حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الحب والحب... وأيضاً الحب [3]

«خادمة في مانهاتن»... الحب لا يعرف الطبقية

عبدالستار ناجي

رحلة في عالم الحب في السينما العالمية، ترصد أبرز نتاجات الفن السابع التي توقفت في محطة الحب والرومانسيات العذبة... وهي دعوة للمشاهدة والقراءة... والاستمتاع.

يبدو ان النجمة الاميركية ذات الاصول اللاتينية «جينيفير لوبيز» كانت تبحث عن صيغة جديدة من النتاجات السينمائية تعيد تقديم شخصيتها من خلالها بعد سنوات من الانشغال في افلام المغامرات التي لا تعبر عن شخصيتها الحقيقية المشبعة بالرومانسية كما تؤكد هي على ذلك. وحينما خاطبها المخرج واين وانج بانه وجد ضالته المنشودة في فيلم يجمع الكوميديا والألم العاطفي والمفراقة وايضا الموسيقى والغناء وهذا جل ما كانت تريده حيث التأكيد على حضورها الغنائي في فيلم يعيد صياغة تقديمها سينمائيا.

ورغم بعض الملاحظات الشخصية على كمية «المصادفات» التي يعتمد عليها السيناريو والفيلم لاحقا الآن ان الفيلم بما يمتلك من رقة ولغة مشبعة بالرومانسية تجعلنا نتجاوز ذلك الجانب الاحترافي في الكتابة حيث تكون الصدفة مرة في الفيلم وليس كم من الصدف ودعونا نذهب الى احدث الفيلم الذي يعتمد وبشيء من التحوير على صيغة سيندريلا.التي تظل تختفي في الوقت المناسب ولا تبوح بمكنون شخصيتها.

فيلم يجمع بين الكوميديا والرومانسية التي ينشدها المشاهد، ويتضمن الفيلم القليل من المفاجآت ومع ذلك فقد اعتبره النقاد شديد الامتاع وذلك بالرغم من ان اخراجه لم يأت بجديد او ما يمكن اعتباره شيئا غير عادي او متوقع. ونحن هنا نعيد الاشارة الى موضوع المصادفة.

فبعد اعتقاده بشكل خاطئ أنها احدى الضيوف او ساكنات احد الاجنحة الكبرى في احد فنادق «مانهاتن - نيويورك»، تلفت احدى الخادمات انتباه سيناتور أميركي طموح. وتقوم لساعات قليلة باخفاء هويتها الحقيقية فيما تحاول تجنب الوقوع في حب معه، انها فرصة عظيمة لكلا الطرفين.

ماريسا فينتورا «جينيفر لوبيز»، أم مجدة في عملها تحب ابنها تاي «تايلور بوسي» وتحلم بترك وظيفتها كخادمة بأحد فنادق الخمسة نجوم في مانهاتن، تقدم عرابتها وزميلة عملها ستيفاني عرضا بمنحها تلك الفرصة حينما تقنع ماريسا بارتداء بعض الملابس غالية الثمن التي تركت بأحد الأجنحة بواسطة احد النساء الثريات كارولين لين «ناتاشا ريتشاردسون»، أثناء قيامهما بالتنظيف، يدخل المرشح الى الكونغرس، كريستوفر مارشال، الرجل الشديد الوسامة والعازب الأكثر تأهيلا في المدينة، وفجأة يخفق القلب، يعتقد كريس (كريستوفر) ان ماريسا نزيلة الجناح الوثير، وهي بدورها يتملكها احساس طاغ يجعلها غير قادرة على اخباره بحقيقة الأمر، انها شباك الحب التي تلتف من أول نظرة، تنفق ماريسا ما تبقى من الفيلم في محاولة تغطية خطأ تقديرها فيما تصبح أيضا أكثر انجذابا نحو رجلها المرتقب.

وتبدأ لعبة المصادفات اعتبارا من مشهد دخول السيناتور الى الجناح الذي تخدم به بعد ان كان قد التقى مصادفة مع الطفل حيث يعتقد الرجل ان المرأة التي شاهدها في الجناح هي امرأة ثرية ويبدأ بالبحث عنها. وهي لاتزال تصر على اخفاء الحقائق وهي تتألم للموقف الذي وضعت به.

وتتكرر المصادفات مع أكثر من مناسبة وحدث وفي كل مرة تزداد العلاقة تطورها بينما تحاول ان تجد «ماريسا» الخلاص من ذلك المازق في الوقت الذي تكثر به الضغوط السياسية على السيناتور المرتقب من فريقه وحلفائه.

وحينما يتمكن الحب من الطرفين. تبوح له بكل شيء.. ويكمل هو الآخر طريقه بعد ان يقرر الارتباط بها لتكون له الداعم في مسيرته صوب الكونغرس وكسب أصوات ذوي الاصول اللاتينية في أميركا.

ربما أتاحت هذه التجربة فرصة جديدة تساعد في دفع الأداء المهني للممثلة «المغنية» المصممة جينيفر لوبيز. وهي تقفز بعيدا لتؤكد حضورها ومكانتها الفنية المرموقة.

في المقابل هناك النجم البريطاني المقتدر رالف فينيس الذي لطالما ادهشنا باسلوبه واختيارته منذ «المريض الانكليزي» مرورا بكم من التحف السينمائية المهمة.

في الفيلم يصور في واقعية الرجل المتيم الذي أسره الحب، دون ان يجهد نفسه في ذلك، لكن لماذا اختار ممثل بهذه القدرة العالية عملا عاديا كهذا، ربما ومهما كانت أسبابه يكون قد أضاف نجاحا للعمل على الأقل في الجانب الذي يخصه.

ونشير الى ان لوبيز لا تأتي بشيء يخرج عن المألوف، وفي الحقيقة، يبدو الأمر كما لو أنها تستنسخ ببساطة التعابير نفسها التي أدتها في الكوميديا الرومانسية الناجحة الأخرى التي قامت بأدائها.

ونشير هنا الى الفيلم يعتبر أحد أفلام الكوميديا الرومانسية التي يتوق المرء لمشاهدتها. من المؤسف حقا ان المخرج واين وانج كانت لديه عناصر مثيرة، والكثير من الموهبة التمثيلية، التي يستطيع استغلالها بشكل أفضل، ربما كان في وسع لوبيز أداء دور ماريسا بقدر من المرح بدلا عن الجدية الزائدة، وربما كان بوسعها أيضا التعبير عن قدر من الفكاهة، كان يمكن لأمر من هذا القبيل ان يضفي تغييرا جميلا. يصعب أيضا تصديق ان خادمة تستطيع ان تنعم بكل وسائل الراحة المتوفرة في الفندق على نحو ما فعلت ماريسا مستعيرة قلادة هاري وينستن الماسية من مستودع مجوهرات الفندق لمناسبة الاحتفال! ناهيك عن غير ذلك ان السمة الوحيدة التي تستأثر النظرة الأولية الخاطفة في الفيلم تتمثل في طرق وأساليب العمل الداخلي في فندق من الطراز الرفيع، انه عالم لا يتسنى للمرء مشاهدته كثيرا.

حول «لوبيز» بالاضافة الى النجم رالف فينيس كان هناك بدور كبير الخدم في الفندق النجم البريطاني الكبير بوب هوسكنس الذي يذهب بعيدا في تقديم الكثير من الاداء الصامت وحينما ينطق فانه يتحول الى مساحة من الفلسفة. وهي احدى الجوانب التي يعتمد عليها هكذا نوع من الافلام العاطفية.

في فيلم «خادمة في مانهاتن» الاغاني تذهب الينا بكثير من العفوية في مكانها بلا تكلف ولا مبالغة وهي متعددة تأتي من وجهة نظر المرأة العاشقة. التي تظل تبحث عن الخلاص من ذلك المازق الذي ذهبت اليه جراء «كذبة بيضاء» ارتجلتها صديقتها في الخدمة. وعلى تلك الكذبة يتم بناء اكبر كم المشهديات والأحداث اعتبارا من الخروج الى الحديقة حتى الحفل الساهر ثم الليلة المشتركة.

المخرج «واين وانج» يعلم جيدا بان فيلم من بطولة جينيفير لوبيز يعني بالضرورة كم من الاغاني وهو حينما يأتي بها فانها تأتي ضمن البناء الدرامي الذي يمكن من خلاله ان يغطي على تلك الجدية التي تقمت بها جينيفير الشخصية وهو أمر درجت على تقديمه في جل أعمالها حتى افلام المغامرات التي قدمتها في مرحلة سابقة من مشوارها السينمائي والفني.

فيلم رغم كل الملاحظات يقول الكثير بالذات فيما يخص العلاقات الطبقية وفلسفة تجاوزها لان الحب كما يقول الفيلم «يلغي الطبقات». حتى وان فلح الفيلم في ذلك فهل هو الواقع... سؤال نتركه للقارئ.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

03/08/2011

 

صناع السينما نجوم الزمن الجميل (3-26)

بهيجة حافظ وآسيا داغر وماري كويني

القاهرة - أحمد الجندي 

إذا كان المسرح هو «أبو الفنون» بحكم انه الفن الأقدم، وإذا كانت هناك فنون أخرى مثل: الموسيقى الخالصة، وفن الأوبرا والباليه والفن التشكيلي، تعرف بأنها فنون الخاصة والنخبة، فإن السينما كانت وستظل فناً شعبياً أي «فن العامة»، وإذا كان الهدف منها عند اختراعها في نهايات القرن الـ 19 هو التسلية والمتعة والترفيه، فإنها مع مراحل تطورها عبر سنوات وحقب زمنية متلاحقة، تعاظم دورها ولم تعد لمجرد المتعة والتسلية، بل أصبحت مرآة المجتمعات، تعكس وتكشف وتعبر عن واقع المجتمع أي مجتمع وتنتقد سلبياته وتعلو بإيجابياته، من هنا أصبحت للسينما رسالة تنويرية وتثقيفية في حياة الشعوب والمجتمعات، ومن هنا أصبحت «فن العامة» وفي مقدمة الفنون التي تحظى بالشعبية.

ومن هنا نجد أن من حق هؤلاء الكبار من فناني السينما المصرية وصانعي تطورها ونهضتها سواء الذين تحملوا عبء الريادة الأولى، أو الأجيال التالية لهم التي تحملت عبء التواصل والتطور، علينا أن نكرمهم ونعرف الأجيال بتاريخهم ومشوارهم ومسيرتهم السينمائية والفنية الحافلة، ليس فقط لأنهم «صناع السينما المصرية» ومبدعوها عبر مراحل تطورها، ولكن لأنهم مع مرور الزمن أصبحوا رموزاً لزمن وعصر من الفن الجميل، كان عصراً مفعماً بالهدوء والجمال والرومانسية والمشاعر الصافية والإبداع الصادق والإخلاص الكامل للفن وللسينما، عصر نفتقده جميعاً ونتمنى عودته.

تأتي مصر في مقدمة ومن أوائل دول العالم التي عرفت فن السينما، وكان هذا في منتصف العقد الأول من القرن الماضي، وعندما تبلورت صناعة السينما المصرية وكانت هناك أفلام روائية مصرية مع نهاية العشرينيات من القرن الماضي كان أكثر من نصف دول الغرب المتقدم لم تعرف فن السينما بعد، والغريب والمثير والمدهش أن السينما المصرية وهي تشهد نهضتها الأولى خلال تلك الفترة نرى أن هذه النهضة قد قامت بفضل همة وعزيمة سيدات فضليات كان لديهن الحماس والرغبة الحميمة في صنع سينما مصرية حقيقية، ولهذا منهن يعتبرن بالفعل رائدات السينما المصرية الأوائل أمثال عزيزة أمير، فردوس حسن، آسيا داغر، بهيجة حافظ، فاطمة رشدي، ماري كويني، أمنية محمد.

وهنا ونحن نتناول «صناع السينما نجوم الزمن الجميل» نختار ثلاثة من هؤلاء الرائدات الأوائل لنتحدث عنهن وعن هذه الريادة السينمائية، بهيجة حافظ، آسيا داغر، ماري كويني، أما سبب هذا الاختيار فيرجع الى أن هؤلاء الثلاثة تميزن قليلاً عن الباقيات، فبهيجة تميزت بأنها فنانة سينمائية شاملة تمثيلاً وانتاجاً واخراجاً وموسيقى بالاضافة الى حرفيتها في المونتاج وتصميم الملابس وقد برعت في ممارسة كل هذه الجوانب والمواهب في أفلامها، أما الثانية والثالثة «آسيا وماري» فقد تميزن بأن مشوارهن السينمائي قد امتد لفترات متقدمة من مسيرة السينما المصرية وأصبحن صاحبات تاريخ حافل بها تمثيلاً وانتاجاً، مع كامل احترامنا وتقديرنا لكل رائدات السينما المصرية الأوائل.

ولنبدأ بهذه الرائدة المتعددة المواهب «بهيجة حافظ» هي من مواليد 4 أغسطس 1908 بحي محرم بك بالاسكندرية تلقت دراستها في مدرسة الفرنسيكان والميردي دييه بالاسكندرية واستهوتها الموسيقى فسافرت الى باريس وحصلت على دبلوم التأليف الموسيقي من هناك وحققت شهرة لا بأس بها في عالم الموسيقى كأول سيدة مصرية تقتحم هذا المجال ولها عدة مؤلفات وكان هذا الحب والعشق للتأليف الموسيقى وراء اقتحامها لميدان الانتاج السينمائي، حيث كانت ترغب في تقديم أفلام موسيقية وغنائية لكنها لم تجد الامكانيات التي تمكنها من تحقيق طموحاتها الموسيقية فعدلت عن ذلك واكتفت بتقديم الأغنيات في اطار الفيلم وقدمت في هذا اللون أفلاماً ناجحة، منها: «الاتهام»، «زهرة»، «ليلى بنت الصحراء».

أما دخولها الى مجال السينما فكان من خلال فيلم «زينب» الصامت 1930 عندما اختارها مخرجه محمد كريم لتقوم ببطولته الى جوار سراج منير وزكي رستم وكان هذا الفيلم باكورة انتاج شركة «رمسيس فيلم» التي أسسها يوسف وهبي، ولم تكتف بهيجة ببطولتها لهذا الفيلم بل قامت بوضع الموسيقى التصويرية له وكانت تدار أثناء العرض بواسطة أسطوانات.

بعد هذا الفيلم أسست بهيجة حافظ شركة للانتاج السينمائي اسمها «فنار فيلم» وأول انتاجها كان فيلم «الضحايا» الصامت الذي عرض يوم 28 نوفمبر 1932 وقامت ببطولته الى جوار زكي رستم وعبد السلام النابلسي وأخرجه ابراهيم لاما، وأعادت بهيجة اخراج هذا الفيلم ناطقاً عندما دخل الصوت الى شريط الفيلم وأصبحت السينما ناطقة وكان هذا عام 1935 واشتركت فيه بالغناء لأول مرة ليلى مراد مع المطرب أحمد عبد القادر والراقصة حورية محمد وقامت بهيجة باخراج الفيلم الى جانب وضع الموسيقى التصويرية.

وفي عام 1934 قدمت ثالث أفلامها «الاتهام» واكتفت ببطولته الى جوار زكي رستم وزينب صدقي وأخرجه ماريو فولبي، وفي عام 1937 أنتجت فيلم «ليلى بنت الصحراء» وقامت ببطولته واخراجه كما قامت أيضاً بكتابة السيناريو مع زوجها «محمود حمدي» ووضعت الموسيقى التصويرية أيضاً وشاركها بطولة هذا الفيلم زكي رستم وحسين رياض، راقية ابراهيم، عباس فارس والمطرب ابراهيم حمودة.

والغريب أن هذا الفيلم أوقفت السلطات المصرية عرضه بعد أيام قليلة وذلك لأنه يروي قصة ملك فارسي يغتصب فتاة بدوية عربية ويبرز الفيلم الى أي مدى كانت ارادة وصلابة ومقاومة هذه الفتاة العربية لمحاولات هذا الملك وهي البدوية البسيطة وتنجح في الانتصار على هذا المستبد، ورأت السلطات المصرية أن هذا الفيلم يسيء الى العرش الايراني، خصوصاً أن عرضه تزامن مع زواج شاه ايران من الأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد، لكن بهيجة لم تتأثر كثيراً بما حدث، واستمرت في مشوارها السينمائي وأعادت عرض الفيلم مرة أخرى عام 1944 بعد أن غيرت اسمه الى «ليلى البدوية».

وفي عام 1947 قامت بانتاج وبطولة فيلم «زهرة» وقامت أيضاً بتأليف موسيقى وألحان الفيلم الذي شاركها بطولتها كمال حسين وعلوية جميل ومحمد توفيق وعبد الفتاح القصري وأخرجه حسين فوزي، والجدير بالذكر هنا أن بهيجة حافظ هي التي قامت أيضاً بعملية مونتاج الفيلم وساعدها في المونتاج المونتير «كمال أبو العلا» الذي كان يبدأ طريقه وقتها ثم أصبح بعد ذلك من كبار فناني المونتاج في السينما المصرية، وكان على الدوام يذكر أنه تعلم فن المونتاج على يد السيدة الرائدة بهيجة حافظ التي أولته رعايتها عندما شعرت أنه يريد بالفعل تعلم أصول هذه المهنة السينمائية.

ولم تكتف بهيجة حافظ بكل هذه المواهب «الاخراج والتمثيل والموسيقى وأيضاً الانتاج» بل انها كانت موهوبة في تصميم الأزياء وقامت بتصميم أزياء أفلامها، خصوصاً الأفلام التي تحتاج الى نوعية خاصة من الملابس والأزياء مثل «زينب» الذي كان يحتاج الى أزياء وملابس ريفية، و«ليلى البدوية» أو «ليلى بنت الصحراء» الذي كان يحتاج الى ملابس بدوية وغيرها من الأفلام التي كانت تحتاج الى ملابس وأزياء بنت البلد أو بنت الذوات.

واستمرت بهيجة حافظ في مشوارها السينمائي لكن قل انتاجها ومشاركتها في الأفلام منذ فيلم «زهرة» وكان آخر أفلامها فيلم «القاهرة 30» وهو الفيلم الشهير الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1966 ويعد من كلاسيكيات السينما المصرية وشاركت فيه بهيجة كضيف شرف في دور صغير «اكرام هانم فيروز» احدى سيدات الأسرة المالكة، ورغم تراجع نشاطها السينمائي في منتصف الأربعينيات الا أن نشاطها الفني لم يتوقف، حيث أنشأت عام 1937 أول نقابة للمهن الموسيقية وظلت تمارس فيها نشاطها واهتمامها بالعاملين بالموسيقى واستمرت النقابة حتى عام 1954، كما أنها في عام 1959 أنشأت صالونها الثقافي لتقديم أصحاب المواهب والتجارب الموسيقية الجديدة، وفي 12 سبتمبر عام 1982 رحلت بهيجة حافظ عن دنيانا لكنها سطرت اسمها كواحدة من أهم رائدات السينما المصرية انتاجاً وتمثيلاً واخراجاً وموسيقى.

ونأتي الى الرائدة الثانية الفنانة والمنتجة السينمائية الكبيرة «آسيا داغر» قدمت آسيا من لبنان بلدها الى مصر في منتصف العشرينيات تقريباً وكان معها ابنة شقيقتها «ماري كويني» ولا أحد يعرف على وجه الدقة بياناتها الشخصية من حيث «تاريخ ميلادها ونشأتها ودراستها» فهذه البيانات لم ترد في مصادر أرشيفية متوافرة، لكن المهم هنا أنها أبدت رغبة شديدة وعشقاً جارفاً بالسينما وكانت تتمتع بوجه أرستقراطي جميل وقامة طويلة رشيقة وعيون فائقة الجمال، وبدأت مشوارها السينمائي ليست فقط كممثلة بل منتجة أيضاً عندما أسست شركة للانتاج السينمائي أطلقت عليها اسم «لوتس فيلم» وقدمت باكورة انتاجها عام 1929 من خلال فيلم «غادة الصحراء» الذي أخرجه وقام ببطولته التركي الأصل «وداد عرفي» وشاركته آسيا بطولة الفيلم وكان معهم ماري كويني وعبد السلام النابلسي.

وبعد هذا الفيلم توالت أفلامها كمنتجة وممثلة وبطلة لأفلامها ونذكر هنا أهم الأفلام التي قدمتها كمنتجة وممثلة خلا حقبة الثلاثينيات: «وخز الضمير» 1931 من اخراج ابراهيم لاما وشاركها البطولة أحمد جلال وماري كويني وعبد السلام النابلسي، «عندما تحب المرأة» 1933 بطولة واخراج أحمد جلال، «عيون ساحرة» 1934 اخراج وبطولة أحمد جلال وكان أول فيلم خيال علمي وكانت تجربة في غاية الجرأة والشجاعة من جانبها عندما تقدم على انتاج وبطولة فيلم من هذه النوعية في هذا الوقت المبكر من بدايات السينما المصرية التي كانت تعتمد في كل أفلامها في هذا الوقت على الحكايات والحواديت والقصص الدرامية التقليدية.

ونواصل استعراض أهم أفلامها التي أنتجتها وقامت ببطولتها مثل: «زوجة بالنيابة» 1936، «بنت الباشا المدير» 1938، «فتش عن المرأة» 1939 وهذه الأفلام شاركها بطولتها وأخرجها أحمد جلال، «امرأة خطرة» 1941 شاركها البطولة حسين صدقي والاخراج لأحمد جلال، «المتهمة» من اخراج هنري بركات وبطولة زكي رستم وكان عام 1943، «الهانم» 1947 وشاركها البطولة زكي رستم، فاتن حمامة ومن اخراج بركات، لكن آسيا تقرر اعتزال التمثيل والتفرغ للانتاج من خلال شركتها «لوتس فيلم» وتوقفت بالفعل عن التمثيل وكان قراراً مفاجئاً وغريباً لأنها كانت في أوج تألقها ونجوميتها وجمالها وهو ما أصاب نقاد السينما وقتها بالدهشة واعتبروه قراراً غامضاً لم تفصح آسيا عن أسبابه ودوافعه.

استمرت آسيا في السينما المصرية كمنتجة لتقدم سجلاً حافلاً ومتنوعاً من الأفلام ونذكر هنا أهم هذه الأفلام التي ظهر اسم آسيا عليها كمنتجة فقط مثل: «ست البيت» عام 1949 من اخراج أحمد كامل مرسي، «معلش يا زهر» 1950 من اخراج بركات، «ساعة لقلبك» 1950 من اخراج حسن الامام، «في الهوا سوا» 1951، «آمال» 1952 والفيلمان للمخرج يوسف معلوف، «المال والبنون» 1954 من اخراج ابراهيم عمارة، «لمين هواك» 1954 من اخراج حلمي رفلة وبكل تأكيد لابد أن نشير هنا الى اثنين من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية التي قامت آسيا بانتاجهما وهما «رد قلبي» عام 1957 للمخرج عز الدين ذو الفقار و«الناصر صلاح الدين» عام 1963 من اخراج يوسف شاهين وقد ظهر الفيلمان بالألوان رغم أن معظم أفلام السينما المصرية في هذه التواريخ كانت بالأبيض والأسود والفيلمان كانا من الانتاج الضخم الذي لا يقدر عليه سوى منتجة كبيرة مثل آسيا التي تعد أهم في مقدمة رواد الانتاج السينمائي في تاريخ السينما المصرية كله ويكفي أن نقول انها بدأت بها كمنتجة في نهاية العشرينيات - كما ذكرنا - وكانت السينما صامتة، واستمرت كمنتجة على مدى ما يقرب من 40 عاماً، بالاضافة بالطبع الى أنها كانت من أوائل النجمات التي ظهرن على شاشة السينما المصرية كممثلة في كم كبير من الأفلام ولكل هذا فان آسيا تعد بالفعل في مقدمة رائدات السينما المصرية الأوائل.

ونأتي الى الاسم الثالث من رائدات السينما المصرية «ماري كويني» لنرى أنها لبنانية المولد والنشأة ولدت في 13 نوفمبر عام 1916 لأسرة ميسورة الحال وقدمت الى مصر في شبابها المبكر مع خالتها المنتجة والفنانة «آسيا داغر» - كما أشرنا من قبل - وورد اسمها ونحن نستعرض مشوار «آسيا» فقد كانت ماري هي العضو الثالث لهذا الثلاثي «آسيا، المخرج والممثل أحمد جلال، ماري كويني» وكان أحمد جلال - كما أسلفنا هو مخرج معظم الأفلام التي أنتجتها وقامت ببطولتها آسيا في بداية مشوارها وشاركها بطولة بعض هذه الأفلام، أما ماري فقد انتقل اليها الولع بالسينما من خالتها وكان جمالها الهادئ قد لفت نظر المخرج «وداد عرفي» فأشركها في فيلم «غادة الصحراء» عام 1929 الذي قامت آسيا ببطولته، وأثبتت وجودها مما جعلها تنطلق سينمائياً في أفلاماً أخرى عديدة منها بالطبع الأفلام التي كانت تنتجها وتقوم ببطولتها خالتها آسيا، لكن كل هذه الأفلام كانت أدوار «ماري» خلالها لا ترقي لأدوار البطولة.

أما الفيلم الذي وضعها على عتبة النجومية وشهد تألقها وتفوقها وكان البطولة المطلقة الأولى لها في السينما كان فيلم «زليخة تحب عاشور» عام 1940 من اخراج أحمد جلال، ومع نجاح الفيلم وتألقها ونجوميتها أعطاها جلال بطولة فيلم آخر هو «فتاة متفردة» وكان في نفس العام أيضاً وشاركها بطولتها أنور وجدي وبديعة مصابني.

في هذا العام 1940 الذي شهد بداية نجومية وانطلاق ماري كويني وتألقها في البطولة المطلقة في فيلمين، شهد أيضاً زواج ماري من المخرج أحمد جلال بعد قصة حب جمعت بينهما، كما شهد العام نفسه الانفصال الفني بين أحمد جلال كمخرج وفنان وبين آسيا كمنتجة وفنانة، حيث كان جلال هو مخرج غالبية أفلام آسيا الأولى - كما أسلفنا - وذلك على اثر خلاف فني نشب بينهما أثناء العمل في فيلم «العريس الخامس» وعلى اثر هذا الخلاف قرر أحمد جلال مع زوجته ماري تأسيس شركة انتاج خاصة بهما وكان عام 1942 هو بداية وباكورة انتاج هذه الشركة من خلال فيلم «رباب» التي قامت ماري ببطولته بالاضافة بالطبع الى انتاجه وقام أحمد جلال باخراجه والمشاركة في بطولته، والطريف أن ابنهما «نادر» شارك في هذا الفيلم وهو لم يكمل من عمره سوى «سنة واحدة وعدة شهور» والذي أصبح فيما بعد المخرج الكبير نادر جلال.

وفي عام 1944 لم يكتفي أحمد جلال وماري كويني بما ينجزونه للسينما المصرية انتاجاً وتمثيلاً واخراجاً بل أسسا وأنشئا استديو تصوير سينمائي وهو «استديو جلال» في حي «حدائق القبة» بالقاهرة وكان على أحدث طراز من المعدات والتجهيزات السينمائية، وصور أحمد جلال أول فيلم في هذا الاستديو عام 1944 وكان بعنوان «أميرة الأحلام» وكتب الفيلم شقيقه المخرج عباس كامل واكتفي جلال باخراج الفيلم أما ماري كويني فلم تكن هي البطلة لأنها تفرغت لتكون مساعدة اخراج لزوجها في هذا الفيلم وهو من انتاجهما أيضاً.

وخلال عامين أو ثلاثة أصبح استديو جلال من أهم استديوهات السينما بمصر واستمر انتاج ماري وجلال للأفلام، حتى جاء عام 1947 بواقعة سيئة للغاية، فأثناء سفر جلال وزوجته الى لبنان حيث اعتادا قضاء شهور الصيف، مات جلال متأثراً بمرض أصابه في سنواته الأخيرة وعانت ماري ظروفاً قاسية بعد رحيل زوجها وكان عليها أن تقوم بدوره في ادارة الاستديو وشركة الانتاج ورعاية طفلهما الوحيد «نادر» وكانت ماري في هذا الوقت على مشارف الثلاثين من عمرها وواجهت مشاكل ميراث صعبة مع أسرة زوجها الراحل، لكنها تغلبت بعزيمتها وقوة صبرها وتحملها على كل المشاكل والعقبات واستمرت في مسيرتها السينمائية كمنتجة وممثلة وصاحبة «استديو للتصوير السينمائي».

وفي عام 1949 تبدأ انتاج أول أفلامها بعد رحيل زوجها وكان فيلم «السجينة 17» الذي أخرجه عمر جميعي الذي كان مساعداً للاخراج مع زوجها الراحل، وفي عام «1950» أنتجت فيلم «الزوجة السابعة» من اخراج ابراهيم عمارة، وشاركت في بطولته مع محمد فوزي، ثم توالت أفلامها بعد ذلك تمثيلاً وانتاجاً مثل: «ضحيت غرامي» 1951، «أنا بنت ناس» 1951 مع المخرج حسن الامام، «ابن النيل» 1951 مع المخرج يوسف شاهين، واكتفت بانتاجه فقط، وفي عام 1953 قامت ببطولة وانتاج فيلم «نساء بلا رجال» من اخراج يوسف شاهين وحقق الفيلم نجاحاً هائلاً وكان فيلمها الأخير كممثلة حيث امتد مشوارها كممثلة من عام 1929 - 1953 أي حوالي 24 عاماً.

بعد هذا الفيلم تفرغت ماري كويني تماماً للانتاج وقدمت للسينما المصرية سجلاً حافلاً من الأفلام الجيدة والرائعة واستمرت تعمل في السينما المصرية كواحدة من أهم منتجيها وصناع أفلامها، حتى عندما صدرت قرارات التأميم في مصر عام 1962 انتزاع ملكيته منها لصالح الدولة ولم يضعف هذا الموقف الصعب من قوتها ولم يجعل عزيمتها تفتر واستمرت تقدم أفلامها كمنتجة حتى منتصف السبعينيات تقريباً، ومن أشهر الأفلام التي أنتجتها: «ربيع الحب» 1956 اخراج ابراهيم عمارة، «رحمة من السماء» 1958 اخراج عباس كامل، «دنيا البنات» 1962، بالاضافة الى عدد كبير من أفلام اسماعيل ياسين الشهيرة التي حملت اسمه. ويذكر لهذه الفنانة والرائدة السينمائية الكبيرة أنها من وائل الذين تحمسوا للمخرج يوسف شاهين بعد أن عاد من دراسة الاخراج في أميركا، آمنت بموهبته واقتنعت بقدراته وأنتجت له ثاني وثالث أفلامه «ابن النيل» و«نساء بلا رجال» وكانت تقول عنه: «انه الموهوب الذي عاد من أميركا ليغير وجه وشكل السينما المصرية»، كما أنها أنتجت للمخرج حسن الامام عدداً كبيراً من أفلامه المهمة، كما أنتجت لفاتن حمامة وشادية عدداً كبيراً من أفلامهن الناجحة وشهدت بدايات ماجدة وشكري سرحان.

وفي النهاية كانت وستظل ماري كويني واحدة من أهم صناع السينما المصرية ورائداتها الأوائل.

وفي النهاية أيضاً لابد أن نقول ان هؤلاء الرائدات الأوائل ساهمن - بلا شك - في نهضة السينما المصرية وصناعة بدايتها الحقيقية من خلال رغبة وعزيمة واصرار على صناعة سينما مصرية قوية، والجدير بالذكر هنا أنه في الوقت الذي كان هؤلاء الرائدات في العالم كله نساء يعملن في السينما حتى في البلاد التي كان بها سينما ولم تعرف السينما العالمية امرأة مخرجة الا في منتصف الأربعينيات، ولهذا فهؤلاء لهن فضل الريادة في العالم كله أيضاً.

النهار الكويتية في

03/08/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)