حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الوحدة الوطنية ليست هبة إلهية

بقلم   سمير فريد

يُعلّمنا التاريخ أن هناك شعوباً كثيرة انقرضت، وأن أول مظاهر الانقراض أن يفقد الشعب لغته، ثم يفقد وحدته الوطنية. وقد عبّرت ثورة الشعب المصرى فى ٢٥ يناير عن الوحدة الوطنية بأروع وأجمل وأعمق معانيها فى ميدان التحرير عندما صلى المسلمون صلاتهم وصلى المسيحيون صلاتهم فى نفس الوقت، وقام كل منهما بحماية الآخر أثناء صلاته.

«أوباما» وغيره من زعماء العالم لم يقدّروا الثورة المصرية لأن مظاهراتها كانت بالملايين فقط، وإنما لأسباب أخرى محددة، وهى أنها عبّرت عن الوحدة الوطنية بين مختلف الأديان والطوائف والأجيال والطبقات والأجناس والأعراق، وعن المساواة بين الرجل والمرأة، والمحجبة وغير المحجبة، والملتحى وغير الملتحى، وأنها كانت سلمية، ولم تطالب إلا بالحرية، وكانت المظاهرات الكبرى أيام الجمعة فى الإجازة الأسبوعية من دون تعطيل العمل أو المرور، وواجهت العنف وسقط منها آلاف الشهداء والجرحى ومع ذلك استمرت سلمية حتى انتصرت، وأنها ثورة لا تسعى إلى السلطة وإنما إلى الديمقراطية التى تراقب السلطة، وأن الجيش وقف مع ثورة الشعب، وأثبت أنه جيش الشعب وليس جيش السلطة الحاكمة، ولكل هذه الأسباب الحضارية بهرت الثورة المصرية زعماء وشعوب العالم كله.

جاءت الثورة فى موعدها لنعود إلى لغتنا العربية (الشعب يريد إسقاط النظام)، وتعود وحدتنا الوطنية، حتى لا نصبح من الشعوب المنقرضة، والوحدة الوطنية ليست هبة إلهية، ولو أراد الله لخلقكم أمة واحدة، وإنما مكافأة دنيوية للشعب الذى يحافظ عليها، ولا يجعل اختلاف الطوائف والأعراق والأديان موضوعاً للحرب وتقسيم الأوطان، وإنما ليتعارفوا كما أراد خالقهم، ويعيشوا معاً فى سلام لأنهم جميعا بشر يأتون إلى الدنيا بطريقة واحدة ويغادرونها بطريقة واحدة، ويمرضون لنفس الأسباب ويسعدون ويفرحون لنفس الأسباب، والشعب السودانى يستحق انفصال جنوبه، كما أن النازية عقاب الشعب الألمانى كما قال بريخت.

علينا أن نحدد ثوابت الوطن، وهى عندى نهر النيل والوحدة الوطنية واللغة العربية، ولعل أعظم تعريف للوطن ما قاله الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى واعظ البعثة التى أرسلها محمد على إلى فرنسا منذ مائتى عام، وهو أنه مكان للسعادة المشتركة نبنيه بالفكر والعمل والمصنع، وذلك عندما كان الشيخ شيخاً بحق، وعندما كان الأزهر أزهراً بحق يمثل الإسلام كما فهمه المصريون بحق، ولم تكن مصر هى الدولة الوحيدة المذكورة فى التوراة والإنجيل والقرآن عبثاً، وقد لجأ إليها نبى المسيحية وآل بيته فراراً من البرابرة الرومان، كما لجأ إليها من بقى من آل بيت نبى الإسلام فراراً من مذابح «البرابرة الآسيويين» كما كانت تطلق عليهم البرديات المصرية القديمة. أيها المصريون، لقد كانت الثورة من أجل السعادة المشتركة وعليكم تحقيق هدفها.

المصري اليوم في

30/04/2011

 

مسلم أم مسيحى؟: ليس هذا هو السؤال

بقلم   سمير فريد

٢٨/ ٤/ ٢٠١١

طالبنى القارئ أحمد مبارك تعليقاً على قولى إن الحجاب مبالغة فى التحشم، ولكنه حرية شخصية مثل إطلاق اللحية، بأن أعتذر للمسلمين إذا كنت مسيحياً، أو أعلن توبتى إن كنت مسلماً «وإلا فأبشر بغضب من الله»!.

اسمى الذى عرفت به كصحفى يمكن أن يكون لمسلم أو مسيحى، ولكن من المؤسف ألا تدل كتابتى على دينى عند أحمد مبارك لأن دين كل إنسان جزء من ثقافته، وثقافة كل كاتب تتضح من كتاباته.

أقول للقارئ فقط إنه لا يحق لمخلوق أن يتحدث باسم الخالق، ويقرر متى يغضب سبحانه وتعالى، ومتى يرضى، وهناك خمسة شروط للمسلم ليس من بينها أى شرط يتعلق بالأزياء أو حلاقة الشعر، كما أن القرآن الكريم يجعل رحمة الله واسعة، وفيه بالنص أنه يغفر كل الذنوب إلا الشرك به.

وأغلب الناس يتصورون أن عدم الشرك بالله ترديد أنه لا شريك له، ولكن عدم الشرك هو الامتحان الأكبر للإنسان لأنه يعنى ألا تخاف من الحاكم ولا تخاف من الفقر أو المرض، ولا تخاف من أى شىء إذا كنت مؤمناً حقاً بأنه لا شريك للخالق.

ألتمس العذر من أستاذى فؤاد زكريا فى العالم الآخر والذى لا شك حلقت روحه فى ميدان التحرير أثناء الثورة، فقد تعلمت منه أن الحوار مع المتطرفين الدينيين من أى دين يجب أن يكون من خارج دائرة الدين، أى لا يأتونك بآية فترد عليهم بأخرى، ولكن يا أستاذى إنهم الآن يسعون إلى تدمير الثورة ويستغلون تدين الشعب المصرى الضارب فى التاريخ، وذلك لأغراض سياسية بحتة، ولا علاقة لها بأى دين، ولابد من إيضاح هذا الأمر بقدر ما يستطيع كل فرد، دفاعاً عن مصر الوطن ومصر الثورة بل ودفاعاً عن الدين.

المصريون المسلمون يا أحمد مبارك لم يؤمنوا بالإسلام مع بث الفضائيات المسماة «دينية» منذ عشرين سنة، وإنما آمن أغلبهم بالإسلام منذ ألف وأربعمائة سنة ويزيد. ولم يكن إيمانهم خشية سيوف عمرو بن العاص مع بداية الغزوات الإسلامية بعد وفاة الرسول، وإنما لأنهم عرفوا منطق التوحيد قبل الأديان السماوية الثلاثة، ولأنهم وجدوا الله سبحانه فى القرآن الكريم يقول لرسول الإسلام ما عليك إلا البلاغ، ووجدوا الرسول عليه الصلاة والسلام يخضع لأمر ربه، ولم يرسل إليهم جيوشاً، ولم يرفع سيفه إلا دفاعاً عن النفس وعن المسلمين الأوائل داخل حدود بلاده.

ووجدوا رسول الإسلام تزوج من صفية اليهودية ومن ماريا القبطية، ووجدوا القرآن يقر بالميلاد العذراوى للمسيح، ويعتبر مريم أطهر نساء العالمين، أى عالمنا والعالم الآخر.

ليس السؤال: «مسيحى أم مسلم»؟، وإنما «مصرى أم غير مصرى؟».

 

نقاط فوق حروف

بقلم   سمير فريد

٢٦/ ٤/ ٢٠١١

الديمقراطية لا تعنى أن تندمج مؤسسات المجتمع المدنى مع الحكومة، وإنما أن تظل موازية لها ورقيبة عليها، وكل المطلوب من الحكومة أن ترفع القيود عن هذه المؤسسات وتيسر لها العمل بحرية. ولذلك كان من الغريب أن توافق قيادات من مؤسسات حقوق الإنسان المدنية على الاشتراك فى عضوية المجلس «القومى»، وأن تطالب مؤسسات الفنون المستقلة بالاندماج مع وزارة الثقافة والمجلس «الأعلى» للثقافة، وكل المطلوب من الوزارة أن تدعم المؤسسات وبعض مشروعاتها.

واقع الأمر أن كلمة «القومى» لم تعد تعنى مصر، وإنما تعنى القومية العربية، ولذلك لابد من استبدالها بكلمة «المصرى» فى تسمية كل مؤسسات الدولة المصرية، تماماً مثل المؤسسات العربية التى لا توصف بـ«القومية»، وإنما بالعربية. ولابد أيضاً من تغيير كلمة «الأعلى» الفوقية ثقيلة الوطء فى أسماء المجالس إلى كلمة «المصرى»، ومن البدهى أن هذا التغيير لا يقلل ولا يغير من سلطات هذه المجالس.

كان من أعظم إنجازات ثورة يناير أنها أخرجت محمد المخزنجى من صومعة الأدب، وهو من كبار أدباء مصر الذين ينتمون إلى سلالة يحيى حقى، فوقف إلى جانب الثورة من أول يوم من خلال مقالاته السياسية الأدبية رفيعة المستوى فى جريدة «الشروق». ويؤكد المخزنجى شجاعته وعمقه الإنسانى بموقفه ضد إنشاء المفاعلات النووية فى مصر، وأدعوه إلى تأسيس حزب «الخضر المصرى»، وهو الحزب الوحيد الذى يمكننى الانتماء إليه، والخروج عن موقفى بعدم الانتماء الحزبى حتى أحافظ على استقلالى، وأظل دائماً فى المعارضة أو على اليسار بما فى ذلك يسار ثورة يناير ومعارضة حكومة الثورة. الطاقة النووية ذروة الحماقات الإنسانية، سواء استخدمت سلمياً أم حربياً، وقد تكون مبررة فى البلاد التى لا ترى الشمس إلا نادراً، ولكن لدينا كل الشمس للاستغناء عنها. وماذا فعلت القنبلة لباكستان وأغلب سكانها يعيشون فى فقر مدقع، وإذا كانت إسرائيل تملكها حقاً، فهل من الممكن أن تستخدمها دون أن تبيد شعبها قبل أى شعب عربى!

نشر سليمان جودة فى «المصرى اليوم» عدد ١٧ أبريل «كلنا» تعايشنا مع نظام مبارك، ونحن الآن نتعايش مع الثورة! وفى «المصرى اليوم» عدد ١٨ أبريل أن محسن محمد قال «النظام السابق اشترى (أقلامنا)»! وفى «الشرق الأوسط» عدد ١٩ أبريل نشر مأمون فندى أن النظام السابق ورط «الجميع» فى الفساد! وفى نفس اليوم فى «الدستور» نشر أسامة الهوارى «كلنا» شاركنا فى الفساد! والسؤال: لماذا لا يتحدث كل كاتب عن نفسه فقط، ولماذا يعطى لنفسه الحق فى الحديث عن «الجميع»!!

 

مصر: الاسم والعلم

بقلم   سمير فريد

٢٥/ ٤/ ٢٠١١

كما أن المصرى المسلم ليس مسلما، بناء على الألف واللام التى أضافهما السادات إلى المادة الثانية من الدستور عام ١٩٧١ لتصبح الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للقوانين- وليست مصدراً رئيسياً- وذلك لأسباب سياسية خالصة، كذلك فإن مصر ليست عربية لأن السادات فى الدستور نفسه أطلق عليها جمهورية مصر العربية.

وعندما قامت الوحدة البعثية الفاشلة بين مصر وسوريا عام ١٩٥٨والفشل قرين حزب البعث فى كل شىء- أصبح اسم مصر الإقليم الجنوبى، وأصبح علمها هو علم سوريا، وفى وحدة أخرى فاشلة مع اليمن، والمعروف أن ديكتاتور اليمن على عبدالله ينتمى إلى حزب البعث، ودافع عن ديكتاتور العراق البعثى صدام حتى النهاية، أصبح علم اليمن، أيضاً، هو علم مصر وسوريا: الأحمر والأبيض والأسود، والفرق بين الأعلام الثلاثة أن علم سوريا به نجمتان وعلم مصر به نسر، وعلم اليمن الألوان الثلاثة فقط.

الثورة تعنى التغيير من الجذور، ومن الجذور التى يجب أن تتغير بعد الثورة فى دستور مصر الجديد تغيير اسم الدولة من جمهورية مصر العربية إلى جمهورية مصر دون أى أوصاف. وأغلب دول العالم دون أوصاف مثل جمهورية فرنسا والمملكة المتحدة وجمهورية لبنان وجمهورية العراق، فالأصل أن تنسب الدولة إلى الوطن.

من ناحية أخرى فالأوضاع قد تضلل عن الواقع، فأغلب الدول الديكتاتورية تسمى نفسها ديمقراطية، وحتى ديكتاتور ليبيا يسمى دولته اشتراكية وشعبية، ومنذ أن أضيف إلى اسم مصر العربية واللغة العربية فى تدهور مستمر وغير مسبوق فى تاريخها، والعروبة كما قال سيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام- هى «لسان»، أى ليست قومية عرقية، وإنما لغة وثقافة.

والأهم أن الثقافة العربية هى المكون الرئيسى للثقافة المصرية، لكنها لا تقتصر عليها، فهناك، أيضاً، الثقافات المصرية القديمة «الفرعونية» واليونانية والرومانية والأفريقية والأوروبية، والثقافات اليهودية والمسيحية والإسلامية. فكيف لمن يملك كل هذا الثراء أن يفقر نفسه بنفسه، وكيف لمن تتضمن ثقافته كل هذه الثقافات أن ينسب نفسه إلى إحداها فقط؟!

وقد كان من المنطقى أن يعود علم مصر بعد فشل الوحدة مع سوريا، لكن ما حدث قد حدث، ولم يعد من الممكن تغيير العلم بعد أن خضِّب بدماء شهداء حرب أكتوبر وشهداء ثورة يناير، لكن من الممكن استبدال النسر بالأهرامات الثلاثة كرمز لمصر لا يختلف عليه اثنان، ومن الممكن أن تكون الألوان الثلاثة بالطول وليست بالعرض.

 

أستاذ الشريعة: أنا علمانى

بقلم   سمير فريد

٢٤/ ٤/ ٢٠١١

أرسل الدكتور مصطفى راشد، أستاذ الشريعة الإسلامية، رسالة بعنوان «أنا علمانى» يقول فيها إن الحكم الديكتاتورى الفاسد زوّر كل شىء بما فى ذلك مفهوم «العلمانية» بكسر العين «حيث شوهوا صورتها ومعناها لعلمهم بحقيقة العلمانية التى تؤسس لأن يكون الحكم للشعب، وأن تسود الديمقراطية وحقوق الإنسان وحتى حقوق الحيوان، فوجدناهم يجّشون أذنابهم من أنصاف المثقفين ومدعى الدين ليفهموا الناس أن العلمانية رجس من عمل الشيطان وكفر والعياذ بالله، فى حين أن الدول العلمانية هى أفضل البلاد فى العالم حماية للمعتقدات والأديان».

ويقول الدكتور راشد: «العلمانية، بفتح العين، تعنى الدنيا أو العالم المحسوس الدنيوى الأرضى الذى نعيش فيه، أى أن اهتمامها يركز على هذا العالم المرئى لتطويره واكتشاف قوانينه والسيطرة عليه من أجل صالح الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء، لأنه محل معاشها ولا سبيل للتعامل معه إلا بأدواته، وهذه الأدوات يلخصها لفظ العلمانية، بكسر العين، أى العلم كمنتج وفعل عقلى بشرى فى الواقع الحسى، حيث ثبت أن مجال الدين وعالمه لم يستطيعا أن يفعلا هذا فى الواقع لاختلاف منطقه عن منطق العالم الدنيوى، لأن منطقه كن فيكون، وهو غير المنطق فى عالمنا الدنيوى، لذلك كانت نتائج محاولة تطبيقه على الواقع الدنيوى سلبية، ولم يستطع أن يقدم لهذا الواقع حلولاً لمشاكله، بل زاد هذه المشاكل وعقدها، ودخلت الإنسانية حروباً دينية كانت هى الأعنف والأكثر دموية فى تاريخ البشرية».

ويختتم أستاذ الشريعة رسالته قائلاً: «تعريف العلمانية عندنا هى مجموعة قواعد وقوانين نتاج وخلاصة المبادئ والأخلاق والضمير الإنسانى والحريات وكيفية حماية كرامة الإنسان، ومنها ما يعود للدين، ومنها ما يعود للعرف والتجربة على مدار آلاف السنين، وهى محاولة لوضع كل البشر على اختلاف معتقداتهم الكثيرة تحت دستور واحد لينبذوا الفرقة والتناحر والتقاتل ويعيش الجميع فى سلام وعدل ومساواة.. لذا أستطيع أن أقول بكل فخر وثقة فى رضا الرب.. أنا علمانى».

وفى رسالة أخرى يقول الدكتور الطبيب أيمن ثروت: «لقد كنت محبوباً من الإخوان عندما اشتركت فى الثورة فى ميدان التحرير، ولا مانع عندى أن تكون لهم الأغلبية إذا كانت حقا أغلبية، ولكن عندما اشتركت فى الاستفتاء وجدتهم فى اللجنة يخونوننى، لأننى مسيحى وضد الإسلام».

ويقول الدكتور أيمن: «لقد كنت دائماً ضد الهجرة، ولكنى الآن لا أستطيع أن أجادل زوجتى وبناتى فى ترك بلادى».

لا يا عزيزى أيمن، لا تترك مصر أبداً حتى لا يتغير اسم ميدان التحرير إلى ميدان القهر.. إنها بلدك بأمر الله سبحانه وتعالى الذى خلقك فيها، وأن تهاجر منها لمجرد أنك مسيحى مخالفة لكل الشرائع السماوية والأرضية، وعودة إلى جاهلية ما قبل كل الأديان، هذه مصرنا وثقافتها خلاصة كل الثقافات من المصرية القديمة إلى الأوروبية مروراً باليونان والرومان والعرب.. على أرضها تكلم الله مع موسى، وإليها لجأ المسيح وأمه العذراء، ومن أقباطها تزوج محمد- عليه الصلاة والسلام- ومن يرفض الثقافة المصرية فمن حقه أن يذهب حيث الثقافة التى يقبلها، وليس من حقه أن يفرض على المصريين ثقافة غير ثقافتهم.

 

قوانين جيهان وقوانين سوزان

بقلم   سمير فريد

٢٣/ ٤/ ٢٠١١

قرأت باهتمام وامتنان مقالك فى عدد ١٨ أبريل حول تصريحى بأن الثورة تعيد النساء إلى عصر الجوارى، وأتفق معك تماماً أننا فى مرحلة انتقالية ولم تنته الثورة، لكنى اطلعت على العديد من الثورات فى العالم والمراحل الانتقالية التى تلتها وأقدر خطورة المرحلة.

ولا أخفيك سراً حينما أقول إن هذه الثورة شفتنى من اكتئاب مزمن كاد أن يقضى علىّ لأنى أعتقد أنها شفت جميع المصريين من نفس الاكتئاب.

لكنى قلقة للغاية لاسيما أن ما يحدث فى مصر وقلت سيادتك عنه إنه معركة مع التخلف لم يستجب لها أحد، بل يستجيب لها الآن وزير العدل «وهو رجل معروف بانفتاحه» ولكن وتحت ضغط بعض الوقفات الاحتجاجية أمام الوزارة، بدأ دراسة الملف وأرسله إلى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية لدراسته فى إعادة متطابقة لسيناريو سابق بتسمية قوانين الإصلاح الاجتماعى فى عصر السادات بأنها قوانين جيهان السادات وتم إلغاؤها بالفعل.

وما قصدته بالعودة لعصر الجوارى هو إمكانية إلغاء مادة الخلع من قانون إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية.

وهو ما يحول العلاقة الزوجية من علاقة تعاقدية قائمة على رضاء الطرفين فى بدئها وإنهائها إلى علاقة عقد شراء جارية بمجرد أن توقع عليه المرأة لا تستطيع الخروج منه إلا بإجراءات قضائية قد تمتد إلى عشر سنوات من المعاناة والإهانة فى أروقة المحاكم، الأمر الذى لا يتفق لا مع القواعد المدنية فى إبرام العقود ولا مع الشريعة الإسلامية، فكيف لعقد يوقع عليه طرفان أن يكون لطرف الحق فى إنهائه بكلمة ولا يكون للطرف الثانى الحق فى إنهائه.

وما تراه سيادتك معركة مع قوى التخلف ربما يجعلنا بحاجة إلى إعادة تعريف قوى التخلف، ففى تقرير صفحة كاملة نشرته جريدة الوفد «الليبرالية» انقض على كل قوانين الإصلاح الاجتماعى بادعاء أنها «قوانين الهانم»، وللأسف لم يكن الحوار مع قوى الإسلام السياسى بل كان مع الأستاذ سامح عاشور، نقيب المحامين السابق، والرجل الوطنى المعروف، والخبير القانونى عاطف البنا وغيرهما ممن يناضلون للتحول الديمقراطى فى مصر من عقود.

حتى إنى فوجئت وأنا محامية أعمل بالمهنة حوالى عشرين عاماً بهؤلاء الخبراء يخلطون بين كره النظام والمبادئ القانونية البسيطة!.. نحن فى معركة صعبة، ودور الإصلاحيين والشباب مهم للغاية، وإن لم ننتبه ونكتفى بالعمل على ترتيب الأوراق السياسية ربما يحدث ما ذكرته.. وأرى أن الصمت عن الحوار فى هذه القضايا لن يكون فى صالح الثورة بل طواطؤ عليها.

وهذا ليس شكاً فى الجيش وأعلم تماماً دوره العظيم، ولكنى أقلق من الانشغال والترفع من الجميع، بل نحن بحاجة إلى صدور موقف واضح من الجيش والوزراء ليس قولاً وإنما عمل فى الحرص على مشاركة النساء بقوة فى هذه المرحلة القلقة، وليس إقصاءهن مثلما حدث فى لجنة التعديلات الوزارية وحركة المحافظين والوزارة التى لم يبق فيها إلا وزيرة واحدة».. فى النهاية أشكرك بشدة على هذا المقال الملىء بالأمل والإصرار وعدم الصمت.

نهاد أبوالقمصان

رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة

 

ديكتاتور اليمن يسرق نظرية الطبَّاخ

بقلم   سمير فريد

٢١/ ٤/ ٢٠١١

لا توجد أى مشكلة بالنسبة لأى مواطن لم يؤيد ثورة الشعب المصرى طوال أيامها الـ١٨، فمن الطبيعى أن يوجد من يخشى بطش السلطة ويصمت، ومن يتحدى السلطة وينطق مؤيداً للثورة، وكل إنسان ميسر لما خلق له، ولكن غير الطبيعى وغير الأخلاقى أن يدافع أحد عن السلطة الباطشة ويهاجم الثورة أثناء حدوثها ثم يتراجع عن موقفه بعد انتصارها.

وهناك عدد من «الفنانين» هاجموا الثورة أثناء تساقط الشهداء والجرحى بالآلاف، ثم تراجعوا بعد انتصارها فى استخفاف كامل بالعقول، وكان الأفضل لهم أن يصمتوا أو يعتذروا على أمل أن يقبل الشعب اعتذارهم. ومن هؤلاء ممثل يدعى طلعت زكريا شاهدت صوره فى الصحف، وخاصة عن اشتراكه فى فيلم بعنوان «طباخ الرئيس»، ولكنى لم أشاهد أياً من أفلامه حماية لبصرى وسمعى من التلوث. وكان هذا الممثل قد انفرد بأطول لقاء شخصى مع الرئيس السابق منذ أن تولى الحكم، والناس أذواق، وأطلق أثناء الثورة نظرية أن الصبيان والبنات فى ميدان التحرير «يدخنون المخدرات ويمارسون الجنس».

نفس السيناريو يتكرر فى ثورات الشعوب العربية ضد الديكتاتورية طلباً للحرية، وهو أكبر دليل على «الوحدة العربية»: مظاهرات تطالب بالإصلاح من الداخل – النظام يصفهم بالقلة المندسة وبالتآمر لحساب جهات أجنبية – تستمر المظاهرات – يبدأ النظام فى قتل وإصابة المتظاهرين – يرتفع سقف المطالب إلى إسقاط النظام بدلاً من إصلاحه من الداخل – النظام يطلق سلاح البلطجية ويقول إما أنا أو الفوضى وإما أنا أو حكم المتطرفين الإسلاميين. ولكن السيناريو يتغير قليلاً هنا وهناك لتجنب الملل: مثل خداع الديكتاتور ودفعه للهرب فى تونس، وسحب الشرطة وإطلاق المجرمين على الشعب فى مصر، وضرب جثث الشهداء بعد قتلهم فى سوريا، وإزالة ميدان اللؤلؤة عقاباً للحجر وأعمدة الكهرباء فى البحرين، وخروج ديكتاتور ليبيا فى سيارة مكشوفة للتجول فى شوارع طرابلس الخالية حيث لا يوجّه التحية إلا إلى حراسه ومرافقيه!

أما فى اليمن فقد تأثر الديكتاتور بنظرية طباخ الرئيس، وقال إن الصبيان والبنات فى ميدان التغيير «يختلطون»، وهو بهذا لا يعتدى على الشعب اليمنى فقط، وإنما يعتدى أيضاً على حقوق الملكية «الفكرية» لنظرية الطباخ. ونخشى الآن أن يتأثر أى ديكتاتور عربى بالنظرية الأخرى التى سمعناها أثناء ثورة مصر، وهى حرق كل المتظاهرين فى الميدان دفعة واحدة وينتهى الأمر، والتى قالت بها ممثلة كنت أحب مشاهدة بعض أفلامها هى سماح أنور، وهناك أخطاء لا يمكن غفرانها، وحتى لو غُفرت لا تُنسى.

 

عبثاً يحاربون ضد الحرية

بقلم   سمير فريد

٢٠/ ٤/ ٢٠١١

ثورة العرب الكبرى التى نعيشها منذ بداية هذا العام، وبالتحديد منذ هروب ديكتاتور تونس إلى السعودية يوم ١٤ يناير، هى ثورة شعوب لا تطالب سوى بالحرية، وإعادة العرب إلى صنع التاريخ مرة أخرى بعد أن ظلوا عقوداً طويلة خارجه، ولم يصنع التاريخ فى الماضى ولن يصنعه فى المستقبل إلا الشعوب الحرة. دعك من السفسطة النظرية حول تعريف الثورة، فلا توجد وصفة جاهزة تسمى الثورة، وإنما تصنع كل ثورة مواصفاتها من واقعها، وليس من الأفكار الذهنية. وثورة الشعوب العربية انتصرت فى تونس ومصر، وسوف تنتصر فى كل العالم العربى، لأنها تطالب بالحرية، وعندما يكون هذا هو المطلب يصبح النصر مؤكداً، ويستجيب القدر كما قال الشاعر الشابى، لأن إرادة الشعب من إرادة الله.

وقد جاء حكم القضاء يوم ١٦ أبريل بحل الحزب الوطنى ومصادرة أمواله وممتلكاته التى نهبها من الشعب، انتصاراً جديداً للثورة المصرية بعد تنحى رئيس الحزب عن الحكم يوم ١١ فبراير، وصدور أمر النائب العام بالتحقيق معه ومع أسرته يوم ١١ أبريل. وبذلك لم يعد للثورة المضادة حزب يعمل لهزيمة الثورة، وبقى محاكمة من هدموا كنيسة صول، ومن قتلوا ضحايا حادث المقطم، ومن قطعوا أذن أيمن فى الصعيد، وهم «طالبان» مصر الذين صنعهم الحزب المحلول بواسطة جهاز أمن الدولة المحلول، وكانوا أداته فى الثورة المضادة.

إنهم لا يعملون ضد الثورة فى مصر فقط، وإنما فى كل العالم العربى، ففى يوم الجمعة ١٥ أبريل قتلوا الصحفى الإيطالى فيتوريو أريجونى فى غزة، وهو عضو المنظمة الدولية للتضامن مع الشعب الفلسطينى، وفى نفس اليوم جرحوا بالسيوف والسكاكين ٨٣ من رجال الأمن فى الأردن باعتبارهم «يحمون الطاغوت». وقد نشرت مجلة «المصور» عدد ١٣ أبريل أن «طالبان مصر» يسيطرون على ألف مسجد وزاوية فى الإسكندرية من مجموع أربعة آلاف، ويعتبرونها عاصمتهم، ويسيطرون على خمسة عشر ألف مسجد وزاوية فى مختلف أنحاء مصر من مجموع مائة وثلاثين ألفاً، منها ثلاثون ألفاً من دون ترخيص، وأنهم تلقوا من دول النفط العربية ستة وأربعين مليار دولار أمريكى فى ٢٥ سنة، ولهم عشرون ألف جمعية، وستة وثلاثون قناة تليفزيونية فضائية.

ومع الاعتذار لكاتب مثل فهمى هويدى يرى أن الهجوم عليهم إقصاء لهم ويتعارض مع الديمقراطية، فالديمقراطية بالفعل لا تقصى أى تيار سياسى، ولكن أى دولة أيا كان نظامها السياسى تحاكم من يحمل السلاح لفرض أفكاره بالقتل والجرح والهدم وترويع الشعب وتعاقبه كمجرم جنائى وليس كممثل لتيار سياسى.

 

مصر الثورة لا تحتكر المناصب العربية

بقلم   سمير فريد

١٩/ ٤/ ٢٠١١

لست مع اعتراض شباب الثورة على ترشيح مصر الدكتور مصطفى الفقى لتولى منصب أمين عام جامعة الدول العربية، لأنه من رموز النظام السابق، فكون أى شخص من رموز ذلك النظام لا يعنى أن عليه اعتزال العمل العام بعد الثورة، وإنما يجب أن يعتزل من ساهموا فى الفساد، أما الذين يدانون بنهب المال العام، فالقانون كفيل بهم. ولابد من التفرقة بين الأخطاء السياسية والجرائم الجنائية.

وربما يكون الدكتور مصطفى الفقى قد ارتكب أخطاء سياسية، ولكنه مثقف وطنى بارز، وعندما يقول إنه كان معارضاً من داخل النظام، فالكثير من مقالاته تؤكد ذلك، ومن طبيعة الأمور أن تكون هناك معارضة من داخل أى نظام ومن خارجه، وإن كان هذا لا يعنى بالطبع المساواة بينهما. وعندما يعتذر الفقى عن قبوله عضوية مجلس الشعب عام ٢٠٠٥ رغم التزوير، فلكل الحق فى قبول اعتذاره أو عدم قبوله، ولكن أحداً لا يتهمه بالفساد، وهذا هو المحك.

ميثاق جامعة الدول العربية لا ينص على أن يكون الأمين العام مصرياً، ولكن القضية ليست قانونية، وإنما سياسية، وأكبر من منصب الأمين العام، وهى قضية العلاقة بين مصر والدول العربية الأخرى. دور مصر المحورى فى العالم العربى ليس اختياراً مصرياً أو عربياً، وإنما صناعة الجغرافيا التى لا تتبدل والتاريخ الذى مضى ولا يتغير. والجامعة مبادرة مصرية سبقت الاتحاد الأوروبى بعشر سنوات، وأقيمت عام ١٩٤٦ على أرض من الميراث الشخصى للملك فاروق كهدية منه، وتحملت مصر وحدها تكاليف المبنى.

مصر أكبر دول العالم العربى، ويمكن أن تصبح من كبرى بلاد العالم إذا توفر لها حكم رشيد فى دولة مدنية ديمقراطية. ولكن الكبير إذا لم يتصرف دون تعالٍ فلا يصبح كبيراً، فهو لا يتعالى إلا عندما يصبح عاجزاً. وفى الاتحادات الإقليمية الناجحة مثل الاتحاد الأوروبى تتساوى ألمانيا مع مالطا، وتتساوى فرنسا مع قبرص. وثورة مصر تعيد لها دورها الحقيقى فى العالم العربى، وتسقط الشعارات الجوفاء للنظام السابق عن السيادة والريادة بينما أسكن المصريين فى المقابر لأول مرة منذ سبعة آلاف سنة.

مصر الثورة لا تحتاج إلى احتكار منصب أمين الجامعة ولا أى منصب فى أى مؤسسة عربية، وليس من المشرف على أى حال أن تكون أولى الدول المؤيدة لمرشح مصر هى ليبيا وسوريا واليمن. ومن ناحية أخرى فإن مرشح قطر عبدالرحمن العطية الذى كان أميناً لمجلس التعاون الخليجى سنوات طويلة يناسب المرحلة الجديدة تماماً، فهو يأتى من تجربة وحدوية ناجحة، ولا يؤمن بالوحدة على طريقة وحدة مصر وسوريا عام ١٩٨٥، والتى فشلت عام ١٩٦١.

 

بل هم أعداء الثورة

بقلم   سمير فريد

١٨/ ٤/ ٢٠١١

قالت نهاد أبوالقمصان، رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة، فى «المصرى اليوم» عدد ١٣ أبريل: «إن مصر بثورتها تقود نساء العالم العربى لعصر الجوارى والحريم بمطالبات إلغاء قوانين الخلع والرؤية والكوتة للمرأة». وقالت «إن ما يحدث فى مصر هو سيناريو مكرر للثورة الإيرانية التى بدأها الليبراليون واليساريون، ثم استولى عليها رجال الدين».

إنها على حق تماماً فى تخوفها من مطالبات الإسلام السياسى فى مصر أو بعض فصائله، ولكن أحداً لم يستجب لهذه المطالبات حتى الآن على الأقل، وقد أعلن مجلس الجيش الحاكم أن مصر لن تكون غزة ولا إيران، وعلينا أن نصدقه لأنه يعمل من أجل تقدم مصر. ولكن نهاد أبوالقمصان ليست على حق فى أن ثورة مصر تقود نساء العالم العربى إلى عصر الجوارى والحريم، بل هم أعداء الثورة، وهى معركة قديمة ومستمرة بين قوى التخلف وقوى التقدم.

ومن طبيعة الثورة أن تؤدى فى المرحلة ما بين النظام القديم الذى مات والنظام الجديد الذى لم يولد بعد إلى درجة من الفوضى، وإلى درجة من الحدة والغلو فى الآراء وفى أسلوب التعبير عنها، مثل منع أغانى أم كلثوم عدة شهور بعد ثورة ١٩٥٢ لأنها كانت تغنى للملك. وبنفس المنطق ارتفعت الأصوات التى تطالب بإلغاء القوانين والإجراءات التى حققت للمرأة فى مصر بعض الإنصاف لأن سوزان مبارك كانت وراء إصدارها، فاعتقال عبدالناصر واضطهاده آلافاً من المثقفين عام ١٩٥٩ لم يلغ قراره بتأميم قناة السويس عام ١٩٥٦،

واعتقال السادات واضطهاده آلافاً أخرى عام ١٩٨١ لم يلغ أنه كان أول وآخر زعيم عربى حتى الآن يصدر أمراً عسكرياً بالهجوم على إسرائيل عام ١٩٧٣، وحتى لو أدانت المحكمة مبارك لن يلغى ذلك دوره فى حرب ١٩٧٣، وحتى لو أدانت المحكمة سوزان مبارك فيما يتعلق بحساب مكتبة الإسكندرية مثلاً فلن يلغى ذلك دورها فى الدفاع عن حقوق المرأة والطفل ودورها فى إنشاء المكتبة.

لقد شاركت المرأة المصرية بقوة فى ثورة ٢٥ يناير فى مصر، وكانت فى المظاهرات بنفس نسبة وجودها فى المجتمع، وكذلك فى ثورات الدول العربية الأخرى، ولم يفرق رصاص القمع بين الرجال والنساء، ولذلك لن تعود المرأة إلى الوراء بعد الثورة، مهما علت أصوات أعداء الثورة.

 

.. وقال الفلاح الفصيح للفرعون

بقلم   سمير فريد

١٧/ ٤/ ٢٠١١

عندما قامت الثورة فى فرنسا أقيمت المقاصل فى الشوارع، وتم قطع أعناق الأسرة الملكية الحاكمة، وعندما قامت الثورة فى روسيا تم إعدام أسرة القيصر كلها حتى الأطفال، وبعد الحرب ضد الفاشية فى إيطاليا قام الفلاحون بتقطيع جسد رئيس إيطاليا بالمناجل والسكاكين، وعندما قامت الثورة فى رومانيا تم قتل الرئيس وزوجته بواسطة المتظاهرين، وتطول الأمثلة على «عدالة الشوارع» فى تاريخ الثورات.

ولكن ثورة ١٩٥٢ فى مصر ودّعت الملك بعد تنازله عن الحكم لولى العهد وأطلقت البحرية ٢١ طلقة عندما غادر على متن سفينته، وثورة ٢٠١١ فى مصر تحاكم الرئيس السابق وأسرته بالقانون. الأولى كانت ثورة الجيش بمساندة الشعب، والثانية ثورة الشعب بمساندة الجيش، ولكن مصر سواء كانت الثورة عسكرية انقلابية، أم شعبية مدنية، هى بلد الحضارة منذ سبعة آلاف سنة، والحضارة تعنى حكم القانون. وقد قام النظام السابق بتنحية القانون، ولكن ثورة الشعب أعادت القانون، وتحاول التوفيق بين الشرعية القانونية والثورية، وهذه هى مصر الحضارة التى يستدعيها الشعب فى ثورته، والثورة فعل نبيل لا يعرف الشماتة ولا الانتقام ولا الثأر، وإنما تنشد العدل، وقد قال الفلاح الفصيح للفرعون: «أقم العدل لأنه ينزل مع صاحبه إلى القبر».

وصلت ثورة ٢٥ يناير إلى ذروتها الأولى يوم ١١ فبراير بتنحى الرئيس السابق عن الحكم، ووصلت إلى ذروتها الثانية يوم ١١ أبريل مع قرار النائب العام عبدالمجيد محمود بالتحقيق مع الرئيس السابق ونجليه، وحبسهم على ذمة التحقيقات. ولكن التنحى والمحاكمة لا يكفيان للتعبير عن انتصار الثورة، فهى ليست هدم النظام القديم فقط، وإنما بناء نظام جديد، وهذا هو الانتصار الحقيقى. وتبدو الثورة على طريق الانتصار عندما يرفض المشير طنطاوى القائم بأعمال الرئاسة إقامة مؤتمر لـ«مساعدة مصر»، فالثورة تريد الاستثمار فى مصر..

وعندما يقرر أن يقوم الجيش بإعادة بناء كنيسة صول، ويتم البناء فى أقل من شهر.. وعندما يطلب عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، من الفلاحة راوية أن ترتدى حذاءها الذى خلعته عند الباب قبل أن تلتقى به.. وعندما يجعل أولى زياراته الخارجية إلى السودان.. وعندما ينشئ منصب نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية.. وعندما يعيد النظر فى أسعار تصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل.. وعندما ينصف أهالى النوبة.. وعندما يلغى محافظتى أكتوبر وحلوان اللتين أقيمتا للتلاعب بالأراضى.

وتبدو الثورة على طريق الانتصار عندما يتراجع سمير رضوان، وزير المالية، عن قرار دعم المؤسسات الصحفية المسماة «قومية» بـ٦٠ مليون جنيه، ويعيد أنسنة منصب الوزير الذى يخطئ ويصيب، فالعصمة للخالق وحده.. وعندما يقرر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، التنازل عن راتبه لأن خدمة الدين ليست مهنة، وعندما يعلن منصور عيسوى، وزير الداخلية، أنه لم يعد هناك معتقل سياسى واحد فى مصر.

 

شسع نعل شهيد

بقلم   سمير فريد

١٤/ ٤/ ٢٠١١

وصول الثورة من تونس إلى مصر، كان يعنى الوصول إلى الذروة، أما وصولها إلى ليبيا واليمن وسوريا، فيعنى أنها أصبحت الثورة الأكبر فى تاريخ الشعوب العربية، ومن أعظم الثورات فى تاريخ العالم.

الظروف الخاصة لكل بلد والتطورات الخاصة لكل ثورة لم تتح للنظامين التونسى والمصرى غير قتل وجرح الآلاف، أما نظم ليبيا واليمن وسوريا فتقتل، وسوف تقتل وتجرح عشرات الآلاف قبل أن تسقط، بل ربما لا تسقط فى المستقبل القريب، رغم أن شسع نعل أى شهيد يساوى رؤوس أفراد العصابات الذين يحكمون الدول الثلاث، وشسع النعل بلغة العرب القديمة هو ما نطلق عليه اليوم «رباط الجزمة».

كشفت ثورة العرب، مرة أخرى، حقيقة أمريكا والغرب بدعمهم النظم الديكتاتورية إلى درجة تأييد شكل جديد من أشكال النظم السياسية، وهو الجمهوريات الوراثية، وشكل جديد من الطبقات الحاكمة، وهو شكل العصابة الإجرامية بالمعنى الحرفى للكلمة.

أمريكا والغرب يريدون الحرية، ولكن لأنفسهم فقط، ولا أدل على ذلك من مواقفهم ضد ثورات العرب التى لا تطالب سوى بالحرية. والأمر نفسه بالنسبة إلى إسرائيل التى تقف ضد ثورات العرب، وتدافع عن النظم الديكتاتورية فى الدول العربية، ولا تريد سواها لتبقى وتنمو وتطغى.

فضحت ثورة العرب السياسة التركية المراوغة بموقفها ضد الشعب فى ليبيا وسوريا، ولا غرابة وهى تحتل المرتبة الأولى فى العالم فى اعتقال الصحفيين، حيث وصل عددهم إلى ٥٧ صحفياً، فى حين بلغ فى كل من إيران والصين ٣٤ صحفياً (انظر تقرير الزميل سيد عبدالمجيد فى «الأهرام» عدد ١١ أبريل). وفضحت ثورة العرب السياسة الإيرانية الغوغائية الطائفية عندما وقفت مع ثورة الشيعة فى البحرين وضد ثورة الشعب فى سوريا. ولا تقولوا عن أمريكا والغرب وإسرائيل وتركيا وإيران إنهم يكيلون بمكيالين، إنما هو مكيال واحد ضد الشعوب العربية واستقلالها الحقيقى.

ورغم التوريث، فقد تفاءلت نسبة كبيرة من الشعب السورى عند تولى بشار الأسد منذ عشر سنوات وإعلانه ما سمى «ربيع دمشق».. وأى إنسان عاقل لا يزايد على اختيار نسبة كبيرة من أى شعب، ولكن الربيع سرعان ما تحول إلى شتاء طويل شديد القسوة. أما وقد ثار الشعب السورى وبدأ يدفع ثمن حريته من دماء أبنائه، فلم يعد هناك اختيار أمام من يؤمن بالحرية إلا أن يقف مع الشعب. أما خالد مشعل الذى يقف ضد ثورة الشعب السورى ويهاجم حتى الشيخ القرضاوى لأنه مع هذه الثورة، فقد أسفت، لأننى تصورت فى بعض الأحيان أنه يناضل من أجل حرية شعبه الفلسطينى، فالموقف من الحرية لا يكون أحياناً وإنما دائماً. وداعاً يا دمشق: سوف أشتاق إليك كثيراً حتى يرحل هذا النظام

 

السينما المصرية على يمين الإيرانية

بقلم   سمير فريد

١٣/ ٤/ ٢٠١١

عرفت بموقفى ضد السينما الإيرانية فى ظل الدولة الدينية حتى أن صديقى ريتشارد بينا، أستاذ السينما فى جامعة كولومبيا، دعانى للاشتراك فى ندوة بالجامعة عام ٢٠٠١ عن السينما الإيرانية، وقال لى لابد أن تحضر حتى تكون هناك ندوة لأن جميع المشتركين مع السينما الإيرانية، ولا أعرف من يعارضها غيرك. وقد اعتذرت عن عدم الحضور فى آخر لحظة، حيث أصابتنى نزلة برد، وكان حظى سعيداً لأن اليوم المحدد للندوة كان ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١ يوم غزوة بن لادن!

وموقفى ضد السينما الإيرانية لا يعنى عدم وجود أفلام جيدة، ولكنى من حيث المبدأ ضد القيود الرقابية التى فرضت عليها فى ظل الحكم الدينى، والتى تتعارض تماماً مع المفاهيم الدرامية، فكل الأفلام حتى الجيد منها لا يتناول علاقة الفرد مع الجنس الآخر أو حريته فى المجتمع الذى يعيش فيه أو علاقته مع العالم والوجود الإنسانى. وكل الأفلام ترتدى فيها كل الشخصيات من كل الأعمار نفس الأزياء، وممنوع اللمس بين أى ذكر وأنثى، وغير ذلك من القيود التى تجعلها مثل الأفلام الموجهة للأطفال. إنها أفلام متشابهة مهما اختلفت الموضوعات وكأنها فيلم واحد طويل جداً.

وربما يرى البعض أن الجنس والعرى ليسا من الشروط الضرورية للأفلام الجيدة، وهذا صحيح بالطبع، والمئات من روائع السينما تخلو من أى عرى أو جنس، ولكن القضية أن يكون هذا اختيار الفنان، وليس مفروضاً عليه بقوة الدولة. ومع إعلان حزب الإخوان المسلمين فى مصر عن برنامجه، والذى جاء فيه عن السينما أنه مع «دعم صناعة الأفلام الدينية والوطنية»، يبدو أن مستقبل السينما المصرية فى حال وصول حزبهم إلى الحكم سوف يجعل السينما المصرية على يمين الإيرانية، فرغم أنها تبدو وكأنها فيلم طويل واحد إلا أنها لا تقتصر فقط على الأفلام الدينية والوطنية، خاصة مع المفهوم السائد لهما فى السينما المصرية.

ما نطلق عليها الأفلام الدينية هى التى تدور أحداثها أثناء بداية الدعوة إلى الإسلام، وما نطلق عليها الأفلام الوطنية هى التى تتناول الكفاح ضد الاحتلال الأجنبى، وعندما تصبح السينما المصرية بين هذين النوعين فقط، فهذا يعنى موت السينما لأن حياة أى سينما فى تنوعها، وفى حرية الفنان فى التعبير عن الموضوع الذى يختاره، والمضمون الذى يختاره، والأسلوب الذى يختاره. كانت «السينما النظيفة» طوال العقدين الماضيين، بمعنى النظيفة من تناول الدين والحرية والجنس، هى الاتجاه الذى يواجه السينما التقليدية وسينما المؤلف والسينما المستقلة، ولم تكن هناك مشكلة فى وجود كل هذه الاتجاهات بما فى ذلك السينما المسماة نظيفة، فهل تصبح كل السينما هى النظيفة، وبعد الثورة التى لم تطالب سوى بالحرية!

 

يحيا الفن المنحط

بقلم   سمير فريد

١٢/ ٤/ ٢٠١١

مع بداية القرن العشرين الميلادى كان العالم يبدو مستقراً بعد أربعة قرون من بداية النهضة الأوروبية، فالإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية تتقاسمان آسيا وأفريقيا، حتى هولندا تحتل إندونيسيا وبلجيكا تحتل الكونغو، ومع نشوب الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤، أصبح ذلك الاستقرار وهماً، وأدت المذبحة الأولى إلى مذبحة ثانية أو الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩، وفى فترة ما بين الحربين عبرت التيارات الجديدة فى الآداب والفنون عن سقوط ما كان يعتبر استقراراً، وعن الخشية من المذبحة الثانية قبل أن تقع، وذلك من خلال التعبيرية فى المسرح والسينما، والدادية والتكعيبية فى الفنون التشكيلية، والسوريالية فى الشعر وفى كل الفنون، ورواية تيار الوعى، والمذاهب الحديثة فى النقد والفلسفة والعمارة، وعندما صعد الحزب النازى الذى أشعل الحرب العالمية الثانية إلى الحكم فى ألمانيا عام ١٩٣٣، قال جوبلز، وزير ما نطلق عليه اليوم الثقافة والإعلام، إن التيارات الجديدة فى الفنون هى «فن منحط»، وردت عليه الجماعات الطليعية فى بيان شهير عنوانه «يحيا الفن المنحط».

وفى مواجهة حركة الواقعية الجديدة فى السينما المصرية فى الثمانينيات، أعاد حسام الدين مصطفى صياغة قول جوبلز، وأطلق على هذه الحركة «سينما الصراصير»، ومنذ التسعينيات شهدت السينما المصرية بداية حركة السينما المستقلة، التى ساهمت مع الحركات المماثلة فى الفنون والآداب، ودور النشر المستقلة، والمجلات والصحف المستقلة، فى صنع وعى الشباب الذى قاد ثورة يناير ٢٠١١، والذى استخدم أدوات الثورة التكنولوجية وهى الكمبيوتر والإنترنت وكاميرا الديجيتال وكاميرا الموبايل أو الكاميرا الرابعة بعد كاميرا الفوتوغرافيا وكاميرا السينما.

كان من شعارات جيل الستينيات، الذى أنتمى إليه، أن الكاميرا بندقية تطلق ٢٤ كادراً فى الثانية (عدد الكادرات الذى يوحى بالحركة فى شريط السينما)، ولكنه ظل شعاراً ولم يتحقق إلا فى شتاء الغضب العربى الذى بدأ فى تونس ولم ينته فى مصر، حيث قامت كاميرا الديجيتال وكاميرا الموبايل - ولاتزالان - بدور «فاعل» بكل معنى الكلمة فى كل الثورات العربية، صحيح أن الصورة رديئة والصوت أكثر رداءة بالمفاهيم المختلفة لـ«علم الجمال»، وكان من شأن جوبلز وحسام الدين مصطفى اعتبار هذه اللقطات من «الفن المنحط»، كما يراها قذافى ليبيا وصالح اليمن وغيرهما من الطغاة، ولكنها تستمد جمالها الخاص من كونها حقيقية، ولا شىء أجمل من الحقيقة، بل أصبحت «دليلاً» يكشف القتلة أمام المحاكم الجنائية، هذه اللقطات تصنع التاريخ، ومنها سوف تُصنع الأفلام عن هذا التاريخ.

 

دينى أم مدنى.. هذا هو السؤال

بقلم   سمير فريد

١١/ ٤/ ٢٠١١

من الواضح أن المستقبل القريب للديمقراطية التى طالبت بها ثورة الشعب المصرى فى ٢٥ يناير، وفى أحسن الأحوال، سوف يكون بين تيارين أساسيين هما الدينى والمدنى.

وربما يقول قائل: وما المشكلة؟ فى بريطانيا حزبان كبيران وكذلك فى أمريكا، ويتم تداول السلطة، وتمضى الديمقراطية فى البلدين إلى الأمام دائماً، ولكن المشكلة أن الدينى فى مصر وفى أى بلد ما إن يصل إلى السلطة حتى يحتكرها ويرفض تداولها، وذلك لأنه يتحدث باسم الله، ومن ذا الذى يتناقش مع من يتحدث باسم الله سبحانه وتعالى عما يفعلون، خاصة فى بلد مثل مصر، يعيش فيه شعب متدين منذ فجر التاريخ، وقبل كل الأديان السماوية.

الإسلام هو دين الغالبية من المصريين، ولكنه دين من دون كنيسة ولا رجال دين، وإنما هناك علماء فى الدين مثل علماء الكيمياء والتاريخ وغيرهما من العلوم. وفى كل الأديان لا يحق لأى فرد أن يتحدث باسم الله، فهذا هو حق أنبيائه ورسله فقط. ولكن حتى يفهم كل الناس ذلك يكون المتحدثون باسم الله قد وصلوا إلى السلطة وفات الأوان. ولهذا لابد من أجل مستقبل مصر أن يناضل التيار المدنى فى الواقع السياسى لإقناع أكبر عدد ممكن من الناس بأن الحكم المدنى ليس ضد الدين، وإنما مع كل الأديان وليس مع دين واحد كما فى الدولة الدينية، وأنه لا توجد دولة دينية فى الإسلام، وبأن أعظم مبدأ صنعه الشعب المصرى هو الدين لله والوطن للجميع.

ومن أهم العوامل التى تؤدى إلى نجاح التيار المدنى فى إقناع أغلب الناس بالمفهوم الصحيح للعلاقة بين الدين والدنيا أن يتوحد هذا التيار فى أقل عدد ممكن من الأحزاب، ولا أريد أن أقول فى حزب واحد مثل الحزب القائم بالفعل وهو حزب الجبهة الديمقراطية الذى يترأسه أسامة الغزالى حرب، فهذا حلم يبدو بعيد المنال بعد أن تعددت مشروعات الأحزاب التى تدافع عن الدولة المدنية الديمقراطية، وأخشى أن يكون هذا التعدد لأسباب شخصية وليست موضوعية.

صحيح أن التيار الدينى بدوره سوف يكون من عدة أحزاب، ولكن هناك حزباً واحداً قوياً بينها، وهو حزب الإخوان المسلمين، ولا يقابله حزب آخر بالقوة نفسها فى التيار المدنى حتى الآن على الأقل. سوف يكون من المفزع أن ننتقل من حكم الحزب الوطنى والإخوان يعارضون من السجن، إلى حكم حزب الإخوان والحزب الوطنى يعارض من خارج السجن. كلاهما وجهان لعملة واحدة هى الديكتاتورية المدنية والدينية.

 

حتى لا يتحول الوطن إلى ساحات للقتل

بقلم   سمير فريد

٩/ ٤/ ٢٠١١

تعليقاً على مقال الأربعاء ٦ أبريل، وصلتنى رسائل عديدة من القراء إلى جانب التعليقات على موقع الجريدة الإلكترونى، ولن أعقب على الاختلاف فى الرأى، فهو أمر طبيعى ومحمود ولا يفسد للود قضية، كما يقال، كما لن أعقب على رسائل التخوين والتكفير التى تفسد كل شىء، ما يهمنى التعقيب عليه رسالة المهندس أشرف عمر من الإسكندرية عن عبارة القيادى الإخوانى، عضو لجنة تعديل الدستور: «لو رشح الإخوان كلباً ميتاً فى الانتخابات سوف ينجح»، فالقارئ الكريم وغيره من القراء يتساءلون: هل انتزعت هذه العبارة من سياق.. ولماذا لم أذكر اسم قائلها؟

أما لماذا لم أذكر اسمه، فالسبب أننى أتحدث عن دلالات هذه العبارة، وليس عن شخص قائلها، وقد قرأتها فى حوار الزميل أحمد الخطيب، مع الدكتور إبراهيم الزعفرانى، القيادى السابق فى الإخوان المسلمين، المنشور فى «المصرى اليوم» عدد ٣ أبريل، وفى هذا الحوار لم يذكر الدكتور السياق الذى قيلت فيه،

وإنما ذكر أن أحداً من الإخوان لم يلم قائلها، أو يُكذب أنها قيلت، وكان الدكتور يتحدث عن الأسباب التى دفعته إلى الاستقالة من الجماعة، وفى رأيى أن العبارة فى ذاتها لها دلالاتها الواضحة، أياً كان السياق، وقد أسعدنى قول الدكتور الزعفرانى فى حواره، إنه لم يعد هناك أى معتقل سياسى من الإخوان، ولكن ما يسعدنى أكثر وكل الشعب المصرى ألا يصبح هناك أى معتقل سياسى من أى تيار.

إننى مع حق كل التيارات السياسية فى التعبير عن أفكارها، ولكن هذا لا يعنى بالطبع الاتفاق مع كل الأفكار، فالحرية هى الحق فى الاختلاف، أما الذين يعتبرون الهجوم على من يهدمون الكنائس ويحرقون الأضرحة ويقتلون الأبرياء دعوة إلى الإقصاء، وبالتالى مخالفة للديمقراطية، فالمؤكد أن الهدم والحرق والقتل جرائم يعاقب عليها القانون وليست وجهات نظر يمكن الاختلاف حولها.

ذهبت إلى ميدان التحرير أثناء ثورة الـ١٨ يوماً المجيدة، ثلاث أو أربع مرات، كان آخرها يوم النصر بعد أن تخلى رئيس النظام الذى قامت الثورة ضده عن الحكم، وأثناء خروجى من الميدان سمعت شاباً ملتحياً يصرخ: «لا تقولوا انتصرنا إنما النصر من عند الله»، فعدت إليه وسألته أنت إخوانى، فرد: «أعوذ بالله.. أريد قتل كل الإخوان.. أنا سلفى»، ففزعت من رده وقلت له: «إرادة الشعب من إرادة الله، والثورة لم تكن لقتل من يختلف معك، وإنما لنعيش جميعاً فى حرية».

وفى «المصرى اليوم» عدد ٦ أبريل، نشر أن أستاذاً فى الأزهر، قال إنه سوف يقتل من يهدم الأضرحة من السلفيين، وصيحات القتل هذه تؤكد أن علينا وضع كل الأديان والطوائف الدينية بعيداً عن السياسة، وأن تصبح الدولة هى المحتكر الوحيد للسلاح ولتطبيق القانون حتى لا يتحول الوطن إلى ساحات للقتل.

 

عشر إجابات على شكل أسئلة

بقلم   سمير فريد

٧/ ٤/ ٢٠١١

كيف نطلب من دول العالم استرداد أموال مصر المنهوبة، المودعة فى بنوكها قبل أن نحاكم المتهمين بالسرقة، ونثبت أن أموالهم مسروقة؟!

كيف يرفض حرس الرئيس السابق تسلم دعوى قضائية من مُحضر شرم الشيخ، ألا يعنى هذا أن هناك من هو فوق القانون؟!

كيف تضاف إلى الرقم القومى بعد الثورة الديانة السابقة، بينما طالب أنصار الدولة المدنية الديمقراطية قبل الثورة بحذف الديانة أصلاً، لأن الأديان مختلفة ولكنها لا تفرق بين الناس كمواطنين؟!

كيف يحاكم أحد ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين وهو فى منصبه مدير أمن؟!

كيف يعتبر الإصلاح نقيض الثورة، بينما كل الناس مع الإصلاح، ولا يثورون إلا عندما يصبح الإصلاح مستحيلاً؟!

كيف يقال إن «المشروع الوطنى» لابد أن يكون مشروعاً مادياً مثل السد العالى أو ممر التنمية الذى يقترحه الدكتور فاروق الباز.. ما مشروع اليابان الوطنى، أو مشروع السنغال الوطنى؟!.. كل الدول فى كل وقت عندها مشروع واحد هو نهضة الوطن.

كيف يلغى مهرجان المسرح التجريبى هذا العام بسبب الظروف السياسية والاقتصادية، ولا تلغى مهرجانات الفنون الأخرى.. ألا تقام فى الظروف نفسها، فى البلد نفسه؟!.

كيف تغيرت قيادات كل المؤسسات الصحفية القومية، ماعدا رئيس مجلس إدارة الأخبار ورئيس تحرير الأخبار.. ألم يتم تعيينهما بواسطة نفس من عينوا القيادات المعزولة؟!

كيف تُعزل قيادات من التليفزيون، وتُعين فى القرار نفسه كمستشارين من الدرجة الأولى.. هل تم عزلهم لنقص الكفاءة، أم أن نقص الكفاءة شرط للمستشار من الدرجة الأولى، وما عدد درجات المستشارين فى الحكومة المصرية؟!

كيف تكون شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية فى مصر بعد الثورة متعارضة مع شروط ترشيح أوباما الذى نجح فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، ومتعارضة مع شروط ترشيح هيلارى كلينتون التى كانت تنافسه فى الانتخابات نفسها؟!.. أوباما من الأقلية السوداء ووالده لم يكن أمريكياً، بل جدته مسلمة حتى الآن، أما هيلارى كلينتون فهى امرأة.

نعم: الولايات المتحدة الأمريكية ليست مثل مصر، ولا توجد دولة فى العالم مثل أخرى، ولكن كل الدول المدنية الديمقراطية تشترك فى المبادئ نفسها تماماً من الناحية الدستورية، والفروق الوحيدة هى فى التطبيق.

 

نجاح الكلب الميت

بقلم   سمير فريد

٦/ ٤/ ٢٠١١

ذُهلت منذ سنوات من «المرشد» السابق للإخوان المسلمين عندما قال «طظ فى مصر»، وكان يقصد أن الدين عنده أهم من الوطن، ونشرت مقالاً فى «المصرى اليوم» ضد أن يوضع الدين فى كفة والوطن فى أخرى من حيث المبدأ، وتذكرت الرسول الكريم الذى كان يحارب مكة دفاعاً عن النفس وعن الدين، وفى نفس الوقت يوصى بها خيراً لأنها وطنه، وتذكرت تحذيره الواضح عليه الصلاة والسلام بأن الغلو فى الدين خطر عليه.

ورغم أن المغالين يكفرون كل من يختلف معهم، ورغم أن «طظ فى مصر» يمكن اعتبارها «خيانة وطنية»، ورغم إصرار الرجل على عدم الاعتذار عن هذه المقولة واعتبارها صياغة خاطئة للمعنى الذى يعتقده، إلا أننى وغيرى من الكتاب المدافعين عن الحرية، الذين اعترضوا عليه، لم نخوّنه، فالادعاء باحتكار الحقيقة لا يواجه بمثله.

وللمرة الثانية ذُهلت من مقولة أخرى لأحد قيادات الإخوان نُشرت منذ أيام، وهى «لو رشح الإخوان كلباً ميتاً فى الانتخابات سوف ينجح»، وقائلها ليس فقط من قيادات «الجماعة»، وإنما عضو فى لجنة تعديل الدستور، التى وضعت خارطة الطريق لمستقبل مصر بعد ثورة الشعب فى ٢٥ يناير، وهى مقولة يصبح معها الطغاة من هتلر إلى القذافى أقرب إلى الملائكة!

هذا قائد يحتقر أتباعه، ويعتبرهم قطيعاً، إذا قال لهم انتخبوا كلباً ميتاً لانتخبوه ونجح، فماذا سوف يفعل مع معارضيه. ولا تقل إن الإخوان تيار حقيقى فى المجتمع، فهذا صحيح، ولكنه لا يعنى تأييد أفكارهم من «طظ فى مصر» إلى «نجاح الكلب الميت». لم يقم الشعب بثورة ٢٥ يناير، ويضحى بآلاف الشهداء والجرحى تحت شعار «طظ فى مصر» و«ترشيح الكلاب الميتة فى الانتخابات»، وإنما من أجل الحرية، ولا شىء غير الحرية.

مصر بعد الثورة ليست مصر التى تستقبل ثلاثة آلاف مصرى يعودون من البوسنة والشيشان وأفغانستان والصومال وإيران (انظر «المصرى اليوم» عدد أول أبريل وليتها تكون كذبة أبريل)، فمن حق كل برىء أن يعود إلى بلده، ولكن ليس ليجعلها مثل الصومال أو إيران.

 مصر بعد الثورة ليست مصر التى تهدم الكنائس وتحرق المساجد وليست مصر التى تُقطع فيها أذن مواطن مسيحى بدعوى تطبيق الحدود الإسلامية، وليست مصر التى يقال فيها علناً فى الإسكندرية إن على النصارى الاستسلام لحكم الله، ويناقش فيها علنا فى القاهرة إنشاء شرطة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». مصر بعد الثورة ليست مصر التى تمر فيها كل هذه الجرائم دون محاكمة مرتكبيها. لم يتم بعد ترشيح الكلب الميت ونجاحه فى الانتخابات!

 

الرئيس طارق البشرى

بقلم   سمير فريد

٥/ ٤/ ٢٠١١

عندما أعلن عن رئاسة طارق البشرى لجنة تعديل الدستور، نشرت فى هذا العمود تحية إليه، وذكرت أفضاله على أجيال، ومنهم جيل الستينيات الذى أنتمى إليه، من خلال مؤلفاته العميقة عن تاريخ مصر الحديث، وذلك قبل أن يتحول من الدفاع عن الدولة المدنية الديمقراطية إلى الإسلام السياسى الذى يستهدف إقامة دولة دينية أو شبه دينية. ومن المعروف أن الدولة المدنية تحترم كل الأديان، وحق كل فرد فى الإيمان بدينه، على العكس من الدولة الدينية.

وقد ناشدت طارق البشرى فى ذلك المقال أن يضع ميوله السياسية الجديدة جانباً، كرئيس لجنة تعديل الدستور، وقلت إننى واثق من ذلك لما عرف عنه من نزاهة.. وبعد نشر المقال تلقيت العديد من المكالمات والرسائل، وكلها تلومنى على هذه الثقة، وقال لى أحد القراء إن طارق البشرى الذى تعرفه من كتبه الأولى يختلف تماماً عنه اليوم وقد أصبح فى قلب العمل السياسى، وسوف يسلم مصر للإخوان المسلمين.. وسألنى آخر فى التليفون: هل قرأت الطبعة الثانية من كتابه عن الأقباط والمسلمين؟! فقلت: لماذا أقرأها وقد قرأت الطبعة الأولى؟! فرد: إن بها مقدمة طويلة يعتذر فيها للإخوان المسلمين عن الطبعة الأولى!! وقد اشتريت الطبعة الثانية، ووجدت أن القارئ على حق، وعندما قرأت التعديلات الدستورية وجدت أن كل من وجهوا لى اللوم كانوا على حق أيضاً.

وبعد أيام، أرسل لى أحد القراء فيديو لمقطع من حوار تليفزيونى مع طارق البشرى، وفيه يسأله المحاور: هل ترى أن مصر ينقصها شىء من الإسلام؟! وكانت إجابته أن مصر تحتاج إلى استكمال إسلامها! والواقع أن كل شىء يدل على أن اللجنة التى يترأسها البشرى هى التى ترسم مستقبل مصر بعد الثورة، ومن دون مناقشة مثل كل اللجان التى يعتقد أفرادها أنهم يتحدثون باسم الله سبحانه وتعالى عما يفعلون، من التعديلات الدستورية إلى الإعلان الدستورى، وكل القوانين المكملة الجوهرية، مثل: قانون الأحزاب، وقانون ممارسة الحقوق السياسية، وقانون الانتخابات التشريعية والرئاسية، بل يعدل قانون العقوبات بتغليظ عقوبة التحرش الجنسى والاغتصاب.

ولا أحد ضد تغليظ عقوبات التحرش والاغتصاب، ولكن لماذا لا يتم أيضاً تغليظ عقوبات سرقة المال العام وقتل المتظاهرين وفقء عيونهم فى المظاهرات السلمية؟! وبينما يتم إقرار كل ما يصدر عن لجنة الرئيس البشرى من دون أى مناقشة، وكما هو تماماً، ومهما كان حجم من يعترضون، تتم دعوة كل التيارات لما يسمى «الحوار الوطنى»، وذلك على طريقة النظام الذى قامت الثورة ضده، وهى: لكم كل الحق فى الكلام، ولنا وحدنا حق الفعل والقرار!

 

الرئيس منع الفيلم دون مشاهدته

بقلم   سمير فريد

٤/ ٤/ ٢٠١١

تعليقاً على مقال «الفيلم الذى منعه الرئيس مبارك» عن فيلم «حائط البطولات»، إخراج محمد راضى، الممنوع منذ نحو عشر سنوات، حدثنى مخرجه تليفونياً وقال إن الرئيس السابق لم يشاهد الفيلم فى عرض خاص، وإلا لعرفت باعتبارى مخرجه، وسواء شاهد الرئيس السابق الفيلم، أو منعه من دون أن يشاهده استناداً إلى ما عرفه عن موضوعه، فالقضية أن هناك فيلماً ممنوعاً، وأننا نطالب بعرضه بعد الثورة لإزالة عار وجود فيلم ممنوع، كما جاء فى ختام المقال الذى نشر فى عدد ٢٣ مارس.

لست مع القوائم السوداء لمن لم يؤيدوا الثورة، ولكنى مع القوائم السوداء لمن هاجموا الثورة أثناء المظاهرات والاعتصامات وقتل الشهداء وإصابة الجرحى فى الفترة من ٢٥ يناير إلى ١١ فبراير، ومع القوائم البيضاء لمن ساندوها فى الفترة نفسها، فليست كل المواقف سواء، ولا يستوى المؤيد مع المهاجم، ولا الناطق مع الصامت! ومن حق كل فرد أن يصمت، أو يعبر عن رأيه حتى لو كان ضد الثورة، وكل إنسان حيث يضع نفسه حتى لو وضعها مع لصوص المال العام، فهذا اختياره، وعليه أن يدفع ثمنه، ولكن ليس من حق أحد أن يستخف بعقولنا ويقول إنه شارك فى المظاهرات متنكراً داخل نقاب، فهذا لا يعنى إلا التأكيد على مدى خطورة النقاب على الأمن!

كان لويس عوض - رحمه الله - من أساتذتى، وكنت من أقرب الناس إليه على الصعيد الشخصى، وكان يسمح لى بالاختلاف معه رغم أننى من أصغر تلاميذه، ومن بين ما اختلفنا عليه قوله ذات يوم إن صافيناز كاظم ليست مصرية لأنها من أصول إيرانية، فقلت له هذا آخر ما كنت أتوقع سماعه منك، فالوطنية ليست بالأصول العرقية، ويكفى صدق الكاتبة الواضح من أسلوبها فى التعبير مهما كان الخلاف الفكرى معها.

تذكرت هذه الواقعة عندما قرأت فى «الشرق الأوسط» العربية التى تصدر فى لندن، عدد ٢٢ مارس، مقال الكاتبة فى تأييد التعديلات الدستورية الفاشية عن الأصول العرقية والجنسيات الأجنبية، والذى ذكرت فى ختامه: «بل إننى أتمنى فى الدستور الجديد أن يضاف الشرط بعدم انتماء المرشح لمسؤولية رئاسة الجمهورية إلى نوادى الروتارى والإنرويل والروتر أكت والليونز، فهذه كلها نواد تترابط فى حكومة عولمية خفية، تقسم الكرة الأرضية إلى مناطق ومحافظات روتارية وليونزية لها حاكمها وميثاقها ورايتها وأغراضها وأسرارها المتكتمة».

شعار حملة لمحو الأمية «هدفنا أن - قبل سنة ٢٠١٧ - كل مصرى يقدر يقرا الجملة دى ويكتبها كمان».. هل هى حملة لمحو أمية العامية!!.

 

سرقة الآثار وفتاوى التليفزيون

بقلم   سمير فريد

٣/ ٤/ ٢٠١١

تحارب قنوات التليفزيون الفضائية المسماة دينية، الدولة المصرية الحديثة التى بدأت منذ مائتى عام، وعرفنا أولى ثمارها منذ مائة عام، بإصدار قانون الأحزاب السياسية، وإنشاء جامعة القاهرة، وكلية الفنون الجميلة، والمتحف المصرى والمتحف القبطى والمتحف الإسلامى، وإصدار دستور ١٩٢٣، وغير ذلك من ثمار العصر الحديث، وتدعو تلك القنوات إلى عصور وسطى جديدة، مثل عصور حكم الكنيسة فى أوروبا، التى عُرفت بعصور الظلام، ولكن هذه المرة إسلامية طالبانية، نسبة إلى جماعة طالبان التى دمرت أفغانستان وشوهت الدين الإسلامى.

لقد قامت تلك القنوات طوال العقدين الماضيين بدعوة عامة المصريين إلى حفلة زار كبيرة ينشغلون فيها بأمور تافهة مثل دخول الحمام بالقدم اليسرى أم اليمنى، واستغلال الإيمان الدينى العميق لديهم حتى من قبل الأديان السماوية الثلاثة، وبينما هم يدورون حول أنفسهم فى الزار حتى يفقدوا الوعى يقوم اللصوص بسرقة أموالهم وأراضيهم وثرواتهم، وبعد عشرين سنة قام «المسؤولون» عن الإعلام، الذين يحاكمون اليوم بسرقة أموال الشعب، بإلغاء تراخيص بعض تلك القنوات، وذلك فى لعبة الشد والجذب بين الحزب الوطنى وجماعات الإسلام السياسى، الذين يقبلون حتى اللعب مع الشيطان من أجل الوصول إلى السلطة.

كان من المنطقى أن تؤدى القنوات «الإسلامية» المتطرفة إلى تغذية الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وأن تؤدى إلى وجود قنوات «مسيحية» متطرفة بدورها، حتى وصل الأمر إلى وجود أب مسيحى يقول إن المسلمين ضيوف على المسيحيين فى مصر (الأنبا بيشوى) وأب مسلم يقول إن كنائس مصر مدججة بالسلاح (الدكتور العوا)، رغم أن الإسلام دين من دون كنيسة، ولا يعرف الآباء ولا رجال الدين، وإنما علماء الدين، وقد قامت ثورة الشعب المصرى فى ٢٥ يناير لتحرير مصر من كل القيود، وكذلك من التطرف الدينى والعودة إلى صحيح كل الأديان.

وفى إطار الثورة المضادة، فتح التليفزيون الحكومى قنوات للمتطرفين بدلاً من قنواتهم المغلقة، ومن بينهم محمد حسان، الذى أفتى بمشروعية تدمير آثار مصر القديمة «الفرعونية» ومشروعية سرقتها والاتجار بها، وها هى الآثار تسرق وتدمر ويتاجر بها فى ظل مؤامرة النظام الذى قامت الثورة ضده لإحداث فوضى بتغييب الشرطة وإطلاق المجرمين من السجون حتى أصبحت سرقة الآثار من الأخبار اليومية العادية.

 

إنصاف مبارك وإنصاف مصر

بقلم   سمير فريد

٢/ ٤/ ٢٠١١

كتب الزميل سليمان جودة فى عاموده اليومى «خط أحمر» فى «المصرى اليوم» عدد ٢٧ مارس تحت عنوان «إنصاف مبارك» أنه قرأ أن ميزانية رئاسة الجمهورية ٤٠ مليار جنيه فى السنة، وعندما سأل زكريا عزمى رئيس ديوان الرئاسة قال له إن الميزانية ٣١٦ مليون فقط!

أرقام المليارات فى وسائل الإعلام سواء كانت دقيقة أم غير دقيقة كانت من أسباب انتصار ثورة ٢٥ يناير بتخلى الرئيس السابق عن الحكم فى ١١ فبراير، فقد كان كل الناس يعلمون بوجود الفساد، ولكن أحداً لم يتصور أن حجمه كبير على هذا النحو، وأوافق الزميل على ضرورة إنصاف مبارك وإنصاف كل مواطن، ولكن ماذا عن إنصاف مصر.

يستطيع مبارك إنصاف نفسه وإنصاف مصر بأن يفصح عن ثروته وثروة أسرته، وأن يقبل استجوابه واستجواب أفراد أسرته أمام النائب العام، إذا لم يكن هناك أحد فوق القانون فعلاً، وليس مجرد قول كاذب وشعار فارغ. وقد نشر فى الصفحة الأولى من «الأهرام» أمس الأول «أن مجلس الوزراء وافق على مشروع قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيل لجنة قضائية للوقوف على صحة ما ورد بالبلاغات المقدمة ضد الرئيس السابق وأفراد عائلته». وأخشى أن تكون هذه اللجنة بديلاً عن الاستجواب أمام النائب العام.

كانت مخصصات الملك فى العهد الملكى من المال العام تنشر علناً فى ميزانية الحكومة. وعندما أراد الملك فاروق زيادة مخصصاته بمناسبة زواجه الثانى رفضت الحكومة. ورغم أننى لا أعرف ميزانية البيت الأبيض فى أمريكا من الأموال العامة، أو متوسط ميزانيات ملوك ورؤساء أوروبا من هذه الأموال، إلا أننى أعتقد أنها أقل من الميزانية التى صرح بها زكريا عزمى.

ومن حق كل مصرى أن يعرف تفاصيل هذه الميزانية مادامت من الأموال العامة، ولماذا تنفق الرئاسة حسب هذا الرقم نحو مليون جنية يومياً إذا لم نحتسب أيام الجمعة!.

عرفت أغلب الأمثال الشعبية من المرحومة مارى منيب فى أفلامها، ولكنى عرفت من تصريحات الرئيس السابق مثل «الكفن مالوش جيوب» عند توليه السلطة، ووقتها وعد بأن تكون مدة رئاسته واحدة، وقال «ست سنين كفاية جداً لكى يحقق أى رئيس ما يتمناه لبلاده، عندنا فى البلد الولد اللى عنده عشر سنين بعد ستة يكون اتجوز وخلف»، ووقتها قال «لقد تعلمت فى روسيا وفرنسا ولم أجد هناك قصوراً جمهورية: القصور للملوك فقط وسوف أحول كل القصور فى مصر إلى متاحف»، ووقتها قال أيضاً «إحنا عندنا فى الجيش يتم تغيير وتبديل المواقع كل عدة سنوات، ليس عقاباً لأحد ولا ثواباً، وإنما لأن التغيير فى ذاته مفيد وضرورى»!.

هكذا قال مبارك عندما تولى الحكم عام ١٩٨١، وهكذا أصبح بعد ثلاثين سنة عام ٢٠١١.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

02/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)