حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرج السينمائي اللبناني بهيج حجيج:

دعم السينما في لبنان صفر ومصر تنتج أفلام طعميَّة

بيروت - رؤى الحجيري

الجأ إلى موقع البحث العالمي «غوغل» وفتّش عن الفيلم الروائي اللبناني «شتي يا دني» للمخرج بهيج حجيج فتقرأ صفحات كثيرة حول هذا العنوان، من بينها طبعاً صفحات خاصة بأغنية فيروزيّة بالعنوان نفسه، حتى تخال أنك شاهدته فعلاً... جولة على مهرجانات عربيّة ودوليّة، وجوائز وتكريمات، ومقابلات كثيرة مع المخرج تضمنها نقد أكثر من إيجابي من معظم الصحف العربية عموماً واللبنانية خصوصاً، ومنهجية ووعي في التوجه إلى الإعلام من صنّاع الفيلم والقيّمين عليه... لكن «جمهور السينما اللبناني» كان الخصم الأوحد!

عندما تلتقي المخرج بهيج حجيج تعرف أنه لا يتكئ على أوجاع الناس ولا يستثمرها في «مشروع فني»، بل يشتغل بحرفية ماهرة مرجعيتها السينما، على حساب جميع المرجعيات الأخرى.

لا يتكلّم حجيج عن نفسه إلا في موجبات العمل، حول آخر أفلامه «شتي يا دني» وأعماله الأخرى وحال السينما في العالم العربي وأزمة الفيلم اللبناني كان الحوار التالي...

·         فاز فيلمك الأخير «شتّي يا دني» بجائزة «اللؤلؤة السوداء» ونال بطله حسّان مراد جائزة أفضل ممثل، كذلك حزت أنت مخرجه جائزة أفضل إخراج. كيف كان الإقبال على الفيلم في لبنان بعدما نال هذه الجوائز؟

الجوائز تؤثر في الرأي العام، لكنها ليست الحافز الأساسي للإقبال على عمل معين. ثمة مشكلة بين الجمهور العربي والفيلم العربي، مع استثناء وحيد هو مصر التي تنتج أفلامها وتستهلكها وتصدّرها إلى غيرها من بلدان عربية وتنجح في تحصيل إيرادات وافرة، علماً أن هذه السينما ذهبت إلى الأفلام التجارية.

عموماً، ثمة لغز ما لا أفهمه في الجمهور اللبناني، إذ تجده يقبل على فيلم معين اليوم ويتناسى فيلماً آخر تماماً غداً حتى لو تقارب الفيلمان في المستوى. ربما الفيلم اللبناني بحاجة إلى بعض الوقت ليؤكد نفسه، خصوصاً ذلك الذي لا يهتمّ بالربح المادي وهمّه طرح قضية جديّة.

·         ليس الفيلم نخبوياً وهو يلامس طبقات المجتمع كافة، لكنه في الوقت نفسه يحتفظ بمستوى ثقافي معين... كيف جمعت بين هذه السمات؟

في أفلامي عموماً، أحاول أن أكون شعبياً وليس شعبوياً أو تجارياً. هدفي أن يصل عملي إلى أكبر شريحة من الناس، لكنْ ثمة أحكام مسبقة على الفيلم اللبناني، أبرزها أنه لا يملك العناصر الكافية ليكون ذا نوعية عالية، علماً أن لدينا ما يكفي من ممثلين وصنّاع سينما كفوئين.

كذلك، يقول البعض إن الأفلام اللبنانية لا تهتمّ سوى بالحرب، فيما الجمهور بات يرفض هذه التيمة المتعلقة بالذاكرة وآلامها. نعم هذا أمر صحيح، لكنه ليس مسيطراً تماماً وعلى الفن أن يطرح المعيوش وينبش في الذاكرة التي تشكّل محوره. حتى لو كانت السينما مجال تسلية، فهي منتوج ثقافي وجمالي بامتياز أيضاً. من هنا، لا يستطيع المخرج أو الممثل أو الكاتب أن يضع دائماً نصب عينيه، خلال صناعة عمل ما، الإيرادات التي ستترتب عنه، بل التفكير في الصورة التي تبقى، التي تؤثر عميقاً في النفس. لكن لسوء الحظ، في لبنان، اعتاد الجمهور الأعمال الخفيفة ويمتنع عن مشاهدة الأفلام التي تحرك في داخله التساؤلات، وجنح نحو سهولة بعيدة من «وجع الرأس».

هذه الظاهرة أثّرت، ولا تزال، في سوق السينما النوعي الذي لم يعد يجد جمهوره، كما يأمل، لكن لا خوف على السينما النوعيَّة ما دام ثمة من لا يشاهد إلا ما يرتأي أنه يستأهل فعلاً ساعة أو اثنتين من وقته.

·         هل كان الإقبال الجماهيري على فيلمك الأخير أفضل من عملك السابق «زنار النار»؟

طبعاً، ربما لأن توقيت العرض كان أفضل للفيلم ولأن السينما، بدأت تخطو خطواتها الأولى نحو الجمهور النوعي وأعتقد أن حالها مستقبلاً ستكون أفضل من ماضيها ومن حاضرها.

·         تناولت في «زنار النار» مرحلة الحرب اللبنانية بيوميّاتها والرعب الذي أحدثته لدى الناس ودهاليزها الداخليّة، لماذا تحضر الحرب ولو بطيف خفيف في الأفلام اللبنانية دائماً، لا سيما النوعية منها مثل «دخان بلا نار» لسمير حبشي وأفلامك؟

هذا أمر طبيعي، لأن لكل القضايا اللبنانية المُعاشة اليوم امتداداتها المتصلة مباشرة وغير مباشرة بالحرب اللبنانية التي شكّلت نقطة تطوّر السينما اللبنانية، لذا لا نستطيع معالجة موضوع يتعلق بالمجتمع والأرض واليوميات من دون ربطه بخيط الذاكرة وهو الحرب وامتداداتها.

بالعودة إلى «زنار النار»، هو أول فيلم روائي لي، أنجزته بعد خمس سنوات من التحضير وعُرض عام 2004، وأردت أن أحكي، عبره، ما عشته خلال الحرب اللبنانية شخصياً، فعالجت الموضوع من ناحية إنسانيّة صرف من دون تحديد لفريق أو طائفة.

·         تناول «شتي يا دني» قضية المخطوفين بعيداً عن السياسة فيما دخل عميقاً في إنسانية الإنسان واجتماعياته، هل تعاطي المواضيع السياسية مباشرة في السينما يضرّ بها؟

أمورنا الحياتية كافة، كهرباء ومحروقات وكسارات وبيئة ومدارس... تدخل السياسة في صلبها وهي قضايا تتناولها السينما... لكن «السياسة السياسيَّة»، أي تعاطي المواضيع السياسية مباشرة في العمل، تضر جداً بالسينما وتحدّ آفاقها فتصبح موجهة، وهذا عمل الصحافي والوثائقي... علماً أن مثل هذا الخيار أمر متاح وربما يكون ضرورياً أحياناً.

المخرج الإيطالي ناني موريتي، مثلاً، صنع فيلماً عن رئيس وزراء إيطاليا سيلفيوبرلوسكوني بعنوان «التمساح» حمل لمحة كوميدية سوداء بصبغة سياسية مباشرة، فيما صنع مخرجون إيطاليون غيره أفلاماً نقرأ السياسة فيها بين الأسطر، تماماً كما في «شتي يا دني» حيث الإنسان، الذي عاد إلى بيته وأهله مدمراً نفسياً واجتماعياً، إذا فكرنا في الأسباب نجد أن السياسة هي التي صنعتها.

عموماً، السياسة ليست همي ولن تكون في أي عمل مقبل، بل الإضاءة على مشكلة إنسانية ما وفي «شتي يا دني» هي قضية المخطوفين.

·         تتناول ملف المخطوفين والمفقودين (آلاف الأشخاص خُطفوا خلال الحرب اللبنانية) للمرة الثانية بعد فيلمك الوثائقي «مخطوفون»، لكن هذه المرة روائياً اقتباساً عن نص مسرحيّة قصيرة بعنوان «إنّها تمطر أكياساً» لسام بردويل وإيمان حميدان.

نعم، فجرح قضية المخطوفين والمفقودين ما زال مفتوحاً ومطروحاً في النقاشات السياسية اللبنانية، لكنني أردت معالجته من زاوية ما بعد عودة المخطوف، لا من زاوية الخطف تحديداً، وبشكل مغاير أيضاً، من الوثائقي إلى الروائي، وهذا ما استوجب عملاً مكثفاً على السيناريو، ومن الانتظار إلى العودة، وهي حجة للكلام عن أمور أخرى في المجتمع. فرامز يخترق الفيلم ويفرد مساحة لأمور جانبية، من بينها تفكّك العائلة وتغيُّر المدينة وتبدُّل أحوالها...

وأشير هنا إلى أن العمل على الفيلم استغرق أربع سنوات، وبلغت كلفته نحو 500 ألف دولار، وأُنتج بفضل أموال خاصة وبدعم منظمة الفرنكوفونية وصندوق «سند» الذي أسسه مهرجان أبو ظبي السينمائي.

·         اللافت في الفيلم أن مساره واضح تماماً ولا يبقى على سطح الأمور، بل يتناولها بعمق بعيداً عن «الستريو تيب» (النمطية) كغيره من الأفلام اللبنانية.

طبعاً، أشدد هنا على أنني أشتغل على الفيلم الذي لا يزول بمرور الزمن حتى بعد أن تنتهي حياة الشريط الطبيعية، فربما الأخير يكافئني فيما الجمهور لم يفعل.

·         العائلة اللبنانية في الفيلم هي مثال للعائلة الشرقية التي تتبدّل بسرعة فيما لم يعرف المجتمع العربي كيف يحتوي هذا التغير، هل تقصَّدت الإضاءة على التفكّك العائلي؟

لم أتقصد تبيان التفكك بل التماسك. فمن خلال عودة المخطوف، يضيء الفيلم على مواضيع أخرى، كالتفكك العائلي، فما أن يعود ربّ العائلة المخطوف، حتى تدخل العائلة في أزمة، وهذا يعكس الوضع الراهن في المجتمع اللبناني الذي يعاني تفككاً في كياناته العائلية، ومع ذلك، نشعر أن العائلة اللبنانية، على رغم اهتزازها وتفككها، تبقى متماسكة، وهذا ما حاولت إظهاره.

·         المرأة أساس الفيلم، وكأنه يكافئها، إلى أي درجة أثرت الأنثى فيك؟

أتحلى بمرونة بارزة عند التعاطي مع المرأة في أي عمل، ربما لأن لديها حسّاً بالواقع أقوى بكثير من حسّ الرجل، فهي، مهما حلمت تبقى قدماها على الأرض، فيما الرجل لديه نوع من الـ{إيغو» قوي جداً يشكل حاجزاً بينه وبين الآخرين وهو يريد دائماً أن يدير نفسه بنفسه.

بالعودة إلى الفيلم، الرجل فيه شخصية مهدمة، وطبعاً لا نستطيع وضع الثقل على كتفي هذه الشخصية، لذا نجد النساء وهن زوجة الرجل العائد التي تابعت، على رغم الصعوبات التي مرت بها، حياتها وتربية أولادها، وبعد عودة الزوج حاولت لم شمل العائلة مجدداً والعودة إلى حياتها الحميمة معه. المرأة الأخرى قررت، بعد اختفاء زوجها، أن تنتظره لأنها مؤمنة بعودته، وهنا المرأة رمز الانتظار وصاحبة الإرادة... وثمة أيضاً المرأة الشابة الحاملة حزن والدها والطموحة دائماً، وطبعاً لا ننسى نايفة نجار...

·         بالحديث عن برناديت حديب، للمرة الثانية تعطي برناديت حديب دوراً صغيراً بعد «زنار النار»، على رغم أنها إحدى أبرع الممثلات في العالم العربي.

أشكرها للمرة المليون، فعندما اتصلت بها لأخبرها أنني اخترت لها شخصية في فيلمي الجديد لكن الدور صغير وهي ضيفة شرف فيه، وافقت فوراً وقالت: «أنا معك بغض النظر عن حجم الدور». تمثل برناديت الشخصية الحقيقية الوحيدة في الفيلم وهي نايفة نجار، ودقائقها القليلة فيه، التي تقوم في الزمن الماضي ولا علاقة لها بالبنيان الدرامي فيه، تشكّل توازناً في العمل وتضيء على فكرة الفيلم وتعود به إلى ضميره الأساسي وهو قضية المخطوفين.

الصحافية نايفة نجّار شخصية واقعية حقيقية كانت تعمل في جريدة «السفير»، خُطف ابنها خلال الحرب، فبقيت تسعة أشهر تكتب إلى الخاطفين ليعيدوه إليها، قبل أن تنتحر.

·         اعتمدت على ممثلين محترفين مثل جوليا قصّار وكارمن لبس وحديب وحسان مراد... إلى أي درجة تهتم بالممثل القادر على أن يكون مناسباً للدور بعيداً عن معايير الجمال والشهرة؟

لا تهمني الأسماء اللماعة بل الممثلين الصادقين في تمثيلهم. أولاً، لا بد من أن يكون الممثل مطابقاً للشخصية كما أراها، ويستطيع المشاركة في العمل بصدق. ففي الفيلم التركيبة مبنية على شخصيات مركبة، وصعب جداً أن يؤديها غير المحترف، وأقصد بالمحترف القادر على أن يعطي كل شخصية يجسدها إحساسها وألوانها الخاصة وسماتها المختلفة...

·         من خلال تجاربك مع الممثلين اللبنانيين، برأيك ما المعايير التي يعتمدونها للموافقة على العمل في فيلم ما؟

عموماً، الممثل اللبناني موقفه إيجابي من المشاركة في فيلم سينمائي، حيث يستطيع أن يبين قدراته لا سيما إذا كان المخرج جديراً بهذه التسمية. كذلك، يطلب الممثل اللبناني أجراً متواضعاً للمشاركة في السينما اللبنانية لأنه يعلم أن موازنتها منخفضة، ما يساعدنا في إنتاجاتنا.

·         جوليا قصار وكارمن لبس، كيف جمعت هاتين النجمتين؟

جوليا صديقة مقربة لي وهي إحدى كبار الممثلات في العالم العربي، لكنها لم تأخذ حقها بعد لتصل أبعد من الحدود اللبنانية الضيقة. خلال العمل على «شتي يا دني» بدت كأنها حاضرة أمامي منذ باشرت كتابة الشخصية. بالنسبة إلى كارمن لبس، أنا معجب بأدائها وجمالها وصلابتها كممثلة. وعندما عرضت على كل واحدة منهما دورها فرحت به، فكان الفيلم العمل الأول الذي جمعهما.

·         ماذا عن المنافسة بينهما؟

المنافسة موجودة لكن ليس على حساب الفيلم بل تصبّ في مصلحته، وقد أعطت الممثلتين الدفع لتقديم أفضل ما لديهما.

·         لماذا دعم الفيلم اللبناني من جهة أجنبية دائماً، ألهذا الحدّ تهمل الجهات الرسمية اللبنانية هذا المجال؟

الدعم اللبناني الرسمي للفيلم اللبناني صفر... ولا أعتقد أن وزارة الثقافة لا تملك ما يكفي من نقود لدعم هذا المجال الثقافي (هذه كذبة)، لكن من دون شك تذهب هذه الأموال إلى مكان آخر.

عربياً، تتوافر راهناً في المهرجانات صناديق دعم، لا سيما في دبي وأبو ظبي وقطر، فقد وصل القيمون على هذه الفاعليات إلى قناعة بأن المهرجانات بحاجة إلى أفلام لقيامها، إذ لن تصل هذه الأخيرة إليها ما لم تنل الدعم الكافي، من هنا بدأ دعم الإنتاج على صعيد تطوير الفيلم وإتمامه. لا بد من الإشارة إلى أن الإنتاج السينمائي في البلدان الأوروبية لا يقوم من دون دعم، ففي فرنسا مثلاً يتوافر صندوق دعم للسينما ومن دونه معظم الأفلام لا يتحقق، كذلك ثمة صناديق دعم للأفلام غير الأوروبية، من بينها العربية.

·         لكن ألا تفرض هذه الجهات شروطاً على الأفلام للموافقة على دعمها؟

يُقدّم ملف كامل حول المشروع إلى لجنة صندوق الدعم، التي لا تفرض شروطاً معينة بل تقدِّم خيارات. أمّا في حال التعامل مع منتج معين، هنا ندخل في شروط كثيرة حول المونتاج والموضوع، لا سيما في حال أراد هذا المنتج تسويق فيلمه في البلدان الغربية.

·         عملت في مجال ما يسمى «التلفزيون التربوي» وفي برامج «الماغازين» والأسبوعيّات الثقافيّة وغيرها، وفي مسلسل «الأمباشي فارس آغا»... ثم خاصمت التلفزيون، لماذا؟

لم أخاصم التلفزيون، إنما لن أكون طرفاً في عمل «استهلاكي» صرف، والتلفزيون «غول» جشع يعتاش من الصورة، لذا نشهد ظاهرة انتشار «مصانع» للإنتاج الدرامي العربي هدفها الربح دون النوعيّة. ففيما يُعتبر الفيلم السينمائي مغامرة خاسرة، تُتاح يومياً مساحة وافرة على المحطات أمام عرض مسلسلات دون المستوى. من هنا ضرورة أن يساهم تلفزيوننا العربي في الإنتاج السينمائي العربي، فمثلاً في أوروبا 30 في المئة من أرباح التلفزيونات تذهب إلى الدعم السينمائي، خصوصاً أن الفيلم السينمائي يعود في النهاية الى الشاشة الصغيرة.

·         ماذا عن الفيلم المصري؟

السينما المصرية أصبحت تُنجز على عجل وتُستهلك على عجل أيضاً وتشبه الشريط التلفزيوني، هي اليوم ربما «سينما الفاست فود» أو الأصح «سينما طعمية». على أمل أن تحدث ثورة 25 يناير تغييراً إيجابياً ما فتعود السينما لتطالب بمكانتها، فهي طالما فرّحت الجمهور أو أبكته وساهمت في تعزيز الغناء وزاوجت بين الفن والأدب وأطلقت نجوماً ونجمات أحبهم الشعب العربي كله.

·         لماذا برأيك سيطر الفيلم المصري دون غيره في البلدان العربية؟

لا بد من التأكيد على أن السينما فن شائع بامتياز في البلدان العربية ومرتبط بتطورها واضطراباتها وسياساتها وأنظمتها، لذا نجد، جدراناً عالية بين هذه الدول في ما يتعلق بالتوزيع، مثلاً الفيلم اللبناني لا نستطيع عرضه في سورية والعكس صحيح... كذلك نعاني من هيمنة الفيلم المصري على العالم العربي باعتبار أن اللهجة المصرية معروفة من شعوب البلدان العربية، علماً أننا انتهينا من هذا العذر منذ زمن، بعدما كسرت الفضائيات مبدأ تعدد اللهجات بعرضها برامج ومسلسلات وأفلاماً متنوعة المشارب.

كذلك، لا ننسى الهيمنة الهوليوودية، خصوصاً في لبنان، فـ{كل فيلم فرنجي برنجي» بغض النظر عن مستواه.

«شتي يا دني»

رامز واحد من آلاف الأشخاص الذي تعرضوا للخطف خلال الحرب التي شهدها لبنان بين عامَي 1975 و1990. خطف في منتصف الثمانينيات، وبعد اختفائه 20 عاماً قضاها في أحد السجون حيث تعرّض للتعذيب، عاد إلى حياته الطبيعية، وهو في العقد الخامس.

غير أن رامز العائد، مريض ومضطرب ومحطّم نفسياً ومنفصل عن الواقع. يعاني من الربو بدرجة متقدمة، ويصاب بنوبات هلع فيتخيل نفسه ملاحقاً من جلاديه السابقين، إضافة إلى هوسه بجمع أكياس الورق المزخرفة الفارغة.

عودة رامز تهز عائلته وتحدث فيها اضطراباً، وتربك مشاريع ولديه نادية وإيلي، وزوجته ماري.

ذات يوم، عن طريق المصادفة، وفيما كان رامز يتخبط في الكوابيس، يلتقي زينب التي تنتظر عودة زوجها خليل الذي خطف في العام 1984 أيضاً، فتنشأ علاقة صداقة عميقة بينهما. تكتشف ماري علاقتهما، لكنها لا تغيّر سلوكها مع زوجها وتحاول بدورها إنهاء علاقة مع رجل كانت تعاشره خلال فترة اختفاء زوجها.

وعلى مسار مواز لأحداث الفيلم، وضمن خط درامي مستقلّ عن القصّة الأصليّة، تظهر الصحافية نايفة نجّار، كانت تعمل في جريدة «السفير» وخطف ابنها خلال الحرب، وكان في الثالثة عشرة من عمره، فبقيت تسعة أشهر تنشر مقالات ورسائل إلى الخاطفين لكي يعيدوه إليها، قبل أن تفقد الأمل وتنتحر.

سيرة

منذ عام 1980، أنتجت وأخرجت عدداً من الأفلام الوثائقية وفيلمين روائيين، منذ عام 1990 أحاضر في مادة السيناريو والإخراج في معهد الفنون الجميلة التابع للجامعة اللبنانيّة.

تخرجت في الجامعة اللبنانيّة وحزت دبلوماً في المسرح، كذلك نلت إجازة في الفلسفة العامة، وفزت بمنحة من الدولة اللبنانيّة للتخصّص في مادة السينما في فرنسا في بداية السبعينيات.

بعد عودتي من فرنسا، وفي غياب الإنتاج السينمائي في لبنان آنذاك بسبب ظروف الحرب، عملت في مجال «التلفزيون التربوي»، وأخرجت أفلاماً وثائقيّة قصيرة «تربويّة» عرضت على شاشة «تلفزيون لبنان».

وفي عام 1985 ومع انطلاق تلفزيون الـ LBC عملت مع هذه المحطة نحو خمس سنوات، في برامج «الماغازين» والأسبوعيّات الثقافيّة كـ{موزاييك» وغيرها، وأخرجت أفلاماً وثائقيّة مثل «بيروت- باريس- بيروت» (1988)، وخضت الإخراج الدرامي في مسلسل «الأمباشي فارس آغا» عن قصّة مارون عبود «فارس آغا».

بعد ذلك، عدت مجدداً إلى فرنسا حيث عملت في مجال المرئي والمسموع لمدة ست سنوات، وفي عام 1993 عدت الى السينما بفيلم وثائقي عنوانه «بيروت حوار الأنقاض»، ثم قدّمت سلسلة أفلام وثائقية من بينها: «الخط الأخضر، بيروت، حوار الأنقاض، حصاد الذاكرة، المتحف الوطني تحدّي النسيان، مخطوفون، مدائن الشرق، بيروت، لبنان، رسالة أرض مقدسة».

أما فيلماه الروائيان فهما:

- «زنار النار» (2004): مدته 95 دقيقة، وقد اختير للمشاركة في مهرجانات عدة، منها «مهرجان أصيلة» في المغرب، و{مهرجان قرطاج» في تونس، و{مهرجان الإسكندرية السينمائي»، و{مهرجان القاهرة السينمائي»، و{مهرجان دبي السينمائي»، و{مهرجان كيرالا السينمائي» في الهند، و{مهرجان الفيلم الفرنكوفوني» في عمان، و»مهرجان الفيلم الفرنكوفوني» في أثينا. ونال الفيلم «جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما»، جائزة أفضل عمل روائي أول في «مهرجان كيرالا السينمائي الدولي» في الهند (2004)، وجائزة أفضل دور ثانوي لجوليا قصار في «مهرجان قرطاج» (2004).

- «شتّي يا دني» (2010): مدته 95 دقيقة، فاز بجائزة «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم روائي طويل في العالم العربي، في الدورة الرابعة من «مهرجان أبو ظبي السينمائي». شارك في «مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي السنوي الثاني» الذي نظمته مؤسسة الدوحة للأفلام، وعُرض ضمن محور «البانوراما العالمية». كذلك، فاز بطله حسّان مراد بجائزة أفضل ممثل في «المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلة» في بروكسل. ثم نلت أنا جائزة أفضل إخراج في «مهرجان وهران الدولي الرابع للفيلم العربي».

الجريدة الكويتية في

29/04/2011

 

أعظم قصص الحب في السينما (11)

من أفريقيا Out of Africa زواج مصلحة وحب مستحيل

فضل سالم 

فيلم دراما ومغامرات أميركي (1985) ، من إخراج سيدني بولاك الذي شارك في عملية إنتاجه أيضاً وبطولة ميريل ستريب وروبيرت ردفورد.

والفيلم مأخوذ عن رواية حقيقية من تأليف بارونة دانمركية عاشت قرابة سبعة عشر عاماً على فترتين في كينيا أوائل القرن العشرين، وقد نشرت للمرة الأولى عام 1937 وترجمت إلى العديد من اللغات.

تبدأ أحداث الرواية في الدانمرك حيث يتم زواج مصلحة بين البارونة الثرية كارين بليكسن (ميريل) والبارون الدانمركي برور فون بليكسن الذي لا يتعب من ملاحقة النساء ويقوم بدوره الممثل كلاوس براندور.

تتناول القصة الأحداث التي شهدتها أفريقيا في الفترة من عام 1914 حتى عام 1931 حيث تدفق الأوروبيون بأعداد كبيرة إلى القارة السوداء أملاً بالاستيلاء على نصيب من ثرواتها البكر.

أما الفيلم فيتناول مناطق في كينيا التي كانت تعرف باسم شرق أفريقيا البريطانية وبالتحديد المنطقة الساحلية الممتدة من مومباسا حتى نيروبي ومن جبل كينيا حتى قمة كيليمنجارو.

ذكريات البارونة

يبدأ الفيلم بظهور البارونة كارين وقد تقدمت بها السن في الدانمرك حيث تسترجع ذكرياتها حين كانت تعيش في أفريقيا (1914 – 1931). ومن دون أن تدري تتركز الذكريات على ديني فينش وهو صياد أسود يقوم بدوره روبيرت ردفورد. كانت قد التقت به حين وصلت إلى أفريقيا لتبدأ حياة جديدة حيث كانت تخطط لبدء مشروع مزرعة دواجن وألبان بالاشتراك مع الزوج لكن الأمور لم تسر كما كانت تخطط لها.

فالزوج الذي يدعي الثراء يتبين أنه يعاني من ضائقة مالية فيستخدم أموال زوجته لشراء مزرعة للبن بدلاً من مزرعة دواجن وألبان. وبدلاً من الاهتمام بالمشروع الجديد يقضي معظم وقته في ملاحقة النساء.

منذ البداية، فالزواج جاء لتحقيق مصالح معينة. فهي ثرية تريد زوجاً من طبقة النبلاء على الرغم من معرفتها المسبقة بأنه زير نساء. أما هو فيريد الوصول إلى ثروة زوجته مهما كلف الأمر.

مشاعر متناقضة

في ظل هذه المشاعر المتناقضة تكتشف البارونة أنها تستلطف الصياد. على الرغم من أنها حاولت أن تقنع نفسها بالزوج اللعوب وتحبه لكن مغامراته المجنونة كانت تمنعها من التمادي في إجبار نفسها على حبه.

تكتشف البارونة أنها مصابة بمرض الزهري وأن المرض قد انتقل إليها من الزوج فتقرر السفر إلى الدانمرك أملاً بالشفاء عن طريق تناول عقار جديد.

وبالطبع فالقصة تتحدث عن عقار اكتشف عام 1910 أي قبل اكتشاف البنسلين أو أي من المضادات الحيوية المعروفة اليوم.

استلطاف وحب بعد شفائها من المرض الخبيث تعود إلى أفريقيا وتتطور علاقة الاستلطاف مع الصياد إلى نوع من الحب. تحاول جاهدة أكثر من مرة بناء علاقة متينة دائمة لكنها تدرك في النهاية أن من الصعب ترويض دينيس. تماماً كما هي الحال مع أفريقيا نفسها فترويضه هو المستحيل بعينه.

فالرجل يعشق البساطة في الحياة. يعشق الطريقة الأفريقية في التعامل مع الحياة ومع الآخرين. الطريقة البدائية التي يتعامل بها أفراد قبيلة «الماساي» وليس الطريقة الأوروبية التي تعتمد على البهرجة وحب التملك.

كان دينيس كثيراً ما ينتقد كارين حين تتحدث عن العمال في مزرعتها وكأنهم جزء من ممتلكاتها. وعن الآخرين من أبناء البلاد الأصليين وكأنهم ليسوا من البشر.

كثيراً ما كانت تدافع عن نفسها بالقول إنها نشأت على هذه الأفكار وليس من السهل عليها أن تتغير بين ليلة وضحاها.

الحرية والبساطة

من الواضح أن دينيس لم يكن مستعداً ليكون طرفاً في علاقة ثابتة كما أنه لم يكن مستعداً للتخلي عن عشقه للحرية وللبساطة التي نشأ عليها.

في ذلك الوقت بدأت فكرة إنشاء مدرسة مجانية تراود البارونة المنفصلة روحياً عن زوجها، والعاجزة في الوقت نفسه عن بناء علاقة ذات معنى مع الصياد عاشق الحرية والبساطة.

فكرت في إنشاء مدرسة لتعليم أطفال المنطقة القراءة والكتابة والحساب وتعليمهم أيضاً الطريقة الأوروبية في الحياة.. أما دينيس فكان يخالفها الرأي لاعتقاده أنه يجب ترك أطفال أفريقيا لذويهم فهم المسؤولون عن تعليمهم طريقتهم في الحياة، وليس الحياة الأوروبية.

بين نارين

بين عشق الصياد للحرية وعدم الارتباط والبساطة في الحياة من جهة، والزوج المشغول في ملاحقة النساء من جهة ثانية تعيش كارين بين نارين. تتألم وحدها فيسيطر عليها شعور بأن أحداً لا يهتم بمشاعرها.

وسط هذه المشاعر المضطربة تصلها أخبار عن موسم ممتاز لمحصول البن في مزرعتها لكن حريقاً ليلياً يلتهم كل شيء فتصاب المزرعة بكارثة حقيقية تأتي على كل المحصول الذي استثمرت فيه كل ما لدى عائلتها من أموال.

تحاول الحصول على قرض من عدة مصارف لكن أياً منها لم يقبل المغامرة.. وفي لحظة يأس تذهب إلى مسؤول حكومي كبير فيوافق على إعطائها ملجأ لمئات من العمال الذين كانوا يعملون لديها وتعتقد أنهم من ممتلكاتها الخاصة.

خيبة أمل

تصاب بخيبة أمل كبيرة فتقرر العودة إلى بلادها وبالطبع فهي في حاجة الى بيع ممتلكاتها وكل ما في البيت الكبير الذي تسكنه.. تجمع تلك الأشياء الثمينة في إحدى الغرف تمهيداً لبيعها.

في تلك الأثناء يأتي الصياد لزيارتها في المنزل الذي أفرغته من كل ما كان فيه من أثاث وأغراض ثمينة فتقول له: الآن بت أوافقك الرأي.. هكذا يمكن أن تُحل الأمور.. كنتَ على حق.

تروح تشرح له كل ما تتذكره عن اللحظات الجميلة التي مرت عليها في حياتها.. آه كم كانت الحياة جميلة ولكن عندما أدركت ذلك الجمال ها أنا أستعد للرحيل.. لترك كل الأشياء الجميلة ورائي. أعتقد أني سأكون قادرة على تحمل مفاجآت المستقبل.

وبينما هي مستغرقة في حديث الذكريات الجميلة يمسك بها ويراقصها على صوت زقزقة العصافير. يقول لها إنه مضطر الى مغادرة المنطقة لكنه سيعود بعد أيام قليلة لمرافقتها إلى مومباسا في طريقها إلى بلادها عن طريق البحر.

مقتل الطيار

لكن القدر يفاجئها مرة أخرى إذ يموت دينيس في تحطم طائرته، وكأن شعب الماساي قد تنبأ بموته فهم يعتقدون أن الموت سوف يأتيهم بمجرد قبولهم التخلي عن حريتهم المطلقة.

وفي أثناء الدفن كان من المتوقع أن تحمل كارين حفنة من التراب وتنثرها على النعش حسب الطريقة المتبعة في أوروبا. تلكأت قليلاً لم تستطع أن تفعل كما تعلمت منذ الصغر. أشاحت بوجهها وراحت تبعثر شعرها بأصابعها وكأنها تريد أن تطلقه عالياً في الهواء تماماً كما يفعل أبناء القبائل الأفريقية.

وبموت دينيس رافقها فرح رئيس الخدم في المنزل الكبير إلى محطة القطار الذي سيأخذها إلى مومباسا ومنها غادرت إلى الدانمرك حيث استقرت.

وبعد فترة تسلمت رسالة من صديق يقول فيها إن العديد من أبناء قبيلة الماساي أبلغوا المسؤول المحلي بأنهم شاهدوا أكثر من مرة.. عند شروق الشمس وغروبها.. الأسود وهي تدور حول قبر دينيس فوق تلة نوكونغ.

قرأت الرسالة فراحت تتمتم بينها وبين نفسها أن دينيس يحب أن تحيط به الأسود.. يجب أن أتذكر حتى أبلغه بالأمر حين أعود إلى أفريقيا. لكنها لم تعد أبداً.

وبعد عشرين عاماً على عودتها إلى الدانمرك بدأت كارين في تدوين ما علق في الذاكرة من أحداث فكان هذه الكتاب.

28 جائزة

حصد فيلم «من أفريقيا» 28 جائزة فنية رفيعة. فقد رشّ.ح لإحدى عشرة جائزة أوسكار لكنه فاز بسبع جوائز فقط من بينها أفضل فيلم. أفضل مخرج.. أفضل نص سينمائي.. أفضل تصوير وأفضل صوت.

كما فاز الفيلم بثلاث جوائز غولدن غلوب هي: أفضل فيلم.. أفضل ممثل مساعد وأفضل نص سينمائي. وفاز بجائزتين يقدمها سنوياً معهد السينما الأميركية. وغير ذلك الكثير من الجوائز.

منزلها متحف

صورت الكثير من مشاهد الفيلم في المنزل ذاته الذي كانت كارين تملكه والذي أصبح متحفاً يحمل اسمها. متحف كارين بليكسن. أما المنزل الذي انتقلت إليه في ما بعد فقد أصبح معملاً للألبان. في حين أن المناظر التي قيل في الفيلم إنها من الدانمرك فقد جرى تصويرها في إنكلترا.

أبناء القبيلة

استعين بعدد من أبناء قبيلة ماساي التي أكثرت الكاتبة من ذكرها في تصوير الفيلم بل إن المخرج تمكن من إقناع بعض أبناء القبيلة من أحفاد الأشخاص الذين ذكرتهم كارين بالاسم في كتابها بالظهور في الفيلم.

العائدات

بلغت ميزانية الفيلم 31 مليون دولار في حين تجاوزت عائداته 87 مليوناً.. أما مدة عرض الفيلم فهي 161 دقيقة.

اختلافات كثيرة بين الفيلم والقصة

هناك اختلافات كثيرة بين الكتاب والفيلم.. فالكتاب يتحدث عن أسراب الجراد التي أكلت الأخضر واليابس.. كما يتحدث عن معارك بالأسلحة النارية في المنطقة.. وفي أحد فصول الكتاب تتحدث كارين عن الجيش الألماني.. ولم يتضمن الفيلم أي شيء من هذا.

كذلك يتضمن الكتاب معلومات عن المزرعة التي كانت الكاتبة تملكها بالقول إن مساحتها تبلغ أربعة آلاف فدان (16 كلم مربع) وأن ثمانمائة عامل أفريقي كانوا يعملون فيها.. وأنه يوجد فيها ثماني عشرة عربة تجرها الثيران. أما الفيلم فيظهر أن كارين كانت تملك كلباً واحداً.

ومن الاختلافات أيضاً بين القصة والفيلم أن القصة لا تأتي على ذكر تفاصيل العلاقة بين كارين ودينيس في حين أن الفيلم يغوص في التفاصيل.

وفي القصة إشارة إلى أن دينيس ترك كينيا لمدة عامين حيث خدم في الجيش البريطاني المتمركز في مصر.. وهذه أيضاً لم يأت ذكرها في الفيلم.

اختلاف آخر بين الفيلم والقصة. فالطيار بريطاني الجنسية في القصة أما روبيرت ريدفورد الذي قام بدوره فهو أميركي ومن المؤكد أن تحدثه باللكنة البريطانية سوف يحير المشاهدين، ومع ذلك فقد أتقن هذه اللهجة تماماً في الفترات الأولى من التصوير لكن المخرج طلب منه إعادة تسجيل صوته باللكنة الأميركية وتكملة التصوير بهذه اللكنة.

القبس الكويتية في

29/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)