حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«فندق بيروت» لدانييل عربيد يُعرض اليوم للمرّة الأولى دولياً في لوكارنو

رحلـة فـي الجغرافيـا والـذات والفضـاءات المفتوحـة

نديم جرجورة

أنهت المخرجة اللبنانية الشابّة دانييل عربيد (مواليد بيروت، 26 نيسان 1970) فيلمها الروائي الطويل الثالث «فندق بيروت». الثانية بعد ظهر اليوم بتوقيت سويسرا، يُعرض الفيلم للمرّة الأولى دولياً. المناسبة: اختياره في المسابقة الرسمية الدولية للدورة الرابعة والستين (3 ـ 13 آب 2011) لمهرجان لوكارنو. قصّة الفيلم تكاد تكون عادية، شكلاً على الأقلّ: لقاء بين مغنية لبنانية تُدعى زُها (دارين حمزة) ومحام فرنسي يُدعى ماثيو (شارل بيرلينغ)، ذات ليلة من ليالي بيروت. التفاصيل القليلة المنشورة عن الحبكة، أوحت أن خلفية كل واحد من الطرفين مليئة بالتناقضات، أو بالحكايات الخاصّة. المغنية تعاني آثار طلاق حديث الصُنعة. المحامي منشغل بمسائل قانونية في العاصمة اللبنانية. لا شكّ في أن لقاء كهذا قابلٌ لأن يكون مدخلاً إلى عوالم ومتاهات. إلى ما يُشبه «خريطة» متعدّدة الوجوه والأنماط. خريطة مفتوحة على بلد ومجتمع وناس وفضاءات إنسانية متنوّعة. دانييل عربيد بارعة في تفكيك الواقع المجتمعيّ والإنساني لشخصياتها وفضاءات المدن التي تختارها كأمكنة لأحداث درامية، أو كحيّز مفتوح على أسئلة ملتبسة ومعلّقة. دانييل عربيد بارعة في رسم ملامح الإرهاق الذاتيّ الذي يعتمل داخل فرد، في علاقته بنفسه، كما في علاقته بالآخرين. في علاقاته المفتوحة، هي أيضاً، على تحدّيات وأسئلة تكاد لا تنتهي.

حرفية

«فندق بيروت» امتدادٌ لحرفية الاشتغال السينمائي، الذي صنعته دانييل عربيد في فيلميها الروائيين الطويلين السابقين «معارك حبّ» (2004) و«رجل ضائع» (2007). امتدادٌ لاشتغالاتها الأخرى، في أفلام روائية قصيرة ووثائقية: «ردم» (1998) مثلٌ أول. «أحاديث صالونية» (2004) مثلٌ ثان. لن تقف عربيد، في «فندق بيروت»، عند المشهد الأمامي للحكاية الأصلية. لن تقف عند تفاصيل القصّة العادية. اللقاء بين شخصين بداية لمسار درامي، لا شكّ في أنه متوغل في ثنايا الألم الفردي، وذاهبٌ إلى أعماق التبدّلات الحاصلة، هنا وهناك. لن تقف عربيد، في جديدها هذا كما في أفلامها السابقة، عند حدّ واحد ومحدّد. تميل هي إلى لعبة مرايا، بدت أوضح اشتغالاً في «رجل ضائع» منها في «معارك حبّ» مثلاً. شخصياً، أميل إلى فيلمها الروائي الطويل الأول «معارك حبّ». أميل، أيضاً، إلى «ردم». الرحلة الداخلية كمرآة للمحيط الضيّق أساساً، سمة أولى. الإضاءة على تفاصيل صغيرة تكاد لا تهمّ إلاّ صاحبتها، سمة ثانية. السبب؟ هذه تفاصيل تأخذ مُشاهدها إلى ما هو أبعد من اللحظة الراهنة. إلى ما هو أبعد من المباشر. «أحاديث صالونية» جزء من مسار سينمائي أتقنت دانييل عربيد صنعه، جاعلة إياه ركيزة تُلحّ عليها لمزيد من التفكيك وإعادة التركيب: تفكيك الوقائع والمعطيات والأحاسيس، وإعادة تركيب المُفكَّك في صوغ درامي متناسق وارتباكات الواقع ومتاهاته.

«حدود» (2002)، فيلمها الوثائقي المشغول بقراءة الواقع العربي المحيط بفلسطين، يبقى أقلّ أفلامها أهمية سينمائية: ضياع الفكرة وسط ارتباك الاشتغال البصري. لكن هذا لا ينتقص من أهمية ما فعلته في أفلامها الأخرى: أقصد قدرتها الفكرية والجمالية على التفكيك وإعادة التركيب. مثلٌ أول: «معارك حبّ». إنها الحرب اللبنانية. أو بالأحرى أحد فصولها الدموية. التقوقع الدرامي في بقعة جغرافية واضحة المعالم الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، أداة سينمائية لفهم حالات وتحوّلات. التأثّر بالمحيط الخاصّ بالمخرجة السينمائية نفسها مفتاح لمعاينة مسار جماعة، وقدرها المحتوم في الانخراط باللعبة القذرة للحرب اللبنانية إلى أقصى حدّ. المعطيات المتوافرة: عائلة وحرب أهلية وسقوط في لجّة الجحيم. الجحيم هنا متعدّد الأشكال: جحيم الحرب أولاً. لكن هناك أيضاً جحيم العائلة. الانفصال بين الداخل والخارج مستحيل الحدوث. إنها الحرب. وهذا يعني التفكّك الذاهب بالنصّ السينمائي إلى إعادة بلورة الحكاية من منظور ذاتيّ بحت. قيل مراراً إن السينما «تصفية حسابات». أي أن المرء يذهب إلى السينما لتصفية حساباته الشخصية: مع ذاته، مع محيطه، مع تاريخه، مع مكانه. «معارك حبّ» جزء أساسيّ، بالإضافة إلى «أحاديث صالونية»، في عملية «تصفية الحسابات» هذه. أو هكذا يُخيَّل إليّ، على الأقلّ.

اختلاف

الاختبار الروائي الطويل الثاني مختلف، قليلاً. أكاد أقول إن «رجل ضائع» نسخة روائية عن فيلمها الوثائقي «حدود»: الجغرافيا المختارة هي نفسها في الفيلمين. الرحلة، شكلاً على الأقلّ، هي نفسها أيضاً. في الوثائقيّ، نوعٌ من ضياع سينمائي في معرفة أدوات التعبير والعمل بها. هنا، سياسة وحدود جغرافية وثقافية. هنا، سلطات واحتلال إسرائيلي لفلسطين أرادت عربيد إلقاء نظرة عليه من خلال أبناء البلدان المحيطة بالجغرافيا الفلسطينية. في الروائي، الإمعان في لعبة المرايا بين الرحلة الجغرافية والتصوير الفوتوغرافي والهوس الجنسيّ، أداة لمواكبة وقائع العيش على الحدّ الواهي بين الواقع والمتخيّل. غالب الظنّ أن الجوهر الفعلي للعبة المرايا في الفيلم هذا منعقدٌ على ثنائية الصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية. قيل إن لعبة الثنائية هذه محتاجةٌ إلى اشتغال بصري أقوى لغة وتعبيراً. أي أن هناك ارتباكاً ما في المعالجة الدرامية للعبة. هذا قول نقدي. أميل إلى الاعتقاد أن اللعبة نفسها انعكاسٌ انفعاليّ للارتباك المعتمل في ذات المصوّر الفوتوغرافيّ الباحث عن أشياء كثيرة، من دون القدرة على بلوغ لحظة الوضوح المطلوب. أميل إلى الاعتقاد أن دانييل عربيد تقصّدت ارتباكاً كهذا، كامتداد لقلق فكري وإنساني ودراميّ إزاء اتّساع الجغرافيا المختارة والثقافات المنبثقة منها.

هناك سمة أساسية تتبدّى واضحة في ثنايا النصوص الدرامية الخاصّة بالعمل السينمائي لدانييل عربيد: الرحلة. أكاد أقول إن هناك هوساً شخصياً للمخرجة بها. لا همّ إن كانت رحلة في الجغرافيا، أم في الذات. رحلة في التاريخ أم في الحرب (أحد أفضل أفلامها الوثائقية عن الحرب اللبنانية، حمل عنوان «وحدي مع الحرب»، أنجزته في العام ألفين). الرحلة مدخلٌ إلى عوالم كثيرة، يُمكن للسينمائية تكثيف حضورها في المبطّن الخاصّ بالمعالجة الدرامية. «ردم» نموذج أول. الفيلم القصير هذا تقديم سينمائي جميل للسمة هذه. رحلة البحث عن مكان وذاكرة. كأن عربيد أرادت، من بين أمور عدّة طبعاً، أن تُقدِّم اشتغالها السينمائي المقبل كجزء من الهوس بمفهوم الرحلة ومتاهاتها. أليس النصّ الدراميّ لـ«ردم» مثلاً، ولـ«معارك حبّ» و«وحدي مع الحرب» و«أحاديث صالونية» أيضاً، معقودٌ على مفهوم الرحلة؟ أي مفهوم البحث عن أمور ضائعة أو مفقودة أو تائهة، وسط انشغالات العالم المحيط بالشخصية الرئيسة (هل يُمكن اعتبار الشخصيات الرئيسة صُوَراً متعدّدة لدانييل عربيد؟) بأمور وتفاصيل ومتاهات خاصّة به، أي بهذا العالم الشاسع المحيط بالشخصية الرئيسة الطالعة منه، أو القادمة إليه؟

أما «فندق بيروت»، فالعرض الدولي الأول له مناسبة لاستعادة نماذج سينمائية سابقة لدانييل عربيد، في سياق البحث النقدي في مفاتيح اشتغالاتها البصرية. مناسبة لإعادة مُشاهدة أفلام لها، شكّلت منعطفاً في التجربة السينمائية اللبنانية والعربية، بقدرتها على الكشف والتعرية. بقدرتها على الذهاب إلى الحدود القصوى في لعبة المرايا الفاضحة بيئة وأناساً وحالات وتبدّلات. بقدرتها على الحفر عميقاً داخل البُنى النفسية والاجتماعية والانفعالية لهذه البيئة، ولناسها وحالاتها وتبدّلاتها أيضاً. غالب الظنّ أن «فندق بيروت» لن يبتعد كثيراً عن هذا المناخ المفتوح على أسئلة كثيرة مطروحة في أفلام سابقة لدانييل عربيد، لا تزال أجوبتها معلّقة في ذاكرة جماعية مثقوبة، وفي راهن جماعي تائه ومجروح.

السفير اللبنانية في

04/08/2011

 

الحب والحب... وأيضاً الحب [4]

من أودري هيبورن وركس هاريسون

سيدتي الجميلة... الحب من برنارد شو إلى جورج كيكور

عبدالستار ناجي  

رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة... والاستمتاع.

حينما اراد المخرج جورج كيكور ان يقدم فيلماً عاطفياً رومانسياً لم يجد امامه سوى نص مسرحية «بجماليون» للكاتب الايرلندي برنارد شو.. والتي كانت يومها تقدم على مسارح برودواي تحت عنوان «ماي فير ليدي» فكان ان اتفق مع فريقه الانتاجي لتحويل ذلك العرض المسرحي الى فعل سينمائى عامر بالموسيقى وبمفردات الحب حيث الهيام بمن نحب عبر تلك الحكاية السرمدية الخالدة. ونشير هنا الى ان «بجماليون» هي مسرحية شهيرة جداً للكاتب الايرلندي الساخر برنارد شو، وهي جزء من الأساطير الإغريقية. حيث إن بجماليون هو النحات الذي صنع تمثالاً لفينوس، ثم وقع في حبه حتى كاد يموت من الوله. أي أن عقدة بجماليون هي عقدة أي شخص يصنع شيئًا ثم يهيم به حبًا. هكذا هو المحور الرئيس لجملة الاعمال التي انطلقت لاحقا سواء التي اعتمدت على النص الاصلي او الفيلم الذي حمل توقيع جورج كيكور. وقد لاقت المسرحية نجاحاً كبيراً مع معالجة برنارد شو العصرية.

ونذهب الى عام 1964 حينما شرع جورج كيكور في تقديم تحفته الخالدة فيلم «سيدتي الجميلة» عن تلك المسرحية الشهيرة.

الفيلم منذ المشهد الاول يعتمد على المسرحية الغنائية التي قدّمت في برودواي في الفترة ذاتها تقريبا وقد حقق نجاحاً مذهلاً.. بل انه يعتبر احد التحف الخالدة في ذاكرة السينما العالمية.

والآن دعونا نطفيء الاضواء الى حيث الفيلم والحكاية التي ترصد قصة خبير الصوتيات المتحذلق عدو المرأة البروفيسور «هجنز» والذي يجسد شخصيته النجم الراحل ركس هاريسون.. إنه يؤمن بأن هناك جريمة شنعاء تُرتكب ضد اللغة الإنكليزية يومياً، في حين العرب -على سبيل المثال - يحافظون على لغتهم فليتنا نتعلم منهم.. انها احدى الجمل الاساسية التي تأتي على لسانه في الفيلم وايضا النص المسرحي الاستعراضي.

يقابل «هيجز» الفتاة «إليزا دوليتل» وتقدمها النجمة أودري هيبورن الزهرة الرقيقة النامية وسط الأوحال، وبين عصابات الشوارع وأبيها السكيرالفوضوي.. إنها تتكلم أفظع لغة إنكليزية يمكن حيث تستبدل الكثير من الحروف ما يعطي في احيان كثيرة معاني مختلفة ولربما متناقضة.

عندما تذهب الفتاة إليزا للبروفيسور تطلب منه أن يعلّمها النطق الصحيح، فإن التحدي يبدو مستحيلاً. تعرض أن تدفع له شلناً.. إنه معتاد على تقاضي أعلى الأثمان، لكنه لم يتلقّ قط عرضا كهذا.. أن يقدم له أحدهم كل ما يملك هذا إغراء شديد. فهي لا تمتلك سوى ذلك الشلن الذي يمثل كل ثروتها.

ونذهب الى عوالم تلك الشخصيات عبر التحليل والدراسة بالذات في مشهد تعليم اصول النطق واللغة. إن مشاهد تعليم الفتاة ذات اللسان العصيّ تمثل عذاباً حقيقياً لها وللبروفيسور، لكنها متعة حقيقية للمشاهد. لقد صارت تكرهه بجنون، وتتمنى أن يموت فعلاً. وفي واحدة من أجمل أغاني الفيلم توجّه له السباب وتتوعده وهو لا يراها طبعاً، وتتخيل أن ملك إنكلترا سيحبها، فتكون أول رغبة تطلبها منه هي أن يقطع رأس هنري هيجنز.. سوف تندم يا هنري هيجنز بعد فوات الأوان.. فقط انتظر! ونشير هنا الى ان جورج كيكور اصر على ان تؤدي هيبورن هذه الاغنيه فقط بصوتها من اجل اعطاء الفيلم والشخصية كثيراً من المصداقية والعمق. في حين بقية الاغاني قدمتها المطربة الكبيرة مارني نيكسون .

وتمضى الاحداث الى لحظة المواجهة حينما يعتقد هيجز انه لن ينجح في مهمته وان هذه الفتاة لا يمكنها ان تتعلم حتى النطق بالجملة المحورية وهي :

The rain in Spain stays mainly in the plains

وتعني: المطر في إسبانيا يبقى أساساً في الوديان.

وهي جملة مصممة لتدريبها على نطق الحروف التي تجد نطقها مستحيلاً. وهكذا تنزاح الغمة.. حيث يجد ذلك المدرس والاستاذ المتحذلق والمتعجرف نفسه في ورطه كبرى حينما يسقط في هوى من يدرس ويعلم ومن صنع اصلا.

هنا يبدي البروفيسور رقة زائدة نحوها، مما يوقع الفتاة في غرامه.. وتقضي ليلتها غارقة في الأحلام..

ويبدأ المدرس او البروفيسور في تطوير العلاقة مع تلك النسمة الجميلة التي دخلت حياته حيث يأخذها لسباق صيد الخيول في أسكوت، لتختلط بالطبقة الراقية الثرية. حيث يأخذنا المخرج الفذ جورج كيوكور الى عوالم تكل الطبقة من خلال لوحات مذهلة للأزياء الأرستقراطية، مع حذلقات تلك الطبقة الراقية كأننا نرى طواويس مغرورة لا بشراً.. وجوه باردة متعالية لا تعكس أي انفعال، برغم أنهم يتحدثون عن توترهم الشديد قبل السباق.

تسحر إليزا «الجميلة الرقيقة أصلا» المجتمع الراقي بأناقتها ولهجتها. يقع شاب ثري في غرامها، لدرجة أنه يمر كل ليلة أمام دارها مغنياً.

تعود لبيت البروفيسور، لتجد أنه يحتفل بأنه حوّل فتاة جاهلة مثلها إلى شيء راقٍ.. المشكلة أن أحداً لا يبالي بها على الإطلاق.. كأنها مجرد شيء، أو كأنها قرد تمكّنوا من تعليمه الكلام. هكذا تدرك أنها كانت واهمة عندما حسبت أن مدرسها لم يكن يحبها.. لقد صارت مسخًا لا ينتمي للطبقة الراقية، ولا يستطيع العودة لطبقته الأصلية.

عندها تخرج من الدار عازمة على شيء من المواجهه ولربما الانتقام من الحالة التي وصلت اليها ، لتقابل ذلك الفتى العاشق يمشي في شارعها مترنماً كالعادة، وفي لقطة من أجمل لقطات الفيلم تنفجر فيه صارخة:كلمات.. كلمات.. ليس لديكم سوى الكلمات.. أتلقى كلمات طيلة اليوم سواء منك أو منه.. هذا كل ما تستطيعون عمله.

وفي خط متواز للاحداث نجد بأن ذلك البروفسور المتحذلق قد سقط في حبها ولم يعد يقدر على فراقها لكن لقد وقع في غرامها فعلاً.. اعتاد وجهها واعتاد وجودها في حياته.. هكذا ينتهي الفيلم به وقد استعادها لتكون زوجته.. بعد ان يصارحها بحبه الكبير لها وانه في الوقت الذي غيّر حياتها فإنها في الحين ذاته غيّرت كل شيء في حياته بما في ذلك اسلوبه في الحياة والتعامل.

وهنا نشير الى ان هذه النهاية خاصة بالفيلم فقط وليس بالنص الاصلي او حتى العرض الاستعراضي في برودواي وهذه نهاية سينمائية تختلف عن نهاية المسرحية. فمن المعروف أن برنارد شو كان يكتب أكثر من نهاية لبعض مسرحياته، وقد قدّر هو أنها فتاة ذكية عملية ولن تفوت فرصة الزواج من الشاب الثري الوسيم الذي يهيم بها. أما البروفيسور فلا جدوى منه على الأرجح.

وقد حصل الفيلم على ثماني جوائز أوسكار، هي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل تصوير وأفضل صوت وأفضل موسيقى وأفضل إخراج فني وأفضل تصميم أزياء.

والآن تعالوا وبمناسبة الفيلم نتحدث ايضا عن نجمته أودري هيبورن: أودري كاثرين هيبورن روستن ولدت في مايو 1929 في بروكسل في بلجيكا، وقد كانت وحيدة ابويها، المصرفي الايرلندي والارستقراطية الهولندية.

فارق الاب العائلة وهي لاتزال شابة في مقتبل العمر فاختارت الحياة مع امها بارنهام في هولندا.

خلال الحرب العالمية الثانية وقعت ارنهام تحت الاحتلال الالماني وكانت تعاني من ندرة الطعام والوقود فلجأت هيبورن الى أكل نبات التواليب ما عرضها للأصابة بعدة أمراض.

وذلك ما جعلها تهتم بتقديم العون للأطفال في البلاد الأشد فقرا عندما اصبحت سفيرة خاصة لصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة - اليونيسيف -.

الأديبة الفرنسية كوليت هي التي يعود لها الفضل في اكتشاف مواهب هيبورن، حيث اختارتها لأداء دور فتاة شابة وناضجة وسعيدة تعيش في باريس في مسرحية كتبت كوليت نصها بنفسها.

عرضت المسرحية في برودواي في نوفمبر 1951 وفازت هيبورن بجائزة المسرح العالمي في أول ظهور لها على المسرح، ما قادها في عام 1953 الى لعب دور البطولة كأميرة لعوب في كوميديا كلاسيكية رومانسية بعنوان «عطلة لاتينية» حصلت بفضلها على جائزة الاوسكار الاولي والاخيرة.

كذلك لعبت ادوار رئيسة في فيلم «سابرينا» 1954، و«فطور مع عائلة تيفاني»1961 و«فتاتي الشقراء» 1964 ومن اشهر ادوارها دورها في فيلم «سيدتي الجميلة».

جعل تألقها في «فطور مع عائلة تيفاني» منها أشهر رموز السينما الأميركية في القرن العشرين.

بلغ مشوار هيبورن الفني ذروته مع بداية الستينيات وفي سنة 1966 رحلت بصحبة عائلتها الى تولوشينا، وهي قرية صغيرة هادئة في ضواحي لوزان، على ضفاف بحيرة جينيف وقررت اعتزال التمثيل عشرة سنوات تفرغت خلالها لخدمة زوجها الممثل الاميركي مل فيرير وابنها شين.

خلال الخمس سنوات الاخيرة من عمرها، شاركت هيبورن في خمسين رحلة الى السودان وسلفادور وفيتنام واثيوبيا والصومال ضمن بعثات لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة - اليونيسيف -.

بعد صراع مع مرض السرطان توفيت أودري هيبورن ودفنت في تولوشيناوأسس ابناؤها وزوجها روبرت وولدرس صندوق أودري هيبورن.

ويبقى ان نقول ان فيلم «سيدتي الجميلة» هو رحلة الى عوالم الحب حينما نعشق من نصنع ونقدم وحينما تتجاوز تلك العلاقة كل الصيغ الطبقية والاجتماعية.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكوييتية في

04/08/2011

 

صناع السينما نجوم الزمن الجميل (4-26)

محمد كريم .. المخرج الأول

القاهرة - أحمد الجندي  

إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى بالشعبية.

ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.

اختلف نقاد وباحثو ومؤرخو السينما في مصر حول المخرج - محمد كريم - كواحد من أهم رواد السينما المصرية، حيث يرى البعض أن كريم ليس الرائد الأول للاخراج السينمائي، حيث سبقه رواد ورائدات للسينما المصرية تحملن عبء نشأتها وارساء قواعدها ولذلك لا يصح أن يكون هو صانع السينما الأول، بينما يرى البعض الآخر أن محمد كريم هو بالفعل من رواد وصناع السينما الأوائل، فعلى يديه عرفت السينما المصرية بدايتها الحقيقية المؤثرة وأن كل المحاولات السابقة له - مع كل الاحترام لأصحابها - كانت ارهاصات لم ترسي وتضع القواعد الحقيقية لفن السينما في مصر.

لكن الشيء المؤكد الذي لاقي اجماع كل النقاد والباحثين والمؤرخين لهذا لفن هو أن محمد كريم اقترن اسمه كمخرج سينمائي بلقب «الأول» فهو أول مصري يدرس السينما والاخراج السينمائي في أوروبا، وهو أول مخرج يوجد علاقة بين الأبد والسينما من خلال أول أفلامه الذي أخذه عن رواية أدبية شهيرة، وهو أيضاً المخرج الذي انطق السينما المصرية بعد أن كانت صامتة «فهو مخرج أول فيلم مصري ناطق»، وأيضاً هو أول مخرج يقدم فيلم «سكوب ألوان» في السينما المصرية في منتصف الخمسينيات وهو أول مخرج يعود اليه الفضل في السينما الغنائية والتأسيس لهذا النوع من السينما، وهو أيضاً أول من ساهم في تأسيس المعهد العالي للسينما في مصر نهاية الخمسينيات وهو أول عميد له، ولكل هذه الانجازات السينمائية غير المسبوقة وغيرها أصبح محمد كريم من الرواد الأوائل ومن صناع السينما المصرية وهو بالفعل يستحق لقب «المخرج الأول» ولقب «عميد السينما المصرية».

ولد محمد كريم في 8 ديسمبر سنة 1896 بحي عابدين الذي يقع في قلب القاهرة والذي يعد من أحيائها القديمة والعريقة، أما أسرته فهي أسرة متوسطة تشير بعض المصادر أن لها أصولاً تركية، وكان له شقيق أكبر منه اسمه «حسن»، ارتبط كريم في طفولته المبكرة بالفن من خلال تأثره بسماع الموسيقى ثم تطور الأمر معه عندما كان يذهب مع أسرته الى مشاهدة بعض العروض المسرحية والغنائية للفرق المسرحية والغنائية التي كانت موجودة في هذا الزمن المبكر من القرن الماضي، وهنا بدأت الميول الفنية لمحمد كريم تأخذ منحنى آخر، حيث تأثر بشدة بفنون التمثيل والعروض المسرحية وكان عندما يعود الى منزله يبدأ في تقليد الممثلين الذين شاهدهم على المسرح، وأصبح كل حلمه أن يكون ممثلاً وأن ينتمي لهذا العالم الفني الذي يراه.

وتطور معه الأمر سريعاً عندما شاهد السينما لأول مرة فقد أخذه هذا العالم الساحر المتمثل في هذه الصور المتلاحقة المتحركة التي تعرض أمامه في الظلام وهذا ما جعله منجذباً أكثر الى السينما رغم أنها كانت تخطو خطواتها البدائية الأولى، حيث كانت أفلامها صامتة وقصيرة والمشاهد سريعة ومتلاحقة، وأصبحت السينما جزءاً من الزاد اليومي لمحمد كريم فكل يوم لابد وأن يذهب الى السينما لمشاهدة ما تعرضه حتى ولو شاهد الفيلم نفسه لعدة مرات، وبالطبع وسط هذا الاعجاب الساحر بالسينما لم ينسى حبه لهواية التمثيل وغرامه الشدية بكل ما يمت للفن بصلة.

وأثناء دراسته الابتدائية يلتقي بـ «يوسف وهبي» بعد أن انتقلت أسرة يوسف من الصعيد الى القاهرة وسكنت في حي عابدين الذي تسكنه أسرة محمد كريم، ومنذ اللقاء الأول جمعت الصداقة بين كريم ويوسف ليصبح صديق طفولته وصباه و«صديق عمره» فيما بعد وقد جمع حب الفن بينهما بصورة غريبة وأغرى كريم صديقه بمشاهدة السينما وبدأ يوسف بدوره يعجب بهذا الفن الساحر ومن وقتها دأبا الصديقان على متابعة كل الأفلام التي تعرض في دور السينما، وقتها كانت أهم دور السينما التي يذهب اليها مع صديقه يوسف وهبي في ذاك الزمان سينما «الكوزموجراف الأميركاني» بشارع عماد الدين وكانت معظم الأفلام وقتها لا تزيد فترة عرضها على 10 دقائق أو 15 دقيقة ويعرض في البرنامج الواحد من «8-10» أفلام قصيرة معظمها فكاهية لنجوم أجانب مثل «ماكس ليندر وتوتو وماكسينيت وفرنشيسكا برتيني وجون سنكلر».

ولم يكتف محمد كريم بذلك بل انه خصص غرفة في منزله غطى جدرانها بصور من اعلانات سينما «ايديال وأوليمبيا» التي أصبح يرتادها أيضاً وكذلك وضع على الجدران صور لنجوم ونجمات هذه الأفلام والأهم من ذلك أنه اشترى الكتيبات البوليسية وقرأها وهو يفكر في تحويل هذه الروايات الى أفلام وكان عمره في ذاك الوقت لم يتجاوز الـ 15 عاماً، بل انه من شدة عشقه للسينما ذهب الى أبعد من ذلك، حيث قام مع صديقه يوسف وهبي بشراء آلة عرض سينمائي صغيرة جمع ثمنها من الاقتراض من أصدقائهم وأشقائهم، وفي غرفة في منزل يوسف أخذوا يعرضون بعض الأشرطة السينمائية التي استأجروها من عامل سينما أوليمبيا الذي أصبح صديقاً لكريم وكانوا يدعون الصبية والأطفال لمشاهدة هذه الأفلام مقابل «2 مليم» للفرد وما أن سمه والد يوسف وهبي بما يحدث في منزله غضب بشدة وهدم لهم دور العرض السينمائي الصغير وكان نصيب محمد كريم «قرصة أذن» من والد يوسف، أما يوسف فنال علقة ساخنة من والده.

لم تثني هذه الحادثة محمد كريم وصديقه من متابعة الأفلام السينمائية لكنهما انضما الى العديد من «فرق الهواة المسرحية» التي كانت سائدة في ذاك الوقت في النصف الأخير من العقد الثاني من القرن الماضي ومنها فرقة أنصار التمثيل وفيها قام كريم بالتمثيل في بعض الأدوار الصغيرة، لكن في هذا الوقت حدثت حادثة أثرت بشدة في محمد كريم، وذلك عندما كان يسير مع يوسف وصديق ثالث لهم هو مختار عثمان الذي أصبح فناناً مسرحياً وسينمائياً كبيراً بعد ذلك، كان الثلاثة يسيرون في شارع عماد الدين وشاهدوا عربات فخمة تجرها جياد ومطهمة والناس في الشارع قد وقفوا على الجانبين ليشاهدوا هذا الموكب الذي بدا وكأنه موكب السلطان ثم سرعان ما عرفوا أن التي في هذه العربة الملكية التي تجرها الخيول هي فنانة المسرح الفرنسية الكبيرة «سارة برنار» وأن هذا الموكب الضخم كان تكريماً لها عندما استضافها «الخديوي عباس» مع فرقتها المسرحية لتقدم بعض العروض المسرحية في مصر، أثرت هذه الحادث بشدة في محمد كريم ويوسف وهبي لأنهما أدركا مدى احترام الفن والفنانين في أوروبا والغرب في الوقت الذي يلقي بها الفنانين في مصر كل ازدراء واحتقار.

لم يمضي وقت طويل حتى كان محمد كريم قد فكر وقرر السفر الى أوروبا لدراسة السينما وشجعه على ذلك صديقه يوسف وهبي الذي سبقه وسافر الى ايطاليا لدراسة فن المسرح وشجعه أيضاً الحادثة التي أشرنا اليها ورؤيته للاحترام الذي تلقاه «سارة برنار» وأيضاً لادراكه أنه لا أمل له في أن يقدم فناً وسينما حقيقية في ظل الأوضاع الفنية السائدة في مصر وقت ذاك، وبالفعل يسافر محمد كريم الى ايطاليا ليلحق بصديقه يوسف وهبي ولكي يدرس السينما هناك وكان هذا في 21 ابريل عام 1921، وفي ايطاليا لم يجد كريم ضالته التي ينشدها وهي دراسة السينما حيث وجد كل الفنون تتجه بشكل أكبر الى المسرح وهو ما يتوائم أكثر مع يوسف وهبي وميوله المسرحية، لكن كريم لم ييأس ويقرر العودة الى مصر، فبعد عدة شهور قضاها في ايطاليا يحاول دون أن يعثر على ما يريده يقرر أن يسافر الى ألمانيا حيث كان هناك بعض أصدقاء طفولته الذين سافروا ليدرسوا الطب والهندسة.

وبالفعل يسافر محمد كريم الى ألمانيا، حيث وجد الظروف أفضل كثيراً هناك أصدقاؤه يسروا له الاقامة وأرشدوه الى دور السينما والاستديوهات وفي استديوهات شركة «أدخا» السينمائية يدرس كريم الاخراج السينمائي وكل فنون السينما على يد المخرج الألماني الكبير «فريتس لانج» وأصبح مساعداً لهذا المخرج الكبير في العديد من أفلامه ولم يكتفي بذلك بل أخذ دورات تعليمية في فن كتابة واعداد السيناريو والمونتاج والتصوير في العديد من المعاهد السينمائية هناك، ولم يكتفي بذلك أيضاً فعندما وجد الفرصة متاحة أمامه لاشباع هواية التمثيل شارك في العديد من الأفلام كممثل بالاضافة الى عمله كمساعد للاخراج والغريب أنه بعد أربعة سنوات حصل على عضوية نقابة الممثلين الألمانية تحت رقم «444» وكان هذا في عام 1924 وبدأ يحقق نجاحاً هائلاً في السينما الألمانية كممثل وكمساعد للاخراج والمونتاج والتصوير، لكنه ورغم كل هذا النجاح يقرر أن يعود الى مصر لأنه قرر أن يكون بلده ووطنه مصر هي المكان الذي يبدأ فيه حياته كمخرج سينمائي ورفض الاقامة الدائمة والعمل في ألمانيا رغم أن كل الظروف كانت مهيأة له هناك ليستمر، وكان دافع محمد كريم في ذلك احساسه بوطنيته وأنه لابد أن يؤسس لبداية حقيقية للسينما في مصر التي كان يسيطر عليها المخرجين والفنيين الأجانب وكان هو يريد أن تكون السينما المصرية سينما تقوم على الفنانين المصريين.

في 28 أغسطس سنة 1926 عاد محمد كريم الى مصر ومعه زوجته الألمانية التي تزوجها هناك والتي عملت مساعدة له فيما بعد في الكثير من أفلامه، عاد الى مصر بعد 5 سنوات قضاها في ألمانيا تعلم خلالها الاخراج السينمائي وكل فنون السينما، وفي عام 1928 أخرج فيلماً تسجيلياً عن حدائق الحيوان لشركة مصر للتياترو والسينما وظل كريم يفكر في أول فيلم سيقدمه كمخرج، فهو لا يريد أن يكون فيلمه الأول مشابهاً لكل الأفلام السينمائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي لم تكن تتميز بالحبكة السينمائية ولا بالحرفية اللازمة وكانت كلها أو غالبيتها اجتهادات تحسب لصانعيها ولكنها لا تؤسس لنهضة سينمائية حقيقية أو لبداية سينما مصرية واعدة، وكان يشاركه نفس الاحساس والفكر صديق طفولته وصباه يوسف وهبي الذي أصبح نجماً مسرحياً وصاحب فرقة مسرحية رائعة ومحترمة أنشأها بميراثه من والده بعد عودته من ايطاليا، وعندما أنشأ يوسف وهبي «مدينة رمسيس للفنون» في عام 1928 وكان بها استديو للتصوير السينمائي، أبدي محمد كريم سعادته الغامرة بهذا الاستديو الذي يحوي على تقنيات سينمائية حديثة وهذا ما مهد للتفكير الجدي لتقديم سينما مختلفة.

ولم يطل البحث والتفكير فقرر محمد كريم أن يكون صاحب أول علاقة بين الأدب والسينما من خلال فيلم سينمائي مأخوذ عن رواية أدبية وأعجبته رواية «زينب» للأديب «د. محمد حسين هيكل» وكانت أول رواية أدبية مصرية كتبها عام 1910 عن أحداث فعلية وقعت في الريف المصري، وشارك يوسف وهبي صديقه كريم في حماسه لهذا المشروع وذهب الاثنان وقابلا د. هيكل وعرضا عليه المشروع فرحب بشدة وأعطاهما تصريحاً كتابياً بالموافقة على تحويل روايته للسينما بدون مقابل وبدأت التحضيرات الأولى للفيلم منذ ذلك اليوم 10 أكتوبر عام 1928 وبدأ التصوير بعد انتهاء هذه التحضيرات وصورت المناظر الخارجية في أماكن طبيعية في الريف المصري والمناظر الداخلية تم بناء ديكوراتها في «استديو رمسيس» واكتفي يوسف وهبي بانتاج الفيلم الذي قام ببطولته بهيجة حافظ وسراج منير وزكي رستم وعلوية جميل ودولت أبيض، وعرض الفيلم يوم الأربعاء 14/7/1930 بسينما مترو بول بالقاهرة وسينما بالاس بالاسكندرية.

حقق الفيلم نجاحاً هائلاً وكتب النقاد سلسلة من المقالات النقدية تشيد بالفيلم واعتبروا انتاج هذه الرواية في السينما جرأة بالغة تحسب لكريم ويوسف وهبي واعتبروا فيلم «زينب» هو البداية الحقيقية للسينما المصرية وأنه من الأفلام ذات القيمة العالية وله فضل الريادة في تدشين علاقة السينما بالأدب والجدير بالذكر هنا أن هذا الفيلم يحمل رقم «9» في الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية.

لم يمر وقت طويل بعد عرض فيلم «زينب» والنجاح المدوي الذي حققه الا وبدأ محمد كريم في التفكير فيما هو مقبل وفي مستقبل السينما في مصر خصوصاً بعدما وجد أن جمهور السينما قد أصبح عازفاً على مشاهدة الأفلام الصامتة وأصبح لا يقبل عليها بعد أن تعرف على الفيلم الناطق من خلال الأفلام الأجنبية، وبدأ الحماس داخل كريم لتقديم أول فيلم مصري ناطق، وشاركه الحماس صديقه يوسف وهبي وعلى الفور كان التفكير السريع في فيلم «ابن الذوات» وكان هذا الاسم لمسرحية ناجحة كتبها وأخرجها وقام ببطولتها يوسف وهبي لمسرحه «فرقة رمسيس» وتحمس كريم لهذه المسرحية وكتب له سيناريو سينمائي وكتب يوسف الحوار وقرر كريم أن يسند بطولة الفيلم ليوسف وهبي وأقنعه بذلك فقد كان يوسف بعد نجاحه المسرحي الهائل خائفاً من تجربة التمثيل في السينما، وتم ترشيح باقي أبطال الفيلم أمينة رزق وسراج منير، حسن البارودي، حسن فايق، دولت أبيض، كوليت دارفي، وتم التصوير بالقاهرة وتم تسجيل الصوت في استويوهات «بيتسون» في باريس وعرض الفيلم يوم 13/4/1932 وحقق نجاحاً جماهيرياً مدوياً واستقبله جمهور السينما في مصر بحفاوة بالغة كأول فيلم مصري ناطق، وأكدت السينما المصرية من خلال هذا الفيلم قدرتها على مسايرة ركب السينما العالمية بأفلامها الناطقة وقال النقاد في ذلك الوقت «اذا كان يوسف وهبي هو قائد النهضة المسرحية فان محمد كريم هو قائد النهضة السينمائية».

لم يكتف محمد كريم بما حققه من نجاح وما حصل عليه من اشادة من الكتاب والنقاد والجمهور فقرر أن يخوض مغامرة جديدة تفتح آفاقاً أخرى للسينما المصري، ولم ينتظر طويلاً ففي العام التالي مباشرة استطاع أن يقنع الموسيقي والمطرب الأول في مصر وقتها الفنان والموسيقار والمطرب محمد عبدالوهاب بخوض تجربة السينما وكان هدف محمد كريم هو جعل السينما المصرية تغني بعد أن جعلها تنطق والتأسيس هنا للفيلم الغنائي، وبعد تردد وافق محمد عبدالوهاب بعد أن أقنعه محمد كريم بأنه يضمن نتيجة هذه التجربة وهذه المغامرة وكان فيلم «الوردة البيضاء» عام 1933 والذي يعد أول فيلم غنائي تعرفه السينما المصرية وأول ظهور لعبدالوهاب على شاشة السينما وأصبح الجمهور يراه بعد أن كان يستمع فقط الى صوته دون أن يتعرف علي صورته.

وبعد النجاح الهائل لفيلم «الوردة البيضاء» أقبل عبدالوهاب على السينما لكنه اشترط أن يكون محمد كريم هو مخرج أفلامه وبالفعل كان كريم هو مخرج أفلام عبدالوهاب السبعة التي قدمها للسينما بل انه كان المدير الفني لشركة الانتاج السينمائي التي أسسها محمد عبدالوهاب «عبدالوهاب فيلم» والتي أنتجت هذه الأفلام وهي: «الوردة البيضاء» 1933، «دموع الحب» 1935، «يحيا الحب» 1938، «يوم سعيد: 1940، «ممنوع الحب» 1942، «رصاصة في القلب» 1944، «لست ملاكاً» 1946، ولم يكتفي محمد كريم بالنجاح الهائل الذي حققته هذه الأفلام بل يرجع اليه الفضل في أنه قدم للسينما المصرية نجمتين من أهم نجماتها فهو مكتشف فاتن حمامة وقدمها لأول مرة مع محمد عبدالوهاب في فيلمين «يوم سعيد» و«رصاصة في القلب» وأيضاً «ليلى فوزي» التي قدمها في ثلاثة أفلام «ممنوع الحب» و«رصاصة في القلب» و«لست ملاكاً».

ولم يكتف محمد كريم بأفلامه التي قدمها في بداياته مع يوسف وهبي ولا بأفلامه مع محمد عبدالوهاب بل قدم أفلاماً أخرى فقد بلغ رصيده السينمائي ما يقرب من 30 فيلماً من أهمها بالاضافة الى الأفلام التي أشرنا اليها أفلاماً أخرى مثل: «وخز الضمير» 1932 «أصحاب السعادة» 1946، «دنيا» 1946، «الحب لا يموت» 1948، «ناهد» 1952، «جنون الحب» 1954، «قلب من دهب» 1959، هذا بالاضافة الى فيلمين آخرين ربما أكثر أهمية الأول هو فيلم «زينب» الذي أعاده ناطقاً عام 1952 بنفس قصة وأحداثه فيلمه الأول الذي قدمه صامت «كأول أفلامه» عام 1930 لكنه غير في أبطاله فلعب يحيي شاهين بطولة الفيل الناطق ومعه راقية ابراهيم وفريد شوقي، أيضاً هناك فيلم «دليلة» الذي قدمه عام 1956 وحمل معه مغامرة سينمائية جديدة تمثلت في أن هذا الفيلم كان أول فيلم «سكوب ألوان» في السينما المصرية ولعب بطولته عبدالحليم حافظ وشادية وقد ظهر بالألوان لأول مرة وبعد هذا الفيلم خطت السينما المصرية نحو نوعية الفيلم الملون فكان فيلم «رد قلبي» الملون عام 1957 لعز الدين ذو الفقار وبعدها فيلم «أمير الدهاء» لبركات عام 1964 و«الأيدي الناعمة» لمحمود ذو الفقار عام 1963 خير نتاج لهذه التجربة الرائدة التي أسسها المخرج المبدع محمد كريم الذي ظل طوال مشواره الفني يبحث عن كل جديد يثري السينما المصرية ويرفع من شأنها.

ومن هذا الجديد الذي كان يشغله دائماً تأسيسه لـ «معهد السينما» في مصر من أجل تدريس فن السينما وتخريج جيل سينمائي مثقف مسلح بالعلم والثقافة السينمائية، وبالفعل كان أول عميد لمعهد السينما عام 1959 هذا المعهد التابع الآن لأكاديمية الفنون المصرية والذي تخرج منها كبار مخرجي السينما المصرية وفنانيها نذكر منهم المخرجين: خيري بشارة، داود عبدالسيد، علي بدر خان، علي عبدالخالق، مجدي أحمد علي، رضوان الكاشف وغيرهم وغيرهم الكثير، فالتاريخ السينمائي يذكر أن هذا المخرج الرائد درس وتخرج على يديه أجيالاً سينمائية عديدة واكتشف عشرات المواهب الذين أصبحوا نجوماً فيما بعد.

وطوال مشوار هذا المبدع السينمائي الكبير ترأس وشارك في العديد من لجان التحكيم للمهرجانات السينمائية الدولية كما حظي بالتكريم في العديد من هذه المهرجانات ونال العديد من الأوسمة والجوائز كان آخرها جائزة الدولة التقديرية في الفنون بمصر التي منحت لاسمه بعد رحيله في 27 مايو عام 1972 وكان قبلها قد حصل على وسام الفنون من الطبقة الأولى بمصر أيضاً عام 1963، وكما أشرنا في منتصف عام 1972 يرحل عن دنيانا هذا المبدع السينمائي الكبير الذي ارتبط اسمه بالنهضة الحقيقية للسينما المصرية وكان في مقدمة روادها وارتبط اسمه بلقب «الأول» في العديد من انجازاتها.

النهار الكوييتية في

04/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)