام عن الأضواء والإعلام إلا ان صورتها ستظل في قلب كل عاشق للسينما وصوتها في أذن كل محب للطرب بعد ان منحت «شادية» للسينما والغناء في مصر والعالم العربي 40 عاماً هي صباها الباكر وشبابها كله. وهي مازالت تسكن القلوب بإطلالتها عبر الشاشة وبصوتها الذي يتدفق صفاءاً وعزوبة.

ولدت شادية في 9 فبراير عام 1928 في مدينة «انشاص» بمحافظة الشرقية بدلتا مصر وكانت الابنة الرابعة لعائلة متوسطة فالأب يعمل مهندساً زراعياً والأم من أصول تركية أما اسمها الحقيقي فهو «فاطمة كمال الدين شاكر» وبعد ولادتها بسنوات قليلة انتقلت الأسرة للقاهرة بحكم عمل الوالد الذي كان ينتقل بين محافظات مصر وعندما أصبح عمرها 7 سنوات بدأت ميولها الموسيقية تظهر عليها في هذه السن الصغيرة عندما اكتشفت ذلك جارتهم «السيدة حكمت» مدرسة الموسيقى فكانت تأخذها معا إلى المدرسة وبدأت تعلمها العزف على البيانو ونمت هذه الموهبة بداخلها وزادت عندما اكتشفت مدرستها حلاوة وجمال صوتها.. والتحقت بمدرسة الحلمية الجديدة الابتدائية وتخرجت منها عام 1945 وقد نضجت إلى حد ملحوظ ميولها وموهبتها الفنية في الموسيقى والغناء.

وفي شهر مايو عام 1947 قرأت شادية إعلانا في إحدى المجلات الفنية عن مسابقة لاختيار وجوه جديدة للسينما فسارعت بالتقدم للمسابقة ومعها شقيقتها «عفاف» والطريف أن الفنان كمال الشناوي كان أيضاً من بين المتقدمين للمسابقة.. نجحت شادية في اجتياز المسابقة بينما فشلت شقيقتها الصغرى عفاف وعلى الفور وقع معها المنتج والمخرج السينمائي أحمد بدرخان عقد احتكار عدة سنوات براتب شهري قدره 25 جنيها مصريا وذلك بعدما استشعر موهبتها المتفجرة.. لكن بدرخان ورغم هذا الإعجاب استمر لعدة شهور لم يقدمها في أي عمل فني في هذا الوقت كان المنتج والمخرج السينمائي الشهير حلمي رفلة يبحث عن وجه جديد لفتاة لكي تشارك في بطولة فيلمه «العقل في أجازة» مع محمد فوزي فما كان من أحمد بدرخان إلا ان رشحها له.. وعندما رآها حلمي حلمي رفلة أعجب بموهبتها وحلاوة صوتها وملامحها الجميلة وشاركه الرأي الفنان محمد فوزي وعهد حلمي رفلة إلى الفنان القدير عبد الوارث عسر بتدريبها بشكل سريع على الإلقاء والأداء واستجابت شادية لهذه التدريبات وانضمت إلى أسرة الفيلم بعد ان وقع معها حلمي رفلة عقداً جديداً مقابل 150 جنيهاً في الشهر وبذلك يكون فيلم «العقل في إجازة» مع المخرج حلمي رفلة وأمام محمد فوزي وهو أول أفلامها السينمائية عام 1947. ومن هذا الفيلم غير لها حلمي رفلة ومحمد فوزي اسمها من فاطمة كمال ليصبح من وقتها وحتى اليوم «شادية».

في هذا الفيلم الأول اكتشف المخرج حلمي رفلة مدى ما تتمتع به شادية هذه الفنانة الشابة من طاقة وإمكانيات فنية وحضور طاغ أمام الكاميرا رغم أنها تقف أمامها لأول مرة ومع نجوم ونجمات متمرسين وسبقنا إلى المجال مثل محمد فوزي وليلى فوزي وبشارة واكيم مما جعله في العامين التاليين يسند لها بطولة فيلمين دفعة واحدة وهي «الروح والجسر» 1948 و»ليلة العيد» 1949 لتنطلق شادية سينمائياً وبقوة وسرعة مذهلة كانت هذه البداية القوية لدرجة أنها وفي 10 سنوات من «1949- 1951 قدمت ما يقرب من 50 فيلماً بمعدل 5 أفلام في العام الواحد.. ولعل هذا الرقم الكبير يدل على ان قدرات وطبيعة شادية كانا متوافقين تماماً مع احتياجات السينما المصرية آنذاك وقد تمثلت قدرتها في أمرين مهمين أولهما تمتعها بموصفات جمال خاصة من خلال وجه رقيق الملامح ينم على البراءة والعناد معاً وثانيهما أداؤها العفوي والتلقائي الصادق وبالإضافة إلى ذلك هذه الميزة الرائعة المتمثلة في صوتها المميز المنطلق الذي يضيف حيوية ومملوء بالشقاوة والبراءة في الوقت نفسه وقد مكنها ها الصوت من تقديم العديد من الأفلام الغنائية مع العديد من نجوم الطرب الذين حققوا أيضاً نجومية السينما مثل فريد الأطرش- محمد فوزي- عبد الحليم حافظ- بالإضافة إلى مطربين أخريين خاضوا مجال السينما مثل عبد العزيز محمود وإبراهيم محمود وكارم محمود. إلى جانب الاسكتشات الغنائية التي قدمتها مع إسماعيل ياسين وشكوكو.. وقد تخصصت شادية خلال هذه المرحلة الفنية من مشوارها الفني في أداء دور البنت الشقية التي تستقبل الحياة بقلب مفتوح وتتعاطف مع الأخريين من خلال رقة شعورها كما جسدت وببراعة ادوار الفتاة الرومانسية الرقيقة وهذا ما جعل نقاد السينما وباحثيها ومؤرخيها يطلقون عليها خلال هذه الفترة لقب «دلوعة» السينما المصرية.

ومن أهم أفلامها خلال هذه الفترة منذ بداياتها عام 1947 وحتى نهاية الخمسينات نرى أفلاماً مثل «نادية» عام 1949 مع المخرج فطين عبد الوهاب- «الزوجة السابقة» مع المخرج إبراهيم عمارة 1950- «مشغول بغيري» مع إبراهيم عمارة أيضاً عام 1951-»في الهوا سوا» 1952 مع المخرج يوسف معلوف- «معلش يا زهر» 1950 مع بركات- «بنت الشاطئ» 1952 مع المخرج محمد صالح- «اشهدوا يا ناس» 1953 مع المخرج حسن الصيفي- «بائعة الخبز» مع حسن الإمام عام 1953- «مغامرات إسماعيل ياسين» 1954 مع المخرج يوسف معلوف «بنات حواء» 1954 لنيازي مصطفي- «بنت الجيران» 1954 مع المخرج محمود ذو الفقار- «أنا الحب» مع بركات عام 1955 «الستات ميعرفوش يكدبوا» 1955 مع المخرج محمد عبد الجواد- «شباب امرأة» مع المخرج صلاح أبو سيف- «موعد مع الحياة» و»اقوي من الحياة» مع المخرج عز الدين ذو الفقار- «لحن الوفاء» 1955 مع لمخرج إبراهيم عمارة- «ودعت حبك» ليوسف شاهين 1956- «شاطئ الذكريات» 1955 من إخراج عز الدين ذو الفقار «وداع في الفجر» مع حسن الإمام 1956- «أنت حبيبي» مع يوسف شاهين 1956 وفي نفس العام أيضاً واحداً من أفلامها الجيدة هوا «ليلة من عمري» مع المخرج عاطف سالم- «لواحظ» مع حسن الإمام 1957-»قلوب العذارى» 1958 مع حسن الإمام «عش الغران» 1959 مع المخرج حلمي رفلة.

وتختتم شادية هذه المرحلة المهمة من مشوارها الفني والتي كانت مرحلة شديدة الخصوبة كما وكينما حيث قدمت خلال 10 سنوات ما يقرب من 50 فيلماً.. اختتمتها بفيلمها الرائع والشهير «المرأة المجهولة» عام 1959 مع المخرج محمود ذو الفقار.. في هذا الفيلم استطاعت ان تخطو خطوات واسعة نحو النضوج الفني الذي تنشده أي نجمة وأي نجم سينمائي. واستطاعت ان تؤكد أنها قادرة على تجسيد كل الأدوار والأنماط والشخصيات وأصبحت بالفعل فنانة ونجمة لا تتقيد بالفعل في أدوارها بمواصفات فنية معينة وهذا ما جعلها تنتقل إلى مرحلة أو حقبة الستينات وهي محملة بنضج هائل وكبير مكنها من اختيار أفلامها وأدوارها بعناية وخبرة وجعلها تقدم عدداً من أهم أفلامها وأروعها نذكر منها «لا تذكريني» 1961 مع محمود ذو الفقار- «معاً إلى الأبد» 1960 مع المخرج حسن رمزي- «لوعة الحب» 1960 مع صلاح أبو سيف- «اللص والكلاب» مع كمال الشيخ عام 1962- «التلميذة» 1961 مع حسن الإمام- «زقاق المدق» مع حسن الإمام أيضاً عام 1963- «أغلى من حياتي» مع محمود ذو الفقار 1965- «معبودة الجماهير» 1967 مع المخرج حلمي رفلة- ونختم هذه المرحلة بواحد من أروع الأفلام «شيء من الخوف» مع المخرج حسين كمال عام 1969 والتي جسدت خلاله واحدة من أهم شخصياتها وأدوارها السينمائية «فؤادة» وكانت الشخصية نموذجاً لمعنى العزيمة والقوة وعدم الخوف في مواجهة الظلم والجبروت والطغيان الذي جسدهما الفنان محمود مرسي الذي شاركها بطولة هذا الفيلم الرائع والتي وصلت فيه شادية لقمة الأداء والنضج الفني والتنوع والاختيار في أدوارها.. وهذا يتضح في فيلم أخر من هذه النوعية وهو فيلم «الطريق» مع المخرج حسم الدين مصطفي والمأخوذ عن الرواية الشهيرة لنجيب محفوظ التي تحمل نفس الاسم وقدمت هذا الفيلم في نفس العام 1969 وهذا ما ينطبق أيضاً على فيلم أخر من أدب نجيب محفوظ وهو واحد من أهم أفلام السينما المصرية وهو «ميرامار» مع المخرج كمال الشيخ عام 1969 أيضاً ليكون هذا العام ختاماً قوياً للمرحلة الثانية في المشوار السينمائي لهذه النجمة الكبيرة.

ومن خلال النضج الفني الشديد والتنوع الرائع لأدوارها لا بد ان نشيد هنا إلى أنها ورغم هذه الأفلام الجادة الرائعة الذي عالجت قضايا اجتماعية وسياسية بالغة الخطورة والحساسية إلا أنها ومن خلال مقدرة وجرأة هائلة نراها خلال هذه الحقبة تقدم الكوميديا من خلال عد من الأفلام التي تعد من أروع الأفلام الكوميدية في السينما المصرية نذكر منها «الزوجة 13» 1963-»مراتي مدير عام»- «كرامة زوجتي» 1967-»عفريت مراتي» 1968- «نص ساعة جواز» 1969- هذه الأفلام جميعها كانت من إخراج عبقري الكوميديا على شاشة السينما المصرية المخرج فطين عبد الوهاب وأيضاً شاركها بطولة هذه السلسلة من الأفلام الكوميدية الرائعة الفنان صلاح ذو الفقار باستثناء الفيلم الأول والأخير الذي شاركها بطولتها الفنان والنجم رشدي أباظة وهما فيلمي «الزوجة 13» و «نص ساعة جواز».

أما المرحلة الثالثة والأخيرة في المشوار السينمائي لهذه النجمة الكبيرة واعتمد من عام 1969 وحتى اعتزالها الفن في عام 1986 نرى إنها لم تقدم أفلاماً كثيرة بل عدد قليل من الأفلام اختارته بعناية وحرصت خلال هذه الأفلام على التنوع في أدوراها وتعتبر هذه المرحلة من اقل مراحلها السينمائية من ناحية الحجم لكن من ناحية الكيف ظلت شادية محافظة على نجوميتها وبريقها من خلال تنوع أدوراها وحرصها على تقديم ادوار الأم في عدد من أفلامها الأخيرة ومن أهم أفلامها خلال هذه الفترة «نحن لا نزرع الشوك» مع المخرج حسين كمال 1970- «لمسة حنان» مع حلمي رفلة عام 1971- « أضواء المدينة» 1972 مع فطين عبد الوهاب- «الهارب» مع كمال الشيخ 1974- «امرأة عاشقة» 1974 مع المخرج اشرف فهمي ومعه أيضاً فيلم «أمواج بلا شاطئ» 1976-»الشك ياحبيبي» 1979-»وادي الذكريات» عام 1981 والفيلمان من إخراج بركات. وكان فيلمها الأخير «لا تسألني من أنا» مع المخرج اشرف فهمي عام 1984 واحداً من أهم أفلامها ومن أكثرها شجناً وعزوبة وقدمته خلال دور وشخصية الأم ببراعة فائقة وكانت أماً ليسرا وهشام سليم وطارق دسوقي والهام شاهين.. وبالفعل كان هذا الفيلم الرائع خير ختام لهذا المشوار السينمائي الحافل لهذه الفنانة والنجمة القديرة.

ولعل المتتبع لهذا المشوار السينمائي الحافل سيرى ان شادية هي صاحبة أشهر ثنائيات فنية عرفتها السينما المصرية ومن خلال هذه الثنائيات ظلت لسنوات طويلة الورقة الرابحة لصناع السينما ومن نجمات الشباك الأوائل.. والثنائي الأول في مشوار شادية السينمائي كان مع نجم وأسطورة الكوميديا إسماعيل ياسين وقدمت معه 18 فيلماً بعضهما كان في نهاية الأربعينات وطوال حقبة الخمسينات وكان أول أفلامها معاً «صاحبة الملاليم» عام 1949 ثم توالت أفلامها الناجحة مثل «ليلة العيد»- «البطل»-»حماتي قنبلة ذرية»- «قطر الندى»- «بيت النتاش»- «الهوا مالوش دوا»- «قليل البخت»- «بشرة خير»- «قدم الخير»- «مغامرات اسماعيل ياسين»- «اوعى تفكر»- «الستات مايعرفوش يكدبوا»- «اللص الشريف»- «ألحقوني بالمأذون»- «أنسى الدنيا» «ماتقولش لحد».

أما الثنائي السينمائي الثاني في حياة شادية كممثلة فكان مع النجم عماد حمدي وقدمت معه 14 فيلماً وهي تقدم أفلامها الشهيرة والناجحة وكان أول أفلامهما معاً «مشغول بغيري»- «اشكي لمين»- «اقوي من الحب»- «شرف البنت»- «الظلم حرام»- «ليلة من عمري»- «ارحم حبي»- «شاطئ الذكريات»- «لا تذكريني»- «امرأة في دوامة»- «ذات الوجهين»- «وادي الذكريات» ونأتي للثنائي الثالث وهو أيضا من أشهر ثنائياتها وكان مع الفنان شكري سرحان وقدما معا عدداً من الأفلام الناجحة وصل إلى 13 فيلماً منها «غضب الوالدين»- «حياتي أنت»- «بائعة الخبز»- «ماليش غيرك»- «موعد مع الحياة»- «شباب امرأة»- «الهاربة»- «المرأة المجهولة»- «اللص والكلاب».. كما شكلت أيضاً ثنائياً مع محسن سرحان وقدما 9 أفلام منها «اشكي لمين»- «بينت الشاطئ»- «غضب الولدين»- «ظلمت روحي»- «اشهدوا يا ناس»- «أنا الحب».

ونواصل استعراض ثنائياتها السينمائية لنري أنها مع النجم كمال الشناوي يعد من أشهر الثنائيات وقدما معاً «16» فيلماً أيضاً عد من الدويتوهات الغنائية الشهيرة ومن أهم أفلامها مع كمال الشناوي- «حمامة السلام»- «في الهوا سوا»- «ساعة لقلبك»- «وداع في الفجر»- «الدنيا حلوة»- «المرأة المجهولة»- «لواحظ»-»معاً إلى الأبد»- «قلوب العذارى»- «ظلموني الناس» وبالتأكيد يتذكر جمهور السينما أفلامها الكوميدية التي قدمتها مع الفنان صلاح ذو الفقار في الستينات وقد كونت معه ثنائيات ناجحة قدما أفلاما من الصعب نسيانها ومنها «عيون سهرانه»- «أغلى من حياتي»- «مراتي مدير عام»- «كرامة زوجتي»- «عفريت مراتي»- «لمسة حنان».

وان كنا قد اشرنا في استعراضنا لمشوارها السينمائي إلى كبار مخرجي السينما المصرية التي عملت معهم فأن شادية وقف أمامها وشاركها بطولة أفلامها كبار نجوم السينما المصرية أيضاً فإذا استثنينا النجوم اللذين كونا معها الثنائيات التي اشرنا إليها سنجد أيضاً نجوم أخريين مثل حسين صدقي- أنور وجدي- رشدي أباظة- عمر الشريف- أحمد مظهر- محمود مرسي- احمد رمزي- حسن يوسف- صلاح قابيل- محمود ياسين- إضافة إلى نجوم الطرب والسينما أمثال فريد الأطرش- عبد الحيلم حافظ- محمد فوزي- كارم محمود- إبراهيم حمودة- عبد العزيز محمود.

وإذا كانت شادية قد قدمت خلال مشوارها الفني الذي امتد لـ40 عاماً ما يزيد عن 100 فيلم فأنها أيضاً صاحبة تاريخ حافل وعظيم في الموسيقي والغناء فقد قدمت خلال هذا المشوار الفني الحافل ما يزيد عن 400 أغنية منها ما يقرب من 300 أغنية سينمائية ولا تزال هذه الأغنيات باقية إلى اليوم في ذاكرة ووجدان جمهورها وعشاق الطرب في شتى أنحاء العالم العربي.. سواء التي قدمتها سينمائياً أو قدمتها على المسرح كمطربة.

وفي عام 1986 فاجأت شادية جمهورها بقرار اعتزالها الفن وقد تحدثت في حوار صحافي لجرتها معها مجلة «روزاليوسف» عام 1994 وقالت «قرار الاعتزال كان مفاجئاً بالنسبة لي أيضاً وقد استغرق مني ثواني قليلة وكأنه كان موجوداً في عقلي الباطن» وأضافت شادية في حوارها «واعتزالي لا يعني إنني نادمة على شيء ومازلت احترم الأعمال التي قدمتها للناس لأني حاولت من خلال هذه الأعمال أو في معظمها ان تكون على قدر كبير من الاحترام والفن الأصيل لذلك اعتقد ان هناك أعمالا ستظل مضيئة في تاريخي الفني الطويل.

وكان هذا الحوار الصحافي للنجمة الكبيرة والفنانة القديرة من حواراتها الصحافية القليلة للغاية بل والنادرة وربما يكون هو أخر حوار صحافي أو إعلامي على الإطلاق.

فقد حرصت شادية بعد اعتزالها على الابتعاد تماماً عن الأضواء فلم تظهر في أي احتفالية أو مناسبة فنية أو إعلامية حتى حفلات تكريمها لا تذهب إليها بل تبعث بخطاب رقيق تحيي فيه من يكرمونها وترسل من ينوب عنها.. فهذه الفنانة الرائعة أكدت أن اعتزالها وارتدائها الحجاب ليس من باب «الشو الإعلامي» كما فعل أخريات غيرها.. بل هو اعتزال واعتكاف عن قناعة راسخة وقد جعلا هذا تكبر أكثر في عيون وقلوب جمهورها وازداد أقدامهم وتقديرهم لها.. وهي حالياً متفرغة للعبادة وللأعمال الخيرية الكثيرة التي تقوم بها بعد ان وهبت الكثير مما تملك لأعمال الخير وتعيش الآن في شقة بالإيجار في حي الهرم وهي شقة كانت تعيش فيها منذ الخمسينات وفيلتها الضخمة حولتها إلى مركز إسلامي.. ويعيش معها أحفاد أشقائها وشقيقاتها التي تعتبرهم بمثابة أولادها وأحفادها فهي بعد أكثر من تجربة زواج على مدار حياتها لم ترزق بأولاد واعتبرت ان الله عوضها بأبناء وأحفاد أشقائها فهم بالنسبة لها أبناؤها وأحفادها.

النهار الكويتية في

07/08/2011

 

حكايات إنسانية يرويها الأبناء (6-26)

أمنية فرحات تفتح خزائن والدها الدكتور شديد فيلسوف الكوميديا الساخرة

ذهب والده إلى مصر مع جيش إبراهيم باشا لكنه توفي وتربى فرحات في حي الحسين

القاهرة - سماح مكي  

عاشوا بيننا، وأسعدونا بفنهم الجميل على مدار سنوات طويلة قبل أن يرحلوا عن عالمنا تاركين تراثا فنيا يخلدهم، ويؤرخ لحقبة شديدة الأهمية في تاريخ الفن العربي.. حتى ان الأجيال الجديدة تتابع روائعهم عبر شاشة التلفزيون دون أن تعرف شيئاً عن هؤلاء العمالقة الراحلين.

«النهـار» في هذه الحلقات.. تقترب منهم.. من شخصياتهم.. من حياتهم.. تقترب من هؤلاء الفنانين العمالقة عبر حوارات مع أقرب الأقربين لهم.. الابن أو الابنة.. الزوج أو الزوجة.. أو حتى الحفيد. نتعرف منهم عن جوانب خفية من حياة هؤلاء الفنانين العظام.. كيف عاشوا وكيف كانت رحلة كفاحهم عبر الألم والأمل حتى شارع النجاح والنجومية..

نكشف في هذه السلسلة الحوارية جوانب جديدة في حياة فنانينا الراحلين فنياً وإنسانياً وأسرياً.

الدكتور شديد... أو محمد فرحات عمر نموذج فني لن يتكرر مرة أخرى بسهولة سواء في المسرح أو التلفزيون أو خلف ميكروفون الإذاعة..

صحيح أنه لم يحظ ولو لمرة واحدة بدور البطولة وظل طوال حياته في دور السنيد ولم ينل حظه من النجومية.. ولكنه استطاع أن يكتب اسمه في تاريخ الكوميديا بطلاً بلا منازع..

رحل عن عالمنا الدكتور شديد وترك لنا جملته الشهيرة

وماله ياخويا... يارب ياخويا يارب

فنحن في محاولة كي نكشف الستار عن أسرار جديدة من خزائن فيلسوف الكوميديا.. من خلال ابنته الوحيد «أمنية فرحات عمر»..

أمنية بدأت حديثها معنا بسرد سريع لقصة الدكتور شديد، قالت لنا: اسمه بالكامل «محمد فرحات عمر» مواليد 12 أغسطس 1931 جده «عمر» جاء إلى مصر مع جيش «إبراهيم باشا» وكان متزوجاً بامرأة تركية ولم ينجب منها، وعندما جاء لمصر تزوج من امرأة تصغره بسنوات كثيرة من الدقهلية وأنجب منها ولدين فرحات وإسماعيل.. أما والده «فرحات» كان مهندساً للآثار ووالدته مدرسة هو وحيدها وله أربعة أولاد غير أشقائه من والده.. حيث توفى والده وهو في عمر عامين وترك له ثروة عبارة عن 17 فداناً ومنزلاً، وتولت تربيته والدته التي كانت تعامله بشدة للوصول إلى أفضل تربية ممكنة، وكان وهو طفل يذهب لصلاة الفجر كل يوم في الحسين وكان حافظاً للقرآن ويرتله بصوت جميل ويجوده، كان يقيم بشارع رمسيس بجوار «الكاتدرائية بالعباسية»، وفي مدرسة بحي العباسية تعلم فن الإلقاء والتمثيل وكان من بين زملائه في المدرسة «الفنان محمد عوض».

وعندما أخذ شهادة «البكالوريا» أراد أن يلتحق بمعهد التمثيل وتقابل هناك مع الفنان «حسين رياض» الذي أقنعه باستكمال دراسته أولاً ثم الفن لأن التعليم مهم لثقافة الفنان وذهب من هناك مقتنعاً بكلامه وقدم أوراقة في كلية الآداب قسم فلسفة جامعة القاهرة، وهناك التحق بفريق التمثيل الذي كان يدربه الفنان «زكي طليمات»، وفي الليسانس شارك في مسرحية «30 يوم في السجن» على مسرح الريحاني، وقدم دور «أمشير أفندي»، وحصل على كأس «يوسف وهبي» على مستوى الجامعات، واشترك في حفلات أضواء المدينة في عام 1965.

وبعد التخرج عمل فترة بالتدريس، وجاءت بداية فرقة «ساعة لقلبك الإذاعية» فالتحق بها، بالمشاركة مع الخواجة بيجو.. المعلم شكل.. والرغاية.. وأبو لمعه، ولنجاح فرقة «ساعة لقلبك» الإذاعية كونوا ساعة لقلبك المسرحية وقدموا مسرحيات كثيرة جداً وكانوا يعرضون كل صيف على مسارح الإسكندرية، وظل يمثل في الإذاعة والتلفزيون والمسرح حتى عام 1968.

نسأل أمنية.. كيف جاءت فكرة الدكتور شديد فتجيب: مؤلف اسكتشات فرقة «ساعة لقلبك الإذاعية» «عبدالفتاح السيد» هو الذي ابتكر شخصية «الدكتور شديد» الطبيب البيطري الذي يتردد على مطعم كل يوم ودائم النسيان ويسأل الجارسون ويقول له ( قولي يا ابني هو أنا أتعشيت ولا لسه). وهذه اللازمة كانت مكتوبة وقام بإلقائها فنالت استحساناً من الجمهور وطلبت منه في جميع الأفلام التي كان يؤديها.. وكانت مسرحية ذات فصل واحد على مسرح الأزبكية عام 1956،والتصقت به شخصية «الدكتور شديد».

لكنه ترك الفن لفترة ما يقرب من عشر سنوات، لأنه انضم لهيئة الإذاعة البريطانية حيث عمل بالقسم العربي بلندن وكانت وظيفته النقد والتعليق على الأفلام العربية والمسرحيات الكوميدية من عام 1968 إلى 1977.. بعد تلك الفترة عاد للقاهرة وشارك في عدة مسلسلات أمثال «زينب والعرش».. «أوراق الورد».. «أصل الحكاية كدبة».. «عودة الروح».. وتوقف نشاطه فترة وبعدها عاد مرة أخرى عام 1996 وشارك في فوازير رمضان مع حنان شوقي ووائل نور في فوازير «غلطة في صورة» وفوازير «عملت الواجب» من إخراج «مسعد فودة»، ولأنه كان متعمقاً في العلم وبعد حصوله على ليسانس الفلسفة استأنف مسيرته مع العلم وحصل على شهادة الماجستير حول «طبيعة القانون العلمي» عام 1965 بتقدير جيد جداً، وأشرف على الرسالة في ذلك الوقت الدكتور «زكي نجيب محمود»، ثم انسحب من الوسط الفني ليعمل في عدة وظائف حكومية من بينها عضو بلجنة النشر بهيئة الكتاب مسؤولاً عن كتب الفلسفة وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1968، وكذلك ألف كتاباً عن «فن المسرح» يدرس حتى الآن في معهد التمثيل.

وعن أشهر أعماله تقول: هي مسرحية «جوزين ولا فرد» مع عبدالمنعم مدبولي.. و«ملكة الإغراء» مع ماري منيب.. و«للحريم فقط» مع عمر الحريري.. وفيلم «إسماعيل يس في مستشفى المجانين» و«إسماعيل يس للبيع».. و«حماتي ملاك» مع ماري منيب وإسماعيل يس.. و«إشاعة حب».. و«بنات بحري» إخراج «حسن الصيفي» مع ماري منيب وإسماعيل يس وعبدالفتاح القصري.. و«المجانين في نعيم» مع رشدي أباظة وغيرها، كما شارك مع نجوم كبار أمثال عبدالسلام النابلسي ومحمد عوض وأمين الهنيدي وفؤاد المهندس، تؤكد أمنية أن والدها طلب منه كثيراً أن يكتب مذكراته وعلاقاته بنجوم الفن الكبار وكيف استطاع أن يعاصرهم وكيف استطاع أن يوفق بين التدريس في الجامعة وبين الفن، ولكنه رفض وقال لا أتاجر بأيام الشقاء والتعب وكذلك الهناء، تتوقف قليلاً وتقول: كان أبي يقول: الوحيد الذي يضحكني هو «عادل إمام» وشاهد له فيلم «الإرهابي»، وكان معجباً بتعبيرات وجهه وكذلك شاهد مسرحية الزعيم وكان معجباً بالمغزى السياسي لها وقال إن لعادل إمام أداء مسرحياً حيوياً.

أما عن طقوس حياته اليومية فتقول: أقام في بنسيون في منطقة الزمالك منذ عام 1978 ليكون بجانب فندق الماريوت الذي كان يعشق الجلوس في الكافيتريا الخاصة به يتأمل ويقرأ ويحتسي القهوة ثم عصير الفراولة ثم المانجو ثم يعود للبنسيون للنوم مبكراً.

وكان يفضل الإقامة بمفرده ليتمكن من الكتابة فكان يكتب مقالات سياسية ويراسل جرائد عربية، وكنت دائمة الزيارة له وكان يأتي إلينا بصفة مستمرة.

كما أنه عاشق للعبة «الشطرنج»، ومثّل نادي الزمالك ومصر في العديد من البطولات وحصل على جوائز عديدة وكان في قائمة أشهر لاعبي الشطرنج.. وكذلك عاشق للفلسفة، وكانت حياته القراءة ومن رواد صالون العقاد ويملك مكتبة بها كثير من الكتب في مجالات مختلفة وكذلك جمع الكتب النادرة.. ويحب اللغة العربية.

وكان أقرب أصدقائه المنتج «سمير خفاجى» وجلال الشرقاوي والمعلم شكل «محمد يوسف» وهو ابن خالته وتربطهما صداقه قوية وأبو لمعة، أما عن حكاية زواجه فتقول: كان أخوها زميلاً له في المدرسة، كان يتردد على منزلها وطلبها للزواج وكانت أرملة وعندها أولاد وطلبها للزواج وكان نعم الزوج الحنين والطيب والعطوف على أبنائها، تعود للفن مرة أخرى وتقول غاضبة: أبي لم يحصل على جوائز من الدولة في حياته ولا بعد وفاته، ومرة واحدة كرم في مهرجان الضحك الأول عام 2003 الذي كان ينظمه «أنور عبدالله» وهو مهرجان خاص، لكن الجوائز لم تكن تهمه وكان دائماً يقول لي إن أهم شيء هي القراءة، وكانت مسرحية «كرنب زبادي» إخراج عصام السيد وكان يقدم دور «جواهرجي» وشارك في أربع بروفات فقط ولكن القدر لم يمهله ولفظ أنفاسه الأخيرة مساء السبت الموافق 12 يوليو 1997، يومها جاءني تليفون من شخص من البنسيون بأنه مريض فذهبت إليه وأخذته إلى مستشفى في «مدينة نصر» وظل بها ثلاثة أيام ولم يظهر عليه أي علامات للموت وكان يشتكي من ارتفاع ليس كبيراً في السكر، وعمل الفحوصات اللازمة وقبل وفاته بخمس دقائق طلب مني «مكن للحلاقة» وبعدها نظر لي نظرة غريبة وتوفى في الحال.

النهار الكويتية في

07/08/2011

 

الحب والحب... وأيضاً الحب [6]

«رسالة في زجاجة» بين الإخلاص للذكرى والحب الجديد

عبدالستار ناجي  

رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة... والاستمتاع.

يمتلك الكاتب الروائي الاميركي نيكولاس سباركس رصيداً ايجابياً من الأعمال الروائية ذات البعد العاطفي الغارق في الرومانسية ومن بينها رواية «نوت بوك» و«الأغنية الأخيرة» و«خطوة للتذكر» و«عزيزي جون» وحينما صدرت روايته «رسالة في زجاجة» تلقفها كاتب السيناريو جيرالد دي بيغو ليحولها الى فعل روائي سينمائي عامر بالأحاسيس الجياشة العامرة بالحب.

لمنح التجربة بعداً عاطفياً أكبر، تسند مهمة اخراج الفيلم الى المكسيكي الأصل «لويس ماندوكي» الذي عرف بتجاربه العامرة بالعواطف والأحاسيس وله في هذا الجانب أفلام «أصوات بريئة» و«عيون الملاك» و«من أجل حب امرأة واحدة» (اندي غارسيا وميغ ريان).

في فيلم «رسالة في زجاجة» البطولة كانت من نصيب كيفين كوستنر وروبين رايت وبول نيومات. ولعل هذا الثلاثي كل منهم في تلك الفترة التي أنجز بها الفيلم كان يمثل حالة من التفاعلات، فهذا كوستنر الباحث عن الأمان النفسي بعد كم من الأفلام التي لم تحقق نجاحات تؤكد مقدرته بعد «الرقص مع الذئاب» بالإضافة الى كم من العلاقات العاطفية التي سرعان ما أن تنتهي قبل أن تبدأ، وايضاً هنالك روبين رايت (بين) التي كانت يومها تعيش تجربة مع زوجها السابق شون بين، والتي ظلت تجاهد على أن تبقى قائمة، ولكن البدايات ومشاكلهم حتمت بتلك النهايات القاسية.

أما الكبير الراحل بول نيومان، فكان نموذجاً للنجومية والعلاقة الأسرية المستقرة الى جوار رفيقة دربه جوان ودورد، واللذان استمرت علاقتهما لأكثر من 50 عاماً، حتى وفاته. ولهذا السبب تمت الاستعانة به وبدور رئيس، لأنه يبقى نموذجاً لنجوم هوليوود والاستقرار الأسري.

والآن، دعونا نطفئ الأضواء، لتضيء شاشة «النهار» اضواء فيلم «رسالة في زجاجة» حيث ذلك الفيلم الذي يغرق في كم من المعادلات، التي تنطبق من الاخلاص للذكرى، وفضاء الحب الجديد الذي لا يلغي الماضي بل ينطلق منه الى حياة وأمل ومستقبل جديد، فمن يمتلك الحب يزرعه.. وينشده.. بكل سخاء واخلاص.

يبدأ الفيلم من خلال عثور الصحافية «تريسا اوزيون» (تجسدها روبين رايت) رسالة في زجاجة تتقاذفها الأمواج على الشاطئ، فإذا بتلك الرسالة تأتي مشحونة بالحب والأحاسيس العذبة مع الاعتزاز الرقيق من رجل الى امرأته المعشوقة كان الموت قد غيبها، وقد حملت تلك الرسالة شعوره بالذنب عن اشياء وافعال كان يجب ان يقولها عندما كانت زوجته على قيد الحياة. وهو يعبر لها من خلال تلك الرسالة عن احاسيسه التي من النادر أن يقدمها رجل لامرأة.

تأخذ الصحفية بتلك الشحنة العالية من العاطفة التي حملتها الرسالة، فتقوم بنشرها في الجريدة لتفاجأ بأنها تتلقى عدة آلاف من الرسائل من نساء، من أنحاء الولايات المتحدة، سحرن بطريقة الرجل في التعبير عن أحاسيسه ومشاعره تجاه زوجته بعد رحيلها. وتتساءل جملة النساء عما إذا كان مثل هذا الزوج لايزال موجوداً، وهن من يعاني من عجز ازواجهن عن التعبير.. والافصاح.. والبوح عن مشاعرهم اتجاههن بتلك الرقة العالية، وبذلك الكم من المفردات السخية بالأحاسيس والمشاعر.

أمام تلك الأصداء التي خلقتها تلك الرسالة من ردود ورسائل، ساهم في أن تبدأ تلك الصحفية مهمة البحث عن كاتب الرسالة، بالاستعانة بكم من الخبراء، لمعرفة من أين جاءت تلك الرسالة.. نوعية الورق الذي كتبت به، بل ونوعية الآلة الطابعة وفي أي مكان بيعت ووزعت، ومن قبلها نوعية الزجاجة الخضراء والأماكن التي وزعت بها.

في تلك الفترة بالذات، تأتي المفاجأة، من احدى القارئات، التي تزود الصحافية برسالة اخرى عثرت عليها بذات الطريقة اتضح ان الزوجة المتوفاة هي من كتبتها وأودعتها في زجاجة وألقت بها في البحر قبيل وفاتها... بل يبدو ان الزوج انما تعلم الفكرة اصلا من زوجته التي كتبت قبل ان تودع العالم معبرة عن الامتنان للقدر الذي هيأ لها ذلك الزوج الرائع الذي منحها كل هذا الحب، متمنية ان يقدر للآخرين تجارب حب عظيمة متشابهة.

وتخوض الصحافية رحلة بحث طويلة، تنجح خلالها في الوصول الى كاتب الرسالة، وهي اذ تلتقيه سرعان ما تقع في غرامة استجابة لنداء خفي في نفسها حدثها بان رجلا بهذه العذوبة لا يمكن الا ان يحب. وهنا يبدأ التجاذب العنيف عند الرجل بين الاخلاص لذكرى زوجته الراحلة التي أحبها وأخلص لها، وبين المرأة الجديدة التي ظهرت في حياته، والتي كان يكابر في الاعتراف بانه هو الآخر يبادلها الحب.

رحلة تجعلنا نعشق تلك البلدة الصغيرة في ويلمينفتون، وتلك العلاقات الانسانية التي تحيط بذلك الرجل العاشق، والذي ظل وفيا لحبه... وزوجته... وايضا العلاقات التي تحيط به، من بينها علاقته مع والده دوج بلاك (بول نيومان)، حيث تلك الحوادث المشبعة بالرقي الانساني، في العلاقة بين الأب وابنه والابن وابيه.

رحلة في عوالم الانسان وأحاسيسه، حول علاقة وان غيب أحد أطرافها، الا انها ظلت عامرة في ذات الآخر، ورحلة في عوالم صحفية ذهبت الى التجربة، وهي تبحث عن ذلك الحب الذي سمعت وقرأت عنه ولم تعشه في زمن الماديات واللهاث والتعب وراء الشهرة والمال.

انها تضحي بكل ذلك، من أجل الحب، الذي تراه في ذلك الرجل الذي نقرأ حروفه وكلماته الشذية بمفردات العشق الانساني.

وحينما يأتي اللقاء، يظل هو مصلوب الى الاخلاص لتلك الذكرى، في مواجهة كل شيء حتى ذلك الحب الجديد، الذي فتحت امامه أبوابه من خلال تلك الصحفية الشابة، التي جاءت تبحث عن الحب المفقود... وحينما تعثر عليه لا يأتي البوح ولا يأتي التصريح، ولهذا فهي تبذل جهدا كبيرا من أجل الانتقال الى الخطوة التالية وهي البوح، للخلاص من هيمنة حب كبير... الى آخر... يعمق الاحساس بالمحبة... فمن يمتلك الحب لا ينساه... بل يرحل معه الى فضاء آخر... يزرع الحب... وينشره.

ونشير هنا الى ان روبين رايت، جسدت الدور بكثير من العمق، لانها كانت تذهب الى الشخصية وهي تعاني الكثير من علاقتها مع زوجها السابق النجم شون بين، الذي استمرت معه (13) عاما، تحاول خلالها ان تبقي على ذلك البيت الذي فارقة الحب فكانت النهاية.

في رصيد روبين رايت العديد من الاعمال السينمائية المهمة والتي درجت من خلالها على تقديم دور المرأة التي تمتلك المقدرة على مواجهة قدرها وألمها ومن تلك الاعمال نشير الى «منزل في نهاية العالم»، ونيويورك أنا أحبك، ومن قبلها دورها الجميل في فيلم «نورست غامب» امام توم هانكس.

ويبقى ان نقول..

الأفلام الكبيرة، حينما نشاهدها لا تفارقنا... ومن تلك الأفلام «رسالة في زجاجة» الذي يعتمد على نص روائي عبق بالمحبة، وفيلم شذي بالمفردات والصور والوجوه والشخصيات، في بحث يعتمد الاخلاص للذكرى... والأمل بحب جديد... فما أروع الأمل.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

07/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)