حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

روح متوثبة ضاق بها العالم

همنغواي والعطش الســينمائي لأعماله

زياد عبدالله

يحتفل العالم هذه الأيام بمرور 50 عاماً على وفاة الكاتب الأميركي ارنست همنغواي، ما يمنحنا فرصة للعودة إلى تاريخ هذا الكاتب وعلاقته بالسينما، وبما يدفع للقول إنه يحمل علاقة خصوصية مع الفن السابع تضع الباحث في هذه العلاقة أمام حقيقة مفادها أن جميع أعمال همنغواي الروائية حولت إلى أفلام، لا بل معظم أعماله الأدبية، بما فيها قصصه القصيرة، مع تأكيد أنه لم يكتب أبداً مباشرة للسينما، بل اكتفى على الدوام بقبول بيع أعماله لمصلحة تحويلها إلى أفلام، على عكس أغلب معاصريه من كتاب أميركا الكبار، أمثال سكوت فيتزجرلد وجون شتاينبك ووليم فوكنر الذين كتبوا سيناريوهات أفلام.

هذا المضي مباشرة نحو الحقائق لن يمنعنا من غواية المرور أولاً على حياة همنغواي نفسها، التي لها أن تكون سينمائية بامتياز محتشدة بشتى أنواع المغامرات، التي شكلت في النهاية مسيرته الأدبية، بحيث أنها مضت جنباً إلى جنب على شيء كان على اتساق تام مع شهية سينمائيين كثر، وللدقة شركات إنتاج كثيرة قدمت أفلاماً مأخوذة عن أعماله، كونها تخاطب الأشد غواية في النفس البشرية ألا وهو النزوع نحو المغامرة والاكتشاف، ومع ذلك الحب والحرب والثورة وغير ذلك من مفاهيم كبرى قدمها همنغواي في سياق سردي نثري شكل معالم السرد الأميركي المتدفق، وعليه كان لنزوعه الشخصي للمغامرة ارتباط وثيق بالأدب الذي قدمه، مع مزايا ذكورية تنحاز للقوة والفتوة وما إلى هنالك، ما شكل هالة أسطورية لم تفارق هذا الكاتب الذي ارتبط اسمه بالثورة الاسبانية حين ذهب لتغطيتها صحافياً والبحارة والصيادين وصولاً إلى الرحالة المكتشفين في أدغال إفريقيا، وكل ذلك حملته رواياته بعد أن عاشها، إضافة إلى علاقة الصداقة التي ربطته بالزعيم الكوبي فيديل كاسترو، ما وضعه تحت مراقبة الـ«إف بي آي».

بالعودة إلى الذكورة فإن همنغواي في جانب من جوانبه جسد ما له أن يعرف بالجسمانية، حيث للكاتب معه أن يمسي ملاكماً ايضاً، كما هو هوسه بهذه اللعبة وبعضلات مفتولة جعلته على الدوام على هوس بما يعرف بـ«المقارفة» باليد، وبرفقة ذلك تأتي غرامياته الكثيرة التي ترافقت وظروف استثنائية على الدوام، وأفضت به إلى الزواج أربع مرات، وقد أهدى كل زوجة من زوجاته رواية، ولنكون في النهاية أمام انتحاره، وقد وضع حداً ببارودة صيده لهذه الحياة المترامية التي لم يتوقف فيها عن معاينة كل ما تحمله، ولتأتي على النقيض تماماً من كل ما أسلفنا وقدمناه، ولعل تفسيرات كثيرة تظهر من فترة إلى أخرى لهذه النهاية، لن يغيب عنها العامل الجيني، كون والده قد انتحر وكذلك ابنته، هذا إذا اكتفينا بهذا العامل وحده، ولم نقل مثلاً إنها حياته نفسها التي وإن بدت مترامية وحافلة بالأحداث والمنعطفات إلا أنها من شدة تنوعها قد تقودنا إلى أن هذا الغنى آت من قلق واضطراب شديدين، وروح متوثبة سيضيق بها كل شيء في النهاية.

لا يمكن سينمائياً حصر الأفلام الكثيرة التي حملتها الشاشة الكبيرة سواء المقتبسة عن أعماله أو تلك التي تتناول حياته، لا بل إن الأمر يمتد بنا للاستعانة بمثال عملي يأتينا من قناة «تيرنر كلاسيك موفيز»، التي إن كنت من متابعيها وهي تقدم كلاسيكيات السينما الهوليوودية فإنك في كل مرة ستقع على فيلم لم يكن قد شاهدته من قبل مأخوذ من روايات همنغواي.

هذا المثال يضيء كم من الأفلام مأخوذة من روايته، ولنضيف إليها أفلاماً تلفزيونية ومسلسلات تفوقها عدداً مقتبسة عن رواياته وصولاً إلى قصصه القصيرة، ولنستحضر هنا أشهرها مثلما هو الحال مع فيلم «لمن تقرع الأجراس» إخراج سام وود ،1943 الذي جاء ملحمياً وطويلا بـ170 ساعة وتكلفة وصلت إلى ثلاثة ملايين دولار في تلك الأيام، بينما نشاهد شخصيات همنغواي الأثيرة تتحرك في الحرب الأهلية الاسبانية، ومن الجدير ذكره في هذا الفيلم أن همنغواي كان مصراً على أن يجسد غاري كوبر شخصية روبرت جوردان، بينما تلعب انغريد برغمان شخصية ماريا، أما «وداعاً أيها السلاح» فقد قدم عام 1932 إخراج فرانك بورزاك وبمشاركة لغاري كوبر، حيث لعب شخصية الملازم فردريك هنري وليتم إنتاج الفيلم مرة ثانية عام 1957 إخراج تشارلز فيدور وبمشاركة فيتوريو دي سيكا ممثلا، وقد رشح لأوسكار أفضل تمثيل في دور ثان.

يمكن تأكيد أن السينما غالباً قدمت روايات همنغواي أكثر من مرة، وإن اكتفت بمرة واحدة فإن التلفزيون سيتولى أمر المرة الثانية مثلما هي الحال مع «الشيخ والبحر»، فقد قدمت كفيلم سينمائي عام 1958 إخراج جون ستارغس، وليعاد تقديمها عام 1990 تلفزونياً، وليلعب انطوني كوين شخصية الشيخ أو سنتياغو، وفي تتبع هذه الرواية سينمائياً سنقع على أفلام كثيرة اقتبستها خارج أميركا، في روسيا والصين والسويد، إذ إن الروسي الكساندر بتروف قدمها كفيلم أنيماشن قصير عام .1999

تتسع تلك الافلام للكثير، ما يجعلها ناجحة تجارياً ايضاً، ولعل الشهرة التي حققها همنغواي كاتباً كانت عاملاً مساعداً لذلك، عدا كون الحب والحرب موضوعين أثيرين لدى المشاهدين حول العالم، وصولاً إلى الأمل الذي يفضي بالصياد إلى اصطياد سمكة هائلة الحجم بعد أيام مجدبة، بالإحالة إلى حكاية «الشيخ والبحر» القادرة بامتياز على مخاطبة الكبار والصغار.

الإمارات اليوم في

04/08/2011

 

 

هارفي كايتل لـ"النهار":

النظام يريد أن يحقق الأرباح ونحن نريد أن نصنع الأفلام!

هوفيك حبشيان 

هذه الجلسة الهادئة مع هارفي كايتل جرت في الدورة الأخيرة من مهرجان مراكش. كان الممثل الأميركي برفقة ابنه رومان الصغير الذي كان يلعب ويقفز من زاوية الى أخرى في باحة الفندق التي وُضعت في تصرفنا لإجراء الحديث، قبل أن يأتي ليرتاح في حضن ابيه واضعاً رأسه على اسفل كتفه، فيما كان واضحاً ان ممثلنا الكبير يضطلع هنا بواحد من أجمل أدواره، دور الأب الحنون. هو الذي عودنا على القسوة والتحدي، لم يكن يتوانى البتة، في لحظات تبادل العطف، عن ابطاء الجواب لملاطفة فلذة كبده الذي جعله يجدد شبابه ثانية، وهو في الثانية والسبعين

أثناء اللقاء، استطاع الممثل المولود في أحد أحياء بروكلين، أن يدمر تلك الاسطورة التي صوّرته رجلاً غير رحوم، في الحياة كما في الشاشة، ومن سلالة قساة كروبرت ميتشوم أو لينو فنتورا. بيد انه يكفي أن ننبش قليلاً في الدواخل كي نُسحر. في ذلك اللقاء، لم نجد أمامنا الا شخصاً يعالج خجله من خلال البوح بما في باله من أفكار تراكمت عبر سنوات طويلة من الاحتكاك بكبار هوليوود. مع بعض الاعتزاز، لكن من دون أي تكبر، كرر أكثر من مرة خلال الحديث، كيف انه يشعر بالسعادة المطلقة لكونه مثّل في باكورة كل من مارتن سكورسيزي وكوانتن تارانتينو، الأول عام 1967 في "من الذي يطرق على بابي؟" والثاني "خزان كلاب" عام 1992، الذي اطلق نجوميته مجدداً، بعدما عبر "نفق" الثمانينات، من دون أن يترك اثراً كبيراً. لائحة المخرجين الذين استعانوا به في تجاربهم السينمائية الاولى طويلة: آلن رودولف، ريدلي سكوت، جيمي توباك، بول شرايدر. أما الذين عمل في ادارتهم ممن لم يكونوا مبتدئين حين التقاهم، فتضم اللائحة أسماء مرموقة كأبيل فيرارا وفيليب كوفمان وداريو أرجنتو وبراين دو بالما، وكثر غيرهم في سجل سينمائي يضم أكثر من مئة فيلم.

لا يتصور كايتل ماذا كان ليحل به لو لم يلتق "مارتي" (مارتن سكورسيزي) الذي اسند اليه دور تشارلي بعد ست سنوات على انطلاقتهما معاً. "شوارع رئيسية" يقحمنا في "ليتل ايطالي" مع كايتل ومبتدئ غير معروف بعد يحمل اسم روبرت دو نيرو. الفيلم يطلق كايتل رسميا، وهو ايضاً مناسبة لولادة صداقة بين الثلاثة، لا سيما بين بوب وهارفي، لن تستجيب لمن سيحاول ادخالهما في متاهات المنافسة القبيحة. فبوب سيصبح النجم الذي نعرفه لا سيما بعد "سائق التاكسي"، وهارفي سيرضى بمصيره أن يكون "الممثل الذي يذكّرنا بروبرت دو نيرو"!     

لكوننا في المغرب، تناولنا نقطة مضيئة في مساره: "التجربة الأخيرة للمسيح" لمارتن سكورسيزي حيث اضطلع بدور يوضاس. أردت أن اعرف كيف يستطيع متخرج من "أكتورز استوديو" أن يصمد في ديكور صحراوي تغيب فيه كل أشكال التواصل مع مظاهر الحداثة. كان ردّه، ومن دون تفكير مطول، أنه يصعب عليه الرد على هذا السؤال باختصار، وقال انه كشاب قادم حديثاً الى الحياة يحاول تدارك معنى التمدن والحضارة والهمّ المتمحور حول ماهيتهما، كانت لديه أسئلة كثيرة، منها: من نحن؟ كيف من الممكن أن نكون أفضل مما نحن عليه؟ كيف نصبح بشراً افضل؟ ثم حمل معه هذه التساؤلات، ووجد نفسه فجأة خارج كل الأمكنة حيث اعتاد العيش. في اعالي قمم جبال الأطلس، كان يعيش ويأكل ويغسل ملابسه في ظروف بدائية وطبيعة خلابة. هذا جعله يطرح على نفسه تساؤلات وجودية من نوع: ما هو التمدن؟ كان عليه أن يعيد النظر في كل ما كان يعرفه عن الحضارة والتمدن. فتعلم مثلاً ان يقطف حبة التين من الشجرة بدلاً من أن يذهب الى المتجر لشرائها. وكان يريد أن أصدقه أن هذه التجربة التي رُشّح عنها لجائزة "رازي" لأسوأ ممثل، بالغة الأهمية بالنسبة الى ابن مدينة مثله تربّى وعاش في نيويورك، مراهقاً من أصول بولونية ورومانية في خمسينات القرن الماضي.

عندما سألت كايتل اذا كان الاكتفاء والرضى من شيمه، كان الضحك الساخر ما تلقيته في وجهي. "أبداً، لكني مؤتمن على كل المواهب العظيمة التي التقيتها في حياتي وشاكر لها. لا أستطيع الا ان أقول انني كنت محظوظاً وفي هذا الجانب أشعر بالرضى". بدا لي غريباً أن ينسب كايتل كل انجازاته الى الحظّ. يحاول تذكر قول شهير ليدعم فكرة يعرفها الجميع، "لا بدّ أن تلتقي الحظوة الجيدة العمل الدؤوب ليتكون النجاح"، قبل أن يستسلم ويستعين بجملة ركيكة: "لا شك في انني كنت في المكان المناسب في اللحظة المناسبة. نعم، عملت بشدة. عندما اقول "حظّ" اعني أنني التقيت من كان يجب أن التقي بهم في المرحلة المناسبة من حياتي".

استعيدت كلمة "صرامة" في العديد من المرات اثناء الحوار. ولا تفسير حقيقياً لهذه الصرامة التي لا يمكن أن تكون، في حال كايتل الذي عمل جندياً بحاراً في البحرية الأميركية، الا مزيجاً من الرقة والعناد في مواجهة مصيره. لكن عند سماع تلك الكلمة، نتذكر المرتين اللتين ورد فيهما اسم كايتل في المجلات الفضائحية، المرة الاولى عندما استغنى عنه ستانلي كوبريك اثناء تصوير "ايز وايد شات" بحجة انه قذف على شعر نيكول كيدمان، والثانية عندما ترك تصوير "القيامة الآن" بعد خلاف مع كوبولا.   

"أهم ما تعلمته في مهنة التمثيل هو كيف أكون صارماً. تجربتي خصبت هذا الجانب الدفين في شخصيتي. ولا أزال اعمل على تقويتها وتخصيبها. دائماً اسمع الى الجزء الصارم مني"، قال وهو ينظر مرة إليَّ ومرة الى رومان بعين حريصة على امرار ما لا يمر بالكلام. وعندما أردنا معرفة اذا كان ثمة أمثلة محددة يستطيع منحنا اياها للانتقال من النظري الى الملموس، قال انه سيحاول فقط لأنه أحب السؤال: "السرّ في كيف نحن قادرون على الاستماع الى انفسنا. نشأت في بيت لم يكن الفلتان الأخلاقي من سماته وعشت طفولة صعبة. كنت محاطاً بكل ما يستطيع حمايتي من الضرر والفساد. كنت كالورود التي تغلف لحمايتها من ظروف الطبيعة القاسية. طبعاً، ليس لمصلحتي أن اقارن نفسي بالورود. ربما أكون ورداً بأشواك. وهذه المحاولة لحمايتي كانت بمنزلة رحلة حياة بالنسبة إليَّ. استطيع أن اقول انني عشت صراعاً طويلاً كي لا أكون عدائياً تجاه نفسي، واليوم بتّ مقتنعاً أنه قبل أن نصيب الآخرين بالأذى، علينا الا نؤذي أنفسنا. تمرنت على هذا كثيراً. مارست التأمل واليوغا، ولي أمنية. هذه الأمنية هي ان اعلّم كل أطفال العالم التأمل واليوغا". هنا، ولدى ذكر اليوغا، كان لا بدّ من أن نرمي اسم ديفيد لينتش، على سبيل النميمة، لكن كايتل يفهمنا بلطف شديد أن ما يشارك فيه لينتش هو يوغا من نوع آخر. ثم كان التطرق الى البوذية التي يعترف انه قريب منها وبعيد في الحين نفسه.

كان لا بد، والحديث يجري في سلاسة ووقار بعيد من التكلف، أن نجرؤ على طرح السؤال الآتي على رجل لم يعد عنده ما يثبته: هل بت أكثر حرية في استعانتك بأدواتك التمثيلية؟ يرى كايتل ان التقنية التي تعلمها في "أكتورز استوديو" هي في ذاتها تقنية تحررية. في رأيه ليس من علة في التقنية نفسها. المشكلة اذا بالغ الممثل في حجم استعماله لهذه التقنية: "انه نموذج للحرية. فقط عندما تكون في مرحلة التمارين، تستطيع السقوط في الاخطاء والفخاخ، قبل أن تصبح متمكناً منها، وقادراً على استعمالها استعمالا جيداً. لذلك فإن التقنية التي تعلمتها في هذه المدرسة لا تزال على حالها، لكن ما تغير هو فهمي وثقافتي. ولا اخفي ان هذه الخبرة هي التي اتاحت لي أن استقي أفضل ما في هذه التقنية بغية جعلها تخدمني".

عندما عدنا وسألنا كايتل كيف يتحضر للدور، استعان بالطرافة: "آكل وأشرب وأصلي! انها لقصة طويلة عليَّ أن انقلها في كتاب يوماً ما. رحلة مدهشة عملية ان تصبح واحداً مع الشخص الذي تكون في صدد نفخ الحياة في رئتيه. عندما اترك الدور يبقى دائماً شيء منه في داخلي. على كل حال، اتمنى ذلك. لكن يجب ألاّ يسكنك مثلما يسكن الخلل العقلي الشخص المصاب بالجنون. لم أذهب يوماً الى القيام بما يمكن أن تفعله الشخصية مما لا أكون على استعداد للقيام به في حياتي اليومية. لكن الدور يضعك أمام احتمال القيام به. انه الخيار، ومن الخيار يولد الخلق". بعض الممثلين ذهبوا بعيداً في حمل الشخصية على أكتافهم، ما انعكس سلباً على سويتهم العقلية. هل عليك أن تتماهى مع الشخصية وتتوحد بها كي تتقمصها، كان سؤالا تقليديا موجها الى كايتل الذي ردّ عليه بالآتي: "طبعاً، هذا واجب. هذا ليس خيارا، وكنت اتمنى لو لم نضطر إلى ذلك لأن عملي كان ليكون أسهل".

ليس في بعض خيارات كايتل الأخيرة ما يدعو الى الفخر بالنسبة إلى ممثل علينا الا ننسى انه عمل في ادارة انغلوبولوس ("تحديقة أوليس"، 1995) وكامبيون ("البيانو"، 1993). لكن ككل أميركي له باع في مجال السينما، وله موقعه في هوليوود، هناك مبررات اقتصادية خلف اختيار هذا المشروع أو ذاك. يقول: "كانت هذه مناسبة اخرى للقاء "بوب" دو نيرو. نعيش في المدينة عينها، وهو عراب ابني". والكلام جرّ الكلام، والأسئلة السهلة لا بد أن تجد نفسها تذهب في اتجاهات اعمق، مثل الرغبة في معرفة مثلاً ما هي ايجابيات العمل كممثل مستقل وسلبياته. لا استطيع "أن اجد ما هو سلبي في هذا الشأن. يعجبني أن اصارع على هذه الجبهة. التحدي الأكبر هو أن أعي ما أفعله، لذلك يحتاج الممثل الى انتظام في العمل. قد تكون الجوانب الصعبة للفيلم المستقل، لا سيما تلك المتعلقة بالحبكة الروائية، عائقاً أمام امكان جعلها تجد صدى محبباً لدى الجمهور العريض. النظام والبنية اللذان ننتج فيهما أعمالنا وُجدا كي يدرا الأموال ويصنعا الأرباح. المال هو الذي يتحكم بالقرارات الفنية. النظام يريد أن يحقق العائدات ونحن نريد أن نصنع الأفلام. في هذه النقطة تحديداً نختلف مع هوليوود، مع انني لا اعتبرها عدوة لنا، لكن ينبغي لها أن توسع من بقعة المشاركة. وأن نشارك يعني أن نتيح المجال للتغير أن يدخل الى السينما شيئاً فشيئاً. ولا أتحدث عن التغيير السياسي طبعاً".

والتلفزيون في هذا كله؟ كايتل الذي شارك في نحو 14 مسلسلاً تلفزيونياً بدءاً من 1966، يعتبر الشاشة الصغيرة كتلة جامدة، شأنها شأن الهوية الجامدة. "ولا اعتقد أننا نحسن توظيف التلفزيون. إنه يدور في حلقة من الفراغ همّها الاساسي بات تسليع الواقع البائس، مستغلاً النزاعات الدولية لاستدرار العواطف والضرب على الوتر الحساس. هنا ايضاً نقع ضحية التوفيق بين القيم التي تقوم عليها الدولار والقيم التي ينبغي لنا الامتثال بها".

(hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

شهادة

برتران تافيرنييه متذكراً والده في حقبة الاحتلال النازي:

الكلمة أيضاً تقتل كالرصاص...

الأب والابن، الاحتلال والمقاومة، الفنّ والضمير، ثنائيات يعود اليها المخرج الفرنسي في شهادته القيّمة لـ"النهار".
 "
في مرحلة ما من حياته، كانت تربط والدي بلبنان علاقة قوية، اذ كان يكتب نقداً ادبياً في احدى الصحف، اعتقد انه كان في "لوجور"، بعد ذلك ادار مؤسسة تعنى بشؤون الترويج للبنان في الخارج وتنظيم جولات ثقافية فيه. كان يذهب باستمرار الى بلادكم ويتكلم عنها بشغف. شقيقتي ايضاً كانت تعمل في هذه المؤسسة، وكنا دائماً على تماس مع صحافيين وكتّاب لبنانيين. في سبيل استذكار تلك المرحلة وضعت في فيلمي "دادي نوستالجي" تعليقاً صوتياً يأتي على ذكر لبنان. في لحظة ما من الفيلم، نعلم ان الشخصية حكت لابنتها ما كان عليه لبنان قبل ان يمزقه العنف والحروب، والأمل الذي كان يمثله بالنسبة الى العالم العربي. وفجأة نسمع في الفيلم موسيقى لانطوان دوهاميل ولقطات لريف في مرتفعات نيس، وهي احد الاماكن النادرة التي لم تتلفها ايدي المقاولين. من خلال تلك اللفتة كنت اريد ان يكون للبنان وجود في فيلمي وكان ذلك استذكاراً لوالدي ايضا ولكل ما كان يحادثني عنه: اهمية الثقافة، الانفتاح، الخ. عن مجتمع تتعايش فيه ثقافات واديان مختلفة. كان ناقماً حيال الناس الذين دمروا هذه القيم وحيال الديبلوماسية البريطانية التي جعلت المنطقة تتعرض للنزف بدءا من عشرينات القرن الفائت، من خلال تأسيس دول، ووعد بلفور، الخ.

كان والدي يدير مجلة يقال انها كانت غير شرعية خلال الاحتلال النازي لفرنسا، لكنها كانت شرعية، أي أنه كان يمكن شراؤها، لكنها لم تكن مجلة حليفة لحكومة فيشي. انها من جملة المجلات التي كانت تنطلق بداية من مدينة ليون، اي في المنطقة الحرة، ثم المنطقة الحرة لم تعد حرة. كانت هناك بعض المجلات تموضع نفسها الى جانب المقاومة. في البدايات كتب والدي مقالا لمصلحة الماريشال بيتان ثم عاد عن موقفه واستكتب في مجلته اسماء كثيرة مرتبطة بالمقاومة، وبعضها كان مطلوبا، وجميعهم كانوا يوقّعون بأسماء مستعارة. الناقد جورج سادول كتب فيها مقالات عدة، بالاضافة الى اراغون الذي خبّأه والدي طوال سنة كاملة.

قضية ايواء والديّ لمقاومين قضية معقدة. اراغون كان مقاوماً حتى غزو المانيا لروسيا. والفترة التي آوى فيها والداي اراغون كانت بعد الغزو. الحزب الشيوعي لم يكن له موقف مناهض، حتى لو كان هناك مناضلون شيوعيون انضموا الى صفوف المقاومة، وهذا ما اردت اظهاره في فيلمي "اجازة مرور"، اي ان اؤكد انه حتى في مجال السينما هناك اشخاص مثل جان بول لوشاموا دخلوا المقاومة فورا، فيما آخرون انتظروا غزو روسيا. لكن حين كان اراغون في ليون، كان مطلوبا لكونه شيوعياً. انها قضية معقدة، واستطراداً، اعتقد انه كان في امكان الالمان ان يعتقلوا اندره مالرو لكنهم امتنعوا عن ذلك. كان هناك اسمان او ثلاثة لم يريدوا لمسهم لأن ذلك كان يعود عليهم بالضرر. مع ذلك كان هؤلاء مطلوبين، اسماؤهم كانت زائفة، وبالنسبة إلى أراغون هو وزوجته عاشا طوال سنة كاملة في المنزل الذي ولدت فيه.

فترة الاحتلال هذه معششة في مخيلتي. كنت في الرابعة عندما انتهت الحرب. لي ذكريات وصور ذهنية عن المنزل الذي ولدت فيه وعن الحي. اتذكر ايضا انه لم يكن بعيدا عن مأوى للمجانين وهو كان الاكبر في ليون. وعندما كنت امر امامه كنت اشعر بالخوف، وكان الآخرون يسعون الى اخافتي بهذا المكان. لي ذكريات عن القصف. وايضا عن ازمة الغذاء لأنها كانت خلف الضرر الذي لحق بعيني. ثقبت قرنية عيني اليسرى، وكان نصيبي ان احمل معي هذه العاهة طوال العمر لأتمكن من ممارسة عملي، وربما هو الذي دفعني الى أن أكون سينمائياً.

منذ تلك المرحلة تعلمت ان أناضل والاّ أنحني. لكنها علّمتني اموراً كثيرا منها المسؤولية الملقاة على عاتق الفنان. عندما كنت صغيراً كان يجري الكلام عن الاعدام. وكان والدي ضده. ولكنه كان يقول انه لا مانع لديه من ان يُعدَم روبير برازيان. انذاك كان يُعدَم الشخص الذي يقدّم سلاحاً إلى الألمان. وكان احدهم يكتب انه لا يكفي ان يعتقل العملاء، رجالا ونساء، بل ايضا الصغار والاطفال. ينبغي التحلي بالمسؤولية في ما تكتبه وقبول النتائج المترتبة عليه. يجب الاّ نعتبر انفسنا متفوقين حين نكون من ذوي الثقافة. الكلمات ايضا تقتل كالرصاص. اذاً، منذ صغري علّمني والدي مسؤولية المثقف وكيف عليه ان يرفض ما لا يجوز قبوله. علّمني ان اقول "لا". انجزت فيلما وثائقياً عن ليون حيث اخذت له فيه شهادة. في لحظة ما يقول: "في برنامج بيتان السياسي، ثلاثة من المفاهيم، وهي: العمل والعائلة والوطن. وهي مفاهيم كانت جديرة بالاحترام. لكن النحو الذي استخدمت فيه بعد خلطها لم يكن مقبولا. وشارك والدي في ترحيل ويدرمان بدعم من اليد العاملة للمهاجرين. اعني بالمهاجرين اولئك الذين كانوا يأتون من المجر ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وبلدان اخرى... كانوا غرباء يؤلفون حزبا مقاوما. حتى الأمس القريب، كان بعضهم يراسلني لمحادثتي عن والدي وابلاغي الى اي حد كانوا يحبونه ويساندونه، لا سيما في مرحلة النضال الذي استمر فيه بعد انتهاء الحرب، اذا انخرط في معركة الدفاع عن حرية التعبير فكان يدافع عن كتّاب من جنوب افريقيا والارجنتين، وكذلك في الصين الشيوعية وكوبا. استثمر ذاته في نصوص دفاعا عن كتّاب كوبيين ظلمهم كاسترو.

ادين له بشيئين: الميل الى النضال وحب المطالعة. كان قارئاً نهماً منذ الطفولة. اليوم بتّ أقرأ أقل من ذي قبل! عندي الكثير من العمل. ثم ان الحاجة اليها تراجعت. كان والدي شغوفا بالقراءة، وكان يحب التاريخ، وكان يحادثني عما يطالعه. كنت دائما اذهب اليه في سبيل مواجهة ما تعلمته في صف التاريخ مع ما يعرفه هو عن هذا التاريخ من خلال مطالعاته. على سبيل المثال صورة نابوليون الثالث اكثر تعقيدا مما كان يُنقل في مراجع التاريخ المدرسية. لقد استطاع والدي ان يجعل من التاريخ شيئاً حياً، يمكنه ان يتبلور من خلال الابحاث وان يكون له امتدادات في الحاضر. وكثيرا ما كان يجري مقارنات بغية تدارك واقع فرنسا في حقبة التحرير نسبة الى فرنسا خلال ثورتها. معه كانت الاشياء اكثر حيوية، وخصوصا انني كنت ارفض الدوغمائية. ففلان لم يكن في الضرورة حثالة وآخر لم يكن البطل الذي يدّعيه".

هـ. ح

النهار اللبنانية في

04/08/2011

 

 

فيلم يُبرز السلطة "سيئة السمعة" لرجال الدين

"الزواج لـ30 دقيقة" وثائقي يكشف أسرار زواج المتعة بإيران

ألمانيا - د ب أ 

سئلت إيرانية "متى ينتهي زواجك؟" فردت قائلة: "لم يعد لدي سوى ثلاثة أشهر"، هذا مقطع في فيلم وثائقي ألماني يكشف أسرار زواج المتعة في إيران الذي بمقتضاه يحق للأزواج إبرام عقد زواج مؤقت، ربما يستمر 50 عاما وربما لـ30 دقيقة فقط، وذلك تبعا للظروف.

يوضح فيلم "في بازار الجنسين" والذي يعرض حاليا في 35 دار سينما ألمانية حقيقة هذا العرف الغريب المعمول به منذ عقود في إيران.

ورغم ظهور عدد من المآسي من حين لآخر في الفيلم؛ إلا أنه مسلٍّ، وهو ما ظهر في ضحكات المشاهدين خلال العرض الأول للفيلم الأربعاء 3 أغسطس/آب في كولونيا.

فعلى سبيل المثال؛ هناك مشهد في بداية الفيلم يظهر فيه رجل دين إيراني "مولا" ذو عمامة وملتح يلقي محاضرة عن الشكل الذي يسمح بممارسته من الجنس خلال الزواج المؤقت. وبدا هذا الرجل محرجا، وهو ما ظهر في حكه لمنطقة خلف الأذن، كما أبدى ابتسامة مكتومة.

ويُعلق معظم الإيرانيين -خلال الفيلم- على شؤون حياتهم اليومية غير البسيطة دائما بمزاح جاف. فهذا سائق تاكسي إيراني أعزب أجهده البحث عن سكن لأن أصحاب الشقق غالبا ما يرفضون غير المتزوجين، يجيب على سؤال: "كم عدد أبنائك؟" قائلا: "ليس لدي أصلا الأم اللازمة لذلك".

واشتكى هذا السائق لدى أحد علماء الدين من أن الإيرانيات يضطررن لارتداء ملابس طويلة في هذه الحرارة الملتهبة، معتبرا ذلك "غير عادل".

وترفض المخرجة سودابه مورتيزاي -النمساوية ذات الجذور الإيرانية- التعليقَ على مشاهد الفيلم الذي يبلغ 84 دقيقة، وتقتصر في عملها على ترك أبطال الرواية يتحدثون عن زواج المتعة في مواقف متعددة.

فهذا هو زواج المتعة يظهر عندما يريد زوجان إبرام عقد زواج جديد لمدة عام في مكتب زواج، وهي عملية بسيطة يتم خلالها توعية الزوج بأن من حقه -حسب المذهب الشيعي- الزواج أربع مرات عادية، وإبرام أي عدد يريده من زيجات المتعة، طالما امتلك ما يكفي من المال الذي يعول به زوجاته.

ثم يقوم الموظف المختص بملء استمارتين، ويوجه تهنئة مقتضبة بحكم عمله قائلا: "مبروك!".

واشتكى عالم دين شيعي كبير في الفيلم من أن الإيرانيات مصابات بالغيرة المرّضية، مما يجعلهن يستكثرن على الرجل التزوج بأربع نساء، حسبما تسمح له الشريعة.

ويرى هذا العالم في الفيلم أن وضع الرجال الخليجيين في هذا الأمر أفضل بكثير "فإذا مرضت إحدى زوجاته الأربعة حلت الثلاث الأخريات محلها".

ولا يرى الإيرانيون في زواج المتعة شكلا من أشكال الحرية، بل جزءا من النظام القمعي في دولة دينية يصور استبداد الرجال، كما أن الكثير من النساء اللاتي يقررن دخول مثل هذه العلاقة (زواج المتعة) يفعلن ذلك لأسباب اقتصادية، فهن يلعبن دور "العاشقات" مقابل "المهر".

يبرز الفيلم السلطة سيئة السمعة لرجال الدين الإيرانيين، والوعي الذاتي للنساء الإيرانيات، فعندما ذهب أحد رجال الدين الشيعة لتناول طعامه في مطعم استهزأت به مجموعة من النساء على المائدة المجاورة.

وأكدت المخرجة أن هذا المشهد غير مفتعل، وأن "الأغلبية الكبيرة من الإيرانيين لم تعد شديدة التدين، وتريد الانفصال عن الدين والدولة"، وهذا هو بالفعل الانطباع الذي تخلفه مشاهدة الفيلم.

يُشار إلى أن القانون في إيران يجرم ممارسة الجنس خارج العلاقة الزوجية في إيران، ويعاقب عليها بالجلد.

الـ mbc.net في

04/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)